قال قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إن قواته أجبرت على خوض الحرب.
وأضاف في خطاب وجهه للسودانيين بمناسبة الذكرى الـ68 لاستقلال البلاد، ونشره على حسابه في منصة "إكس"، اليوم الإثنين، "على الجيش الإقرار بأنه خسر الحرب".
كما أشار إلى أن قواته لا تريد السلطة بالقوة ولا تنوي أن تكون بديلاً عن الجيش، موضحاً "نريد تكوين جيش مهني لا يتدخل في السياسة ويخضع للرقابة". وشدد على أن هدفه الوحيد "إقامة حكم ديمقراطي"، مكرراً تمسكه بالحكم المدني.
واعتبر حميدتي أن قوات "الدعم السريع" أجبرت على خوض الحرب بسبب التزامها العملية السياسية، وفق قوله.
وأكد أنه انخرط في المفاوضات والتزم بمقررات مفاوضات جدة وقمة "إيغاد" للوصول إلى حل شامل.
ورأى أن الحرب ستنتهي لصالح الشعب السوداني قريباً، قائلاً "مصممون على ملاحقة الانقلابيين"، بحسب تعبيره.
خطابي للشعب السوداني بمناسبة الذكرى الثامنة والستون لاستقلال السودان pic.twitter.com/ysgMT20poY
— Mohamed Hamdan Daglo (@GeneralDagllo) January 1, 2024
على رغم تأكيد قائدي الجيش وقوات "الدعم السريع" في السودان موافقتهما على اللقاء المباشر بينهما مطلع يناير (كانون الثاني) الجاري برعاية منظمة "إيغاد" لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى وقف الحرب الدائرة في البلاد منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، فإن وتيرة المعارك بين القوتين تتصاعد بصورة عنيفة في جبهات القتال المختلفة داخل العاصمة وخارجها باستخدام الطيران المسير والمدفعية الثقيلة، مما زاد من مخاوف الانزلاق في أتون حرب أهلية بسبب دعوات تسليح المدنيين على أساس قبلي في الولايات الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة استعداداً لأي هجوم من قبل "الدعم السريع".
وبحسب شهود عيان فإن "الدعم السريع" بادرت في الصباح الباكر من صباح أمس الأحد بإطلاق قذائف مدفعية عدة بصورة عنيفة من منصاتها بشرق وجنوب العاصمة باتجاه مواقع الجيش في محيط القيادة العامة للقوات المسلحة بوسط الخرطوم ومنطقة كرري العسكرية شمال أم درمان ومقر سلاح الإشارة ببحري.
ورد الطيران المسير التابع للجيش السوداني بشن غارات جوية مكثفة على مواقع "الدعم السريع" في شرق النيل والمنشية والرياض والجريف شرق الخرطوم والصحافة ومحيط المدينة الرياضية وأرض المعسكرات جنوب العاصمة، حيث تصاعدت أعمدة الدخان بشكل كثيف في سماء تلك المناطق.
وأشار الشهود إلى أن مدفعية الجيش المنطلقة من قواعده بشمال أم درمان قصفت أيضاً بشكل مكثف مواقع لـ"الدعم السريع" في بحري ووسط الخرطوم، علاوة على تجمعات للأخيرة قرب جسر شمبات الرابط بين أم درمان وبحري الذي تم تدميره أخيراً، فضلاً عن ضاحية الحلفايا.
كما أطلقت قوات "الدعم السريع" صواريخ عدة صوب حارات الثورة بمحلية كرري الخاضعة كلياً لسيطرة الجيش، مما أدى إلى تدمير عدد من المنازل في تلك المناطق.
فيما يسود التوتر بقية جبهات القتال في ود مدني وسنار والأبيض عاصمة شمال كردفان، فضلاً عن نيالا عاصمة جنوب دارفور التي تشهد أحياؤها السكنية عودة للحياة تدريجاً بعد توقف القتال على الأرض، بعد أن أحكمت قوات "الدعم السريع" سيطرتها عليها، بينما يواصل الجيش عمليات القصف الجوي في مناطق عديدة بالمدينة، إذ شهدت تلك المدن نزوحاً كبيراً خوفاً من الانتهاكات وأعمال السلب والنهب ونقص الغذاء والدواء.
عداء صريح
في الأثناء، لوح قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان باتخاذ إجراءات ضد دول الجوار الأفريقي التي استقبلت قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" خلال جولته الحالية.
وطالب البرهان، في خطاب لمناسبة الذكرى الـ68 لاستقلال السودان، تلك الدول بأن تكف أيديها عن التدخل في الشأن السوداني، مشيراً إلى أن أي تسهيلات تقدم لقيادة المجموعة المتمردة تعتبر شراكة في الجرم وشراكة في قتل شعب السودان وتدميره.
