Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البرهان أمام اختبار قبول لقاء "حميدتي" وحمدوك

قائد الجيش أمامه خياران إما أن يرفض ويبدو بمظهر المساند للحرب أو يوافق وهو ما يعد تنازلاً عن الصراع

من أحد اللقاءات السابقة التي جمعت البرهان وحميدتي قبل اندلاع الحرب بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية (مواقع التواصل)

ملخص

بعد لقاء حمدوك وحميدتي سيكون البرهان أمام اختبار صعب، فإما يرفض اللقاء ويبدو بمظهر من يرفض وقف الحرب خصوصاً بعد إعلان "الدعم السريع" رغبته في وقفها أو أن يقبل باللقاء مما يعد تنازلاً.

الدعوة إلى عقد لقاء بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي بشرت به سلسلة من المبادرات آخرها لقاء أديس أبابا، هي خطوة نحو تجسير الخلافات بين الأطراف الثلاثة.

وإن تم اللقاء فسيعمل على تغيير البيئة الأمنية والسياسية في السودان، إلى ائتلاف مدني- عسكري، بديلاً لما تم أثناء الفترة الانتقالية، وإذا تطورت المصالحة بين البرهان وحميدتي وحمدوك، فإن علاقة الثلاثي قد تواجه صعوبة في المستقبل القريب، خصوصاً أن الجنرالين فشلا في اللقاء المباشر للتفاوض في شأن وقف الحرب، وأن كلاً منهما تقف وراءه قوى دافعة للاستفادة من أي وضع.

 أهداف عدة ظل ينادي بها المكونان المدني والعسكري منذ قيام الانتفاضة وإسقاط عمر البشير، فأما تأسيس الدولة السودانية على أساس مدني وديمقراطي، فقد واجهتها عقبات تشبث المكون العسكري بموقعه وهو ما ترجم بانقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي تلخص في الانقلاب على الوثيقة الدستورية سلسلة قرارات أخرى شملت فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء، واستئثار الجيش بالحكم، ثم دب الشقاق الكبير، وأثناء ذلك كان شبح الفراغ التشريعي والدستوري يخيم على حياة السودانيين، وأعاق كثيراً من تحركاتهم.

 وإضافة إلى ذلك، هناك الخلل الواضح في ما يتعلق بإعادة تشكيل القطاع الأمني والعسكري ودمج الحركات المسلحة في الجيش، كل هذه البنود ظلت تتجدد بأشكال وصياغات عدة، كل من موقعه، ويضاف إلى ذلك هدف إنهاء الحرب، وهو تطور أفضت إليه كل التفاعلات السابقة، وانفجر بعد الخلاف حول "الاتفاق الإطاري" في ديسمبر (كانون الأول) 2022، الذي أقر بدمج الحركات المسلحة و"الدعم السريع" داخل الجيش، بينما اتهمت القوى المدنية الجيش بالتخطيط للتمسك بالسلطة، وتبنى حميدتي هذا الاتهام، بينما عد الجيش تحركات "الدعم السريع" تمرداً ضد الدولة.

نقض الاتفاقات

بعد شهر من عزل حمدوك ووضعه قيد الإقامة الجبرية تزامناً مع إجراءات البرهان، عاد إلى منصبه في رئاسة الوزراء على أثر اتفاق مع البرهان، وكان المكون المدني قد صعد الأمر إلى احتجاجات على تغول المكون العسكري وفرض سيطرته.

قضى الاتفاق بـ"التزام مجلس السيادة الذي يرأسه البرهان بعدم التدخل في العمل التنفيذي، وتأكيد احترام الوثيقة الدستورية، وضمان نهاية الفترة الانتقالية في موعدها المحدد، وإدارة هذه الفترة بموجب إعلان سياسي يحدد الشراكة بين مختلف القوى المدنية والعسكرية والاجتماعية والدينية وتشكيل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية".

اتفق البرهان وحمدوك على الالتزام بضرورة تشكيل حكومة مدنية، وفق شراكة انتقالية، وكانت تلك بداية الحكومة الانتقالية الثانية، التي لم تعمر طويلاً، إذ إن العسكر نكصوا مرة أخرى حينما ضيق عليهم "الاتفاق الإطاري" الخيارات، وأصبحوا في مواجهة القوى المدنية من ناحية، والحركات المسلحة من ناحية أخرى، في هذه اللحظة أدركت قوات "الدعم السريع" أن مركب البرهان غارقة ومتورطة، إذ لم يبدِ أي نية في سبيل التخلي عن الحكم لصالح حكم ديمقراطي، بل قاد نقض الاتفاقات العديدة إلى المواجهة المسلحة.

تعاون جديد

لم يحصل الاتفاق بين البرهان وحمدوك على سند دستوري لغياب "قوى إعلان الحرية والتغيير" التي وقعت على الوثيقة الدستورية، كما أنه لم يكسب رضا أطراف عدة مدنيين وعسكريين، ففي حين رأى مدنيون وفي مقدمهم "تجمع المهنيين السودانيين" أن الاتفاق اختزل المكون المدني في حمدوك، رفض الاتفاق ووصفه بـ"اتفاق الخيانة"، وأنه "محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب وسلطة المجلس العسكري وانتحار سياسي لعبدالله حمدوك".

ورأى عسكريون أن الاتفاق كذلك حصر في البرهان ولم يشمل كافة التنظيمات العسكرية بما فيها "الدعم السريع" على أساس أن قائده نائب رئيس مجلس السيادة، وكانت تلك من أكبر الانشقاقات في صفوف المدنيين الذين دعوا إلى اختيار رئيس وزراء جديد بديلاً لحمدوك، والعسكريين الذين رأوا أن البرهان غدر بهم وانفضوا من حوله.

 برز إلى السطح تعاون جديد بين "قوى الحرية والتغيير" و"الدعم السريع" حتى استقالة حمدوك، مروراً بالاتفاق الإطاري الذي ظهرت فيه "قوى الحرية والتغيير" متبنية مطالب "الدعم السريع" بخصوص مدة دمج القوات في الجيش، ثم إعلان الحرب.

ضرورة التوافق

في الأسبوع الماضي، بعد ما يقارب 10 أشهر من الحرب، التقى قائد قوات "الدعم السريع" وعقد اجتماعاً مع رئيس الوزراء السابق، رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وناقشا كيفية وقف الحرب الدائرة بالسودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ أبريل (نيسان)، وجاء هذا اللقاء بعد رسالتين بعثهما حمدوك إلى البرهان الذي لا يزال يقف في منتصف الطريق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

توصل حميدتي، أخيراً، إلى اتفاق مع حمدوك ووقع على بيان التنسيقية "إعلان مبادئ أديس أبابا"، الذي ينص على "وقف الحرب واستكمال الثورة السودانية والحكم المدني الديمقراطي"، وبموجب الاتفاق الجديد، أعلن قائد قوات "الدعم السريع" استعداده لوقف الحرب والدخول في مفاوضات مع القوات المسلحة لإنهاء القتال المستمر بينهما، كما وافق على طلب "تقدم" بالإفراج عن 451 من أسرى الحرب والمحتجزين عبر لجنة الصليب الأحمر، إضافة إلى فتح ممرات آمنة لوصول المساعدات وتيسير عمل المنظمات الإنسانية في مناطق سيطرته.

تبدو هذه البنود أكثر تحديداً وأقرب إلى التطبيق في حال تدخلت المنظمات الإنسانية، ولكن هناك بنوداً أخرى تحتاج إلى ضرورة التوافق بين البرهان وحميدتي مثل "تهيئة الأجواء لعودة المواطنين إلى منازلهم في المناطق المتأثرة بالحرب وتأمينها بنشر قوات الشرطة"، ومع أن هذا هو الشرط نفسه الذي وضعه البرهان حتى يوافق على لقاء حميدتي، لكن تبقى مسألة حل الاشتباك بين حقيقة وجود عدد كبير من قوات "الدعم السريع" في منازل المواطنين، وحالة الإنكار المستمرة، وسيتوالى تبادل الاتهامات بين الجانبين في ما يتعلق بعمل لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

أما "تشكيل إدارات مدنية بتوافق أهل المناطق المتأثرة بالحرب تتولى ضمان عودة الحياة إلى طبيعتها"، فمعلوم أنه منذ بداية الحرب، بدأ استقطاب الإدارات المدنية ومنها الإدارات الأهلية، ويتبارى الجانبان الآن في الدعوة إلى تجنيد المدنيين.

بيانات تحريضية

بعد لقاء حمدوك وحميدتي سيكون البرهان أمام اختبار صعب، فإما يرفض اللقاء ويبدو بمظهر من يرفض وقف الحرب خصوصاً بعد إعلان "الدعم السريع" رغبته في وقف الحرب وتمسك الجيش باستمرارها، فإن رفض الجيش يعد إيذاناً باستمرارها لسنوات أخرى أو أن يقبل باللقاء مما يعد تنازلاً، ومع ذلك قد يكون قبول اللقاء أكثر الاحتمالات ترجيحاً، ولكن تفاصيل الاتفاق وما قد يفضي إليه سيكون عرضة لخلافات أخرى.

إشارات كثيرة تذهب باتجاه أنه لن ينتج من أي لقاء بين حمدوك والجنرالين وضع مثالي، فلا تزال هناك قوى سياسية حزبية تضغط بأجنداتها خلف حمدوك وحميدتي من جهة، ومن خلف البرهان، لا تزال الحركة الإسلامية تنشر بيانات تحريضية للجيش، وبالفعل اعتمد قرار تجنيد المدنيين.

وقد جند الجيش في عهد الرئيس السابق عمر البشير قوات "الدفاع الشعبي" و"كتائب الظل" وهي كتائب أمنية مسلحة ودربها كما درب قوات "الدعم السريع" التي زودها بجنود منتدبين من الجيش اشتركوا في الحرب الحالية، ونتيجة لذلك التجييش، أصبحت القوات المسلحة تفتقر لقوات المشاة، فاضطرت إلى استخدام الطيران الحربي للرد على هجوم "الدعم السريع"، وهو ما شرَّد سكان الخرطوم ودمر البنية التحتية.

وعلى رغم الحجج التي ساقها البرهان في خطابه الأخير، ومعها شجب "الدعم السريع" وقائدها حميدتي فإن السياق الذي جرى فيه اللقاء الأخير لن يكون في صالحه على المدى الطويل. فحمدوك بعد الانقلاب على حكومة الفترة الانتقالية هو أول حليف لـ"الدعم السريع" يبدأ مفاوضاته وإلى جانبه "قوى الحرية والتغيير"، وقد تكون هذه الدعوة الأخيرة للبرهان، إذ إن القوى تراهن أيضاً على أن يدخل حلفاء آخرون قد يضعفون موقفه في المفاوضات المقبلة.

وخوفاً من خلق أي خلاف بين الحليفين حمدوك وحميدتي من شأنه أن يخاطر بتعطيل ما تم إعلانه عن الرغبة في وقف الحرب، ستعمل قوى إقليمية ودولية باتجاه إحداث ضغط أكبر لقبول البرهان باللقاء، وإذا استمرت مطالب قائد "الدعم السريع" المفرطة بتقاسم السلطة في جولات المفاوضات المتقدمة، فقد يؤدي ذلك إلى تآكل ثقة المدنيين كشريك حالي يمكن الاعتماد عليه في وصوله إلى السلطة.

مصالح سياسية

يعد اللقاء الذي جمع بين حمدوك وحميدتي مبادرة لحل سياسي- عسكري، فما يجمع بين "الدعم السريع" و"تقدم" الآن مصالح سياسية، الأكثر حاجة إليها هي قوات "الدعم السريع" لأن الحرب لا تزال قائمة، وإقناع الرأي العام المحلي والدولي برغبة القوات في وقف الحرب والتحول إلى قوة سياسية، ثم إدارة المناطق التي يسيطر عليها تحتاج إلى وقت وجهود إعلامية عالية تبدأ بتنظيف السمعة السياسية أولاً مما لحق بها من تهم بارتكاب انتهاكات واسعة، كما تحتاج القوى السياسية إلى مبررات باختيار "الدعم السريع" على رغم عن هذه التهم.

هذا التحالف الواضح، لم يغضب البرهان فحسب بل عبَّر عنه في بيانه الأخير بإدانة واسعة، وربما يستعد لتلبية دعوة حمدوك- حميدتي بتحالف آخر يتكون من الجيش وبعض الحركات المسلحة والتيار الإسلامي الذي بدأ يعد لهذه الخطوة بتكوين ائتلاف سياسي يتبناه إسلاميون منشقون عن حزب البشير بعد المفاصلة الشهيرة في تسعينيات القرن الماضي التي استبعدت الترابي وتلامذته.

وإذا قبل البرهان بالتفاوض مسنوداً بهذه المجموعة، فهو يعلن فشله قبل أن يبدأ، وفي هذه الحالة ستستمر الحرب لسنوات أخرى إلى أن يستطيع الإسلاميون إحداث اختراقات أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل