ملخص
عادة ما يلجأ الكتاب إلى السخرية نتيجة الظروف السياسية الصعبة، ولهذا النوع من الكتابة أهداف عدة منها نقد الظروف المعيشية وتوعية القراء بخصوصها
قبل أن يغمض أحمد مرتجى عينيه لينام على صوت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، سمع صوت انفجار ضخم هز سريره، وسريعاً أمسك هاتفه وكتب عبارة على وسائل التواصل الاجتماعي "في الحرب، تتنافس الليالي على أية واحدة منها تكون الأشد قساوة علينا".
ثم سحب غطاءه السميك وتلحف به، وفي الصباح استيقظ الشاب أيضاً على انفجارات متتالية، وكرر ما فعله، لكنه غرد بـ"صباح ما ظل من خير في هذا العالم، أنا على قيد الحياة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، من الأسرع: صاروخ يتجاوز حاجز الصوت، أم صراخ طفل التقط الصاروخ بفمه وبصقه".
الواقع مستفز
يحاول أحمد الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي أن يجسد الواقع الذي يعيشه سكان غزة، لكنه يكتب بشكل هزلي ساخر، وكل يوم يكتب تدوينات تتناول طبيعة حياة أهالي القطاع الذين يعيشون حرباً وصفت بأنها الأعنف في التاريخ الحديث.
يدون أحمد يوميات الحرب على منصة "إكس" و"فيسبوك"، ويتوجه في كتاباته لأصدقائه ومتابعيه من الأراضي الفلسطينية والدول العربية، ويتعمد صياغة محتواه بطريقة هزلية وليست جادة ورسمية.
يقول أحمد "يستفزني الواقع الذي نعيشه في غزة لأن أفعل أي شيء، ولا أحب أن أبدو عاجزاً أمام كل ما يحدث من قتل ودمار، فأكتب بسخرية لأنه لا ينبغي أن نأخذ هذا العالم على محمل الجد"، ويستشهد برواية "حفلة التفاهة" للروائي العالمي ميلان كونديرا، التي يقول فيها "لا ينبغي أن نأخذ هذا العالم على محمل الجد".
توقف أحمد عن حديثه ثم كتب "مرحباً، أحمد من غزة بيحكي معكم، وأخاف أن أموت وأصبح رقماً عادياً، وأن يذهب كل شيء قبل أن أكمل النص".
الضحايا ليسوا أرقاماً
يستفز أحمد كثيراً تحول ضحايا حرب غزة إلى مجرد أرقام تحدثها المؤسسات الرسمية باستمرار بعد كل غارة أو قصف، وتصدر بيانات تفيد بارتفاع أعداد القتلى والمصابين. ويضيف "تنتشر قصص إنسانية تبرز معاناة أشخاص وأملهم، الضحايا بشر لديهم أحباء ومعارف وهم ليسوا مجرد تعداد رقمي".
وكتب "أخشى ما أخشاه أن يتحول اسمي إلى خبر عاجل"، يتحدث عن "انتشال عدد من الضحايا نتيجة قصف عنيف على منطقة محددة، وأن أتحول إلى رقم يضاف إلى الأرقام التي لم يتوقف تعدادها حتى اللحظة. لي أحلام كثيرة، مثل أن أسافر خارج غزة إلى عالم أوسع، أكتشفه".
أحمد كما غيره من الفلسطينيين، حزين على هذه البقعة الصغيرة التي تنهال عليها "الحمم البركانية من كل صوب"، ويقول إن غزة أصبحت من الزمن القديم، علماً أنه يرفض بشدة هذا الواقع الصعب على السكان الذين ضحوا بكل ما لديهم لأجل السلام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحرب حلم
"أتمنى أن أستيقظ لأجد أن هذا كان كابوساً، أو كاميرا خفية مثلاً ومزحة ثقيلة، لنعاود إكمال حياتنا بشكل اعتيادي"، هكذا دون أحمد عندما سمع عن دمار بيته في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
على رغم أن اليوم هو الـ86 للحرب على غزة، لا يزال أحمد يتنصل من حقيقة الدمار الذي حل بالقطاع، ويأمل في أن ينتهي كل شيء بسرعة لا بل فجأة، وأن يكمل حياته بشكل طبيعي ومن دون أن يعود بالزمن للوراء.
نجا أحمد من الموت جراء غارة جوية إسرائيلية وبقي تحت الأنقاض ساعات طويلة، لكنه خرج يضحك، ثم قال "الأيام أصبحت تشبه بعضها، ولا أذكر المرة الأخيرة التي ضحكت فيها، أصلاً هل كنا نضحك سابقاً أم أننا نتظاهر في ذلك؟".
نزح أحمد إلى مرفق يرفرف فوقه علم الأمم المتحدة الأزرق، وشاهد طوابير سكان غزة حول الطعام، وطوابير أخرى أمام الحمام، وطوابير ثالثة تنتظر المياه، فكتب عبارة "كان الطعام نيئاً والأطفال والنساء والرجال يقفون حوله، سقط الصاروخ فوقه تماماً فنضجوا جميعاً".
أدب السخرية
في الواقع ما يكتبه أحمد يسمى بـ"السخرية في الأدب الفلسطيني"، وعادة يكتب نتيجة ظروف سياسية واجتماعية صعبة، وله أهداف عدة منها نقد الظروف المعيشية وتوعية القراء بخصوصها وتحفيزهم لتحسينها.
نشأ أدب السخرية في فلسطين عام 1960 وذلك نتيجة الواقع المشوه الذي يعيشه الفلسطينيون، وانتشر الأدب الهزلي عندما تعمقت المأساة وحينها بحث الكاتب الفلسطيني عن آليات كتابية جديدة تتلاءم مع مستوى المأساة.
"نشرة الأخبار للأيام التي تلت يوم الـ80 للحرب: نجحنا في توفير قليل من الطعام لسد الجوع لأيام قليلة مقبلة، وهو عبارة عن رز أبيض مرتفع الثمن رديء الجودة، نجحنا نجاحاً باهراً في إقناع أنفسنا بأن ما نشربه من ماء هو عبارة عن ماء، نجحنا في إبرام صفقة جيدة جداً مع جارنا في مركز الإيواء تقضي بجمع أكبر كمية من الحطب في مقابل السماح له بإشعال النار في موقدنا، هناك نقص حاد في الكلمات واللغة المستخدمة في الكتابة كما هو واضح وجلي الآن أمامكم".
هكذا يكتب أحمد تدوينات تحكي الواقع لكن بطريقته، ويعتقد أنها أسلوبه في التفريغ عن نفسه، والطريقة التي يمكن أن تجسد حياة سكان غزة الذين يجول في خواطرهم كثير من الأسئلة وكثير من الضغوط التي ستولد انفجاراً.