ملخص
نهاية الحرب في أوكرانيا: بين النصر العسكري والحل الدبلوماسي.
في الـ14 من ديسمبر (كانون الأول)، شهدت أوكرانيا رواية ذات شقين جرت أحداثها في مدينتين مختلفتين. في بروكسل، اتخذ قادة الاتحاد الأوروبي القرار التاريخي ببدء محادثات مع أوكرانيا في شأن الانضمام إلى الاتحاد، وقد جسدت تلك اللحظة بالنسبة إلى ملايين الأوكرانيين أملاً بمستقبل أكثر إشراقاً بعد سنوات من الحرب والمصاعب، وأوصلت رسالة واضحة مفادها أن أوكرانيا تنتمي إلى قلب أوروبا.
هذه الرؤية لمستقبل أوكرانيا تناقضت بشكل صارخ مع تلك التي وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في ذلك اليوم نفسه. رداً على أسئلة محددة ومتفق عليها مسبقاً طرحها صحافيون ومواطنون اختيروا بعناية، أصر بوتين خلال مؤتمر صحافي متلفز على أن أهداف روسيا السياسية والعسكرية لم تتغير منذ بداية الحرب. وأوضح أن روسيا غير مهتمة بالسلام، وجل ما يهمها هو إخضاع أوكرانيا. في الواقع، إن هذا الحدث الذي دبره بوتين ونظم تفاصيله يفضح حقيقة روسيا المعاصرة التي تحولت إلى نظام لا يستند إلى الشرعية الديمقراطية، بل على الأكاذيب والقومية العسكرية، وتديره حكومة تعتمد على النزاعات الخارجية لصرف الانتباه بعيداً من الإخفاقات الداخلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما يسعى بوتين إلى حرب طويلة الأمد، يعمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أجل تحقيق سلام مستدام. ونظراً إلى أن عواقب الغزو الروسي كانت عالمية، من ارتفاع كلف الطاقة إلى نقص الغذاء، نسق المسؤولون الأوكرانيون مع نظرائهم من أكثر من 80 دولة في سبيل تنفيذ "صيغة السلام" الأوكرانية، وهي خطة مكونة من 10 نقاط اقترحها زيلينسكي لأول مرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. في الـ14 من يناير (كانون الثاني)، سيجتمع مستشارو الأمن القومي لقادة هذه الدول في دافوس بسويسرا للمرة الرابعة من أجل مواصلة وضع إطار سلام دائم وشامل. ونعتقد أن جميع البلدان المتحضرة في العالم ستدعم هذا المسعى.
ولكن ما دام بوتين في السلطة، لن تشكل روسيا تهديداً مستمراً بالنسبة إلى أوكرانيا فحسب، بل ستشكل خطراً أيضاً على أمن أوروبا بكاملها، لذا فمن الضروري أن يضمن العالم الديمقراطي انتصار أوكرانيا كدولة حرة مستقلة. ومن أجل القيام بذلك، يتعين عليه أن ينشئ البنية الأمنية اللازمة لردع روسيا ذات الطابع العسكري والإمبريالي. وإذا رأى بوتين أن الغرب يقطع التزامات قوية تجاه أوكرانيا، من خلال المساعدات العسكرية والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وعضوية حلف شمال الأطلسي، فسوف يفهم أخيراً أنه لا يستطيع أن يتجاوز قدرة كييف على الصمود. وعندئذ يصبح احتمال التوصل إلى سلام مستدام ممكناً.
الخطوة الأولى: كسب الحرب
من أجل تحقيق السلام الدائم، تحتاج أوكرانيا إلى هزم روسيا في ساحة المعركة واستعادة سيادتها الإقليمية داخل حدودها المعترف بها دولياً. على مدى عامين، قاومت القوات المسلحة الأوكرانية بشكل بطولي الغزو الروسي الهمجي. ومن خلال الاستفادة بفعالية من الأسلحة التي زودها الغرب بها، تمكنت من استعادة أكثر من 50 في المئة من الأراضي التي استولت عليها روسيا منذ فبراير (شباط) 2022. وفي الوقت نفسه أدى توفير أنظمة الدفاع الجوي الحديثة إلى إضعاف فعالية موجات الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار الوحشية التي شنتها روسيا على المدن الأوكرانية. في الحقيقة، ستكون أوكرانيا ممتنة إلى الأبد للدعم الذي أظهره العالم الديمقراطي خلال أحلك الأوقات في البلاد.
وعلى رغم هذه النجاحات، فلن تنهي روسيا حربها العدوانية في أي وقت قريب. وسوف يستمر جنرالاتها في إظهار قلة مبالاة تامة بحياة قواتهم، وإرسال عشرات الآلاف للموت في حرب اختار بوتين خوضها. وبطريقة موازية، ستواصل الصواريخ الروسية والكورية الشمالية والطائرات من دون طيار الإيرانية الصنع استهداف المدنيين الأوكرانيين والبنية التحتية الحيوية.
إذا تعثر الدعم العسكري لأوكرانيا، فإن العواقب ستكون وخيمة بالنسبة إلى أوروبا وبقية العالم. وإذا سمح لبوتين بتحقيق أي من أهدافه في أوكرانيا، فإنه لن يتوقف عند هذا الحد، وستهدد روسيا مزيداً من الدول المجاورة لها، من مولدوفا إلى دول البلطيق، وتزعزع استقرار العالم أجمع. كذلك، فإن القوى الإقليمية والعالمية الأخرى ستأخذ هذا النجاح في الاعتبار وستستخدم تكتيكات مماثلة لتحقيق أهدافها. وهكذا، ستكون هزيمة أوكرانيا بمثابة بداية انهيار النظام الدولي. في المقابل، إذا ترددت دول الغرب وشككت في النهج الذي تتبعه قد يؤدي ذلك إلى قرارات مدمرة للذات. في الواقع، يظهر التاريخ أن استرضاء الطغاة لا يؤدي إلى السلام بل إلى توليد الصراع في المستقبل. ولهذا السبب، من الضروري أن يعمل حلفاء أوكرانيا على تكثيف دعمهم في عام 2024 وإظهار أن عبارة "مهما طال الأمر" [التي رددها الرئيس الأميركي جو بايدن مرات عدة] تعني أيضاً "مهما كلف الأمر".
بينما يسعى بوتين إلى حرب طويلة، يعمل زيلينسكي من أجل تحقيق سلام مستدام.
وكانت هذه الفلسفة وراء "ميثاق كييف الأمني" الذي شاركنا في صياغته في عام 2022. وقد أسهمت الخطة المرسومة في تحديد المبادئ الأساسية لسلسلة من الضمانات الأمنية الطويلة الأجل التي تحتاج أوكرانيا إلى الحصول عليها من حلفائها من أجل تحقيق النصر في الحرب ومنع العدوان الروسي في المستقبل. وشكل هذا الميثاق أساس الإعلان المشترك لدعم أوكرانيا الذي تبنته دول مجموعة السبع على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في ليتوانيا في يوليو (تموز) الماضي. وحتى اليوم، وقعت 32 دولة على هذا الإعلان المشترك، وتجري مشاورات في شأن إقامة اتفاقات ثنائية مع أوكرانيا من شأنها أن تضمن حصول القوات الأوكرانية على الأسلحة اللازمة لهزيمة روسيا في ساحة المعركة. ويذكر أن الالتزامات بحماية أوكرانيا على المدى الطويل تدحض رواية بوتين بأن الدعم الغربي لأوكرانيا بدأ يضعف.
في المقابل، تأمل روسيا في هزيمة أوكرانيا من خلال حرب استنزاف، معتمدة على مزاياها الاقتصادية والديموغرافية. ولذلك، فإن النصر الأوكراني يتوقف على الاستفادة الفعالة من قوة العالم الديمقراطي الاقتصادية والصناعية التي تتفوق بشكل كبير على قوة روسيا وحلفائها. ويتعين على الدول الأوروبية، على وجه الخصوص، إعداد صناعاتها الدفاعية حتى تتمكن من مساعدة أوكرانيا بشكل فعال على الفوز في هذه الحرب. ومن أجل القيام بذلك، يتعين عليها توفير عقود للأسلحة تمتد على سنوات عدة، وتقديم ضمانات، لمنح شركات الدفاع الشعور بالطمأنينة والاستقرار اللازم لزيادة الإنتاج. وفي سبيل تطوير صناعتها الدفاعية، تحتاج أوكرانيا أيضاً إلى الدعم من حلفائها. ويداً بيد، تستطيع دول الغرب أن تتفوق على روسيا بشكل كبير. لا يحتاج الأمر إلا إلى إظهار الإرادة السياسية، لكي يفهم بوتين أن حربه لا نصر فيها، وأن القوات الروسية ستطرد خارج حدود أوكرانيا المعترف بها دولياً.
عضو في المجموعة
إضافة إلى تأمين إمدادات طويلة الأجل من الأسلحة والذخائر إلى أوكرانيا، فمن المهم أن تبدأ أوروبا والولايات المتحدة في إنشاء هياكل تضمن عدم قدرة روسيا على تهديد أمن أوروبا مرة أخرى. وفي هذا السياق، يعتبر تيسير طريق أوكرانيا نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ضرورة أساسية لأنه يوفر الإطار السياسي والمالي اللازم لتعافي البلاد وإعادة إعمارها. فأوكرانيا المزدهرة، إذا انضمت إلى الاتحاد الأوروبي، ستكون بمثابة حصن منيع ضد روسيا الاستبدادية العدوانية. ومن الناحية الأيديولوجية فإن الديمقراطية الناجحة والنابضة بالحياة في أوكرانيا تشكل أيضاً تحدياً قوياً ورفضاً كبيراً لحكم بوتين الاستبدادي.
واستطراداً، فإن تلك العضوية من شأنها أن توفر مستوى إضافياً من الأمن لأوكرانيا، من خلال بند الدفاع المشترك المدرج في معاهدات الاتحاد الأوروبي. وينص هذا البند على أنه "إذا وقعت إحدى الدول في الاتحاد الأوروبي ضحية عدوان مسلح على أراضيها، فإن الدول الأعضاء الأخرى ملزمة تقديم العون والمساعدة لها بكل الوسائل المتاحة". إن احتمال أن ترد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر على أي عدوان روسي في المستقبل على أوكرانيا سيشكل رادعاً قوياً.
على رغم أن الضمانات الأمنية الطويلة الأجل وعضوية الاتحاد الأوروبي تسهم بشكل كبير في حماية أوكرانيا، إلا أن أياً منها لا يستطيع أن يحل محل المادة الخامسة من اتفاق تأسيس حلف شمال الأطلسي، التي تلزم الدول الأعضاء أن تعتبر أي اعتداء مسلح ضد عضو منها يمثل اعتداءً عليها جميعاً. وتظل الوسيلة الفضلى لتحقيق السلام والأمن الدائمين في أوروبا هي ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي. خلال المؤتمر الصحافي الذي انعقد في الـ14 من ديسمبر، صرح بوتين بأن روسيا شنت غزوها، أو ما يسمى "العملية الخاصة"، لأن أوكرانيا كانت على وشك الانضمام إلى الناتو، ولكن العكس هو الصحيح: لم تتمكن روسيا من غزو أوكرانيا إلا لأن هذه الأخيرة لم تكن تحظى بالحماية التي توفرها المادة الخامسة من اتفاق الناتو.
وإذا ظلت أوكرانيا في نهاية الحرب في المنطقة الرمادية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، قد يمهد ذلك الطريق لزيادة عدم الاستقرار وتجدد العدوان الروسي. وهذه حقيقة أدركتها كل من فنلندا والسويد بسرعة. بعد غزو فبراير 2022، رأى كلا البلدين أنه في مواجهة روسيا الإمبريالية، لم يعد الحياد خياراً وأن عضوية الناتو هي وحدها القادرة على ضمان سيادتهما. والشيء نفسه ينطبق على أوكرانيا.
وفي قمة حلف شمال الأطلسي في يوليو 2023، أعلن الأعضاء أن أوكرانيا لن تتلقى دعوة للانضمام إلى الحلف إلا بعد "استيفاء شروط" غير محددة. وكانت أوكرانيا تأمل في شيء أكثر واقعية من ذلك. وإذا كان بوتين يعتقد أن منح أوكرانيا عضوية في حلف شمال الأطلسي لن يحدث إلا بعد انتهاء القتال، فهذا يعطيه حافزاً لمواصلة الحرب إلى أجل غير مسمى. وعلى النقيض من ذلك، فإذا دعيت أوكرانيا للانضمام إلى الحلف قبل انتهاء الصراع، فقد يجبره ذلك على التوقف.
في الواقع، لم تقدم قمة فيلنيوس لأوكرانيا مساراً واضحاً نحو عضوية حلف شمال الأطلسي، لكنها أدت إلى حدوث تطورات إيجابية، إذ اتفق الأعضاء على السماح لكييف بتخطي "خطة عمل العضوية" وهي خطوة معتادة في عملية الانضمام التقليدية، تقدم الدول بموجبها تقارير سنوية حول التقدم الذي أحرزته في مختلف التدابير والجوانب المتعلقة بالأمن. وهذا الإعفاء، الذي منح أيضاً لفنلندا والسويد، من شأنه أن يعجل بانضمام أوكرانيا في نهاية المطاف. كذلك، عقد مجلس أوكرانيا والناتو المنشأ حديثاً اجتماعه الأول في فيلنيوس، وقد بدأ يعمل بالفعل على جعل القوات المسلحة الأوكرانية متوافقة مع معايير الناتو.
وبالتطلع إلى قمة حلف شمال الأطلسي هذا العام في واشنطن العاصمة في يوليو، يستطيع زعماء الحلف أن يسهموا بشكل كبير في تقريب العالم من تحقيق السلام من خلال تأييد عضوية أوكرانيا بكل إخلاص. لقد حان الوقت لتوجيه دعوة لأوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهذا لا يعني أنها ستصبح عضواً بين عشية وضحاها، ولكن من شأنه أن يبعث برسالة لا لبس فيها إلى بوتين بأنه خسر حربه بالفعل.
مترجم من فورين أفيرز، 11 يناير 2024
أندرس فوغ راسموسين هو مؤسس "مؤسسة تحالف الديمقراطيات" و"شركة راسموسين العالمية". شغل منصب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي من عام 2009 إلى عام 2014 وكان رئيس وزراء الدنمارك من عام 2001 إلى عام 2009.
أندريه يرماك هو مدير مكتب الرئيس الأوكراني.