Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جنة استوائية في سوريا... من أين جاءت؟

بيئتها ملائمة لزراعة فواكه المناطق الحارة ووفرة الحصاد تدفع المزارعين نحو التصدير لكن أسعارها المرتفعة لم تكن في الحسبان

ظهرت زراعة الفواكه الاستوائية كتجارب فردية في البداية لكنها كللت بالنجاح مما أسهم بتعميمها (اندبندنت عربية)

لم تعد الحمضيات هي نجمة الزراعات في الساحل السوري، إذ بدأ نجمها في الأفول مع خنق هذا المنتج محلياً، وقد مرت عليه آثار الحرب بشكل واضح وجعلته عرضة للكساد والتلف، وما كان يعود على المزارعين سابقاً بالربح الوافر نتيجة تصديره وتصريفه لم تعد له قيمة اليوم في السوق، وإن أردت شراء البرتقال في سوريا فثمنه بخس قياساً بما يتطلبه من أموال للعناية به طوال العام.

في ظل هذا الوضع ظهرت زراعة الفواكه الاستوائية كتجارب فردية في البداية لكنها كللت بالنجاح، مما أسهم بتعميمها على طول الشريط الساحلي السوري الدافئ والملائم لهذا النوع من الفواكه.

بين الماضي والحاضر

ولم يكن دخول الأشجار الاستوائية إلى سوريا مقروناً فقط بالسنوات الأخيرة، إذ يذكر بعض المهندسين الزراعيين أنه في عام 1986 دخلت أول شجرة كيوي إلى إحدى قرى طرطوس، وقد أبدت هذه الشجرة تأقلمها مع مناخ تلك المنطقة، لكن هناك بعض المهندسين الذين يقولون إن شجرة الأفوكادو سبقت الكيوي، فهناك بحسبهم مزارع قديمة زرعتها مكان الحمضيات، وأخرى في أماكن جبلية وصلت لارتفاعات عالية عن سطح البحر، وهي خطوة لا يفضل كثيرون خوض غمارها مع هذه الشجرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن زراعة شجرة الموز في سوريا تعتبر قديمة لكنها انحصرت بجهود فردية، وكانت تزرع في حدائق البيوت الخاصة، كما بدأت كزراعة محمية في بداية التسعينيات، لكنها انتشرت اليوم على نطاق واسع بشكل مكشوف بسبب التغير المناخي وكزراعة بديلة للزراعات المحمية الأخرى التي كانت قبلها كالبندورة، وبخاصة في محافظة طرطوس التي اشتهرت بزراعة هذه النبتة الأخيرة.

بسبب الخسارات المتعددة وكلفها العالية هجر بعض الفلاحين زراعة البندورة واتجه للموز وأقام له مزارع خاصة، ويبدو أن المزارعين راضون عن الإنتاج الذي أصبح برأيهم يضاهي المستورد، فالموز كلفه عادية ولا يحتاج عناية كبيرة، عدا حاجته الكثيفة للمياه التي يعتبرها المزارعون متوافرة، إضافة إلى سرعة نموه، وعليه فإنهم يطمحون إلى أن يتحول الموز إلى منتج استراتيجي في السنوات المقبلة.


أصناف لبيئات مختلفة

بما أن زراعة الموز كشجرة استوائية نجحت، فقد أعطت المعيار الرئيس لتوسيع الزراعات الاستوائية، فأدخل بعض المزارعين أنواعاً استوائية أخرى كزراعة المانغا والسابوتا الأسود أو ما تعرف بالشوكولا، والدراغون أو فاكهة التنين التي تتميز بشكلها ولونها اللافت، إضافة إلى شجرة السدر والقشطة وغيرها من الأصناف التي تخطت حدود الـ40، وأصبحت كلها اليوم موجودة على طول الشريط الساحلي السوري وبإنتاج ظهر بوضوح للمستهلكين الذين كانوا يتساءلون في بداية الأمر عن مصدرها: هل هي من مصر أم لبنان؟ ليكتشفوا أنها محصول سوري.

 

 

يتحدث غدير، وهو صاحب أحد هذه الأراضي التي زرعها بالفواكه الاستوائية، عن البيئات الملائمة لزراعة هذه الأصناف، ويحدد كل صنف على حدة، قائلاً "البيئة الملائمة تختلف من شجرة إلى أخرى، فشجرة الببايا جذرها سطحي مع ارتفاع ثلاثة أمتار، لذلك تعتبر بنيتها هشة جداً ولا تتحمل الهواء ودرجات الحرارة المنخفضة، لذلك لم تنجح زراعتها إلا في الشريط الملاصق مباشرة للبحر حيث الحرارة الدافئة".

كما ذكر البيئة الملائمة لأصناف أخرى، فـ"المانغا شجرة حساسة وبحاجة إلى عناية خاصة من الهواء والأمراض، أما القشطة فهي تنضج بشكل طبيعي ومثالي وتتحمل بعض البرودة أكثر من غيرها، كما أن الأفوكادو هو الشجرة الأكثر مقاومة وإنتاجاً".

الغابة الاستوائية

لكن المشروع الذي أحدث فارقاً ووجه الأنظار إلى هذه المحاصيل، هو مشروع الغابة الاستوائية الذي أنشأه صاحبه حسن محمد عام 2013 على مساحة ثمانية آلاف متر مربع، في المكان ما بين مدينة بانياس وطرطوس، والذي أصبح وجهة سياحية ومقصداً لمعظم السوريين والسياح الذين سمعوا به عبر أصدقائهم الذين زاروه والتقطوا له صوراً أبرزت جماله وغرابته، فعند دخول المغارة يطالع الزائر الجو الاستوائي من أشجار عالية وأمطار دائمة يطغى صوتها على المكان، فيخال له أنه فعلاً سافر إلى بلد أو غابة استوائية حقيقية، وينبهر بالقدرة على تطويع هذا المكان ليكون بيئة حقيقية لهذه الزراعات وللاستمتاع بالمكان.

 

 

وعمل القائمون على هذا المكان على تقديم الخدمات الترفيهية من جلسة في وسط الغابة، إلى تقديم الفواكه التي تنتجها الأرض، إضافة إلى العصائر بأنواعها. بينما تعج المنطقة المحيطة الباقية بأعداد هائلة من الأشجار وأصناف الفواكه التي بدأت كتجربة وتطورت حتى أصبحت تعطي إنتاجاً هائلاً، إذ تخطى عددها 80 صنفاً في هذا المكان وحده، ولا يزال صاحبه يأتي بأصناف جديدة ويجربها وينتظر سنوات حتى يرى النتيجة.

أسعار محلية مرتفعة

قبل هذه السنوات الأخيرة كان تسويق الفاكهة الاستوائية صعباً، فمثلاً كان لعلي مزرعة مانغا منذ 2009، لكن تسويق منتجه كان يقف عائقاً في تصريفه، إلا ما خلا بعض الفنادق داخل البلاد في حلب ودمشق أو من يطلبها من لبنان.

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي استطاعت هذه الزراعة أن تنتشر بين أهل البلاد ويتعرفون إليها وعلى مناطق زراعتها، كما أن الصور التي رفعت على هذه المواقع أسهمت بشكل كبير في تحفيزهم على شرائها أو تجريبها.

وهنا اصطدم البعض بأسعارها المرتفعة التي لم تكن في الحسبان، إذ إن حبة المانغا التي قد يصل وزنها كيلوغراماً واحداً تباع بما يقارب الـ50 ألف ليرة سورية أو ما يعادل أربعة دولارات، كما وصل سعر الموز لأسعار تقارب 35 ألف ليرة سورية والأفوكادو مثله.

وهنا بدأت أصوات المزارعين في المطالبة بالانفتاح على التصدير، الذي يعتبر خجولاً ومقتصراً على العراق والكويت وبعض المناطق المجاورة، فوجود هذه المنتجات في السوق مع عدم قدرة المواطنين على شرائها إلا في ما ندر يهدد بكساد المحاصيل التي انتظر مزارعوها سنوات ليروا نتاج ثمارهم.

المزيد من العالم العربي