باعت الحكومات والشركات في الأسواق الناشئة ديوناً قياسية بقيمة 50 مليار دولار في الأيام الأولى من عام 2024، في الوقت الذي تسارع فيه إلى تأمين الانخفاض الحاد الأخير في كلف الاقتراض، وفقاً لصحيفة الـ"فايننشال تايمز".
وقالت الصحيفة إن الإصدار السعودي بقيمة 12 مليار دولار هذا الأسبوع ساعد على رفع مبيعات السندات من قبل الاقتصادات النامية، بما في ذلك المكسيك وإندونيسيا، إلى 51 مليار دولار هذا العام، وفقاً لبيانات "ديلوغيك"، مقارنة بـ42 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، وباعت الحكومات 29 مليار دولار من إجمالي هذا العام.
إصدار الديون نهج تستخدمه الحكومات والشركات العامة لجمع الأموال ببيع السندات للمستثمرين الأجانب، في المقابل يحصل المستثمرون على فائدة دورية على المبلغ المستثمر.
وأضافت الصحيفة أن السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، مولت نحو نصف عجزها المالي المتوقع هذا العام، مما يسلط الضوء على أنه كيف أن عدم اليقين في شأن مسار أسعار الفائدة الأميركية يدفع البلدان إلى تأجيل اقتراضها قدر الإمكان؟
وعلى رغم انخفاض العائدات، إلا أن عملية البيع لا تزال تجتذب طلباً بقيمة 30 مليار دولار، مما يشير إلى شهية المستثمرين الصحية.
ارتفاع أسعار ديون الأسواق الناشئة بقوة
إلى ذلك، ارتفعت أسعار ديون الأسواق الناشئة بقوة قرب نهاية عام 2023، إذ أثار المستثمرون رهانات على أن مجلس الاحتياط الفيدرالي "المركزي الأميركي" سيخفف السياسة النقدية بصورة أسرع مما كان متوقعاً في السابق وينجح في تحقيق ما يسمى الهبوط الناعم للاقتصاد هذا العام، في حين يجعل انخفاض العائدات على سندات الخزانة الأميركية العائدات على أصول الأسواق الناشئة أكثر جاذبية للمستثمرين.
وأشارت الصحيفة إلى أنه ومع عدم تأكد الجهات المصدرة ومستشاريها من المدة التي سيستمر فيها الارتفاع، ترغب العديد من الدول في التخلص من صفقاتها في وقت مبكر.
وقال رئيس استراتيجية الدخل الثابت للأسواق الناشئة العالمية في "بنك أوف أميركا" ديفيد هونر، إلى "فايننشال تايمز"، إننا "شهدنا للتو انخفاضاً كبيراً في العائدات ولا أحد متأكد تماماً مما إذا كان هذا العام سيكون هبوطاً حاداً أو ناعماً أم لا"، مضيفاً "كل شيء الآن جيد بقدر ما يحصل عليه المصدر".
سندات الأسواق النامية بديل جذاب للعائدات
وبعد سنوات أدى فيها ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة إلى الابتعاد عن الأسواق الناشئة، ينظر المستثمرون مرة أخرى إلى السندات التي تصدرها البلدان النامية، بالدولار والعملات المحلية على حد سواء، كبديل جذاب للعائدات المنخفضة المعروضة الآن من الأسواق المتقدمة.
ويمكن أن تتفوق سندات العملة المحلية إذا تمكنت البنوك المركزية في الأسواق الناشئة من خفض أسعار الفائدة هذا العام، في حين أن الديون الخارجية ستتعزز بسبب ضعف الدولار.
وقال هونر "الأسواق الناشئة تخرج من فترة طويلة من التدفقات الخارجة"، مضيفاً "نحن نبدأ عام 2024، إذ يعاني المستثمرون من نقص شديد في الاستثمار هيكلياً ودورياً في الأسواق الناشئة".
لكنه أشار إلى أن أسباب الاستثمار تعكس إلى حد كبير تخفيف أسعار الفائدة العالمية وليس توقعات نمو اقتصادي أقوى في العديد من البلدان النامية.
طوفان الإصدارات الجديدة
وقال محلل الائتمان السيادي في شركة "تي رو برايس" آرون غيفورد "لقد فتحت الأبواب بصورة أساسية وسنشهد طوفاناً من الإصدارات الجديدة حتى يتم إغلاق تلك النافذة مرة أخرى".
وتعتبر المكسيك أول سوق ناشئة تصدر معظم السنوات، لكن بيع الديون هذا الشهر من قبل البلاد كان الأكبر على الإطلاق بقيمة 7.5 مليار دولار، وعن ذلك قال غيفورد إن "السندات اجتذبت طلباً مكتنزاً للغاية بقيمة 21 مليار دولار، وهو ما يعكس التفاؤل حول التوافق مع اقتصاد أميركي قوي والاستثمار في سلسلة التوريد القريبة من الخارج".
ومع ذلك، يبدو أن مبيعات السندات هذا العام تظهر أن الأسواق مفتوحة فحسب للحكومات، التي تتمتع في الأقل بتصنيفات ائتمانية من الدرجة الاستثمارية مثل السعودية والمكسيك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول المستثمرون إن البلدان ذات التصنيفات غير المرغوب فيها، مثل الفئة B، قد تستمر في البحث للوصول إلى التمويل هذا العام، مما يجعلها غير قادرة على إعادة تمويل آجال الاستحقاق التي تلوح في الأفق إلا بأسعار فائدة محفوفة بالأخطار من خانتين من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم أعباء السداد بسرعة.
وقال أحد مديري صناديق السندات، إن "الحد الأقصى للوصول إلى الأسواق هو سعر فائدة 10 في المئة إلى 11 في المئة"، مضيفاً "أي شيء أعلى من ذلك لن يتم إنجازه".
وسينظر إلى سندات كينيا البالغة ملياري دولار المستحقة في يونيو (حزيران) المقبل، على أنها اختبار حقيقي هذا العام، بعدما أشارت نيروبي إلى أنها ستلجأ إلى القروض المصرفية التنموية لإعادة شراء جزء من الديون بدلاً من السعي لإعادة التمويل في السوق.
وأصدر أكبر اقتصاد في شرق أفريقيا السندات بأسعار فائدة تتراوح بين ستة وسبعة في المئة في عام 2014، خلال فترة أسعار الفائدة الأميركية القريبة من الصفر، والتي دفعت المستثمرين إلى البحث العالمي عن الأصول ذات العائد المرتفع.
دول أكثر عرضة للتخلف عن سداد الديون
ومع توقع المستثمرين في الغالب أن تظل سندات الخزانة الأميركية القياسية لأجل عشر سنوات أعلى من أربعة في المئة هذا العام، فإن قليلون يتوقعون عودة هذه البيئة في أي وقت قريب.
ونتيجة لذلك، سيراقب المستثمرون أيضاً ما إذا كانت البلدان التي تعتبر الأكثر عرضة لخطر التخلف عن السداد، مثل مصر، التي تواجه نحو 30 مليار دولار من سداد الديون الخارجية هذا العام، يمكنها الحصول على المزيد من قروض صندوق النقد الدولي للتغلب عليها.
وعن ذلك قال هونر "من الصعب للغاية رؤية خلفية يمكن فيها للشركات المنفردة استعادة الوصول إلى السوق الذي كانت تتمتع به خلال العقد الماضي"، مضيفاً "معظم هذه الاعتمادات تحتاج إلى عوائد أقل بكثير من رقمين لتكون مستدامة."
ومع ذلك، يتوقع المستثمرون أن عدداً قليلاً نسبياً من البلدان سيتقبل الأمر ويختار وقف المدفوعات هذا العام. وكانت إثيوبيا هي المقترض السيادي الكبير الوحيد الذي تخلف عن السداد العام الماضي بعد موجة من حالات التخلف عن السداد حدثت بالفعل في عام 2022، بما في ذلك غانا وروسيا وأوكرانيا وسريلانكا.
وبعد مرور سنوات، لا تزال العديد من هذه البلدان وحتى الدول المتخلفة عن السداد في وقت سابق مثل زامبيا، التي أوقفت المدفوعات في عام 2020، مقيدة بمفاوضات مطولة لإعادة هيكلة الديون.