أنهى رجل الأعمال الأميركي جيفري إبستين حياته قبل خمس سنوات في السجن قبل محاكمته بتهمة إدارة شبكة لاستغلال القاصرات والاعتداء عليهن جنسياً، إلا أن اسمه ما زال يتصدر عناوين الصحف العالمية، ويرتبط بمجموعة من أكبر شخصيات العالم نفوذاً من رجال أعمال ورؤساء ومشاهير.
وعادت قضية إبستين التي يعدها مراقبون غربيون علامة على فساد نخبهم السياسية والثقافية إلى الواجهة، بعدما قررت القاضية في المحكمة الفيدرالية في مانهاتن لوريتا بريسكا الأربعاء الماضي نشر آلاف الصفحات من الوثائق القضائية التي ربطت شخصيات بارزة بقضية الملياردير الراحل.
ما قصة الوثائق؟
ترتبط الوثائق المفرج عنها بدعوى رفعتها الأميركية فيرجينيا جوفري إحدى ضحايا إبستين، التي اشتهرت باتهامها الأمير أندرو، الأخ الأصغر لملك بريطانيا تشارلز الثالث، بالاعتداء الجنسي. والمدعى عليه في هذه الدعوى هي غيلاين ماكسويل، الناشطة الاجتماعية البريطانية التي تقضي عقوبة السجن لمدة 20 عاماً لمساعدتها إبستين في استدراج ضحاياه . وتعتبر جوفري واحدة من عشرات النساء اللاتي رفعن دعوى قضائية ضد إبستين بتهمة الاعتداء عليهن في منازله في فلوريدا ونيويورك ونيو مكسيكو وجزر فيرجن.
وتمت تسوية دعوى التشهير التي رفعتها جوفري ضد ماكسويل عام 2017، لكن المحكمة أبقت على سرية بعض الوثائق بسبب مخاوف في شأن حقوق الخصوصية لضحايا إبستين وغيرهم ممن ظهرت أسماؤهم خلال المعركة القانونية. وقررت المحكمة أخيراً نشر بعض الوثائق ويتوقع الإفراج عن أكثر من 200 وثيقة خلال الأيام القليلة المقبلة. وتكشف الوثائق بأن ماكسويل أعربت في شهادتها عن انزعاجها من سؤالها عن مزاعم جوفري بأنها رتبت لها لقاءات جنسية مع الأمير أندرو. وقال أحد الموظفين السابقين لدى إبستين في شهادته إنه شعر بعدم الارتياح تجاه عدد الشابات اللاتي يأتين المنزل، وشعر بالتهديد من ماكسويل بالتزام الصمت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما الجديد؟
لا تكشف الوثائق إلا القليل من المعلومات الجديدة التي لم يتداولها الإعلام سابقاً، إلا أنها وفق مجلة "تايم" أكدت حجم شبكة إبستين التي تتهم بالاتجار بالجنس، ونفوذ دائرته الاجتماعية. وتوثق آلاف من الصفحات التي نشرها القضاء الفيدرالي في مانهاتن أسماء أشخاص يراوح عددهم ما بين 150 و180، ومنهم شخصيات عامة ارتبطت منذ زمن بقضية إبستين مثل الأمير أندرو والرئيسين السابقين دونالد ترمب وبيل كلينتون. ولم يرد في الوثائق أي سلوك غير قانوني أو مسيء من كلينتون وترمب.
وكشفت الوثائق عن إفادة من الشاهدة وإحدى الضحايا جوانا سيوبيرغ تعود لعام 2016 وفيها تذكر السياسيين والشخصيات في الولايات المتحدة وخارجها ممن ارتبطوا بالملياردير الراحل. وورد في الوثائق أسماء مشاهير وممثلين مثل بروس ويليس وكاميرون دياز وكيت بلانشيت وكيفن سبيسي ونعومي كامبل وليوناردو دي كابريو، من دون اتهامهم بمساعدة إبستين بأي صفة.
وفيما يلي استعراض لأبرز الشخصيات:
الأمير أندرو
ذكرت سيوبيرغ بأن الأمير أندرو لمس صدرها أثناء جلوسه على أريكة داخل شقة إبستين في مانهاتن عام 2001. وواجه الأمير أندرو في عام 2021 دعوى قضائية رفعتها جوفري تتهمه بالاعتداء الجنسي عليها وهي مراهقة، وعلى رغم نفيه تلك الاتهامات فإنه وبعد ضغوط شعبية متزايدة أجبر على التخلي عن ألقابه العسكرية وواجباته العامة. وتوصل الاثنان إلى تسوية الدعوى في عام 2022 بعد أن دفع الأمير البريطاني لجوفري مبلغاً لم يكشف عنه.
بيل كلينتون
ورد اسم كلينتون في شهادة سيوبيرغ التي ذكرت بأن إبستين قال لها ذات مرة إن "كلينتون يحبهم صغاراً"، في إشارة إلى الفتيات.
وكثيراً ما كانت علاقة كلينتون بالملياردير الراحل موضوعاً للجدل، إذ بقي الاثنان على تواصل بينما كان كلينتون يعمل في منظمته غير الربحية، وفي عام 2002 أجريا رحلة إلى أفريقيا على متن طائرة إبستين الخاصة.
وسبق لكلينتون أن قال من خلال متحدث باسمه إنه سافر على متن طائرة إبستين مرات عدة، لكنه لم يزر منزله مطلقاً، ولم يعلم بجرائمه، ولم يتحدث معه منذ إدانته.
وتضمنت الوثائق حججاً قانونية حول ما إذا كان ينبغي منح جوفري مزيداً من الوقت لاستجواب الشهود المحتملين، بمن فيهم كلينتون، إذ يقول محاموها إنه كان "شخصاً رئيساً يمكنه تقديم معلومات حول علاقته الوثيقة" مع ماكسويل وإبستين، ولم توجه جوفري أي اتهام لكلينتون بأنه متورط في سلوك غير قانوني.
دونالد ترمب
قالت سيوبيرغ إن طائرة إبستين المتجهة إلى نيوجيرسي توقفت في أتلانتيك سيتي بسبب سوء الأحوال الجوية، وعند سماع تغيير الخطط قال إبستين "عظيم، سنتصل بترمب ونذهب إلى الكازينو". ولم تسأل سيوبيرغ عما إذا كانا قد التقيا ترمب تلك الليلة، ولدى سؤالها عما إذا قدمت تدليكاً للرئيس السابق، ردت نافية ذلك.
وفي شهادتها، قالت جوفري إنه في الصيف الذي بلغت فيه الـ17 سنة، استدرجت بعيداً من وظيفتها كمضيفة منتجع صحي في نادي مارالاغو الذي يملكه ترمب لتكون "مدلكة" لإبستين، وهو دور يتضمن أداء أفعال جنسية.
ووصف ترمب إبستين بأنه "رجل رائع"، لكنه لاحقاً لفت إلى اختلافه معه. وقال في تصريح له عام 2019 "لا أعتقد أنني تحدثت معه منذ 15 عاماً. ولم أكن من المعجبين به".
مايكل جاكسون
شهدت سيوبيرغ بأنها التقت أيقونة البوب مايكل جاكسون في منزل إبستين في بالم بيتش بولاية فلوريدا لكنها لم تقم بتدليكه وقالت "لم يحدث شيء غير مرغوب فيه".
ستيفن هوكينغ
أثارت الوثائق الأخيرة جدلاً كبيراً في شأن العالم الفيزيائي الراحل ستيفن هوكينغ الذي ورد اسمه فيها مرتين. وظهر اسم هوكينغ في رسالة بريد إلكتروني أرسلها إبستين إلى شريكته ماكسويل المدانة بالاتجار بالجنس، وطلب منها تقديم هدايا لأصدقاء جيوفري وعائلتها ومعارفها لحضهم على دحض مزاعمها بأن هوكينغ كان جزءاً من حفلات جنس جماعية لفتيات صغيرات.
وذكرت صحيفة "اندبندنت" أن هوكينغ زار جزيرة إبستين في البحر الكاريبي لحضور مؤتمر علمي بتمويل الأخير في عام 2006، قبل أشهر من توجيه أول اتهام للملياردير بارتكاب جرائم جنسية ضد أطفال. وأفادت الصحيفة أن العالم البريطاني قام بجولة في غواصة خاصة قبالة البحر الكاريبي.
ولم يتهم هوكينغ علناً بسوء السلوك الجنسي، ولا تتضمن الوثائق من الدعوى المدنية التي رفعتها جيوفري ضد ماكسويل في عام 2016 أي ادعاءات من هذا القبيل.
إيهود باراك
التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك مع إبستين نحو 36 مرة وتم تصويره وهو يدخل منزله في مانهاتن مع وشاح يحيط وجهه في عام 2016. وشوهدت شابات يدخلن ويخرجن من المنزل في اليوم نفسه، لكن في شهادتها أنكرت سيوبيرغ مقابلة باراك خلال فترة وجودها مع إبستين.
والربيع الماضي اعترف باراك لصحيفة "وول ستريت جورنال" بأنه كان يتواصل مع إبستين في نيويورك، لكنه ادعى أنه لم يلتق قط برجل الأعمال "مع فتيات أو قاصرات، أو حتى نساء بالغات في سياق أو سلوك غير لائق".
جان لوك برونيل
انتحر جان لوك برونيل، وهو وكيل عارضات أزياء فرنسي يشتبه في أنه كان يبحث عن فتيات لصالح إبستين، في أحد سجون باريس عام 2022 بينما كان ينتظر المحاكمة بتهمة الاغتصاب.
قالت جيوفري في شهادتها إن ماكسويل أرسلها لممارسة الجنس مع برونيل في عديد من الأماكن. وتفيد الوثائق بأن برونيل كان يجلب فتيات لا تتجاوز أعمارهن 12 عاماً "إلى الولايات المتحدة لأغراض جنسية ويوزعهن على أصدقائه وبخاصة إبستين".
بيل ريتشاردسون
ورد في الوثائق ذكر بيل ريتشاردسون، الحاكم السابق لولاية نيو مكسيكو وأول مرشح لاتيني لمنصب الرئاسة الأميركية الذي توفي في سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ قالت جيوفري في شهادتها إن ماكسويل أمرتها بتدليك ريتشاردسون. في عام 2019 نفى متحدث باسم الحاكم الرحل أنه التقى جيوفري.
جلين دوبين
جاء أيضاً ذكر الملياردير الخبير في صناديق التحوط جلين دوبين في شهادة جيوفري التي قالت إن ماكسويل طلبت منها "الذهاب إلى جلين دوبين وتدليكه، وهو ما يعني ممارسة الجنس"، على حد قولها، وهو ما نفاه رجل الأعمال. وذكرت ماكسويل في شهادتها أنها كانت صديقة لزوجة دوبين إيفا أندرسون دوبين.
مارفين منسكي
أفادت جيوفري بأنه طلب منها ممارسة الجنس مع منسكي، وهو عالم كمبيوتر وأستاذ سابق في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أثناء وجوده في جزيرة إبستين.
آلان ديرشوفيتز
وجهت اتهامات بالاعتداء الجنسي على قاصرات لمحامي إبستين، آلان ديرشوفيتز، وأستاذ القانون بجامعة هارفرد الذي كلفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتمثيل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية الأسبوع المقبل.
وتضمنت وثائق المحكمة مزاعم بأن ديرشوفيتز أجبر فتاة قاصراً لم يذكر اسمها وأشير إليها باسم "جين دو 3" على ممارسة الجنس معه في مناسبات عدة. وتزعم الوثائق التي قدمها محامو جين دو 1 وجين دو 2، والتي ورد فيها اسم ديرشوفيتز ما مجموعه 137 مرة، أنه كان شاهداً على تعرض فتيات أخريات للإيذاء. ونفى ديرشوفيتز في السابق مزاعم في عام 2015 بأنه مارس الجنس مع فتاة قاصر.
وبعد ساعات فقط من الكشف عن الوثائق الأربعاء الماضي نفى ديرشوفيتز هذه الادعاءات، ودافع عن براءة وجوده بهذه القائمة بطبيعة عمله محامياً لإبستين التي تتطلب الاحتكاك به. وأفاد المحامي الأميركي في مقابلة حديثة بأن إبستين أعار منزله في فلوريدا له ولعائلته، مشيراً إلى أنه "لم يكن ليسمح أبداً" لأحفاده بالبقاء في المنزل لو كان على علم بجرائمه.
من هو إبستين؟
أدين جيفري إبستين بارتكاب جرائم جنسية، وباستدراج الفتيات الصغيرات لتقديم جلسات تدليك قبل أن تأخذ منحى جنسياً وتجنب إبستين لفترة طويلة مواجهة أي عواقب لأفعاله، حتى تم التحقيق معه لأول مرة بتهمة سوء السلوك الجنسي في عام 2005 بعد أن ادعت امرأة أنه تحرش بابنة زوجها المراهقة.
في نهاية المطاف اتهمت شرطة بالم بيتش إبستين بتهمة ممارسة الجنس غير القانوني مع قاصر في مايو (أيار) 2006، ولكن بعد ذلك أرسل المدعي العام باري كريشر القضية إلى هيئة محلفين كبرى، التي وجهت إليه تهمة واحدة تتعلق بالتحريض على الدعارة. وأدى تخفيف التهمة إلى كثير من الانتقادات التي دفعت مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى فتح تحقيق ضد إبستين، قبل أن ينتهي الأمر بقضائه عقوبة قصيرة مدتها 18 شهراً في عام 2008 بتهمة تجنيد فتاة قاصر لممارسة الدعارة بعد أن أبرم صفقة مع المدعي العام ألكسندر أكوستا لتجنب اتهامه بأي جرائم فيدرالية.
وبعدما أثارت صحيفة ميامي هيرالد دور أكوستا في تسهيل حصول إبستين على عقوبة قصيرة، اعتقل إبستين. في يوليو (تموز) 2019 بعد أن نظر المدعون الفيدراليون في سلوكه بين عامي 2002 و2005. وكشفت القضية المرفوعة ضده عن أن الضحايا، وبعضهن لا تتجاوز أعمارهن 14 سنة حصلن على أموال مقابل تقديم خدمات جنسية له ولأصدقائه، وتجنيد فتيات صغيرات أخريات في دائرة ضحاياه.
وأثناء انتظار المحاكمة بتهم في مقدمها الاتجار بالجنس، توفي إبستين في أغسطس (آب) 2019 منتحراً في أحد السجون الفيدرالية في نيويورك. واستمر التحقيق بعد وفاته، مما دفع المدعين إلى إدانة شريكته ماكسويل والحكم عليها عام 2022 بالسجن لمدة 20 عاماً بتهمة الاتجار بالقاصرات.
ولاقت قضية إبستين صدى واسعاً في العالم بسبب علاقته مع كبار أثرياء العالم وسياسيين في مقدمتهم مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس والرئيسان بيل كلينتون ودونالد ترمب. وأدت العلاقات مع إبستين إلى استقالة مديرين تنفيذيين رفيعي المستوى من مناصبهم، مثل الرئيس التنفيذي لبنك باركليز جيس ستالي.