قوبلت مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال بدعوات إلى التهدئة تارة وأخرى للرفض التام للخطوة، فيما تصدرت مطالب الخارجية الأميركية بـ"حوار دبلوماسي لتهدئة التوترات في القرن الأفريقي" المشهد.
وبموجب مذكرة التفاهم المشار إليها تحصل إثيوبيا على منفذ بحري، في خليج عدن بالسواحل الصومالية، مقابل اعترافها بجمهورية أرض الصومال.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميللر، رداً على أسئلة تتعلق بموقف واشنطن من الاتفاق خلال مؤتمر صحافي أمس الخميس "إن الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء التقارير الواردة من المنطقة".
وأضاف "إننا ننضم إلى الشركاء الآخرين في التعبير عن قلقنا البالغ، في شأن تصاعد التوترات الناتجة في القرن الأفريقي"، مؤكداً من جديد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة جمهورية الصومال الاتحادية وسلامتها الإقليمية، على النحو المحدد "داخل حدودها عام 1960".
ورفض المتحدث الأميركي الرد على سؤال الصحافيين في شأن ما إذا كانت واشنطن تعتقد ضرورة إلغاء المذكرة الموقعة في أديس أبابا، مكرراً الدعوة إلى المشاركة الدبلوماسية بقوله "نحث جميع الأطراف المعنية على المشاركة في حوار دبلوماسي."
بدورها، دافعت الحكومة الإثيوبية عن مذكرة التفاهم الموقعة مع رئيس جمهورية أرض الصومال. وقالت في بيان لها إن الاتفاق "يجيب عن المصالح المشتركة مع أرض الصومال، التي لم تحصل حتى الآن على اعتراف دولي فيما ظلت إثيوبيا دولة مغلقة حبيسة طوال الـ30 عاماً الماضية بسبب فقدانها الساحل البحري، نتيجة أزمات داخلية ومؤامرات خارجية، وظلت البلاد غير ساحلية بسبب خطأ ارتكب في القانون والتاريخ".
وأضاف البيان الإثيوبي "خلال السنوات الخمس الماضية ومن أجل تصحيح هذا الانكسار التاريخي وإحباط الجيل، درست الحكومة الإثيوبية محاولة توسيع خيارات الموانئ والبوابات البحرية المستدامة والموثوقة، التي تتناسب مع مكانة ونمو البلاد".
وأوضح أن توقيع مذكرة التفاهم مع أرض الصومال، حول التعاون والشراكة الشاملة، تتضمن مجالات واسعة من التعاون في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، بما يمنح إثيوبيا فرصة الحصول على قاعدة بحرية دائمة وموثوقة وخدمة بحرية تجارية في خليج عدن، من خلال عقد إيجار.
في المقابل، ستحصل أرض الصومال على حصة كبيرة بالخطوط الجوية الإثيوبية، ويتضمن أيضاً حق أديس أبابا في اتخاذ موقف متعمق في شأن جهود أرض الصومال للحصول على اعتراف دولي.
وبحسب البيان فإن أرض الصومال كانت تحت الحكم الاستعماري البريطاني بعد تشكل أفريقيا وحصلت على استقلالها في الـ26 من يونيو (حزيران) 1960، موضحاً أن عديداً من الدول اعترفت بها في ذلك الوقت. ومع ذلك، وبعد خمسة أيام من العام نفسه، انضمت طوعاً إلى مقديشو، التي تحررت من الاستعمار الإيطالي.
وبعد ثلاثة عقود، أعلنت أرض الصومال استقلالها في عام 1991 وظلت تمارس الديمقراطية منذ 30 عاماً من خلال إجراء سلسلة من الانتخابات السلمية، وفقاً للبيان، الذي أشار إلى أن هناك بعض الدول، بما في ذلك إثيوبيا، تدير مكاتب قنصلية في هرجيسا عاصمة أرض الصومال، لكنها لم تحصل بعد على الاعتراف الكامل. وعلى رغم ذلك فقد وقعت اتفاقات مع بعض الدول، بما في ذلك خدمات وتطوير الموانئ.
تفاعل دولي
من جهتها، حثت مفوضية الاتحاد الأفريقي، عبر رئيسها موسى فكي محمد، إثيوبيا والصومال على "الامتناع عن أي عمل قد يؤدي عن غير قصد إلى تدهور العلاقات الجيدة بين البلدين الجارين في شرق أفريقيا".
وشدد فكي في بيان له على "ضرورة احترام الوحدة والسلامة الإقليمية والسيادة الكاملة لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك جمهورية الصومال الفيدرالية، وجمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية".
علاوة على ذلك، أكد رئيس المفوضية أهمية التزام معايير حسن الجوار لتعزيز وتوطيد السلام والأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحث البلدين الشقيقين على الانخراط من دون تأخير في عملية تفاوضية لتسوية خلافاتهما بطريقة بناءة وسلمية وتعاونية لتعزيز وتعميق تعاونهما لخدمة السلام والأمن في المنطقة.
وأعاد فكي التمسك بأن الاتحاد الأفريقي سيقف بقوة إلى جانبهما لتشجيع التوصل إلى حل أفريقي لهذا التوتر الأفريقي الجديد، وذلك إثر رفض الصومال مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وما يعرف بجمهورية أرض الصومال، إذ يمنح الاتفاق أديس أبابا حق الوصول إلى البحر، مقابل دعم سعي أرض الصومال إلى الحصول على الاعتراف الدولي.
فبعد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء الصومالي، الثلاثاء الماضي، أعلنت مقديشو عن أن مذكرة التفاهم "لاغية وباطلة"، واستدعت سفيرها في إثيوبيا للتشاور.
إضافة إلى ذلك أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للبرلمان الاتحادي موقف البلاد في شأن حرمة أراضيها، لافتاً الانتباه إلى أن الاتفاق يعد انتهاكاً لسلامة أراضي بلاده السيادية، وأن أرض الصومال جزء لا يتجزأ من الصومال.
بدوره أعرب الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) عن قلقهم ودعوا إلى الهدوء وضبط النفس بين الأطراف المعنية.
وأشار الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة احترام كل الأطراف "وحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية"، مشدداً على أن التزام هذه المبادئ يشكل "مفتاحاً للسلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي برمتها".
وعلى رغم أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) لم تتحدث عن مذكرة التفاهم على وجه التحديد، فإنها ذكرت أنها "تراقب الوضع بجدية" وتدرك "التداعيات المحتملة على الاستقرار الإقليمي".
في حين دانت جامعة الدول العربية مذكرة التفاهم وأعربت عن تضامنها مع حكومة الصومال، مشددة على سيادة الصومال ووحدة أراضيه. وقالت "إن ذلك يعد من مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فضلاً عن ميثاق الجامعة العربية، الذي تتمتع الصومال بعضويته".
رفض مصري تركي
على المستوى الإقليمي أعلنت مصر رفضها مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال (صومالي لاند)، التي بموجبها تحصل أديس أبابا على منفذ بحري.
وأكد بيان للخارجية المصرية، أول من أمس الأربعاء، "ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية الشقيقة على كامل أراضيها، ومعارضتها أية إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، مشددة على حق الصومال وشعبه دون غيره في الانتفاع بموارده الوطنية".
وزاد البيان أن القاهرة تتابع من كثب "التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية، التي من شأنها أن تقوض من عوامل الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وتزيد من حدة التوترات بين دولها".
إلى جانبها أعربت تركيا عن استنكارها الشديد للاتفاق الذي وقعته إثيوبيا وأرض الصومال، معتبرة إياه بمثابة "تعد على حقوق ومصالح الشعب الصومالي".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية أونكو كيسيلي، في بيان أمس الخميس، إن أنقرة تشعر بقلق بالغ إزاء هذه الخطوة الأحادية الجانب، التي قال إنها تتعارض مع القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار.
وأضاف "نؤكد من جديد التزامنا الثابت وحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية، وهو أيضاً أحد متطلبات القانون الدولي".
دعم أميركي خفي
من جهته قال الصحافي الصومالي عيدي محمد إن الخطوة التي اتخذتها أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال تمت بضوء أميركي أخضر، مشيراً إلى أن رفض الخارجية الأميركية التعليق حول مطالب إلغاء المذكرة لتعارضها مع مبادئ سيادة الدول، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، تعد إشارة مهمة إلى معرفة موقف واشنطن.
ورأى عيدي أن ثمة تناقضاً بين الادعاء بالاعتراف بسيادة جمهورية الصومال الاتحادية، على النحو المحدد داخل حدودها عام 1960، ورفض التعليق على مذكرة تفاهم، معتبراً أن هذا الأمر يقرأ دعوة واشنطن لكل من مقديشو وأديس أبابا للدخول في مفاوضات دبلوماسية كجزء من تقنين المذكرة، واعتبارها أمراً واقعاً، علاوة على رفضها نظراً إلى تناقضها مع التزامات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
ورأى المتخصص الصومالي أن هناك تمايزاً بين الموقف الأميركي والأوروبي، إذ إن موقف الأخير أكثر وضوحاً، في دفاعه عن سيادة الصومال أرضاً وبحراً وفقاً لحدود 1960.
ويلاحظ أن أديس أبابا التي وعدت مسؤولي أرض الصومال بالاعتراف الدولي تنصلت في بيانها الأخير من ذلك التعهد، وفق عيدي الذي أوضح أنها تجري تقييماً معمقاً حول الاعتراف.
وقال إن إثيوبيا لا تملك القدرة على جلب الاعتراف الدولي لهذه الجمهورية المفترضة، مضيفاً "بإمكانها فقط أن توفر الاعتراف الإثيوبي، إلا أن ذلك يتعارض أيضاً مع التزاماتها الداخلية والدولية، من ثم فهي لن توفر لهرجيسا، سوى حصة تجارية في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية".
وتساءل عيدي في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "هل ثمة دولة تسمح ببيع أراضيها وسواحلها البحرية مقابل نسبة في شركات تجارية!"، مؤكداً أن المذكرة ستسهم في مضاعفة التوترات بين الصومال وإثيوبيا ومن شأنها أن تشرعن عمل الجماعات المسلحة الصومالية، على غرار حركة "الشباب"، وتوفر لها غطاءً سياسياً وشعبياً في ظل الانتهاكات التي تكرسها المذكرة الأخيرة للأراضي الصومالية.
تحقيق الحلم القومي
من جهته رأى المتخصص الإثيوبي غيداون بيهون أن من حق الدول الحبيسة وفق القانون الدولي عقد اتفاقات مع الدول الساحلية للاستفادة من خدمات الموانئ، سواء للأغراض التجارية المدنية أو العسكرية كإقامة قواعد ارتكاز عسكري، مشيراً إلى دولة جيبوتي التي وقعت نحو ستة اتفاقات دولية، لاستضافة قواعد عسكرية أجنبية في سواحلها.
ولفت الانتباه إلى أن جيبوتي تستضيف قواعد عسكرية فرنسية وأميركية وصينية ويابانية وأخرى تابعة لحلف الناتو، مضيفاً "أن العائدات التي تحصل عليها جيبوتي من وراء ذلك تبلغ خمس دخل البلاد".
وحول قانونية المذكرة، بخاصة أن توقيعها تم من جهة غير معترف بها دولياً، قال بيهون "إن جمهورية أرض الصومال لها وضع خاص، فعلى رغم عدم حصولها على الاعتراف الدولي، فإنها ظلت مستقلة عن الصومال لأكثر من ثلاثة عقود، وسبق وعقدت اتفاقات مع دول إقليمية في شأن تحديث وإدارة الموانئ، كما أنها ترتبط بعلاقات تجارية واقتصادية مع دول عدة في العالم".
ولفت الانتباه إلى أن أرض الصومال كانت مستعمرة بريطانية، على عكس الصومال الذي خضع للاستعمار الإيطالي، كما أن أرض الصومال أعلنت استقلالها في 1960 بشكل مستقل عن مقديشو قبل أن تنضم طوعاً له.
ويرى غيداون أن ثمة مسوغات قانونية وتاريخية للاعتراف بهذه الدولة، إذ إن المبدأ القانوني الذي ساد في القارة الأفريقية بعد الحرب العالمية الثانية كان "تصفية الاستعمار" وحقوق الشعوب التي خضعت له بالاستقلال، فكما تم الانضمام للصومال طوعاً يمكن استعادة الاستقلال من ثم الحصول على الاعتراف الدولي بالصيغة ذاتها.
وذكر أن بلاده ماضية في تنفيذ الاتفاق خلال شهر واحد، لأن مصالحها الاستراتيجية، في ظل تزايد عدد السكان، فضلاً عن التوترات المتصاعدة في منطقة القرن الأفريقي، تحتمان عليها تأمين مصالح شعبها بطريقة سلمية.
وختم المتخصص الإثيوبي حديثه بالقول "على رغم الاعتراضات الصادرة من الصومال وبعض دول المنطقة، فإن لدى أديس أبابا خطة واضحة لتحقيق مشروعها الطموح في الوصول إلى المنفذ البحري، وإن ذلك يمثل مصلحة استراتيجية وحلماً قومياً لأكثر من 100 مليون إثيوبي".