Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على أوروبا تكثيف دعمها لأوكرانيا

التخلي عن كييف من شأنه أن يزيد جرأة روسيا ويؤجج الحرب

إطلاق مدفع هاوتزر سويدي الصنع على مواقع روسية في دونيتسك، أوكرانيا، ديسمبر 2023 (رويترز)

ملخص

إرغام أوكرانيا على التفاوض في ظل الظروف الحالية من شأنه أن يدمر كل آمالها في التحالف بشكل أوثق مع الغرب

مع تعثر القوات الأوكرانية في ساحة المعركة، واعتراض كل من هنغاريا في الاتحاد الأوروبي وصانعي السياسات الجمهوريين في الولايات المتحدة على إرسال حزم مساعدات كبيرة لكييف، يبدو أن التحالف الغربي الداعم لأوكرانيا يزداد ضعفاً وانقساماً. وبعد تقييم أجراه عدد من الباحثين وصناع القرار لهذا السيناريو، توصلوا إلى استنتاج مفاده بأن التحول نحو استراتيجية دفاعية يمكن أن يدفع بوتين في النهاية إلى طاولة المفاوضات. ووفق هذا النمط من التفكير، فإن اعتماد نهج جديد يركز على تأمين الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا بالفعل، من شأنه أن يعزز الدعم الغربي ويثبت لروسيا في نهاية المطاف أنها غير قادرة على الصمود أمام المجهود الحربي الذي تبذله أوكرانيا. لكن هذا التحليل يدل على سوء فهم عميق للرئيس الروسي وطريقة تفكيره. فأي تراجع غربي لن يؤدي إلا إلى تشجيع بوتين على تكثيف هجومه على أوكرانيا. وما دام يعتقد أن النجاح العسكري ممكن، فهو سيرفض التفاوض وسيستمر في القتال.

وبالنظر إلى هذه الحقائق، يتعين على صناع السياسات الغربيين مراجعة النهج الذي يعتمدونه في دعم المجهود الحربي الأوكراني. في الواقع، يتعين على شركاء أوكرانيا أن ينتقلوا من استراتيجية هجومية مترددة إلى أخرى حازمة تزود البلد المحاصر بكل الأسلحة اللازمة للتفوق على القوات الروسية ودفعها إلى التراجع. ويتعين على أوروبا، على وجه الخصوص، أن تتخذ مزيداً من الإجراءات. ويشمل ذلك تسليم أكبر كمية ممكنة من أنظمة الأسلحة المناسبة الموجودة في مخزونات الاتحاد الأوروبي الحالية، وتعزيز الإنتاج العسكري، وتوسيع القدرات الإنتاجية لكل دولة. وعلى وجه التحديد، تستطيع أوروبا، لا بل يتعين عليها، أن تزود كييف بمزيد من صواريخ كروز المتوسطة والبعيدة المدى، إذ إن القيام بذلك من شأنه أن يسمح لأوكرانيا باستهداف البنية التحتية الروسية في الأراضي المحتلة وفي الوقت ذاته حماية جنودها من الأخطار التي يتعرضون لها على خطوط المواجهة. ويتعين على أوروبا أيضاً أن تعمل على تسريع وتوسيع نطاق تسليم الطائرات المقاتلة من طراز إف-16 إلى أوكرانيا، الأمر الذي قد يساعد البلاد في تحقيق تفوّق في الجو. وإلى جانب إرسال أنظمة دفاع جوي إضافية، على غرار صواريخ باتريوت و"إيريس-تي"، فإن مثل هذه المساعدات ستسمح لأوكرانيا بالضغط بشكل فعال على القوات الروسية والتفوق في ساحة المعركة.

في هذه الحالة فحسب، حينما تكون روسيا في موقف دفاعي، تصبح المفاوضات ممكنة. عندئذ سيتمكن صناع السياسات في الغرب من تحقيق معايير النصر الحقيقية، مثل ضمان ألا تعود حرب بوتين العدوانية بالخير على روسيا، وألا تبقى أوروبا مسرحاً للحرب. ولكن إذا استسلم الغرب للإرهاق والاقتتال الداخلي، فسيصب ذلك ببساطة في مصلحة بوتين. والانتصار الروسي من شأنه أن يمهد الطريق لمزيد من الحروب في جميع أنحاء القارة، مما يجعل الاضطرابات أقرب إلى أراضي الناتو.

تجنب الهزيمة الذاتية

إن الوضع الحالي في ساحة المعركة مثير للقلق حقاً بالنسبة إلى أوكرانيا وشركائها. فالقوات الروسية تحصنت خلف كيلومترات من حقول الألغام والخنادق، مما يجعل من الصعب والمكلف للغاية على الجنود الأوكرانيين السيطرة على الأراضي. لقد بدأت مرحلة من الجمود، وهذا الصراع الذي يقترب الآن من عامه الثالث، أسفر عن سقوط مئات الآلاف من الضحايا العسكريين والمدنيين، وهو يتحول إلى حرب استنزاف وحشية. لكن أولئك الذين يدعون إلى إجراء مفاوضات مع موسكو يغفلون عن ذكر السياق الذي أدى إلى هذا الوضع المتدهور. في الواقع، لم تحقق كييف مكاسب كبيرة في ساحة المعركة لأن شركاءها في الولايات المتحدة وأوروبا لم يقدموا الأسلحة اللازمة لفرض سيطرة جوية واختراق المواقع والبنية التحتية الروسية بشكل فعال في الأراضي المحتلة وشبه جزيرة القرم.

ومع استمرار الحرب، نجحت روسيا في تحفيز مجمعها الصناعي العسكري والتكيف مع الحالة الاقتصادية القائمة في زمن الحرب. في الوقت الحالي، تجاوزت قدراتها المادية قدرات أوكرانيا التي لا تزال تعتمد على إمدادات الأسلحة من الغرب. وعلى رغم أن شركاء أوكرانيا احتفظوا بمخزونات من بعض الأسلحة الدقيقة، بما في ذلك صواريخ كروز من طراز "توروس"، إلا أن الأعتدة الأساسية الأخرى بدأت تنفد لديهم، وخصوصاً الذخيرة. على رغم التحذيرات المبكرة بأن الذخيرة ستشح في نهاية المطاف، فشل الاتحاد الأوروبي في زيادة قدراته الإنتاجية، وذلك بسبب الافتقار إلى التخطيط وبعد النظر. وبالمعدل الحالي، لن يتمكن الاتحاد الأوروبي من الوفاء بالتزامه بتوفير مليون قذيفة وصاروخ لأوكرانيا بحلول مارس (آذار) 2024. ويترتب على هذا التخلف والتباطؤ عواقب على الأرض، ففي حين تستخدم روسيا ما بين 25 ألف و30 ألف قذيفة يومياً، تطلق أوكرانيا ما لا يزيد على 7 آلاف قذيفة يومياً. وفي مواجهة النقص الحاد، اضطرت القوات الأوكرانية إلى تقنين استخدام الذخيرة. ويتناقض هذا بشكل حاد مع النهج النموذجي الذي تتبناه حكومات حلف شمال الأطلسي، التي تسعى جاهدة إلى تجنب إرغام قواتها العسكرية على خوض حرب من دون وجود ذخيرة كافية، وأسلحة دقيقة، ودعم جوي.

ما دام بوتين يعتقد أن النجاح العسكري ممكن، فهو سيرفض التفاوض

يتمثل جزء من المشكلة في فشل عدد من الزعماء الأوروبيين في تحديد هدف واضح يتعلق بتقديم المساعدات إلى أوكرانيا، واتبعوا عوضاً عن ذلك استراتيجية دعم فاترة وغير واضحة في كثير من الأحيان. إن نهجهم التدريجي في تقديم المساعدة لم يؤهل كييف لتحقيق تقدم كبير خلال الهجوم الأوكراني في الصيف. في الواقع، يواصل صناع السياسات داخل الحكومة الألمانية وإدارة بايدن، على وجه الخصوص، اتخاذ قراراتهم المتعلقة بتسليم أنظمة الأسلحة إلى أوكرانيا بناء على ردود فعل روسيا المحتملة، فيحدون من نوع المساعدة التي تتلقاها كييف خوفاً من التصعيد. ولكن في الحقيقة سبق أن استخدمت روسيا قدراتها العسكرية التقليدية كاملة ومن غير المرجح أن تلجأ إلى الخيار النووي لسببين. أولاً، خوفاً من رد الولايات المتحدة الانتقامي، وثانياً، نظراً إلى أن الصين، حليفة روسيا التي لا غنى عنها، تعارض التصعيد النووي، وهو خط أحمر واضح بالنسبة إلى بكين.

