Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

الشغور يهدد النيابة التمييزية في لبنان وسط الحسابات السياسية

التعيين في الحكومة متعثر والعرف يقضي بأن يكون المنصب سنياً لكن القاضي المؤهل قانوناً شيعي

الشغور الرئاسي في لبنان ينسحب على سلسلة مناصب في ظل صعوبة التعيين في حكومة تصريف الأعمال (رويترز)

ملخص

الشغور في لبنان يهدد هذه المرة منصب المدعي العام التمييزي والأعراف الطائفية في التعيينات تفاقم الإشكالية... فما الخيارات المحتملة لملء المركز؟

في الـ21 من فبراير (شباط) المقبل، يصبح مركز المدعي العام التمييزي في لبنان شاغراً بعد بلوغ المدعي العام الحالي القاضي غسان عويدات سن التقاعد. أما السيناريو الذي سيوصل البديل فلا يبدو متفقاً عليه بعد، خصوصاً أن القانون ينص على ملء الشغور في مراكز الفئة الأولى من خلال التعيين بأصوات الثلثين في مجلس الوزراء، وهو خيار مستبعد حالياً في ظل حكومة تصريف أعمال لا يمكن أن تعين، ويرفض عدد كبير من الوزراء فيها، ومن بينهم وزير العدل هنري خوري، أن يتخطى عملها تصريف الأعمال في ظل الشغور الرئاسي.

ويؤكد مصدر قضائي رفيع لـ"اندبندنت عربية" أن هناك خيارات يمكن اللجوء إليها لملء الشغور استناداً إلى قانون التنظيم القضائي، إلا أن الإشكالية هي في المحافظة على المركز للطائفة السنية وفقاً للعرف الذي اتبع دائماً في التشكيلات القضائية والبحث عن القاضي السني البديل داخل محكمة التمييز وسط بروز صفة الأقدمية لدى قضاة من الطائفة الشيعية ومن بينهم نسيبة رئيس البرلمان نبيه بري.

وإلى هذه الإشكالية، تتقدم لدى بعض الأطراف السياسية الفاعلة، وفي مقدمها بري، حسابات تتعلق برفض تحكم رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود بورقة تكليف المدعي العام التمييزي بالوكالة. ويؤكد عدد من المطلعين على ما يدور في الكواليس السياسية والقضائية، أن ملف اختيار البديل عن عويدات لا يزال موضوعاً خلافياً ولم يحسم بعد، ويشهد تجاذباً كبيراً وتعقيدات حقيقية. وكشفت مصادر قضائية لـ"اندبندنت عربية" عن اتصالات مكثفة بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير العدل هنري خوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود بحثاً عن حل مستدام أو حل موقت لتسمية قاض لمنصب المدعي العام التمييزي.

الخيارات المتاحة

مع استبعاد إمكانية تعيين المدعي العام التمييزي الأصيل في مجلس الوزراء وفق ما ينص عليه القانون، لاستحالة الاتفاق على إجراء حكومة تصريف الأعمال تعيينات في غياب رئيس الجمهورية، تبقى الخيارات المتاحة بانتداب أو تكليف قاض بديل لتولي المركز بالوكالة حتى تعيين الأصيل. ويؤكد مصدر قضائي أن هناك ثلاثة خيارات يمكن اللجوء إليها، تستند إلى قانون التنظيم القضائي الذي ينص على أنه في حال تغيب المدعي العام التمييزي يحل محله القاضي الأكبر سناً والأعلى درجة، وهو في هذه الحالة القاضية ندى دكروب، ابنة شقيقة رئيس مجلس النواب، وهي من الطائفة الشيعية، مما قد يشكل حساسية شيعية – سنية، كون مركز المدعي العام التمييزي عرفاً للسنة. وتشير مصادر قضائية إلى إمكانية اختيار اسم آخر لتولي المنصب وهو حالياً الأكبر سناً بين القضاة وشيعي أيضاً ومقرب من بري، وهو القاضي علي إبراهيم، المدعي العام المالي، لكن اختياره أيضاً وإن كان بالوكالة سيخلق امتعاضاً سنياً، حتى إن المصادر كشفت عن أن إبراهيم بات خارج التداول.

اقرأ المزيد

ويشرح المصدر القضائي أنه في ظل استحالة تعيين الأصيل يمكن لوزير العدل أن يعتمد خيار الانتداب، وأن يختار بالتشاور مع رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي الأعلى رتبة ومن النيابة العامة التمييزية لتولي المهمة بغض النظر عن طائفته. أما إذا أراد وزير العدل مراعاة العرف والتوزيع الطائفي المتبع، فيمكنه أن ينتدب قاضياً سنياً، ويتم التداول باسم رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الجراح، الذي يحظى بتأييد رئيس مجلس القضاء الأعلى لكن يعترض عليه "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل)، كما يطرح اسم رئيس غرفة الاستئناف القاضي أيمن عويدات، وهو سني أيضاً.

