في الوقت الذي يستعد فيه العراق لرئاسة اجتماعات مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية الأسبوع المقبل، وهو الاجتماع الذي يكتسب أهمية خاصة لتزامنه مع التصعيد الراهن في المنطقة، وباعتباره الاجتماع التنسيقي الرئيسي بين المجموعة العربية قبيل انطلاق اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر سبتمبر (أيلول) الحالي، زار وفد من جامعة الدول العربية بغداد والتي أبدت انفتاحا عربيا لافتا، حيث سيطرت التوترات في الخليج العربي والاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وسوريا والعراق على مباحثات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط مع القادة العراقيين.
إسرائيل وإيران محور النقاش
وأعلنت جامعة الدول العربية أن الزيارة تأتي تأكيدا على دعمها لاستقرار العراق وأمنه باعتباره مفتاحاً مهماً لتعزيز الأمن القومي العربي، حيث أكد الأمين العام خلال لقاءاته مع القيادات العراقية أهمية الحفاظ على المكتسبات التي تحققت بالقضاء على "داعش" وإعادة البناء وضمان عدم عودة هذا التهديد، وإبعاد العراق عن التوترات الإقليمية وتعزيز علاقاته الاقتصادية والأمنية مع الدول العربية كافة.
وقال الدكتور أحمد الصحاف، المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، لـ"اندبندنت عربية"، إن المباحثات بين وزير الخارجية العراقي وأبو الغيط كانت في طليعتها الاعتداءات الإسرائيلية على عدد من دول المنطقة، وملف الخليج العربي وأمن الملاحة، مؤكدا أن العراق لن يكون جزءاً من عملية لتأمين الملاحة تشارك فيها إسرائيل، وأن بلاده لديها قناعة بأن الأطراف المطلّة على الخليج هي الأقدر على ضمان أمن الملاحة في هذه المنطقة.
وشدّد الصحاف على أن العراق حتى الآن لم يتأكد له عبر تقارير أجهزته الأمنية الوطنية ضلوع أطراف خارجية في الأحداث الأخيرة التي هدّدت الأمن الوطني العراقي، في إشارة إلى الهجمات التي تعرضت لها مخازن أسلحة تابعة لقوات "الحشد الشعبي"، أو ما تزعم تل أبيب أنها أهداف "إيرانية"، وأضاف المسؤول العراقي أن التهديدات الإسرائيلية في سوريا ولبنان تضع المجموعة العربية أمام تحد كبير لوضع تصور واضح للتعاطي مع تهديدات الأمن العربي المشترك ورفض أي اعتداء على أي بلد عربي.
وأوضح وزير الخارجية العراقي، محمد علي الحكيم، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أنه "بحث مع الأمين العام الاعتداءات (الصهيونية) وسيتم اتخاذ القرارات بشأنها"، فيما أكد أبو الغيط على ثقته في "قدرات وإمكانيات العراق في إدارة الاجتماع الوزاري وإنجاح مخرجاته"، مشيدا "بدور العراق خلال التصعيد بين إيران وأميركا في إبعاد المنطقة عن النزاعات والحروب"، وأضاف "نعوّل على العراق لتخفيف التوتر في المنطقة".
العراق يعطي الأولوية لدول الخليج في تأمين الملاحة
وفيما أكدت الجامعة العربية على أن هدفها إبعاد العراق عن التجاذبات والتوترات الإقليمية الراهنة، شدّد "الصحاف" على أن "الرؤية العربية تتلخص في ضرورة العمل على تكريس أمن واستقرار العراق باعتبار أن العراق الآمن والمستقر في هذه المنطقة الحساسة من العالم سيكون أنفع وأجدر للحالة العربية".
وتابع الصحاف "المنطقة تشهد حالة توتر شديدة بين طهران وواشنطن، وانعكس ذلك على أمن الملاحة، وطبيعة الأدوار العربية في الأمن الملاحي في هذه المنطقة، والعراق عبّر عن وجهة نظره وقال إن الدول المطلة على الخليج هي التي تمتلك القدرة على أن توّفر الحماية لأمن الملاحة في هذه المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الصحاف "العراق يعمل على تعزيز مسارات التهدئة والاستقرار والتوازن ونحن نعتقد أن الدول المطلة على الخليج هي الأقدر على توفير أمن الملاحة فيه، فذلك سيعزز مبدأ توازن القوى في هذه المنطقة، ومبدأ الأمن والمصالح المشتركة، ويبقي المنطقة على قدر من التوازن ويجنبها أي تصعيد، وأي قوة أجنبية تدخل على مسرح الأحداث في هذه المنطقة، لن تزيد الأوضاع في هذه المنطقة إلا مزيدا من التعقيد".
وفيما يتعلق بدور العراق في تهدئة التوتر مع إيران ولا سيما في ضوء الاتصال الأخير بين وزير الخارجية العراقي ووزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، شدّد المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية على أن "بلاده لم ولن تدخر جهدا في أن تكون طرفا فاعلا لنزع فتيل الأزمة والتوترات مع إيران"، مؤكدا أنه يتواصل وينسق الجهود مع كل الأطراف ويحظى بمقبولية كبيرة نتيجة توازن العراق في خطابه الدبلوماسي ومراعاته للمصالح المشتركة مع كل الأطراف.
تنسيق المواقف ودعم معركة العراق ضد الإرهاب
وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أن بغداد حريصة على تنسيق المواقف والأدوار فيما يتعلق بالقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والوضع في ليبيا واليمن وسوريا، خلال ترؤس العراق للدورة 152 للمجموعة العربية على المستوى الوزاري، مشددا على أن البيت العربي يعني عمقا استراتيجيا للعراق، مشيرا إلى أن المباحثات بين الجانبين تناولت الاستفادة من خبرات العراق في تجفيف المنابع الفكرية والإعلامية للتنظيمات الإرهابية، كما شملت المباحثات أيضا دعم العراق في معركته ضد الإرهاب وإعادة الإعمار، وقضية إسقاط أكثر من 75% من مديونية العراق المتراكمة لدى الصناديق العربية المختلفة.
وشملت زيارة أبو الغيط، التي تعد الثانية له منذ توليه منصبه الحالي في مارس (آذار) عام 2016، لقاءات مع رئاسيات العراق الثلاث، الحكومة والجمهورية والبرلمان.
واستقبل رئيس العراق الدكتور برهم صالح، اليوم الثلاثاء في قصر السلام ببغداد، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط والوفد المرافق له. كما دار نقاش مستفيض بشأن مجمل الأوضاع السياسية والأمنية في داخل العراق والمنطقة، وبيّن الرئيس العراقي أن الجهود السياسية والأمنية في العراق وبعد الانتصار على داعش تتركز على العمل من أجل أن يكون النصر ناجزاً ونهائياً بالقضاء على العصابات الإرهابية، وتكريس بيئة استقرار أمني وسياسي واجتماعي تساعد في التقدم بمشاريع البناء والإعمار، وتطوير البنى الاقتصادية والخدمية في البلاد، حسبما ذكر بيان للرئاسة العراقية.
وأكد الرئيس العراقي بهذا الصدد النظرة الوطنية العراقية المسؤولة تجاه المشكلات الدولية والإقليمية في المنطقة والقاضية بالعمل المشترك مع الجميع من أجل سلام المنطقة واستقرارها والنأي بالعراق عن سياسة المحاور.
وأشار صالح إلى أن العراق بموقفه هذا يعضّد أي جهد من شأنه أن يخفف حدة التوترات التي تنذر بخطرها الجميع. وشدد صالح على أهمية دور جامعة الدول العربية في تنسيق وتوحيد الرؤى بين الدول الأعضاء، بما من شأنه إنهاء التوترات وإيجاد حلول للأزمات، مؤكداً دعم العراق هذه الجهود لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ويعضد فرص البناء والتعاون والعمل المشترك.
ومن جانبه، قدّم أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، عرضاً لرؤية جامعة الدول العربية لمجمل الأوضاع والتطورات على الساحة العربية والإقليمية والسبل الكفيلة بالحفاظ على السلام فيها.
كما أشاد أبو الغيط بالدور الذي يقوم به العراق من أجل تعزيز وتفعيل منظومة العمل العربي المشترك، وبما يعزز فرص الأمن والاستقرار في المنطقة، فيما أكد أهمية تعزيز التقدم الأمني الحاصل في العراق بعد دحر الإرهاب الداعشي وقيمة هذا النصر والتضحيات التي قدمها العراقيون في حفظ أمن المنطقة ككل.