واستطراداً، ليس من المفترض أن يسمح لبوتين بالاعتقاد بأن غزوه الوحشي له أي مبرر أو يحمل أي شرعية، فهو إذا انتصر، قد تصبح الحروب العدوانية في أوروبا أكثر شيوعاً. ومن وجهة نظر كييف وشركائها، فإن الحد الأدنى من المتطلبات يتلخص في إعادة حدود أوكرانيا لما كانت عليه قبل الحرب. في الواقع، إن كييف لا تقاتل في سبيل استعادة أراضيها فحسب، بل تدافع أيضاً عن حق الدول الأساسي في تقرير المصير، وعن النظام السلمي الذي ساد في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهو هدف يتعين على الديمقراطيات الليبرالية في الغرب ومختلف أنحاء العالم أن تتحد في دعمه، وخصوصاً في جميع أنحاء أوروبا، إذ إن الحرب عادت للقارة.

التخلص من الأوهام

هناك إجماع واسع النطاق بين عدد من المراقبين وصناع السياسات على أن المفاوضات قد تكون الوسيلة الوحيدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. ولكن إذا كانت أوكرانيا في موقع ضعف، لن يجري التوصل إلى اتفاق مرض. ونظراً إلى سجل بوتين، لا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن اعتماد أوكرانيا وشركائها نهجاً دفاعياً سيشجع روسيا على التحرك نحو وقف إطلاق النار، على النحو الذي أشار إليه بعضهم، مثل ريتشارد هاس وتشارلز كوبشان. بل على العكس تماماً: فقد أوضح بوتين أنه لا يريد التفاوض، بل يريد أن ينتصر في هذه الحرب، وأصبح مستقبله السياسي ووضعه الشخصي يعتمدان على ذلك. لقد تكبدت روسيا تكاليف باهظة في هذا الصراع، ولا بد من أن يحقق بوتين إنجازات ملموسة لتبرير هذه النفقات. إذاً، فالافتراض بأنه قد يغتنم الفرصة لوقف إراقة الدماء هو مجرد حلم بعيد المنال، ولا يمت بأية صلة لبوتين الذي قصف المدنيين الأوكرانيين، وساعد الدكتاتور السوري بشار الأسد في شن حرب مروعة ضد شعبه، وأشرف على احتلال الشيشان بطريقة وحشية في أوائل العقد الأول من القرن الـ21. ومن غير المستغرب أن يكون شرطه المسبق لبدء أي مفاوضات مع كييف هو استسلام أوكرانيا الكامل، ومن دون أن يقدم أي وعود أو تعهدات في المقابل.

نظامنا الأوروبي الجماعي السلمي هو الذي يتعرض للهجوم الروسي

وتجدر الإشارة إلى أن التراجع عن دعم أوكرانيا من شأنه أن يقلل رغبة روسيا في إجراء مفاوضات بدلاً من أن يزيدها. وإذا شعر بوتين بإمكان تحقيق نصر عسكري، فستكون له اليد العليا وقد لا يرى أي سبب للمشاركة في الحوار. وفي حين أن المجمع الصناعي العسكري الموسع في روسيا يتمتع بالقدرة على دعم مجهود حربي قد يستمر لسنوات عديدة، لم تعمل أوروبا على زيادة إنتاجها العسكري، وقريباً ستنفد لديها الأنظمة العسكرية الحيوية التي تحتاج إليها أوكرانيا بشدة. وبمعرفته ذلك، لا يحتاج بوتين إلا إلى الانتظار، لأن الوقت في صالحه.

إن التردد [الافتقار إلى الشجاعة] الذي تظهره الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في هذا الصراع القائم قد يؤدي إلى عواقب بالغة الأهمية بالنسبة إلى بقية العالم. فإذا تراجع الغرب أمام تقدم بوتين، أو تبين أنه غير قادر على تكثيف دعمه لأوكرانيا بشكل كبير، فهذا الفشل قد يوحي بالضعف في نظر الصين وغيرها من القوى الرجعية مثل إيران، وسيبعث برسالة كارثية إلى الحلفاء الرئيسين الآخرين مثل الفلبين وتايوان، اللتين تعتمدان على الدعم العسكري الأميركي من أجل سلامتهما وسلامة أراضيهما. وفي منحى مقابل، فإن التحول إلى استراتيجية تركز على الهجوم، ومساعدة أوكرانيا في النجاح بوجه روسيا، قد يساهمان في ردع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وطمأنة حلفاء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إذاً، يجب على كل جمهوري يجادل بأن الولايات المتحدة يجب أن تصب تركيزها على الصين وتترك أوروبا للأوروبيين، أن يضع في اعتباره أن السماح لروسيا بالانتصار في أوكرانيا لن يؤدي إلا إلى تشجيع الغرائز الأسوأ والأكثر عدوانية في بكين.

رؤية واضحة ومساعدة كاملة

مثلما يتعين على الولايات المتحدة أن تظل ثابتة في دعمها لأوكرانيا، يجب على أوروبا أيضاً أن تبذل جهوداً إضافية من أجل تعزيز قدراتها الدفاعية، خصوصاً في ضوء احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ففي حال إعادة انتخابه، يجب أن يكون الأوروبيون قادرين على دعم المجهود الحربي الأوكراني بمفردهم. في الواقع، لا يستطيع الأوروبيون تجاهل جغرافية القارة. فنحن لا يفصلنا محيط شاسع عن الحرب، وبالتالي، ليس أمامنا خيار سوى ضمان انتصار أوكرانيا. في الواقع، إن نظامنا الأوروبي الجماعي السلمي هو الذي يتعرض للهجوم الروسي، وعلى رغم أن دعم أوكرانيا بمفردنا سيكون أكثر صعوبة بكثير، إلا أنه ليس أمراً مستحيلاً. فالناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا وحدها يكاد يبلغ ضعف ذاك المسجل في روسيا، أما الناتج المحلي الإجمالي الذي يحققه الاتحاد الأوروبي ككل، فهو أكبر بسبع مرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن أجل تفعيل قدرات الاتحاد الأوروبي باعتباره لاعباً جيوسياسياً، وبناء تحالف مستدام لدعم أوكرانيا، تحتاج ألمانيا إلى الارتقاء إلى مستوى دورها القيادي في الاتحاد. يتعين عليها أن تكون وسيطاً يمد جسور التواصل والتعاون بين الأوروبيين الشرقيين الذين يدركون تمام الإدراك التهديد الروسي القريب من حدودهم، والأوروبيين الغربيين الذين يشعرون بالأمان نسبياً في منازلهم بعيداً من الخطوط الأمامية الأوكرانية. وعلى رغم إهدار وقت ثمين، لم يفت الأوان بعد لكي يتصرف المستشار الألماني أولاف شولتز بحزم. وهو قد بدأ يتخذ بعض الخطوات المهمة، عام 2023، بلغ إجمالي الدعم العسكري الألماني لأوكرانيا حوالى 4 مليارات يورو، بما في ذلك أنظمة الأسلحة مثل الدبابات وأنظمة الدفاع الصاروخي، وسيضاعف هذا المبلغ عام 2024. وفي الواقع، تعد هذه المساعدات الضخمة استثنائية للغاية بالنظر إلى نهج ألمانيا السلمي المعتمد منذ فترة طويلة، الذي دفع برلين تاريخياً إلى رفض إرسال الأسلحة إلى مناطق النزاع. ولكن نظراً إلى قدرات ألمانيا غير المستغلة والمكاسب الكبيرة التي قد تتحقق من انتصار أوكرانيا وأوروبا، فهذه الجهود غير كافية.

ومن أجل مواصلة شن ضربات على البنية التحتية وخطوط الإمداد الروسية، تحتاج أوكرانيا إلى صواريخ كروز مثل أنظمة توروس لقصف أهداف أبعد من الخطوط الأمامية، فضلاً عن طائرات مقاتلة لفرض سيطرة في المجال الجوي وتأمين دفاع جوي يحمي جنودها في الخنادق. حتى الآن، امتنعت ألمانيا عن تقديم صواريخ كروز من طراز توروس بحجة أنه لا تزال هناك تحديات تقنية يجب حلها من أجل ضبط مدى الصواريخ، بيد أن السبب الفعلي والفائق الأنانية والانتهازية وراء عدم تسليم هذه الأسلحة هو فعاليتها الكبيرة، ويخشى شولتز من أن استخدامها بشكل ناجح قد يؤدي إلى التصعيد الروسي. وعلى رغم أن ألمانيا سبق أن سلمت عدداً من أنظمة الدفاع الصاروخي من طراز باتريوت القادرة الآن على حماية السماء فوق كييف، فمن الممكن، لا بل من الضروري، أن تقدم مزيداً من الأسلحة، في وقت تقوم فيه روسيا بتكثيف هجماتها بالطائرات المسيرة على المدن والبنية التحتية الأوكرانية. وإذا شعرت برلين ببعض القلق في ما يتعلق بتوفير هذه الأنظمة، فعليها أن تفهم أن تزويد أوكرانيا بجميع الأسلحة التي تحتاج إليها لاستنزاف القوات الروسية وهزيمتها يصب في المصلحة الأمنية لكل دولة أوروبية.

إرغام أوكرانيا على التفاوض في ظل الظروف الحالية من شأنه أن يدمر كل آمالها في التحالف بشكل أوثق مع الغرب

وأبرز عيوب شولتز هو افتقاره إلى الوضوح عند مناقشة أهداف الغرب في دعمه لأوكرانيا. فهو يواصل استخدام صيغة غامضة، وعلى حد تعبيره "لا بد من تجنب فوز روسيا، ومنع خسارة أوكرانيا". يتعين عليه أن يصف حرب روسيا بما هي عليه فعلاً: هجوم على السلام في أوروبا يشكل خطراً وجودياً على ألمانيا والقارة. وتظهر استطلاعات الرأي أن هذا النوع من الدعم الصريح سيحظى بتأييد واسع النطاق من الشعب الألماني.

اتخاذ إجراءات صارمة

إضافة إلى توسيع قدراتهم الإنتاجية العسكرية، يمكن لشركاء أوكرانيا، لا بل يتعين عليهم، أن يبذلوا جهداً أكبر من أجل إبطاء إنتاج الأسلحة الروسية، بدءاً بالتنفيذ الملائم والسليم لأنظمة العقوبات الخاصة بهم. تجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الآلات العالية الدقة المستخدمة في روسيا لتصنيع نظم مثل صواريخ كروز هي منتجات أميركية وألمانية، وتواصل روسيا صيانة هذه الآلات وشراءها. وهذا ممكن لأن السلطات الألمانية لا تطبق العقوبات الأوروبية على نحو صحيح. في كثير من الأحيان تمكنت روسيا من التهرب من القيود من خلال العمل عبر بلدان أخرى مثل قيرغيزستان، إذ ارتفعت الصادرات الألمانية بشكل كبير منذ أن شنت روسيا غزوها في فبراير (شباط) 2022. تلك الصادرات، على غرار الآلات والمركبات وقطع الغيار التي ارتفعت بنسبة تفوق 5 آلاف في المئة، تتابع طريقها إلى روسيا بمجرد أن تصل إلى تلك البلدان الأخرى. إن التنفيذ السليم والفعال لعقوبات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك صياغة أنظمة الجزاءات بطريقة تمنع مثل هذا التحايل عبر أطراف ثالثة، من شأنه أن يعوق قدرة روسيا على إصلاح وصيانة وشراء قطع الغيار التابعة لهذه الآلات الحيوية، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إبطاء إنتاج الأسلحة الروسية.

علاوة على ذلك، يتعين على صناع السياسات في الولايات المتحدة وأوروبا أن يتخذوا مزيداً من الإجراءات الفعالة الرامية إلى استهداف موردي الأسلحة الرئيسين لروسيا: كوريا الشمالية وإيران. وعلى النقيض من كوريا الشمالية، التي تعتبر على نطاق واسع دولة منبوذة، فإن إيران تلقى معاملة مختلفة من المجتمع الدولي. وهناك سبب منطقي وراء هذا السلوك، لا تزال الولايات المتحدة وأوروبا تأملان في إعادة التفاوض في شأن اتفاق نووي مع إيران، بعد انسحاب إدارة ترمب منه عام 2018، بيد أن النظام الإيراني لم يظهر أي اهتمام جدي بإحياء الاتفاق بعد أن رفض اقتراح الاتحاد الأوروبي في شأن إبرام اتفاق جديد عام 2022. وعوضاً عن ذلك، زودت الجمهورية الإسلامية روسيا بطائرات انتحارية من دون طيار منذ منتصف عام 2022، بما في ذلك حوالى 1700 طائرة مسيرة من طراز شاهد في ذلك العام. كذلك، وقعت روسيا وإيران صفقة أسلحة بقيمة مليار دولار، تهدف إلى بناء 6 آلاف طائرة من دون طيار في موقع روسي بحلول عام 2025. والجدير بالذكر أن الطائرات من دون طيار الإيرانية الصنع المستخدمة في مهاجمة البنية التحتية الأوكرانية وقصف المدن الأوكرانية غالباً ما تتضمن مكونات غربية. لذا، ينبغي على واشنطن وبروكسل أن تفرضا عقوبات أكثر صرامة على النظام الإيراني الداعم لروسيا في مجهودها الحربي، وأن تحدا من تجارتهما مع إيران لتقليل فرص توريد السلع التي يمكن أن تساعد جهود طهران الرامية إلى صنع طائرات من دون طيار.

لعبة طويلة الأمد

في ظل تحصن القوات الروسية في خنادق عميقة واختبائها حالياً خلف أميال من الألغام، فإن جزءاً كبيراً من المجهود الحربي في أوكرانيا لم يعد يحدث على طول الخطوط الأمامية. عوضاً عن ذلك، حولت أوكرانيا تركيزها الآن نحو استهداف خطوط الإمداد والبنية التحتية الروسية داخل الأراضي التي تحتلها روسيا وفي شبه جزيرة القرم، التي تحمل أهمية رمزية للشعب الروسي، خصوصاً منذ ضم بوتين شبه الجزيرة عام 2014. من خلال استهداف نقاط ضعف بوتين والسعي إلى إلحاق هزائم مؤلمة بروسيا في البحر الأسود أو في شبه جزيرة القرم، تأمل أوكرانيا في تعبئة الرأي العام في روسيا ضد الحرب وقائدها. وينظر إلى مثل هذا التحول في المواقف العامة على أنه شرط أساسي لبدء المفاوضات، في الحقيقة، لكي يكون بوتين على استعداد للتحدث والتوصل إلى تسوية، لا بد أولاً من أن يتعرض لضغوط شديدة في الداخل. أما الشرط الثاني فهو عسكري، إذ يتعين على بوتين أيضاً أن يكون على يقين من أنه لن يتمكن من تحقيق مزيد من المكاسب بالقوة. ومن هذا المنطلق، يجب أن تكون لأوكرانيا اليد العليا في ساحة المعركة.

في المقابل، فإن إرغام أوكرانيا على التفاوض في ظل الظروف الحالية من شأنه أن يدمر كل آمالها في التحالف بشكل أوثق مع الغرب، وهي آمال ازدادت إشراقاً بعض الشيء بعد قرار الاتحاد الأوروبي بالموافقة على المفاوضات الرامية إلى السماح لكييف بالانضمام إلى الاتحاد. وسيواصل بوتين استهداف أوكرانيا وزعزعة استقرارها بكل الوسائل المتاحة. ففي نهاية المطاف، كان خوف بوتين من وجود دولة غربية مزدهرة أخرى على طول حدود روسيا هو الذي دفعه إلى الهجوم في المقام الأول. في الواقع، إن الاستراتيجية الدفاعية التي لا تركز إلا على الحوار مع روسيا تعتبر في أحسن تقدير معيبة بطبيعتها، وفي أسوأ تقدير ساذجة إلى حد كارثي. ومن شأن استراتيجية مماثلة أن تؤدي إلى تقسيم أوكرانيا والقضاء على أي أمل في انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، إذ لن ترغب أية دولة منتمية إلى الحلف في المجازفة بالانجرار مباشرة إلى صراع طويل الأمد مع روسيا. ومن دون ردع الناتو، سيحظى بوتين بمتسع من الحرية والوقت للتعافي، وإعادة تجميع صفوفه، والهجوم مرة أخرى في نهاية المطاف. ولن تكون أوكرانيا الدولة الوحيدة المعرضة لخطر الهجوم المتجدد، بل ستواجه دول أخرى مثل مولدوفا ودول البلطيق تهديداً مستمراً أيضاً. وليس في مقدور أوروبا أن تمنع حدوث هذا السيناريو المرعب إلا إذا تخلصت من أوهامها والتزمت بكل إخلاص بالدفاع عن أوكرانيا.

* نوربرت روتغن هو عضو في البرلمان الألماني ولجنة الشؤون الخارجية التابعة له. شغل منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية من عام 2014 إلى عام 2021 وكان الوزير الاتحادي للبيئة والحفاظ على الطبيعة والسلامة النووية من عام 2009 إلى عام 2012.

مترجم عن مقال في "فورين أفيرز" بتاريخ 22 ديسمبر 2023

المزيد من آراء