دعت منظمة "إيغاد" لدول شرق أفريقيا إلى اجتماع قمة طارئ لرؤساء الدول الأعضاء في المنظمة، بغرض مناقشة الأوضاع المضطربة التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر.
وبحسب رسالة وكالة الأنباء الصومالية، فإن القمة الطارئة التي دعا إليها الرئيس الدوري للمنظمة رئيس جمهورية جيبوتي إسماعيل غيلي، ستنعقد في العاصمة الأوغندية كامبالا، بعد دعوة السودان وجنوب السودان والصومال وكينيا وأوغندا وإثيوبيا وإريتريا، إضافة إلى جيبوتي.
وقالت مصادر مطلعة في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن ثلاثة ملفات رئيسة تتصدر أجندة القمة الأفريقية المصغرة، وهي ملف الحرب في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، إذ تعد مبادرة "إيغاد" للتوسط بينهما، إحدى أكثر المبادرات التي توفرت لها شروط النجاح من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وكذلك الملف الإثيوبي الصومالي، بخاصة بعد توقيع الأولى مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال، من أجل تأمين منفذ بحري في خليج عدن التي قوبلت باحتجاج صومالي وإقليمي واسع.
أما الملف الثالث فيتعلق بالأوضاع المضطربة في منطقة القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر، بخاصة بعد التحديات التي فرضها الحوثيون على الملاحة الدولية في منطقة باب المندب، وما تبعها من غارات أميركية بريطانية لأهداف عدة داخل اليمن.
وإلى جانب قادة الدول الأعضاء في المنظمة يؤمل أن تشارك في القمة وفود ممثلة لمفوضية الاتحاد الأفريقي، ودبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وأفاد مصدر من الرئاسة الجيبوتية أن الأوضاع الإقليمية المتعلقة بالحرب في السودان تتصدر أجندة القمة، وبخاصة تفعيل وساطة "إيغاد"، الهادفة إلى عقد مفاوضات مباشرة تجمع رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال عبدالفتاح البرهان وقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي)، التي أجلت لظروف لوجيستية وفنية.
وأضاف المصدر "إن عقد لقاء مباشر بين الجنرالين ما زال ممكناً على رغم تأجيله لأكثر من مرة"، مشيراً إلى أن رؤساء الدول الأفريقية، الذين التقوا (حميدتي) في جولته الأخيرة، حثوه على ضرورة استكمال مسار (إيغاد) من أجل الوصول إلى وقف فوري وغير مشروط للنار والتباحث حول القضايا العالقة بين الطرفين".
اعتراض الخرطوم
من جهتها أكدت حكومة السودان أنها تلقت دعوة من رئاسة منظمة "إيغاد" لحضور قمة في العاصمة الأوغندية كمبالا الخميس المقبل لمناقشة مشكلة الصومال وما يدور في السودان، إضافة إلى الملفات الإقليمية.
وقال بيان الخرطوم "ظللنا نتعاطى بإيجابية مع كل المبادرات، وبشكل خاص جهود (إيغاد)، للوصول إلى سلام في السودان، إلا أن المنظمة لم تلتزم تنفيذ مخرجات القمة الأخيرة في جيبوتي، والمتعلقة بلقاء رئيس مجلس السيادة وقائد التمرد ولم تقدم تبريراً مقنعاً لإلغاء اللقاء الذي دعت إليه المنظمة في الـ28 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي بحجة أن قائد التمرد لم يتمكن من الحضور لأسباب فنية، على رغم أنه كان يقوم فيه بجولة لعدد من دول المنظمة في ذات التاريخ".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلنت الخرطوم موقفها من عقد القمة، بقولها "ليس هناك ما يستوجب عقد قمة لمناقشة أمر السودان قبل تنفيذ مخرجات القمة السابقة".
وجددت تأكيد "أن ما يدور في السودان هو شأن داخلي وأن استجابتنا للمبادرات الإقليمية لا تعني التخلي عن حقنا السيادي في حل مشكلة السودان بواسطة السودانيين".
ويأتي الاعتراض السوداني احتجاجاً على دعوة المنظمة قائد قوات "الدعم السريع"، للمشاركة في اجتماع القمة بغرض عقد جلسة مع البرهان، وهو ما رفضته الخرطوم في بيان ثان قالت فيه "لم تكتف إيغاد بأن تصمت صمت القبور على فظائع الميليشيات الإرهابية، بل سعت إلى منح الميليشيات الشرعية بدعوتها لقائد التمرد للمشاركة في اجتماع قمة، لا يشارك فيه سوى رؤساء الدول والحكومات بالدول الأعضاء"، مضيفة أن "خيارات السودان مفتوحة تجاه المنظمة الإقليمية".
من جهته أعلن قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي) في بيان أمس السبت موافقته على حضور قمة كامبالا. وقال "اتساقاً مع موقفنا الثابت الداعم للحل السلمي الشامل، الذي ينهي مرة واحدة وللأبد الحروب في السودان عامة، وحرب الـ15 من أبريل (نيسان) على وجه الخصوص، أكدت اليوم قبولي دعوة الحضور والمشاركة في الدورة".
وجدد حميدتي التزام قوات "الدعم السريع" وضع حد لمعاناة السودانيين الناجمة عن الحرب الحالية وتلك الدائرة منذ سنوات بأطراف الخرطوم.
ملفات طارئة
وإلى جانب ملف السودان، الذي تتولى "إيغاد" قيادة وساطته، ثمة ملفات طارئة، من المزمع مناقشتها أهمها ملفا الصومال وإثيوبيا والأوضاع في حوض البحر الأحمر.
ويرى الباحث الصومالي عيدي محمد أن الدعوة إلى قمة طارئة، يؤكد إدراك رؤساء دول شرق أفريقيا، للأوضاع المقلقة التي تشهدها المنطقة.
ويتوقع أن تخرج القمة بعدد من التوصيات في شأن السودان، من بينها تفعيل المساعي الهادفة إلى عقد اللقاء المؤجل بين قائدي الجيش السوداني و"الدعم السريع"، مرجحاً أن تكمن العقدة في الملف الصومالي الإثيوبي، الذي يعد من القضايا الخلافية بين قادة "إيغاد".
وأشار إلى أن إثيوبيا التي تستضيف عاصمتها مقر الاتحاد الأفريقي، ويتمتع مواطنها برئاسة الأمانة العامة لـ"إيغاد"، ستحاول تمرير مذكرة التفاهم المبرمة مع ما يعرف بجمهورية أرض الصومال - غير المعترف بها - تحت حجج قانونية وسياسية فضلاً عن التزايد السكاني.
ورأى عيدي أن معظم الدول الأفريقية ملتزمة ميثاق الاتحاد الأفريقي، الذي ينص على قدسية الحدود، وأن المساس بها قد يضر الأمن والسلم الإقليميين، وهو ما قد يتعارض مع الموقف الإثيوبي الحديث الذي يسعى إلى تحول البلاد، من وضع دولة حبيسة إلى مطلة على خليج عدن.
ويقدر المتخصص الصومالي أن دول "إيغاد" تشعر بقلق كبير جراء تدهور العلاقات بين أديس أبابا ومقديشو، وقد توصي بضرورة حل هذه القضية من خلال التفاوض المباشر، وهو ما لمح إليه بيان الخارجية الجيبوتي منذ أيام، بخاصة أن الموقف الأميركي يدعم هذه الرؤية، على رغم أن مبدأ الحفاظ على الحدود الموروثة من الاستعمار يعد بنداً لا يقبل التفاوض وفق ميثاق الاتحاد الأفريقي.
من جهة أخرى يرى عيدي أن الأحداث في حوض البحر الأحمر ربما تفرض نفسها على أجندة القمة، بخاصة بعد الغارات الجوية التي تنفذها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا داخل الأراضي اليمنية، على خلفية تهديد "الحوثيين" الأمن الإقليمي والملاحة البحرية في حوض البحر الأحمر.
ويوضح أن عدداً من دول "إيغاد" قد تتأثر بشكل مباشر بهذا الاضطراب، أهمها جيبوتي وإريتريا المطلتان على البحر الأحمر، والصومال على خليج عدن والمحيط الهندي.
الأمر الواقع
من جانبه يعتبر المتخصص الإثيوبي غيداون بيهون أن قمة "إيغاد" الطارئة ستواجه صعوبات عدة، في ظل العلاقات المتوترة بين الدول الأعضاء حول مجمل القضايا المطروحة في أجندة الاجتماع.
ويوضح أن الدول الأعضاء منقسمة في رؤيتها للأزمة السودانية، ففي حين تدعم إريتريا موقف البرهان تميل كل من إثيوبيا وكينيا وأوغندا إلى "حميدتي"، بخاصة بعد استقبال رؤساء هذه الدول قائدها، مشيراً إلى أن دعوة الأخير لاجتماع القمة مؤشر آخر لتوتر علاقات السودان بهذه المنظمة الإقليمية.
ويذكر بيهون بأن الملف الصومالي الإثيوبي أيضاً لا يحظى بالإجماع، مما يرجح أن يثير جدلاً حول مذكرة التفاهم الموقعة بين أديس أبابا وأرض الصومال، خصوصاً أن دول "إيغاد" لا تعترف بالأخيرة وترى أن توقيع أي اتفاق ينبغي أن يتم بين مقديشو وأديس أبابا، بناءً على أن توقيع اتفاق وإقامة علاقات دولية مباشرة مع منطقة معينة داخل الدولة يعد انتهاكاً للسلامة الإقليمية وإساءة استخدام الاستقلال السياسي.
لكن في المقابل تنفي إثيوبيا انتهاك سلامة الصومال، مشيرة إلى أن "أرض الصومال" سبق ووقعت عدداً من الاتفاقات مع عدد من الدول في العالم. ويضيف بيهون أن موقف أديس أبابا يستند إلى أن أرض الصومال، سبق أن اعترف بها كدولة مستقلة في عام 1960، وفق مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار البريطاني، قبل أن تتم الوحدة بين الصومالين البريطاني والإيطالي بالتراضي.
ويضيف "على رغم أن الاتحاد الأفريقي يعترف بالحدود الصومالية على النحو الذي أقرته الوحدة في عام 1960، فإن كلاً من إثيوبيا وأرض الصومال يسعيان لتأكيد أن ميثاق الاتحاد الأفريقي ينص على الحدود الموروثة عن الاستعمار، ووفقاً لذلك فإن من حق أرض الصومال المطالبة بالاستقلال وفقاً لحدود الاستعمار البريطاني".
ويشير إلى أنه على رغم وجود دعم دولي ملحوظ لوحدة الأراضي الصومالية، وفق الحدود الموثقة في الاتحاد الأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة، فإن إثيوبيا قد تذهب إلى فرض الأمر الواقع، بخاصة أن حكومة مقديشو لا تسيطر على إقليم أرض الصومال، مرجحاً أن المصالح السياسية والاقتصادية التي تربط أديس أبابا بدول المنطقة والقوى الكبرى هي التي ستحدد موقف دول "إيغاد" من هذا الملف الشائك.