تنبعُ أهمية العلاقة بين حزب الله اللبناني وإيران من كونها تتخطى علاقة التقارب الأيديولوجي ideological affinity لتصبح مثالاً واضحاً للنجاح الإيراني في تطبيق مبدأ تصدير الثورة من خلال نموذج علاقتها بحزب الله، إذ حرصت على استنساخ نموذجه في علاقتها بالفاعلين من غير الدول بالبلدان التي تتدخل في شؤونها، والارتكاز على هؤلاء الفاعلين كأدوات تنفيذ أهداف سياستها الخارجية.
نتج عن تلك العلاقات اكتساب دور الفاعلين من غير الدول لقوة مساوية أو متفوقة عن مؤسسات الدولة الأم الرسمية، وقد بدأت العلاقة الوثيقة بالحزب من رجال الدين الشيعة اللبنانيين من حزب الدعوة الإسلامي الموالي لإيران، وكثير منهم درس على يد المرشد الأعلى الإيراني آية الله روح الله الخميني، وبدأوا ينتظمون فيما عُرِفَ عام 1985 باسم حزب الله، ثم أُرسلت قوات الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان للمساعدة في تطوير الجناح العسكري. ومع الوقت تطوَّرت العلاقة بين إيران والحزب الذي أسسته من علاقة الراعي والعميل إلى نوع من علاقة الاعتماد المتبادل.
وعلى الرغم من أن إيران لديها علاقات ثقافية وسياسية جيدة مع لبنان، فإن اهتمامها الأكبر في لبنان له علاقة بمدى التأثير الذي يمتلكه حزب الله داخل البلاد، إضافة إلى التهديد الإسرائيلي قبل الاحتجاجات الشعبية العربية التي اجتاحت المنطقة، حينما كان دور حزب الله موجهاً إلى التهديد الإسرائيلي فقط، أما بعد ما شهدته المنطقة من اضطرابات منذ عام 2011 تطوَّر دور الحزب ليصبح أداة رئيسة في تنفيذ السياسة الإقليمية لإيران.
ورغم العامل الأيديولوجي في العلاقة بين الطرفين، فإن هناك مصالح استراتيجية بينهما، حرص الطرفان على الحفاظ على تحالفهما بشأنها، وهي أن يساعد حزب الله في الحفاظ على توازن القوى الإقليمي، خصوصاً ضد التهديد الإسرائيلي، فالحزب يمثل أحد أدوات الردع في مواجهة أي ضربات أو هجمات عسكرية من قبل الغرب لإيران، لذا مثَّل الحزب أحد مصدر للردع في مواجهة تهديدات توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية في الفترة من 2005 إلى 2010.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما مثّل الحزب محوراً رئيسياً في استراتيجية إيران القائمة على الدفاع المتقدم forward Defense، التي تقوم على توظيف أدوات ووكلاء إقليميين في الدول محل اهتمام إيران، فقد لعب الحزب دوراً بجانب الحرس الثوري في تأسيس وتدريب ونقل السلاح للميليشيات والتنظيمات العراقية واليمنية، كما لعب دوراً في الحرب السورية للحفاظ على بقاء الأسد.
أمَّا من جهة إيران، فتمثل إيران الداعم والراعي الرئيس للحزب بما تقدمه من دعم عسكري ومالي وإعلامي أسهم في تدعيم ميزان القوى للحزب في مواجهة الفصائل والأحزاب اللبنانية من جهة، والحفاظ على الردع المتبادل مع إسرائيل من جهة أخرى منذ حرب لبنان 2006.
وعلى مستوى السياسة الداخلية في لبنان يلعب حزب الله الآن دوراً رئيساً في صُنع القرار واختيارات القيادة في لبنان، ونتيجة لارتباط الحزب بالسياسة الإقليمية لإيران فإنه كثيراً ما واجه انتقاداً صريحاً داخل وخارج لبنان لدعمه النشط بقية حلفائه الإقليميين عبر دعم نظام الأسد في سوريا، إذ يقدر بأن الحزب يشارك في المعارك السورية بنحو 4 آلاف من مقاتليه.
وأهم دلائل نجاح إيران في توظيف حزب الله أنه خلال الحرب بين حزب الله وإسرائيل في سياق صراع أوسع مع الولايات المتحدة وحليفها الإسرائيلي، والتماهي مع سعي إيران لتحدي مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بمشروعها النووي وصدور قرار المجلس رقم 1696 لسنة 2006، الذي ينص على "تتخذ دون تأخير التدابير التي طلبها مجلس محافظي الوكالـة الدولية للطاقة الذرية في قراره GOV/ 2006/ 14، التي لا بد منها لبناء الثقة في الغرض السلمي الخالص لبرنامجها النووي وتسوية المسائل المعلقة، وأن تعلـق إيران جميع أنشطتها المتصلة بالتخصيب وإعادة التجهيز، بما في ذلك البحث والتطوير، على أن يخضع ذلك للتحقق من قبـل الوكالة الدولية للطاقة الذرية". لذا يدفع الكثير بأن حرب يوليو (تموز) 2006 تمت بدفع من إيران من أجل تشتيت الانتباه عن مناقشة برنامجها النووي في تلك الأثناء، الذي كان على أجندة قمة مجموعة دول الثماني في 2006.
الأمر ذاته تكرر مع ضرب إسرائيل في الأسابيع الأخيرة عدداً من الأهداف التابعة لحزب الله اللبناني، ثم قيام الحزب بالرد على تلك الهجمات، فإطلاق صاروخ مضاد للدبابات من قبل حزب الله على قوات الجيش الإسرائيلي في منطقة أفيفيم في الأول من سبتمبر (أيلول) 2019 كان في نظر حسن نصر الله مطلوباً، نظراً إلى تصريحاته العلنية حول اعتزامه الرد.
لكن في الحقيقة، فإن حسن نصر الله غير مهتم بحرب شاملة مع إسرائيل في هذا الوقت، وذلك حتى لا تزداد الضغوط حول إيران التي تريد رفع العقوبات الأميركية عنها.
ويمكن القول إن رد حزب الله اللبناني هذه المرة لم يلقَ الزخم العربي والشعبي كما في السابق، وبالأحرى قبل اندلاع الحرب في سوريا. أي أنه لم يتم التعاطي مع رد فعل حزب الله في سياق المقاومة ضد إسرائيل، ذلك أن الصورة الذهنية للحزب تغيَّرت بفعل السياسة الإيرانية، التي وسعت نفوذها بوجه مذهبي أسقط معه شعارات المقاومة ونصرة القضايا العربية في مواجهة إسرائيل.