ولا يبدو وزير العدل متحمساً لتولي مسؤولية اختيار الاسم البديل للنيابة العامة التمييزية، ويربط وفق مصادر مقربة منه القرار بسلة من الانتدابات لملء شواغر في خمسة مراكز قضائية، وهو ما قد يصعب الحل بمجرد وجوب تأمين اتفاق بين أكثر من جهة سياسية وطائفية على الأسماء كافة. وسبق لوزير العدل أن أرسل لائحة بالأسماء المقترحة إلى مجلس القضاء الأعلى ولم تحظ بموافقته. وتؤكد مصادر الوزير أن الأسبوع المقبل قد يحسم موضوع الانتدابات، فإما تمشي وإما تتوقف.

هل يحسمها عبود؟

ووسط التجاذبات والإشكاليات المتعددة، تتحدث مصادر قضائية عن إمكانية لجوء المدعي العام الحالي القاضي غسان عويدات قبل بلوغه سن التقاعد إلى تسمية مساعده القاضي غسان خوري لتولي مهام النيابة العامة التمييزية في غيابه، والمبرر بإجازة تسبق انتهاء مهامه. لكن تكليف عويدات الخلف قد لا يدوم، إذ يطرح إشكالية تتعلق بمصير استمرار خوري بالتكليف بعد مغادرة عويدات، خصوصاً أن القانون ينص على أن يتسلم مباشرة مكانه القاضي الأعلى رتبة، أي دكروب.

وتكشف مصادر قضائية في مجلس القضاء الأعلى لـ"اندبندنت عربية" أنه إذا تعذر التعيين في مجلس الوزراء ولم يحصل الانتداب من قبل وزير العدل، وإذا رفض القاضي الأعلى رتبة تسلم المركز، فيمكن لرئيس مجلس القضاء الأعلى أن يلجأ إلى تكليف اسم بديل، ويختار قاضياً من قضاة التمييز ولا شرط حينها أن يكون الأعلى رتبة والأقدم. وتؤكد المصادر المقربة من عبود أنه لن يفصح عن الاسم الذي سيختاره قبل الـ22 من فبراير، وإذا لم يكلف الوزير أحداً فهو سيقوم بدوره وسيلتزم بما يقوله الكتاب، والمعيار سيكون اختيار القاضي الأفضل للعدلية من دون أن يأخذ بعين الاعتبار الحسابات السياسية الضيقة.

في المقابل، تتحدث مصادر قضائية عن جهود يقوم بها "الثنائي الشيعي" لقطع الطريق على تحكم القاضي سهيل عبود بالعدلية من خلال تسمية المدعي العام التمييزي، ليصبح النصاب داخل مجلس القضاء الأعلى مريحاً لصالح عبود، والاتصالات تصب في اتجاه تأمين الاتفاق على الاسم البديل لكن من غير المقربين من عبود. ويذهب البعض إلى توظيف قرار المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان، الذي يطلب فيه استرداد مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة في حق الوزير السابق يوسف فنيانوس، المتهم بقضية تفجير مرفأ بيروت، الذي كان سبقه قرار مماثل في حق الوزير السابق علي حسن خليل، بأنه رسالة حسن نية من القاضي عبود قد تسهل وصول القاضي حجار إلى مركز المدعي العام التمييزي.

الاعتراض السني

لن يكون من السهل أن يقبل السنة بتمرير تولي قاض شيعي بالوكالة منصباً سنياً، حتى لو كان الانتداب موقتاً. ويقول نقيب محامي طرابلس سابقاً والوزير السابق للشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ"اندبندنت عربية"، "صحيح أن لا نصاً قانونياً يفرض أن يكون المدعي العام التمييزي من الطائفة السنية، لكن مجلس القضاء الأعلى المعين من قبل مجلس الوزراء يراعي التوزيع الطائفي، ولكل طائفة قاض يمثلها باستثناء السنة وهي سابقة". ويؤكد درباس أن المراكز التابعة للسنة بلغ أعضاؤها سن التقاعد ولم يتم تعيين مكانهم، كما في مجلس التفتيش القضائي وقاضي التحقيق الأول والرئيس الأول في الجنوب واليوم المدعي العام التمييزي. وغامزاً من قناة المسؤولين السياسيين ومن بينهم السنة، يعلق درباس ساخراً "لا أعرف إذا كانت الطائفة السنية تبحث عن حقوقها، وتحافظ عليها". ويضيف "المطلوب احترام القضاء قبل احترام أي شيء آخر، وعلى المعنيين البحث عن قاض لديه جدارة وكفاءة، ويساعد في لملمة هذه الحالة العشوائية غير المسبوقة التي يعيشها الجسم القضائي".

المزيد من تقارير