Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رمز لعصر السرعة... السيارة كمساهم في تطور العزلة

باتت مؤشراً يضع صاحبها داخل إطار طبقي معد سلفاً فمن يملك واحدة جديدة وغالية الثمن يعيش مرفهاً بالضرورة أكثر ممن لا يحوزها

قد تبدو السيارة قوقعة تحجر الفرد في داخلها فتقطع علاقات التواصل الاجتماعية مع الآخرين (أ ف ب)

ملخص

خرجت السيارة من لائحة الكماليات إلى لائحة الحاجات الأساسية في الحياة اليومية... فكيف أسهمت في عزلة البشر؟

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب ألقاه أمام الفرنسيين في مناسبة عامة، متناولاً علاقة الفرنسيين بالسيارة "نحن نحب السيارات، وأنا أحبها جداً".

أثارت هذه الجملة قريحة كتاب وأدباء من فرنسا وأوروبا لتناول السيارة كوسيلة أسهمت بالتأكيد في تطور وتقدم الإنسانية أفراداً وجماعات بتقريبها المسافة، وكآلة يمكن إقامة علاقة حميمية معها بعد أن باتت من الأولويات للفرد وللعائلة والمؤسسات، ولا يضاهيها في أهميتها إلا الهاتف المحمول.

وقد خرجت السيارة والهاتف من لائحة الكماليات إلى لائحة الحاجات الأساسية في الحياة اليومية ولتحقيق عيش كريم. وأعرب مفكرون وفلاسفة عن مشاعرهم تجاه السيارة انبهاراً أو رفضاً لها. فالأديب الفرنسي مارسيل بروست الذي اعتاد السفر بالقطار تناول التغيير الجذري في مفهوم السفر وعلاقتنا الجديدة بالعالم القريب والبعيد منا بعد وصول السيارة.

قطار بروست الخيالي

كتب بروست في رواية "بحثاً عن الزمن الضائع" (1921)، "حبي لرحلات السكك الحديد الخيالية كان يجب أن يمنعني من مشاركة الإعجاب العام بالسيارة التي جردتنا من سر السفر بالقطارات السريعة فغيرت طبيعة الاستكشاف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان بروست قد كتب عن الفرق بين السفر بالقطار الذي يسير على سكة محددة ذات بداية ونهاية، بينما تتمكن السيارة من الخروج عن الخط المرسوم إلى نواحٍ بعيدة، وكأن القطار يعطي للمسافر راحة النظر والاستكشاف المحدد بالمشاهد الثابتة خارج خط سكة القطار، بينما تخلط قيادة السيارة المسافر بالمناظر التي يختارها، والتي تحدد وجهته أو تتركه هائماً يقود السيارة إلى وجهات غير محددة. وقد نفذ جيل "البيت" (beat) الأميركي في الخمسينيات والستينيات من القرن الـ20 هذه الفكرة عبر السفر الحر على الطرق السريعة في أنحاء الولايات المتحدة من دون وجهة محددة للاستقرار فيها.

ويقول رولان بارت في كتابه "الأساطير" إن السيارة هي اليوم المعادل الدقيق إلى حد ما للكاتدرائيات القوطية العظيمة، أي إنها مخلوق عظيم لزمننا تم تصميمه بشغف من قبل فنانين غير معروفين. وقود استهلاكي تستخدمه شعوب بأكملها يلائم شيئاً سحرياً تماماً، كما لو أنه أيقونة العصر الفنية المستهلكة كما كانت الكنائس القوطية في زمنها.

وكان الفيلسوف الفرنسي جي ديبورد يعاكس رأي بارت في وصف السيارة بشكل أيديولوجي أكثر جذرية يعتبر أن طموح الرأسمالية هو خلق مستهلكين وأفراد معزولين، لأن العزلة هي أساس رواج التقنيات الحديثة من السيارات إلى التلفزيون إلى الهاتف المحمول، "فجميع سلع النظام الرأسمالي المذهل هي أسلحته من أجل التعزيز المستمر للعزلة وتحقيق (الحشود الانفرادية)".

داخل الإطار الطبقي

قد تبدو السيارة قوقعة تحجر الفرد في داخلها فتقطع علاقات التواصل الاجتماعية بين الأفراد، والتي كان السفر بواسطة الباصات أو القطارات يحققها. وهذه العزلة الفردية كرسها التلفزيون الذي أصبح محل الاجتماع العائلي وسبب عزلة العائلات داخل المنازل، ثم جاءت السيارة الفردية والعائلية لتكرسه أكثر، أما الهاتف المحمول وشبكة الإنترنت، ففصلت أفراد العائلة نفسها كل في قوقعته المنفردة.

وأسهمت السيارة أكثر من أي قطعة تكنولوجية أخرى في تشكيل بيئتنا المادية والاجتماعية والثقافية، ويوضح تاريخها كيف أثرت القرارات التي اتخذتها الحكومات ورجال الأعمال المستثمرين في عالم السيارات بقوة على تطورها. وكان لانتشار السيارة لتصبح في متناول الجميع تأثير في تحولات القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في نظام نقل عالمي يعتمد على السيارات، مما خلق الطرق السريعة والطرق الالتفافية حول المدن بعيداً من الضواحي، وأسهم في تطوير سوق إنتاج البنزين وسائر أنواع الوقود النفطية التي تحتاج إليها السيارة.

وأجبرت السيارة السلطات على تطوير قوانين السير والقيادة، ولم يتوقف تطوير هذه القوانين مع تطور السيارات الكبيرة والسريعة وذات الكفاءة العالية، حيث كان للسيارة دور كبير في تطور صناعة المأكولات الجاهزة، وفي تطوير عالم الرحلات والسفر وفكرة الإجازات داخل الطبقات العاملة، كما تطورت نقابات العمال في مصانع السيارات، وباتت ذات قوة في المجتمعات الصناعية، وطورت السيارة الهندسة الميكانيكية عبر التنافس على إنتاج الأفضل والأكفأ والأقل كلفة منها، لذا يمكن لسيرة السيارة أن تمنحنا فكرة غير منظورة حول دورها في مسيرة التاريخ الاجتماعي والثقافي للإنسانية في معظم النواحي التي أسهمت في وصولنا إلى هذا المستوى من التطور.

وللسيارة دور في التصنيف الاجتماعي، فمن يملك سيارة أكثر حداثة وقدرة داخل النظام الاجتماعي يتم تصنيفه في أطر أعلى طبقياً ممن لا يملكها، ومن يملك سيارة جديدة وغالية الثمن يعيش بطريقة أكثر رفاهية ممن يقتني سيارة قديمة ورخيصة الثمن، فالسيارة باتت مؤشراً اقتصادياً يضع مالكها داخل إطار اجتماعي مصنف سلفاً.

سر فوق عجلات

كتب بيتر سلوترديجك في كتابه "التعبئة اللانهائية" (2000) أن "المجتمع الحديث حقق واحداً في الأقل من مشاريعه الطوباوية، وهو التعبئة الذاتية الكاملة حين بات كل منا آلة ذاتية الحركة، لأنه في الحداثة تصبح علاقة السيارة بصاحبها كعلاقة الروح بالجسد. السيارة هي الشيء المقدس للحداثة، إنها المركز الديني لدين عالمي حركي. إنها السر الذي ينطلق على عجلات ويجعلنا نشارك في ما هو أسرع من أنفسنا".

ويقول معارضو الاستخدام غير الموجه للسيارات أن تأثيرها البيئي بات مصدر قلق متزايد. فالسيارات مساهم رئيس في تلوث الهواء ويؤثر في صحة سكان المدن تأثيراً بالغاً، خصوصاً في الجهاز التنفسي، أما في الضرر العام فإن الغازات الدفيئة تنبعث من احتراق وقود اليسارات مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وتسهم في تغير المناخ.

وتعمل شركات تصنيع السيارات على تطوير سيارات أكثر صداقة للبيئة، وبعض هذه المصانع باتت مجبرة على اتباع هذه النظم البيئية في تطوير ميكانيكية السيارة في الدول التي تضع قوانين مشددة على حماية البيئة ومنع تطور الاحتباس الحراري. وقد تصبح السيارات الكهربائية بالبطاريات القابلة لإعادة الشحن، والتي لا تصدر أي انبعاثات مضرة للبيئة، سيارة المستقبل في العالم. وبالفعل بدأت شركات كثيرة لصناعة السيارات بإنتاج مركبات صديقة للبيئة تعمل بالكهرباء.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات