استبشر المستثمرون بعام 2024 حاملين آمالاً تتعلق ببداية انتعاش الأسواق، إذ يترقبون تخفيف السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية في مقدمتهم "الفيدرالي" حتى لو تأخرت إلى مارس (آذار) المقبل، إلا أن الاتساع المفاجئ لرقعة الحرب في غزة مع الضربات الأميركية البريطانية لأهداف عسكرية للحوثيين في اليمن رداً على هجمات الحركة على سفن في البحر الأحمر خيم بظلاله على الوضع، إضافة إلى ارتفاع وتيرة التضخم في الولايات المتحدة مساء الخميس قد يجبر المستثمرين إلى تقليل درجة تعرضهم للأخطار مما يدفع الأسواق إلى الركود.
ارتفاع أسعار النفط
في البداية جاءت ردود فعل السوق محدودة أمس الجمعة بعد أنباء عن توجيه الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات لأهداف عسكرية للحوثيين في اليمن رداً على هجمات الحركة على سفن في البحر الأحمر، إلا أن أسعار النفط ارتفعت بينما هزت التوترات سندات الخزانة الأميركية وأسواق الأسهم بعد الضربات.
وتعليقاً على ذلك، قال محللون إن المستثمرين سيسعون إلى تقليل التعامل مع الأسواق الأكثر خطورة وزيادة الملاذات الآمنة في الوقت الذي سينتظرون فيه ليروا كيف سيتطور الوضع في الشرق الأوسط وخصوصاً ما يتعلق بتعطل إمدادات النفط وحركة التجارة.
من جهتها، قالت رئيسة استراتيجية سوق الصرف الأجنبي في "ساكسو ماركتس" بسنغافورة تشارو تشانانا إن "الأسواق في حالة تأهب مع تزايد خطر التصعيد"، مضيفة أنه "من المهم جداً مراقبة أي أعمال أخرى من أي من الجانبين خصوصاً مع اقتراب عطلة نهاية أسبوع طويلة في الولايات المتحدة، وعلى وجه التحديد مع ظهور تهديد اندلاع صراع إقليمي أوسع".
وأشارت إلى أن مع التركيز في المدى القريب على أخطار التصعيد الجيوسياسي، قد يشهد الين والذهب عمليات شراء باعتبارهما ملاذاً آمناً". ولفتت إلى أن هناك احتمالات كثيرة فالضربات التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا هي الأولى على الأراضي اليمنية منذ عام 2016، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات لمستويات أعلى في الحرب المستعرة بين إسرائيل وحركة "حماس" منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ويهاجم الحوثيون المتحالفون مع إيران، والذين يسيطرون على مناطق كبيرة في اليمن، السفن التي تمر عبر البحر الأحمر منذ أسابيع فيما يقولون إنه رد على الحرب الإسرائيلية في غزة. وعلى رغم تصريحات الولايات المتحدة بأنه لا توجد نية لتصعيد التوترات، تعهد الحوثيون بالرد على أي هجوم. ووفقاً لوكالة "رويترز"، قال قائد في الحرس الثوري الإيراني في ديسمبر (كانون الأول) إن البحر المتوسط قد يغلق إذا استمرت الولايات المتحدة وحلفاؤها في ارتكاب "جرائم" في غزة.
ارتفاع أسعار الشحن
من جانبه، قال رئيس الأبحاث المتعلقة بآسيا في بنك "إي أن زد" خون جوه، إن "أسعار الشحن ارتفعت بالفعل خلال الأسابيع القليلة الماضية بسبب اضطرابات الشحن"، مضيفاً "إذا كانت هذه الضربات قادرة على حل المشكلة وتأمين ممرات الشحن مرة أخرى وعودة الأمور إلى طبيعتها، فسيكون ذلك إيجابياً لأننا سنرى عودة أسعار الشحن إلى طبيعتها".
ومضى قائلاً "القلق من أنه إذا بدأ هذا في التصاعد"، مستدركاً "سيتسبب في ارتفاع محتمل لأسعار النفط تحديداً ومزيد من الاضطرابات في ممرات الشحن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى ذلك، ألحقت الاضطرابات التي استمرت أسابيع في قناة السويس أضراراً بالشركات بالفعل، إذ يمر عبر القناة نحو 12 في المئة من التجارة العالمية.
وأعلن رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع أن التجارة العالمية والملاحة في قناة السويس تأثرت بما يحدث في باب المندب والبحر الأحمر، موضحاً في بيان أمس أن "حركة الملاحة بقناة السويس تأثرت بهجمات البحر الأحمر، إذ تراجعت الملاحة بنسبة 30 في المئة وتراجعت الإيرادات بنسبة 40 في المئة خلال أول 11 يوماً من 2024 مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي"، مشيراً إلى أن الهجمات التي تحدث ضد بعض السفن أجبرت عديداً من السفن على تغيير مسارها من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
تراجع التجارة العالمية 1.3 في المئة
في غضون ذلك، قال معهد "آي أف دبليو" الألماني للاقتصاد إن "التجارة العالمية تراجعت بنسبة 1.3 في المئة في الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى ديسمبر 2023 بعد أن تسببت هجمات المسلحين في انخفاض كمية البضائع المنقولة في منطقة البحر الأحمر.
وأكد ذلك معهد "كايل" الألماني للاقتصاد العالمي، إذ قال إن "هناك حالياً نحو مئتي ألف حاوية تمر عبر البحر الأحمر يومياً انخفاضاً من 500 ألف يومياً في نوفمبر الماضي".
تحويل المسارات
بينما قال مدير مركز أبحاث سياسات التجارة في المعهد غوليان هينتس إن "عمليات تحويل مسار السفن بسبب الهجمات أدت لقطع السفن رحلات أطول بين مراكز الإنتاج في آسيا وأسواق الاستهلاك الأوروبية بما يصل إلى 20 يوماً إضافية"، مضيفاً في بيان "انعكس ذلك أيضاً في أرقام التجارة المتراجعة في ألمانيا والاتحاد الأوروبي، إذ لا تزال السلع المنقولة في البحر ولم يتم تنزيلها في الموانئ في المواعيد المقررة".
في الوقت نفسه، أرسلت شركات شحن عملاقة مثل "ميرسك" و"هاباغ لويد" سفنها في رحلات أطول وأكثر كلفة عبر طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا. ونصحت مجموعة "دي أتش أل" الألمانية العملاقة للخدمات اللوجستية العملاء بإدارة المخزونات بصورة مختلفة
ويؤثر الارتفاع في كلف الوقود والشحن بصورة مباشرة على نحو أكبر في توقعات السوق في شأن ارتفاع سوق الأسهم، التي تقوم على آراء بأن الاقتصاد الأميركي سيتجنب الركود وأن مجلس الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) والبنك المركزي الأوروبي وبنوكاً عالمية أخرى ستخفض أسعار الفائدة هذا العام.
وعن ذلك، قال رئيس الأبحاث المتعلقة بآسيا والمحيط الهادئ في "آي أن جي" روب كارنيل عن الضربات الجوية، إنه "ستكون هناك عودة مرة أخرى إلى العزوف عن المخاطرة لم يتطور هذا بالكامل إلى وضع العزوف عن المخاطرة على النحو الملائم".
وأضاف "أعتقد أن الناس تبحث عن القليل من الأمان في الوقت الحالي"، موضحاً "بالتالي في ظني أن سوق السندات ربما تكون أوضح مؤشر إلى الاتجاه الذي تسير إليه الأمور".
أسعار النفط تصعد أربعة في المئة
وارتفعت أسعار النفط التي تعبر عنها العقود الآجلة لخام برنت تسعة في المئة منذ منتصف ديسمبر الماضي، وقفزت أربعة في المئة إلى 79 دولاراً للبرميل أمس الجمعة. وتتزحزح عوائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات بالكاد لتبقى أقل قليلاً من أربعة في المئة، وأدت التوقعات بتخفيض أسعار الفائدة إلى هبوط العوائد نقطة مئوية كاملة في نحو شهرين.
وقال رئيس إدارة الأسهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشركة "روبيكو" في هونغ كونغ غوش كراب "من المرجح أن يكون للتصعيد الكبير تأثير ملحوظ في السوق"، مستدركاً "لكن نتمنى أن تكون احتمالات ذلك ضعيفة".
التضخم في أميركا يخالف التوقعات
بعيداً من التوترات الجيوسياسية في الشرق جاءت أيضاً أنباء من الغرب قد تضعف من اتجاه "الفيدرالي" نحو تخفيف سياسته النقدية، بعدما ارتفع التضخم الاستهلاكي في الولايات المتحدة بصورة تخطت التوقعات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على ما أظهرت بيانات حكومية أول من أمس الخميس على رغم مواصلة انحسار الضغوط على ما يبدو.
وارتفع مؤشر أسعار المواد الاستهلاكية الصادر عن وزارة العمل الأميركية (مقياس رئيس للتضخم) بنسبة 3.4 في المئة مقارنة بالعام الماضي، متجاوزاً أرقام نوفمبر 2023. ومع ذلك، انخفض المقياس "الأساسي" الذي يستثني الأسعار المتقلبة للمواد الغذائية والطاقة إلى 3.9 في المئة في الشهر الأخير من 2023.
وعلى رغم أن المحللين لا يتوقعون أن يستند مسؤولو الاحتياط الفيدرالي "المركزي الأميركي" في تحديد سعر الفائدة إلى بيانات شهر واحد، إلا أن التضخم المتسارع قد يزيد الضغط على البنك.
ارتفاع الذهب
المعدن النفيس تأثر أيضاً بالتوترات الجيوسياسية، إذ ارتفعت أسعار الذهب أمس الجمعة مع تزايد المخاوف من تفاقم الصراع في الشرق الأوسط بسبب الضربات الجوية على اليمن، ما أدى إلى ارتفاع جاذبية المعدن الأصفر النفيس باعتباره ملاذاً آمناً، ليصعد بمقدار واحد في المئة إلى 2034.84 دولار للأوقية (الأونصة)، وارتفعت العقود الأميركية الآجلة للذهب واحداً في المئة إلى 2039.10 دولار.
وعن ذلك، قال كبير محللي السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في "أواندا"، كيلفن وونغ، إن "الاهتمام سيتركز على التوتر الجيوسياسي المتزايد الذي يرى أنه كلما تصاعد درجة يدعم أسعار الذهب فوق المتوسط المتحرك لمدة 50 يوماً البالغ 2015 دولاراً".