Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كاترين مورلاند" رواية جين أوستن المبكرة للسخرية من أدب الرعب الرومانسي

باعتها الكاتبة لأحد الناشرين في لندن بـ10 جنيهات استرلينية ثم عادت واشترتها منه وعلى رغم ذلك لم تنشر إلا بعد عامين من موتها

الروائية الإنجليزية جين أوستن (غيتي)

ملخص

جين أوستن في روايتها رسمت العلاقات الاجتماعية من منظور نقدي صارم، وقدمت مرافعة حقيقية ضد أدب الخديعة الرومانسي.

هناك منذ سنوات نوع من العودة إلى جين أوستن، وهذه العودة تأتي ضمن عودة اهتمام بالكاتبات الإنجليزيات في شكل عام، غير أن ما يكتشف من هذه العودة هو أن أوستن تكاد تكون "الأكثر حداثة" بين قريناتها اللاتي صنعن مجد الأدب الإنجليزي النسائي.

ويتخذ الاهتمام أشكالاً عدة من بينها الاهتمام السينمائي حيث ثمة عدد لا بأس به من أفلام اقتبست عن بعض أشهر روايات الكاتبة، ومع هذا فإن جين أوستن لم تعش سوى 43 سنة، وحتى هذا العدد الضئيل من السنوات التي عاشتها كانت خالية من أي أحداث كبيرة، فهي لم تتزوج ولم تخض أي مغامرات حتى عاطفية، ولم تختلف اختلافاً جذرياً مع أحد، وظل ذلك هو دأبها حتى مرضت، أخيراً، بداء أديسون فعاشت مرضها في كل هدوء حتى ماتت من دون ندم أو مرارة.

ومع هذا كتبت جين أوستن خلال حياتها القصيرة من الروايات والرسائل ما يشي بأن وراء ذلك كله حياة صاخبة ومغامرات واسعة النطاق وتسللاً إلى حياة الآخرين، والحال أنه لو قيض لجين أوستن أن تعيش أكثر مما عاشت لكانت أتحفت الأدب الإنجليزي ومن ثم العالمي بروائع تضاف إلى أعمالها.

وهذه الأعمال الروائية تعتبر على أي حال تراثاً حقيقياً في الأدب الروائي الإنجليزي، وكذلك بداية لواقعية في هذا الأدب، سادت في زمن جين أوستن وبعد رحيلها، ومن اللافت أن ثمة كثراً من النقاد يضفون على تلك الواقعية صفة السيكولوجية قاصدين أن صاحبة "بارك مانسفيلد" و"العقل والعاطفة" كانت رائدة من رواد الرواية المعتمدة على التوغل في داخل ذوات شخصياتها.

لا شيء سوى الكتابة

إذاً، يمكننا أن نقول هنا إن جين أوستن تبدو وكأنها أمضت سنوات حياتها وهي تتأمل في أخلاق الناس ومزاجهم، وفي الأسلوب الذي يديرون به حياتهم وبه يجابهون ما يعترض تلك الحياة، وعبَّرت عن هذا على أي حال في مئات الرسائل التي كتبتها خلال مراحل متفرقة من حياتها، وكانت تكثر من كتابتها حين تكون منهمكة في كتابة عمل جديد لها، وجين أوستن لم تكن تنهمك، طوال حياتها، في أي شيء آخر سوى الكتابة.

ومن المؤكد أن تنقل أسرتها الصغيرة على ضوء الظروف الحياتية، بين مدن عدة ومقاطعات متباعدة في إنجلترا، كان هو ما ساعدها ولو جزئياً على التقاط شخصياتها والأحداث القليلة والمتضاربة التي تعيشها تلك الشخصيات، أما المصدر الآخر للكتابة لدى جين أوستن فكان القراءة، فكانت تقرأ بلا هوادة وفي كل المجالات.

وكرد فعل على بعض قراءاتها ولدت واحدة من رواياتها المبكرة وهي رواية "كاترين مورلاند" التي أنجزت كتابتها في عام 1798، وهي بعد في الـ23 من عمرها، لكنها لم تنشر في حياتها، بل بعد موتها بعامين أو أكثر،

عندما شرعت جين أوستن في كتابة هذه الرواية التي حملت عنواناً فرعياً هو "دير نورثانغر" على اسم الدارة الضخمة التي تدور فيها الأحداث. 
 
 

كان في ذهنها أن تضع عملاً بسيطاً ساخراً، يهزأ في شكل أساس من موجة الروايات المرعبة والبوليسية ذات البعد الرومانسي، التي كانت الكاتبة آن رادكليف من روادها، هذا النوع من الأدب كان من الرواج في ذلك الحين إلى درجة أنه كثيراً ما أثار حفيظة عشاق الأدب الحقيقي، وكانت جين أوستن من بين هؤلاء.

ومن هنا كتبت "كاترين مورلاند" وفي ذهنها أن تقدم عملاً يضع أدب الرعب الرومانسي في مكانه المستحق فقط، بصفته أدباً تبسيطياً خادعاً وكاذباً، غير أن الرواية التي كان يفترض أن يكون عنوانها " أول الأمر "سوزان"، سرعان ما اتخذت أبعاداً أخرى لتحمل في طياتها بذور مواضيع روايات أوستن الاجتماعية اللاحقة، ولتعطي مذاقاً أول حول قدرة تلك الكاتبة الصبية على رسم العلاقات وتصوير الحبكات لتبدو وكأنها مستقاة من حياة عاشتها أو عرفتها في الأقل.

البطولة للقصر الكبير

تتمحور الرواية من حول شخصية الفتاة الحسناء الثرية كاترين مورلاند، وهي ابنة قسيس ثري جداً يحدث لها أن تغرم بالشاب هنري تيلني، وإذ يعرف والد هنري، وهو الجنرال تيلني بالأمر، يبدي رضاه ويدعو كاترين كي تمضي بعض الوقت في دارتهم "ديرنوثانغر" وهي عبارة عن منزل ضخم يعود بناؤه إلى القرون الوسطى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 ولما كانت كاترين فتاة تقرأ بنهم، وذات خيال واسع، واعتادت على قراءة روايات الرعب السوداوية التي كانت محط إعجاب قراء كثيرين في ذلك الحين، راح عالم تلك الروايات يؤثر فيها ما إن رأت نفسها مقيمة في ذلك المكان العتيق العتم، وهكذا راحت تتصور أنها قد عثرت على مجموعة من المخطوطات الغامضة، ومن خلالها على كشف أمور سيئة حدثت في هذا المكان وكان الفاعل فيها هو الجنرال تيلني نفسه.

وهكذا، أمام هذه الحبكة التي تحبكها كاترين لنفسها، لا يكون أمامها إلا أن تبدأ التصرف على أساس أن ما "اكتشفته" صحيح غير أن مؤامرات وهمسات وأموراً غريبة تحدث من حولها وسرعان ما يدرك الجنرال ما يدور في بال الفتاة ويتمكن في النهاية من إقناعها بأن كل ما تتخيله إنما هو وليد قراءاتها وأن الحقيقة أكثر بياضاً وبساطة بكثير.

تشابك عائلي

في تلك الأثناء كان لا بد للرواية أن تتشابك أحداثاً إذ يكون شقيق كاترين المدعو جان قد أعلن خطبته على الصبية إيزابيل ثورب، قبل أن يفسخ الخطوبة إذ يتبين له أن إيزابيل فتاة سطحية مبتذلة التصرفات.

 غير أن إيزابيل لا يرضى بهذه الإهانة توجه إلى أخته، ويبدأ بإفساد سمعة آل مورلاند لدى الجنرال تيلني زاعماً أن هذه الأسرة مزيفة وليست ذات ثراء، هنا يسقط في يد الجنرال، فهو في الأصل لم يستقبل الفتاة ويهتم بأمرها، إلا لأنه كان "يخيل" إليه أن ثروتها طائلة، و"اعتقاده" هذا هو الذي جعله من ثم يغض الطرف عن كاثرين حين جابهته قبل حين "بالأسرار" والوشوشات التي تقول إنها اكتشفتها معيداً إياها إلى "جادة الصواب".

وأمام هذا الواقع الجديد، لا يكون أمام الجنرال إلا أن يطلب من كاترين مبارحة المكان، قائلاً بكل برود إن "حقبة الضيافة انتهت"، لكن هنري، ابن الجنرال يكون في المرصاد هنا، إذ إنه يقرر في تلك اللحظة بالذات، ورداً على أبيه، أن يطلب يد فاتنته، وإذ تتضح الصورة الزاهية الحقيقية للوضع المالي والاجتماعي لآل مورلاند هذه المرة، لا يعود أمام الجنرال إلا أن يوافق على الزواج، وتنتهي الرواية نهايتها السعيدة.

 
 
قد تبدو لنا هذه الحبكة، في زمننا الراهن، بسيطة وتكاد تشبه مسرحيات البوليفار، غير أنها في زمن جين أوستن كانت أعمق من هذا بكثير، إذ إن نمط العلاقات الاجتماعية الذي صورته وسيرت أحداثها على هديه، كان يعتبر تصويره في الأدب تثويراً ما للأدب وللمجتمع في الوقت نفسه وبهذا تكون جين أوستن قد ضربت عصفورين بحجر، إذ رسمت العلاقات الاجتماعية من منظور نقدي صارم، وقدمت مرافعة حقيقية ضد أدب الخديعة الرومانسي "المرعب" الذي كان هو من سير خطوات كاترين في البداية. 

 10 جنيهات لرواية واحدة

كما قلنا، إذاً، فإن رواية "كاترين مورلاند" لم تنشر إلا بعد رحيل صاحبتها بما لا يقل عن عامين، ومع هذا تقول لنا سيرة جين أوستن أن الكاتبة باعتها لأحد الناشرين في لندن فور إنجازها بمبلغ 10 جنيهات استرلينية، لكن هذا تباطأ في نشرها، حتى عادت هي واشترتها منه في عام 1816.

غير أنها لم تتمكن من نشرها، إذ اشتد عليها المرض في ذلك الحين، وماتت في العام التالي لتنشر الرواية بعد رحيلها وتضاف إلى سلسلة أعمال حققت لها مجداً كبيراً، ولا تزال حتى يومنا هذا تقرأ على نطاق واسع، ومن أبرزها إلى ما ذكرنا "عقل وعاطفة" 1811 و"إيما" 1816 لا سيما "الكبرياء والهوى" 1813 التي تعتبر عادة نقطة الذروة في عمل جين أوستن الأدبي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة