ملخص
خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي في نهاية نوفمبر الماضي حذر مندوب روسيا الدائم لدى المجلس من جرّ سوريا إلى مواجهة واسعة النطاق
وسط تصاعد التوترات على حدود سوريا الجنوبية وتزايد احتمالية فتح فصائل المقاومة الموالية لإيران والمتمركزة على طول خطوط الاشتباك جبهة قتالية رداً على حرب غزة المشتعلة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لا تزال موسكو حتى اللحظة تقف موقف المتفرج وسط غارات جوية تنهال على مواقع في دمشق وحلب.
نار وبارود
في تطور جديد تفيد المعلومات الواردة بنشر القوات الروسية نقطتين جديدتين قرب منطقة الجولان السوري التي تسيطر عليها إسرائيل منذ حرب يونيو (حزيران) عام 1967، وكانت وسائل إعلام نقلت عن وكالة "تاس" إعلان وزارة الدفاع الروسية هذه الأنباء على خلفية تصاعد التوتر على تخوم المنطقة الحدودية وتبادل القصف المدفعي والصاروخي بين إسرائيل وفصائل المقاومة في البلاد.
وأكد نائب رئيس مركز المصالحة الروسي الأميرال فاديم كوليت، تثبيت نقطتين عسكريتين جنوب سوريا بسبب التوترات الحاصلة، ونقلت الوكالة تصريحه بـ"إنشاء مركزين عسكريين للشرطة العسكرية الروسية بشكل إضافي من أجل مراقبة وقف إطلاق النار بين الجانبين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذه الأثناء نشرت القوات الروسية دورياتها العسكرية في الجنوب بعد انقطاع دام لأكثر من عام على أثر استهداف إحدى دورياتها من مجهولين في نقطة تسمى التلول الحمر منتصف 2021.
قبل ذلك أحكم الجيش النظامي مع فصائل المقاومة قبضتهما على القنيطرة ودرعا وانتزعاهما من المعارضة عام 2018، وبسطت حكومة دمشق سيطرتها على الأراضي الجنوبية بعد معارك شرسة، وهي أراضٍ تحاذي إسرائيل وتقابل أراضي اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 بعد حرب أكتوبر 1973.
يرجح الباحث الروسي في الشؤون السياسية رولاند بيجاموف لـ"اندبندنت عربية" أن نشر القوات الإضافية يأتي هذه المرة في ظل تصعيد الأوضاع في الشرق الأوسط، مع إمكان امتداد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني من قطاع غزة إلى مناطق أخرى منها جنوب لبنان والجولان السوري.
وأضاف "من وجهة النظر العسكرية فإن هذه القوات لا تستطيع منع الحرب، فهي بمثابة نقاط شرطة عسكرية وليس من وظيفتها التدخل في النزاعات"، معتبراً أن الموضوع يتعلق بما ستتخذه تل أبيب مستقبلاً من قرارات لأن كل شيء يتوقف عليها بالدرجة الأولى.
ويجزم بيجاموف بأن مفتاح قرار الحرب والسلام لدى القيادة الإسرائيلية وليس الأطراف الإقليمية العربية والدولية بما فيها روسيا، مؤكداً أنه في حال عمل هذه النقاط فهي تندرج ضمن مهمات المراقبة، لكن التدخل من قبل الاتحاد الروسي غير ممكن، وليس بوسعه إلا دق جرس الخطر والإشارة إلى وجود انتهاكات في المنطقة.
وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا عن تثبيت سبع نقاط مراقبة قرب الحدود مع الجولان في قرى وبلدات القحطانية وبئر عجم وكودنا والملعقة والرفيد وغدير البستان بالريف الغربي لمحافظة القنيطرة.
الصراع الإقليمي
في هذه الأثناء ينقسم المراقبون حول التطورات الأخيرة في الجنوب السوري بين من يرى في هذا الإجراء تحجيماً للدور الإيراني في سوريا، لا سيما من حيث الصراع غير المعلن حول تقاسم مناطق النفوذ وبسط القدرات العسكرية، إذ تمد قوات روسيا الاتحادية نفوذها غرب سوريا عبر قواعد عسكرية في طرطوس واللاذقية المطلتين على البحر المتوسط، بينما تنتشر قواعد ونقاط عسكرية إيرانية في حلب شمالاً وريف دمشق جنوباً وصولاً إلى ريف دير الزور الشرقي شرق البلاد.
مع ذلك يرجح الناشط الحقوقي والسياسي محمد الحسن فرضية التنسيق حيال هذا السيناريو بين مختلف الأطراف للوصول إلى هذه الصيغة التي تقترب كثيراً من صيغة مشابهة لاتفاق روسي في مايو (أيار) عام 2018 عمل على إبعاد فصائل تتبع إيران و"حزب الله" من الحدود الشمالية لإسرائيل بمسافة 85 كيلومتراً مقابل موافقة الولايات المتحدة ودول إقليمية على وقف تسليح المعارضة السورية، واضطلعت موسكو وقتذاك بدور الدولة الضامنة لتنفيذ الاتفاق.
وأضاف أن "اشتعال جبهة الجولان شبه مستحيل إلا في حال الانجرار نحو تصعيد أو تطور طارئ، ولعل موسكو تعمل على عدم ازدياد حدة هذا التوتر وذلك لمصلحة الطرفين، في حين لا ترغب فصائل المقاومة في إحراج دمشق التي لا تريد في الوقت الحالي خوض حرب واسعة على الأطراف الجنوبية مع ما تعيشه من أزمات اقتصادية متلاحقة".
وخلال جلسة لمجلس الأمن الدولي في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حذر مندوب روسيا الدائم لدى المجلس فاسيلي نيبينزيا من اقتراب دخول روسيا في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ومن جرّ سوريا إلى مواجهة واسعة النطاق وسط غموض يكتنف الموقف الروسي في الساحة.
في المقابل أظهرت تل أبيب ما وصفته إذاعتها الرسمية بـ"خيبة أمل" مع اندلاع حرب غزة، لما أبدته موسكو من موقف مؤيد للفلسطينيين، إذ أرسلت إلى الكرملين رسائل استياء حيال ذلك.
وكانت العلاقات الروسية - الإسرائيلية بدأت بالتدهور مع وقوف تل أبيب إلى جانب كييف وتزويدها بالصواريخ، في وقت أسهمت طهران بتزويد القوات الروسية بطائرات مسيّرة.
وبالنتيجة أعاد الجانب الروسي تموضعه في جنوب سوريا لاعتبارات عدة قبل أن ينسحب من تلك الأراضي لأسباب أبرزها انشغاله بالحرب الأوكرانية، ولعل هذا الموقف الوسط سيحقق حالاً من الارتياح لتل أبيب التي تخشى من اندلاع جبهة ثالثة في الجولان، حيث تدفع فصائل المقاومة إلى فتح حرب "وحدة الساحات" بغية التخفيف عن المقاتلين من حركة "حماس" في قطاع غزة، وسط تسريبات عن جهود دبلوماسية روسية وعربية لوقف التصعيد على الجبهة السورية بعد القصف المدفعي المتواصل من حركات المقاومة والغارات الجوية الإسرائيلية المتلاحقة في المقابل.