ملخص
تتزايد مخاوف إغراق ليبيا في مستنقع الدين العام وخبراء يطالبون بتنشيط الزراعة والصناعة لرفد الاقتصاد بموارد غير ريعية... إليكم تفاصيل أكثر
رافق دخول ليبيا العام الجديد ثقل مالي سبق وكشف عنه وزير الاقتصاد محمد الحويج، الذي أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ارتفاع الدين العام المحلي إلى 200 مليار دينار ليبي (33 مليار دولار أميركي) من الإنفاق الحكومي الموازي بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة في الغرب وحكومة أسامة حماد في الشرق.
وأوضح الحويج أن الإنفاق الموازي أسهم في فوضى وتخبط داخل سوق العملات الصعبة في البلاد ومؤشر الدين العام المحلي أكدت خطورته تقارير صادرة عن مصرف ليبيا المركزي الأيام الماضية، إذ بلغت نفقات الجهات السيادية خلال عام 2023 على غرار مجلس النواب والجهات التابعة له 1.6 مليار دينار (266 مليون دولار)، في حين بلغت مصروفات المجلس الأعلى للدولة 80 مليون دينار (13 مليون دولار) والمجلس الرئاسي والجهات التابعة له 770 مليون دينار (117 مليون دولار)، كما قدرت نفقات مجلس الوزراء لحكومة الدبيبة والجهات التابعة له بنحو 3 مليارات دينار (500 مليون دولار).
وأكدت تقارير ديوان المحاسبة أن إجمال المرتبات بلغ 65 مليار دينار (10 مليارات دولار) خلال عام 2023 منها مرتبات المؤسسة الوطنية للنفط وجهات أخرى.
مؤشر خطر
ووصف المتخصص في الشأن الليبي محمود الرملي قيمة الدين العام المحلي بالمؤشر السيئ والخطر. وقال "إن مثل هذا الرقم يضع الاقتصاد الليبي على حافة الهاوية باعتبار أن انتعاش الوضع الاقتصادي يتطلب استقراراً سياسياً"، وأوضح أن ارتفاع الدين العام المحلي نتيجة متوقعة بالنظر إلى سياسات الصرف التي تعتمدها حكومتا الدبيبة وحماد، مؤكداً أن قيمة الدين العام المحلي ستشهد ارتفاعاً إذا ما تواصل الانقسام السياسي بخاصة في ظل تتالي الإغلاقات النفطية وآخرها إغلاق حقلي الفيل والشرارة النفطي جنوب البلد والتهديدات التي تطل علينا بإغلاق مجمع مليتة للغاز، باعتبار أن الاقتصاد الليبي اقتصاد ريعي تعتمد إيراداته فقط على مداخيل النفط.
وتابع المتخصص في الشأن الليبي أن مصرف ليبيا المركزي أوضح أن الإيرادات حتى ديسمبر (كانون الأول) 2023 بلغت 25.4 مليار دينار (4 مليارات دولار) بينما وصل إجمالي الالتزامات القائمة 35 مليار دينار (5 مليارات دولار) أي بنسبة عجز بقيمة 10 مليارات دينار (1.66 مليار دولار)، مضيفاً أن هناك ارتفاعاً بمصروفات النقد الأجنبي بوتيرة تزيد على 5 مليارات دينار (830 مليون دولار).
وحذر الرملي من استمرار عدم سداد الدين العام الذي سيربك استمرارية الدولة وسيؤدي إلى تآكل الاحتياطات المالية للبلد، وسيزيد من ارتفاع سعر الدولار مقابل خفض قيمة الدينار الليبي.
وتخوف الرملي من انزلاق ليبيا إلى الدين الخارجي عبر قرار سياسي لا من خلال حاجة اقتصادية، مما سيؤدي إلى فقدان سيادتها الاقتصادية، مشدداً على أنه ما لم يتم توحيد المؤسسة السياسية لن تجد ليبيا طريقاً لمعالجة الدين العام بل ستذهب نحو ميلاد دين عام أكبر.
آليات التغطية
ويتفق المستشار السابق للإدارة التجارية للاستثمار محمد مطيريد مع الرملي في أن الانقسام السياسي وتعدد الحكومات هما السبب في زيادة الدين العام، مؤكداً أن صندوق الاحتياط العام أصبح هو الآخر في حالة استنزاف، فسابقاً كان يحوي ما يقارب 100 مليار دينار (1.6 مليار دولار) موجودة في مصرف ليبيا المركزي، أما اليوم فتقريباً الصندوق شبه فارغ، وأبرز دليل هو وصول الدين العام إلى 200 مليار دينار (3.3 مليار دولار).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأرجع المستشار الاقتصادي ذلك إلى السياسة المالية التي يعتمدها مصرف ليبيا المركزي، والتي تعتمد على استنزاف المال العام لا على تغذيته بمصادر مالية جديدة، مشيراً إلى أن الموازنات التي ترصد للميليشيات غرب البلد هي الأخرى سبب في ثقل الدين العام المحلي.
ولتخليص ليبيا من فك الدين العام اقترح مطيريد ضرورة خروج البلد من دائرة الدولة الريعية التي تعتمد على النفط فقط إلى الدولة التنموية التي تعتمد على الاستثمارات بنظام (BOT) أو نظام (ABE) على غرار دول ومدن عدة منها سنغافورة ودبي وغيرهما.
وقال مطيريد إن الخطة المقبلة يجب أن تكون خمسينية تبدأ من 2025 إلى 2050، ثم تتواصل 25 سنة أخرى وتتمثل في إجراء إصلاح اقتصادي شامل يبدأ بإحياء الأحواض الزراعية الموجودة في منطقة جالو (شرق) والكفرة (جنوب)، التي كانت في عهد الرئيس السابق معمر القذافي إحدى ركائز الاقتصاد الليبي غير أنها انهارت بعد 2011، لأن الزراعة يجب أن تدخل كإيرادات اقتصادية عبر تصدير الحبوب للخارج وإدخال العملة الصعبة لخزانة الدولة الليبية.
طاقة متجددة
وتابع المستشار السابق للإدارة التجارية للاستثمار "ليبيا تمتلك صحراء شاسعة يجب استغلالها في إنتاج الطاقة المتجددة وتحديداً الشمسية، التي من المحتمل أن يصل مداها إلى 2000 ميغاواط، لتكون بذلك أكبر محطة طاقة شمسية في العالم باعتبار أنه حالياً محطة النور بالمغرب هي الكبرى وتنتج ما يقارب 1100 ميغاواط فقط".
ولفت مطيريد إلى أهمية الذهاب سريعاً إلى استغلال الساحل الليبي الذي يقدر طوله بنحو 2000 كيلومتر وهو من أطول السواحل في المنطقة، وفتح طرق بحرية تصل إلى أقرب نقاط برية تجاه الدول الأفريقية المجاورة لتكون بذلك ليبيا بوابة أفريقيا بحراً وبراً، إضافة إلى أهمية التركيز على المجال السياحي، بخاصة أن البلاد تمتلك مناطق ذات مواصفات جغرافية مختلفة من السياحة الجبلية والصحراوية والاستشفائية.
وأكد مطيريد ضرورة تطوير المجال الصناعي بخاصة أن ليبيا كانت تتبوأ المرتبة الثانية عالمياً في صناعة الحديد عبر خمسة مصانع يبقى أهمها مصنع مصراتة، ولكنها باتت ضحية للفساد، ودعا وزير الاقتصاد إلى الالتفات إلى صناعة الأسمنت التي من الممكن أن تصبح أحد أهم الروافد الاقتصادية للدولة الليبية، بخاصة أنها تمتلك ثلاثة مصانع كبرى موزعة على درنة وبنغازي وزليتن، وقادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي منها والتوجه إلى تصديرها.
وأكد المستشار السابق للإدارة التجارية للاستثمار أن مثل هذه الحركية والتنوع الاقتصادي قادران على خلق مشاريع صغرى ومتوسطة من شأنها تخليص المواطن الليبي من عقلية الاعتماد على المرتب الثابت من الدولة، مشيراً إلى أن موازنة المرتبات تقدر اليوم بنحو 65 مليار دينار (10 مليارات دولار) أي أن نصف موازنة الدولة السنوية تذهب للرواتب.
وحث المصدر ذاته على توحيد المؤسسة البنكية، لأنه في الظاهر نرى المصرف المركزي الليبي موحداً ولكنه منقسم في باطنه، مطالباً الدولة بتنشيط هيئة الاستثمار الخارجي التي تمتلك مشاريع في 40 دولة وتقدر أصولها بنحو 90 مليار دولار في فترة ما قبل حكومة الدبيبة، وهي أصول ثابتة تتحرك فقط مع تحرك السوق بهذه الدول، وكان من المقرر أن تصل إلى 132 مليار دولار في 2022، إضافة إلى إيرادات يتم استنزافها بشكل ممنهج، وفق تعبيره، لافتاً إلى أن الأصول المجمدة تقدر بـ400 مليار دولار باعتبار أن مجلس الأمن الدولي لم يرفع الغطاء عنها حتى الآن لأن ليبيا ما زالت غير مستقرة سياسياً.