حدثان اثنان أعادا فتح ملف حضور المرأة في السينما، سواء قبالة الكاميرا أو خلفها، في الفترة الأخيرة: فوز الفيلم النسوي "جان ديلمان" (1973) لشانتال أكيرمان بلقب "أفضل فيلم عبر العصور" من خلال استفتاء أجرته مجلة "سايت أند ساوند" البريطانية، والنجاح الساحق لـ"باربي" (2023) لغريتا غرويغ والضجة الإعلامية التي رافقته. وفي حين تعمل المخرجة الفرنسية أودريه ديوان على رؤية نسوية لفيلم "إيمانويل" الإروسي، نتوقف في المقال الآتي عند 10 أفلام هي علامات فارقة في سجل السينما النسوية أو التي حملت قضية المرأة، بغية إنعاش الذاكرة وتأكيد أن دمية هوليوود ليست الناطقة الأولى باسم النساء وأعلاهن صوتاً.
"السعادة" لأنييس فاردا (1965)
أحد أجمل أفلام واحدة من رائدات السينما النسوية. مشاهدته اليوم تكفي لنعي كم كانت فاردا سباقة في الحديث عن المرأة، بعيداً من تهريجات هوليوود، هوليوود الحالية و"باربياتها". الفيلم تعرض لسوء فهم وأثار صدمة عند عرضه ومنع لمن هم دون الـ18، لأنه يقارب خيانة الزوج لزوجته كما لو كانت أمراً عادياً، تقع ثم تنسى، ولا تلقى أي عقاب، كما كان يريده البعض. في الأقل هذا ما كان يوحي به الفيلم. يضعنا "السعادة" بعنوانه المستفز وطرحه الملتبس، في فردوس ذي ألوان فاقعة، وفي جو أشبه بلوحات الانطباعيين، مشبع بموسيقى موزار التي تضغط على الحكاية كلازمة. إنها حياة كاملة متكاملة، إذا ما سلمنا أنفسنا للصور وما تبثها في الأجواء. حياة نتمنى ألا تنتهي، لكن الانزلاق نحو المقلب الآخر حتمي، ولو أنه يحدث ببطء، فنشاهد يوميات عائلة، حيث الرجل، على رغم أنه يحب زوجته ويعشقها، يخونها مع امرأة أخرى، عملاً بمبدأ "زيادة الخير خير"! في أحد المشاهد، وهو برفقتها، يقول لها: "هي كالورد في مزهرية، أنت كحيوانة في البرية".
ما الحاجة إلى مصدر سعادة يضاف إلى رصيده الكافي؟ هذا ما لا يجد المشاهد جواباً عنه، وفي هذا الإطار تحديداً. هل هو إحساس الرجل المزمن بعدم الاكتفاء؟ هل يجوز تحقيق السعادة خارج الأعراف الاجتماعية والنظم الأخلاقية وخارج الحيز المعطى للإنسان؟ في أي حال، يتصرف الزوج بأريحية معتقداً أنه على صواب، فوحده ما يتأجج في داخله من غرائز، يملي عليه أفعاله ويبررها، لا بل يمنحها بعداً رومنطيقياً. وطبعاً، لا أثر للشعور بالذنب في سلوكه. نخرج من الفيلم بإحساس مربك، كما لو شاهدنا جريمة قتل مدبرة لن يحاسب عليها أحد، لأنها باسم السعادة.
"8 نساء" لفرنسوا أوزون (2002)
رجل بورجوازي يقتل بطعنة خنجر في الظهر، في وقت تستعد عائلته للاحتفال بعيد الميلاد. أصابع الاتهام توجه إلى الفريق النسائي الذي يحيط به: زوجته وابنتيه، ثم شقيقته التي زارته قبل موته بيوم، مروراً بحماته وابنتها، والخادمتين. التحقيق الذي سيشمل النساء الثماني يكشف عن اعترافات تفوق الجريمة بشاعة. ومع كل اعتراف جديد، يتم إفشاء سر يقلل من أهمية السر السابق، ويرفع التوتر وصولاً إلى الضربة القاضية. استوحى المخرج فرنسوا أوزون فكرة الفيلم من مسرحية لروبير توما، ولخدمة هذا العمل المتحامل على النساء والعاشق لهن في آن واحد، لم يتأخر في استدعاء أبرز نجمات السينما الفرنسية وما لديهن من مواهب واكتمال وفتنة وتألق وجدارة. عن دافع خوضه تجربة مع ثماني ممثلات، قال في مقابلة: "أعتقد أن الممثلات يغامرن أكثر من الرجال بصورتهن، وهن أشد مجازفة منهم في هذا المجال".
