ملخص
توقعات "وول ستريت" لـ2024 أكثر تفاؤلاً إذ يرى المحللون خفض كلفة الاقتراض وهبوطاً سلساً وعاماً جيداً جداً للمستثمرين
في نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) الماضيين، توقع مراقبو سوق الأسهم المخضرمين أن يكون عام 2023 عاماً في طي النسيان، إذ رأوا أن التضخم المرتفع، والركود العالمي الذي يلوح في الأفق، وارتفاع أسعار الفائدة، يؤدي إلى استنزاف القوة الشرائية للأسر وتقليص أرباح الشركات. وبالنسبة إلى المستثمرين توقعوا مكاسب ضئيلة وواحدة من أسوأ العروض لمؤشر "ستاندرد أند بورز 500" في السنوات الـ15 الماضية.
لكن محترفي السوق فهموا القصة بشكل صحيح جزئياً فقط، ففي حين ارتفعت أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها خلال عقدين من الزمن، فقد ارتفع مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بشكل مفاجئ إلى مستوى قريب من المستوى القياسي، مدفوعاً جزئياً بالارتفاع في ما يسمى بأسهم التكنولوجيا العملاقة السبعة الرائعين أو (Magnificent Seven)، وهي "ألفابت" و"أمازون" و"أبل" و"ميتا" و"مايكروسوفت" و"نفيديا" و"تيسلا"، التي ارتفعت بنسبة 25 في المئة تقريباً هذا العام، اعتباراً من إغلاق الخميس الماضي، متجاوزة الأزمة المصرفية، والحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، وتباطؤ النمو في الاقتصاد الصيني.
وتمكن التشفير من القيام بأداء أفضل، إذ اكتسح المضاربون على صعود "بيتكوين" حملة ضد أكبر اللاعبين في الصناعة لتغذية ارتفاع مثير للإعجاب.
وقال المؤسس والرئيس التنفيذي للاستثمار في مجموعة "باهنسن"، وهي شركة لإدارة الثروات لديل بوك، ديفيد باهنسن لصحيفة "نيويورك تايمز"، "كان عام 2023 عاماً رائعاً بالنسبة إلى المتناقضين، كانت لديكم مخاوف تتعلق بالاقتصاد الكلي قبل عام ولم تكن ذات جدوى، وكانت لديكم مخاوف متعلقة بالتقييم ومخاوف مالية لم تكن ذات جدوى، ومن المثير للسخرية بشكل خاص أن الأمر لم يحدث، لأن كل ما كان يخشاه المستثمرون قبل عام أصبح في الواقع أسوأ".
مراقبة الفائدة والانتخابات في 50 دولة
توقعات "وول ستريت" لعام 2024 هي أكثر تفاؤلاً، إذ يرى المحللون خفض كلفة الاقتراض، وهبوطاً سلساً (أي تباطؤاً اقتصادياً يتجنب الركود) وعاماً جيداً جداً للمستثمرين.
يبدو أن هناك عدداً كبيراً من الأشياء التي يمكن أن تعطل الأسواق في العام المقبل، إذ يعد ارتفاع التضخم مرة أخرى، أو عدمه، أحد العوامل الكبيرة التي يجب مراقبتها، وهناك بطاقات جامحة أيضاً، إذ من المتوقع أن يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في أكثر من 50 دولة العام المقبل، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وإليكم كيف ترى "وول ستريت" عام 2024:
"سوق الثور" الصاعدة
"سوق الثور" هي توصيف للسوق الصاعدة عندما ترتفع أسعار الأسهم بنسبة 20 في المئة، ومن جانبها تتوقع "فاكت سيت" أن يرتفع مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنحو ستة في المئة في عام 2024 إلى 5068 نقطة بنهاية عام 2024.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان استراتيجيو الأسهم في "بنك أوف أميركا"، بقيادة سافيتا سوبرامانيان، من بين أولئك الذين ينتمون إلى المعسكر الصعودي، ففي توقعاتهم السنوية، قالوا إن مؤشر "ستاندرد أند بورز 500 " من المرجح أن يغلق العام المقبل عند مستوى خمسة آلاف نقطة، بمساعدة نوع من السيناريو "المعتدل" المتمثل في خفض الأسعار وارتفاع أرباح الشركات.
ويبدو بنك "غولدمان ساكس" أكثر تفاؤلاً، إذ قام محللوه بترقية توقعاتهم لنهاية عام 2024 على مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" إلى 5100 نقطة، وأجروا هذا التغيير بعد التصريح المفاجئ الذي أصدره بنك الاحتياط الفيدرالي في الـ13 من ديسمبر الماضي، بأن ما يعادل ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة مطروحة على الطاولة في العام المقبل. وتميل كلفة الاقتراض المنخفضة إلى منح المستهلكين والشركات مزيداً من القوة الشرائية، مما قد يساعد النتيجة النهائية للشركات الأميركية.
وهناك محفز آخر هو أن المستثمرين استثمروا هذا العام أموالاً أكثر بكثير في الأصول الآمنة الحساسة لأسعار الفائدة، مثل صندوق سوق المال (صندوق مشترك مفتوح العضوية يستثمر في سندات الديون قصيرة الأجل مثل سندات الخزانة الأميركية والأوراق التجاري)، مقارنة بما فعلوه في الأسهم، ويمكن أن ينقلب هذا المنطق رأساً على عقب في عام 2024. وقال كبير استراتيجيي الأسهم الأميركية في "غولدمان ساكس"، ديفيد كوستين، في مذكرة استثمارية حديثة، "مع بدء خفض أسعار الفائدة قد يقوم المستثمرون بتدوير بعض ممتلكاتهم النقدية نحو الأسهم".
"سوق الدب" الهابطة
سوق الدب تعني السوق الهابطة من خلال خفض طويل الأمد في أسعار الاستثمار، وبشكل عام، تحدث السوق الهابطة عندما ينخفض مؤشر السوق الواسع بنسبة 20 في المئة أو أكثر من أعلى مستوى له.
وعلى الجانب الأكثر تشاؤماً، هناك بنك "جيه بي مورغان تشيس"، الذي يحمل هدف نهاية عام 2024 عند 4200 نقطة. ويرى فريق المحللين، بقيادة كبير استراتيجيي السوق العالمية بالبنك، ماركو كولانوفيتش، مستهلكاً متعثراً مع مدخراته المستنزفة، وركوداً محتملاً وعدم اليقين الجيوسياسي الذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساس، مثل النفط، ويدفع النمو العالمي إلى الانخفاض.
وقال كولانوفيتش إن العام المقبل سيكون "عاماً آخر مليئاً بالتحديات بالنسبة إلى المشاركين في السوق". ويقول محللو "وول ستريت" إن معظم المحللين الاستراتيجيين أكثر تشاؤماً في شأن أوروبا، إذ المخاوف من الركود أكثر حدة. وعلى الجانب الآخر، قد تظهر الأسهم في آسيا عاماً آخر من النمو القوي، وبخاصة في الهند واليابان.
في حين يبدو رئيس استراتيجية الأصول المتعددة لأميركا الشمالية في شركة "ستيت ستريت غلوبال ماركتس"، لي فيريدج، أكثر تفاؤلاً في شأن المستهلك الأميركي، لكنه يشير إلى تحد مختلف للمستثمرين، قائلاً "إذا كنت على حق، فإن الاقتصاد سيظل أقوى، ولكن هذا سيف ذو حدين بالنسبة إلى الأسهم"، محذراً من إمكانية أن يزيد الإنفاق الاستهلاكي والتجاري القوي من أخطار التضخم مما قد يجبر بنك الاحتياط الفيدرالي على إبقاء أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول، وحتى وقف أي تخفيضات موقتاً، وسيكون هذا بمثابة "رياح معاكسة للأسهم" على حد قوله.
ولكن ماذا عن الانتخابات المرتقبة العام المقبل وهل سيكون لها أية تداعيات على الأسواق المالية؟ وفقاً لاستطلاع السوق الذي أجرته شركة "أل بي أل فايننشال" التي نظرت إلى الأعوام الـ71 الماضية، وجد أن مؤشر "ستاندرد أند بورز" ارتفع في المتوسط، بنسبة سبعة في المئة خلال أعوام الانتخابات الرئاسية الأميركية، ورصدت شركة الاستشارات المالية كيف تميل السوق إلى الأداء بشكل أفضل في عام إعادة الانتخاب.
وحتى مع وجود بعض الأسئلة غير المألوفة التي تدور حول انتخابات العام المقبل في الولايات المتحدة الأميركية - وعلى رأسها إن كان سيؤدي جبل من المشكلات القانونية إلى عرقلة المرشح الجمهوري دونالد ترمب؟ وهل سيفتح تراجع معدلات استطلاعات الرأي للرئيس بايدن الباب أمام منافس قوي من طرف ثالث؟ وهل سيتم الطعن في نتيجة الانتخابات مما يسبب أزمة دستورية؟ - فمن غير المرجح أن يضيف هذا كثيراً من التقلبات إلى الأسواق، وفق ما يقول محترفو "وول ستريت".
وقال باهنسن "لن تكون الانتخابات قصة في سوق الأسهم، حتى نوفمبر 2024، لسبب بسيط هو أن سوق الأوراق المالية لن تعرف من سيفوز في الانتخابات حتى نوفمبر 2024".
ونصيحته كانت "لا تحاول حتى التلاعب بتأثير الانتخابات في الأسواق، لن أتفاجأ برؤية عام مستقر إلى حد ما في العام المقبل، وإذا صعدنا فسيكون الرائعون السبعة هم القياديين مرة أخرى".