واعتبر استقبال الجهات التي تعادي الدولة بمثابة عدم اعتراف بالحكومة القائمة، مما يعد عداءً صريحاً للدولة، ويحق لها أن تتخذ من الإجراءات ما يحفظ سيادتها وأمنها.
ورهن قائد الجيش قبول دعوة "لا للحرب" والتفاوض بخروج الميليشيات المتمردة من ولاية الجزيرة ومن بقية مدن السودان، كما تم الاتفاق عليه في إعلان جدة، مع إعادة كل المنهوبات من أموال وممتلكات المواطنين والمنقولات الحكومية وإخلاء مساكن المواطنين والمقار الحكومية، مبيناً أن أي وقف لإطلاق النار لا يضمن ما ذكر لن يكون ذا قيمة.
ولفت البرهان إلى استمرار ميليشيات ومرتزقة "الدعم السريع" في التدمير بمساندة بعض خونة الشعب وطلاب السلطة وبتأييد من بعض دول الإقليم والعالم تحت دعاوى زائفة، على رغم ثبوت ارتكاب تلك القوات جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بشهادة دول العالم والمنظمات الدولية.
واشترط البرهان أن تتضمن خريطة الطريق للسلام المطلوبات اللازمة، مؤكداً أن أي سلام منقوص أو يسلب كرامة وإرادة الشعب السوداني لن يكون مقبولاً.
حميدتي وحمدوك
وكان قائد قوات "الدعم السريع" قد أجرى أخيراً محادثات مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي، الذي يرأس الدورة الحالية لمنظمة "إيغاد".
وأفاد حميدتي، في تغريدة على منصة "إكس"، بأنه أكد لرئيس جيبوتي التزامه التام مخرجات مؤتمر رؤساء "إيغاد" واستعداده غير المشروط للتفاوض لتحقيق السلام العادل والشامل، مشيراً إلى أنه قدم خلال اللقاء شرحاً حول تطورات الأوضاع في السودان على ضوء الحرب الجارية الآن، وطرح رؤيته لوقف القتال والوصول إلى حل شامل ينهي معاناة السودانيين.
وينتظر أن يلتقي وفد يمثل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في السودان "تقدم" يرأسه عبدالله حمدوك رئيس الهيئة القيادية في التنسيقية اليوم الإثنين قائد قوات "الدعم السريع" في أديس أبابا لمناقشة السبل الكفيلة بوقف الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر بيان لإعلام التنسيقية بأن اللقاء "يأتي إثر الخطابات التي أرسلتها التنسيقية لقائدي القوات المسلحة والدعم السريع، والتي دعتهما فيها للقاءات عاجلة تبحث قضايا حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وسبل وقف الحرب عبر المسار السلمي التفاوضي".
وتابع البيان أن قوات "الدعم السريع" استجابت لطلب اللقاء، وما زال التواصل مستمراً مع قيادة القوات المسلحة لتحديد مكان وزمان للقاء بين "تقدم" والقوات المسلحة السودانية.
وأعرب البيان عن أمله في أن تكلل هذه اللقاءات بخطوات عملية تنهي المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني وتدفع جهود الحل السلمي إلى كارثة حرب الـ15 من أبريل بما يتكامل مع الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لوقف القتال وإنهائه لا سيما جهود منظمة "إيغاد" والاتحاد الأفريقي ومنبر جدة.
تراجع الاتفاقات
إلى ذلك، تراجعت قوات "الدعم السريع" التي تسيطر على ولاية الجزيرة منذ أسبوعين عن التفاهمات التي عقدتها مع زعماء الإدارات الأهلية في عدد من المناطق التي اجتاحتها أخيراً، حيث طلبت تلك القوات الانضمام إلى صفوفها نظير توفير الحماية لعدد من القرى.
واضطر عدد من القرى لعقد صفقات مع قوات "الدعم السريع" أملاً في الحصول على حمايتها من هجمات متفلتين يعمدون إلى السرقة والنهب، بينما تعرضت بلدات أخرى لاجتياح واسع من تلك القوات التي ترتكب أعمال عنف وتستهدف المدنيين.
وكشفت الانتهاكات الواسعة التي قامت بها "الدعم السريع" في ولاية الجزيرة ومن قبلها الخرطوم ودارفور عن عدم قدرة القيادة على السيطرة الكاملة على المقاتلين.
وقالت وزارة الخارجية السودانية إن الميليشيات المتمردة تفرض حالياً حصاراً جائراً على عدد من القرى والبلدات في ولاية الجزيرة بغرض إجبار الشباب على التجنيد في صفوفها أو اجتياح تلك القرى وتعريض سكانها لصنوف من الانتهاكات والإذلال، ونهب ممتلكاتهم وقتل كل من يقاوم ذلك.
وأشارت إلى أن استهداف القرى والمناطق الريفية التي تخلو من أي مظاهر عسكرية، وارتكاب الفظائع ضد أهلها، بخاصة النساء والفتيات، والتجنيد الإجباري للشباب والأطفال، هو أسلوب الجماعات الإرهابية التي عرفتها المنطقة مثل "بوكو حرام" و"جيش الرب" الأوغندي و"داعش".
وأضافت الوزارة في بيان "لا تزال الميليشيات تحتجز العشرات من الفتيات فيما يشبه الاسترقاق، وتعتقل آلافاً من المدنيين في معسكرات تفتقد أدنى مقومات الحياة".
حرب أهلية
وحول تطورات الوضع الراهن في السودان، قال المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إنه "يعتقد أن التطورات الخاصة بحرب السودان لم تبلغ ذروتها خلال الأشهر الماضية، لكنها من واقع الحال تمضي في هذا الاتجاه خصوصاً عند تتبع فكرة المقاومة الشعبية والتسليح الأهلي المدني، وهو ما يجعل السيناريو الذي أشعل حريق دارفور قابلاً للتطبيق في مناطق جديدة".
وقال أبو الجوخ إن "فرضيات انتقال المشهد برمته صوب الحرب الأهلية وارد وغير مستبعد من خلال تغذية خطاب الكراهية والمخاوف مع غياب أو تغييب السؤال الأساسي حول وضعية مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، التي وضح أن هذه الحرب حررت لها شهادة وفاتها النهائية، ولعل أبرز دلالتها أن الجيش كمؤسسة مناط به حماية البلاد والعباد هو من يقوم بتسليح المدنيين والزج بهم في أتون الحرب وتحويلهم من صفة المدنيين إلى المقاتلين ونقل المناطق المدنية إلى ساحات حرب، وطبقاً لذلك فإن القواعد والأسس المتعلقة بالحدود العليا والدنيا للخسائر البشرية والمادية المتبعة داخل الجيش السوداني وضمن تقاليده يتم تجاهلها بشكل كامل".
وأضاف أن "سيناريو المشهد الحالي يؤكد أن تعثر المفاوضات ستكون نتيجته تمدد وانتقال الحرب لكل أنحاء البلاد، وطبقاً لذلك سيكون الاستثناء هو عدم اندلاعها في أي ولاية من ولايات السودان، وفعلياً نجد أن الحرب لم تدخل ولايتي البحر الأحمر وكسلا، لكنها فعلياً بلغت ولايتي نهر النيل وسنار وشارفت تخوم القضارف مع عدم إغفال بدايتها في الولاية الشمالية، ولذلك كأرقام نتحدث عن انتقالها إلى 16 ولاية من أصل 18".
وفي ما يتعلق بلقاء القوى المدنية "تقدم" و"الدعم السريع"، أوضح بأنه "سيبحث القضايا المرتبطة بالأوضاع الإنسانية والتجاوزات التي تمت في مناطق سيطرة الدعم السريع بما في ذلك المعالجات المستقبلية لها".
وأشار إلى أنه من الضروري استدراك أمرين أساسيين "هما إبداء الدعم السريع خصوصاً بعد سيطرتها على ولاية الجزيرة قدراً أعلى من التعاطي مع الانتهاكات المرتبطة بمنسوبين من قواتها مقارنة برد فعلها تجاه ما حدث في الخرطوم بداية هذه الحرب، والثاني مواجهتها بقضايا مرتبطة بتصريف الأوضاع في المناطق الواقعة تحت سيطرتها وهو ما سيترتب عليه فعلياً إبطاء وتيرة تحركاتها العسكرية واندفاع قواتها صوب مناطق جديدة، لكن من المؤكد أن هذا الأمر قد يعطل المواجهات لبعض الوقت، إلا أنه لا يمثل نهاية للحرب بل العكس من ذلك".
وتوقع المحلل السياسي أن تكون المعارك التي ستليها أشرس من التي سبقتها وستكون أولى نتائجها دخول جهات جديدة لدائرة الحرب وانتقالها لكل ولايات السودان، ومن ثم فإن سيناريوهات المستقبل تقود إما لاغتنام طرفي الحرب فرصة مفاوضات جدة بالتعجيل للوصول إلى اتفاق تاريخي ينهي هذا الصراع أو أن يفضي تحولها لحرب أهلية مما يؤدي إلى تدخل خارجي بموجب أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لإجبار أطراف الحرب على إيقافها.