"المسخ" لباتي جنكينز (2003)
في قرية أميركية نائية تتسم بالقسوة وتكاد تتلاشى فيها الحدود بين قدرة أهاليها على التحكم بخياراتهم والمصير الذي يحظون به، تموضع المخرجة باتي جنكينز أحداث فيلمها "المسخ" لتمضي بنا إلى أقاصي جهنم التي ستعيشها شابة، تنتقل من البغاء إلى القتل. "المسخ" دراما إنسانية تبتعد عن الأنماط الجاهزة في التعامل مع الجريمة والدعارة. ليس فيه تحقيقات بوليسية ومطاردات، على رغم أن هناك قاتلة بالتسلسل تقترف الجريمة من دون أن تترك آثاراً تتيح للشرطة القبض عليها. بعيداً من العنف الذي ينقله، فهذا الفيلم هو قبل كل شيء عمل ينبض بالحب، من توقيع امرأتين واحدة وقفت قبالة الكاميرا (تشارليز ثيرون) والثانية خلفها (جنكينز). اللافت أن جنكينز لم تنجز أي فيلم روائي طويل طوال 14 عاماً، ثم أسندت إليها مهمة تصوير "المرأة الخارقة"، وهو البديل النسائي للبطل الخارق.
"ليلا تقول هذا" لزياد دويري (2004)
قصة حب بين مراهقين في مارسيليا: الشاب جزائري ويصعب عليه الإفلات من التقاليد الشرقية التي تربى عليها، والعشق بملء إرادته، متجاهلاً المحرمات الموروثة. أما الفتاة فهي متحررة، نقيضه في سلوكها الاجتماعي وفي النحو الذي تعبر فيه عن مشاعرها. فيلم حسي ورقيق عن ولادة المشاعر، تتسلم فيه المراهقة الجميلة والقوية مقاليد السيطرة على الأشياء، وتواجه الرجال بلا خوف. دويري اقتبس الفيلم من رواية كتبها مجهول باسم شيمو، وهي تنطوي على عديد من الجوانب التي جعلته يصنف في خانة الأدب النسوي.
"جونو" لجايسن رايتمان (2007)
للمراهقة جونو قضية: أن تعيش مراهقتها ولا شيء سيمنعها من ذلك، حتى عندما تكتشف حملها غير المتوقع من رفيقها في الصف. وهي تحاول أيضاً أن تكون معقدة وبسيطة في آن واحد، على شكل الفيلم الذي تتولى بطولته. في زمن يصنف المجتمع كل شيء، تطالب جونو بأن تكون واثقة من نفسها وقوية، ومع ذلك أن يكون المجال متاحاً لأن يشمئز بدنها عندما تدخل عيادة طبيب لإجراء الإجهاض ورمي الجنين في سلة مهملات. يجد المخرج جايسن رايتمان ضالته في قصة مراهقة نموذجية، ذكاءً وسلوكاً وخيارات، بعيداً من الكوميديات التي تسخف هذه الشريحة العمرية، مسلماً إياها إلى الممثلة الكندية إيلين بايج، التي تحمل مجمل الفيلم على كتفيها وهي في الـ21 من العمر. أما السيناريو، فوضعته ديابلو كودي، وهي متعرية سابقة انتقلت إلى الكتابة مشبعة رؤيتها بشيء من الخفة التي تميز بعض النساء اللاتي يمتلكن تجربة حياتية بعيدة من القواعد الاجتماعية.
"أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان" لكريستيان مونجيو (2007)
غابيتا حامل وتريد أن تجهض الجنين، لكن الإجهاض، في رومانيا الثمانينيات وتحت حكم الشيوعية، جريمة يعاقب عليها القانون. لذلك تستعين برجل لإجراء الإجهاض، بيد أن الفتاة وصديقتها التي تساعدها في الخروج من أزمتها، تعيشان جملة صدمات محورها الإجراءات المرتبطة بالإجهاض، ويلتقطها الفيلم بواقعية شديدة. لوحة اجتماعية قاتمة الألوان، ليس فيها الجنين الذي يرمى في أحد الأمكنة حيث ينبح الكلاب الضحية الكبرى مقارنة بضحايا النظام الوصي على قرارات الإنسان. فيلم أشبه بمانيفستو نسوي متوازن وصريح ينتصر لإرادة المرأة في التصرف بجسدها، وقد فاز بـ"سعفة" مهرجان كان في عام 2007.
