الدرس المستخلص للركاب من حادثة الخطوط الجوية اليابانية

ستظل صورة طائرة الركاب الضخمة المسرعة على المدرج والمشتعلة بالنيران راسخة في الأذهان.

وعبرت رحلة الخطوط الجوية اليابانية "جي إل-516" JL-516  الأجواء بصورة طبيعية من جزيرة هوكايدو الشمالية، لكن بينما كانت الطائرة وهي من طراز "إيرباص أي- 350" A-350 تهبط في مطار هانيدا بطوكيو اصطدمت بطائرة أصغر بكثير تعمل لمصلحة خفر السواحل الياباني في مجال الإغاثة من الزلزال [الذي ضرب اليابان أخيراً].

وبصورة مأسوية فإن خمسة من الأفراد الستة على متن الطائرة الأخيرة لقوا حتفهم، لكن جرى إجلاء جميع الأشخاص الذين كانوا على متن طائرة الخطوط الجوية اليابانية وعددهم 379 شخصاً بنجاح، بفضل احترافية وتدريب موظفي الخطوط الجوية اليابانية.

وفتح تحقيق في الحادثة ليس الهدف منه إلقاء اللوم بل تعلم كيفية تعزيز سلامة الطيران في المستقبل، وستُراجع تفاصيل هذه المأساة بدقة من قبل محققي حوادث الطيران لفهم تسلسل الأحداث التي أدت إلى الاصطدام، وسيركز المحققون في البداية على السبب الذي يجعل أساسات قواعد مراقبة الحركة الجوية، إبقاء الطائرات متباعدة بأمان، قد فشلت بصورة كارثية.

وسيدرس مسؤولو السلامة العاملون لدى السلطات اليابانية والخطوط الجوية اليابانية وشركة "إيرباص" المصنعة للطائرة الطريقة التي انتشر فيها الحريق.

ويتكون هيكل الطائرة من مُركّب قائم على الكربون بدلاً من الألومنيوم التقليدي، فهل ساعد هذا في حماية الركاب أو الطاقم أو تعريضهم للخطر؟

ويجري بهذا الصدد تداول مصطلح "الطائرة البلاستيكية"، ولكن هذه المواد تُستخدم لقوتها العالية ووزنها المنخفض ومتانتها.

وتقول إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية إن ألياف الكربون يمكن أن تكون أكثر أمانا، إذ "يذوب الألومنيوم عند درجة حرارة 660 درجة مئوية في الحرائق الكبيرة، وعادة، بالنسبة إلى المواد المركبة، فإن درجة حرارة التحلل المسببة للاحتراق هي ما بين 300 و 500 درجة مئوية، ولكنها تحافظ على كليّة الهيكل أثناء الاحتراق".

وأستطيع أن أفهم أن مشاهد النار ستغذي قلق المسافرين الذين يخافون الطيران، وقد يستنتجون بصورة منطقية أن "هذا ما يمكن أن يحدث لطائرتي".

لكنني أقترح أن ينظروا إلى الحدث من المنظور المعاكس، أي بكونه دليلاً إضافياً على هوس صناعة الطيران بالسلامة العامة.

ووقعت الحادثة بعد أقل من يوم واحد على تحقيق العام الأكثر أماناً على الإطلاق للطيران المدني، وخلص تقرير صادر عن منظمة السلامة الجوية الهولندية "تو-70" To-70 إلى وقوع حادثتين مميتتين فقط خلال الأشهر الـ 12 الماضية، مقارنة بستة حوادث عام 2022.

وكانت كلتا الطائرتين مروحيتين في رحلات داخلية، ومن المؤسف أن 86 شخصا ماتوا.

وعلى سبيل المقارنة فهذا هو متوسط عدد الوفيات في حوادث الطرق خلال 35 دقيقة، وفقاً لأحدث أرقام الأمم المتحدة، ولم يكن هناك أية حادثة مميتة للطائرات العام الماضي تتعلق بالرحلات الدولية أو طائرات الركاب.

وفي المملكة المتحدة تفصلنا أيام قليلة عن الذكرى السنوية الـ 35 لآخر حادثة مميتة لطائرة ركاب بريطانية، كارثة كيغورث في الثامن من يناير (كانون الثاني) 1989.

ومنذ تلك المأساة التي شملت طائرة خطوط ميدلاند البريطانية الدولية (بي أم آي) من طراز "بوينغ- 737" حافظت المملكة المتحدة على سجل استثنائي في الحفاظ على سلامة الركاب.

وتتميز الدولة بكونها القاعدة الرائدة لعمليات عملاقي الطيران الاقتصادي الأوروبيين، "رايان إير" Ryanair و"إيزي جت" easyJet.

إنها أكثر شركتي طيران أماناً في العالم لجهة عدد الركاب الذين يسافرون من دون وقوع حادثة مميتة.

وتتمتع الخطوط الجوية البريطانية (بريتش آيروايز) British Airways و"جت-2"Jet-2 و"فيرجن أتلانتيك" Virgin Atlantic و"ويز آير" Wizz Air أيضاً بسجلات سلامة هائلة، وكانت آخر مرة عانت فيها الخطوط الجوية البريطانية حادثة مميت عام 1985، عندما اشتعلت النيران في طائرة "بوينغ-737" على المدرج في مانشستر، أما شركات الطيران الثلاث الأخرى فلا توجد حوادث في سجلاتها.

وبمجرد اكتمال التحقيق فستجرى مشاركة الاستنتاجات مع المسؤولين في عالم سلامة الطيران لجعل الرحلات الجوية المستقبلية أكثر أماناً، ولكن ما الذي يجب أن يتعلمه الركاب من حادثة طوكيو؟

ببساطة شاهد ملخص وإجراءات السلامة، فعندما يصطف الطاقم لأداء العرض التوضيحي ضع هاتفك جانباً وشاهد واستمع، مع إيلاء اهتمام خاص بكيفية مغادرة الطائرة بسرعة.

والحق أن كثيراً من حالات الطوارئ تحدث أثناء وجود الطائرة على الأرض ومعظمها غير مميت، طالما أن الجميع يقومون بما عليهم.

وفي حال وجدت نفسك على متن طائرة في حال إخلاء طارئ، وهو أمر مستبعد، اترك أمتعة المقصورة خلفك.

لقد سلطت هذه المأساة الفظيعة الضوء على المهارة والكفاءة المهنية التي هي في صميم مجال سلامة الطيران، وتأكد من أنك متناغم مع النساء والرجال الذين يقومون بحمايتك.