"برسيبوليس" لمارجان ساترابي (2007)
تجري أحداث هذا الفيلم التحريكي في مدينة طهران إبان الثورة الإيرانية (1978). ماريانا البالغة من العمر ثماني سنوات تفكر في المستقبل، وتعتقد أنها مكلفة إنقاذ العالم من آلامه. بعدما أسرف والداها المنفتحان والمثقفان، في دلالها، بدأت تتبع بحرص واهتمام شديدين الأحداث التي ستفضي إلى الثورة، والتي ستسقط نظام الشاه. فيلم بالغ الأهمية عن التحول الذي طرأ في حياة المرأة تحت الثورة الإيرانية. ففور تأسيس الجمهورية الإسلامية أصبح مفوضو الثورة يتحكمون بتصرفات الإيرانيات وبملبسهن، فتعين على ماريانا ارتداء الحجاب، مما جعلها تتمرد على الأعراف القائمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيلم مقتبس من تجربة ماريانا ساترابي الشخصية التي كتب لها ألا تلقى المصير الذي لاقته أترابها الفتيات في إيران، بعدما أرسلتها عائلتها الشيوعية إلى فيينا.
"كارول" لتود هاينز (2015)
نيويورك، في أحد أيام شتاء 1952، تدخل كارول متجراً لشراء هدية في مناسبة حلول عيد الميلاد. تلتقي عينها عين البائعة، المتحدرة من بيئة متواضعة. إنها تيريز التي ستحبها كارول، على رغم التباعد بينهما على كل المستويات، المستوى الاجتماعي والعمر واختلاف الزاوية التي منها تنظر كل منهما إلى الحياة. إنه الحب من النظرة الأولى في هذه الأفلمة لرواية باتريشيا هايثميث. السؤال المطروح في هذا الفيلم لأكثر مخرج أميركي يعتنق النسوية كعقيدة له: إلى أي مدى يسمح مجتمع الخمسينيات الذي سبق أن صوره في "بعيداً من الجنة"، بعلاقة ممنوعة، وكم ستدفع المرأة ثمن هذا الحب؟
"موستانغ" لدونيز إيرغوفان (2015)
فيلم عن لعنة أن يولد المرء أنثى في مجاهل تركيا، ترويها المخرجة انطلاقاً من معاناة خمس شقيقات تركيات تتراوح أعمارهن بين 12 و16 سنة، يعشن في محيط يسوده الظلم والقمع والتربية التقليدية، وهي بيئة عاشت فيها فصولاً من حياتها قبل أن تحولها فيلماً. على الأخوات الخمس أن يتعلمن الطاعة منذ الصغر، وأن يتمرسن على الطبخ، وأن يتقبلن ما يخطط لهن أولياء أمرهن، ثم عليهن قبول عريس يتم اختياره لهن عندما يحين موعد الارتباط، الموعد الذي يأتي دائماً قبل أوانه. أما سيف الذكورية فمصلت على رقابهن باستمرار، في حين شرفهن يتوقف على غشاء البكارة. عمل إيرغوفان طافح بالحسية والأنوثة، تلك الأنوثة التي يصعب على الصبية الاعتزاز بها من دون أن تكون مصدراً للقهر لها.
"بورتريه فتاة تحترق" لسيلين سياما (2019)
ينطلق الفيلم من رغبة في عرض لوضع المرأة في القرن الـ18، وإعادة الاعتبار إلى الرسامات الأوروبيات اللاتي لم ينلن حقهن من الاعتراف، ولذلك اختارت المخرجة كل طاقم العمل من النساء حصراً. الفن والغرام والأحاسيس المكبوتة، من الأمور التي يتكون منها هذا العمل الذي نشهد فيه على نشوء علاقة غرامية بين رسامة شابة ترسم بورتريه ابنة عائلة أرستقراطية، خارجة للتو من الدير، وهي من المفترض أن تتزوج رجلاً من ميلانو، تطمح أمها في تزويجها إياه، على رغم أنها غير مرتاحة لهذا الخيار. بعد رفضها أن يتم رسمها، تقرر الرسامة أن ترسمها من دون علمها، ولكن عليها بداية أن تألفها.
يوثق الفيلم لحظة ولادة الشهوة والرغبة العاطفية بين شخصين، على نحو حسي، وبكثير من اللجوء إلى التفاصيل الدالة والمعبرة، هذا فيلم يتناول المرأة وجسدها والوصاية المفروض عليه اجتماعياً وأخلاقياً وفنياً.