Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب غزة أرهقت حاملي الشهادات وباتوا أصحاب عربات يبيعون ما تيسر

96 في المئة نسبة البطالة وانعدام الأمن الغذائي وصل إلى 98 في المئة

ملخص

مهن موقتة تظهر في قطاع غزة يؤكد خبراء اقتصاديون أنها ليست عملية اقتصادية بل "تجارة حرب"

خلف عربة صغيرة وقف مهندس الإلكترونيات فارس المطوق حاملاً شهادته الجامعية وأبحاثه التي عمل عليها بيده اليمنى، فيما أخذ ينادي على بضائعه لبيعها وسط السوق الشعبية لمحافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة.

لم يعرض فارس على عربته لوحة طاقة شمسية ولا جهاز حاسوب محمولاً ولا أي قطعة إلكترونية من تصميمه، لكنه كان ينادي بصوت عال ممزوج بالبكاء "بطاطا... طماطم... فلفل للبيع"، قليل من الخضراوات هو ما يعرضه المهندس في السوق.

من مهندس إلى بائع خضراوات

يمر النازحون وسكان رفح الأصليون أمام فارس ولا أحد يسأله عن سعر أي صنف، يتحسر المهندس بطريقة غريبة، فيرفع صوته أكثر فأكثر، وفي الوقت نفسه يلوح بشهادته الجامعية، يقول "ربما ألفت انتباه الناس ويشترون مني"، لكنه عبثاً يفعل.

مجبر فارس على العمل في بيع الخضراوات ولا فرصة أمامه سوى ذلك، وهذه مهنة جديدة للمهندس الذي يأمل في أن تكون موقتة وأن يعود إلى الجلوس خلف مكتبه وأمامه جهاز الحاسوب وكثير من اللوحات الإلكترونية التي يحب أن يغوص في تفاصيلها.

بعد أن نفذت حركة "حماس" هجومها على إسرائيل، وردت الأخيرة بحرب ضد قطاع غزة، توقف فارس عن عمله كمهندس في شركة كبرى، واستمر حاله عاطلاً أياماً طويلة، لكن العوز أجبره على العمل بأي شيء متاح.

ويقول مهندس الإلكترونيات "أعول أسرة وإذا جلست في البيت من دون عمل لن يأكل أطفالي، لذلك أعمل في بيع الخضراوات، شعرت بالخزي في البداية، بعدما كنت أنعم بوظيفة جيدة، نزلت إلى السوق أستجدي أي شخص ليشتري مني".

ويضيف "لا أجيد البيع وهذه الحقيقة أدركها، لكن ماذا أفعل، يجب أن أعمل وربما تعود الأيام الماضية وأعود لوظيفتي، على رغم أن بصيص الأمل بدأ يتلاشى لكنه غير منقطع"، داعياً طرفي "الصراع إلى التنازل قليلاً رأفة بحال الناس".

يحصل فارس على مبلغ زهيد يومياً لا يكفي لشراء مستلزمات أسرته في ظل تضخم الأسعار، ويحمل مسؤولية حاله هذه إلى الجهات الحكومية في غزة التي أوقفت الرقابة على الأسواق مما دفع بالتجار إلى استغلال ظروف الناس وحاجتهم.

لا تنعش الاقتصاد

في الواقع، بسبب الحرب توقفت عجلة الاقتصاد في غزة، ويقول باحثون في شؤون الاقتصاد إن "ما يدور في بعض محافظات القطاع ليس عملية اقتصادية بل تجارة حرب"، لا تنعش حركة الاقتصاد ولا تؤمن ضرورات المواطنين.

ونتيجة تعطل الاقتصاد توقف العمال والموظفون عن ممارسة مهنهم، واضطر جزء كبير منهم للعمل بأي مهنة متاحة، مما أدى إلى بروز مهن موقتة يمكن لأي شخص أن يمارسها من دون الحاجة إلى خبرات أو رأس مال، لتوفير مصدر دخل.

ويقول المتخصص في الشأن الاقتصادي مازن العجلة "بعد توقف عجلة الاقتصاد وجد سكان غزة أنفسهم يصرفون المدخرات إن توفرت. وسمحت حالة الفوضى في القطاع في خلق مهن موقتة، فقد تجد مثلاً صائغاً يبيع قهوة، أو موظفاً حكومياً بدرجة مدير يبيع المعلبات".

ويضيف "في علم الاقتصاد لا يمكن تعريف ذلك بأنه عملية تجارية، ولا يسهم ذلك في تنشيط الاقتصاد، هذا مجرد تدوير مهن سببه الفوضى وغياب الرقابة وتعطل المؤسسات الرسمية، هذه المهن الجديدة أو المهن التي يعمل بها أشخاص جدد، لا توفر سوى دخل محدود".

بائع قهوة وعامل على أرجوحة

وكما حال كثير من الموظفين، يعمل عامر الذي كان بالأساس أستاذاً مدرسياً، ببيع مشروبات ساخنة، ويقول إنه اضطر إلى العمل من جديد بعد أن فقد وظيفته في ظل استمرار الحرب على غزة وعدم وجود أي آفاق لانتهائها، لا سيما أن فرص العمل باتت محدودة للغاية، لافتاً إلى أن إجمالي المبالغ المالية التي يحصل عليها لا تكفي بالأساس لتلبية حاجاته.

فقد أدت الحرب إلى تعزيز الفقر والعوز وانعدام الأمن الغذائي في صفوف سكان غزة. وبحسب بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، فإن نسبة البطالة في غزة ارتفعت إلى 96 في المئة، والفقر وصل مؤشره إلى 90 في المئة، أما انعدام الأمن الغذائي فبلغ 98 في المئة.

أمام ساحة بيته، نصب أنور أرجوحة كبيرة والتف حولها عشرات الأطفال، يقول "كنت أعمل مهندس بناء في القدس لكن توقفت عن ذلك بعد هجوم (حماس)، أما في غزة فالواقع المعيشي صعب وقاس للغاية، وهناك صعوبة كبيرة في توفير أي عمل".

ربما تصبح مهناً دائمة

في ظل قتامة المشهد السياسي، يرفض سكان غزة الاستسلام للواقع المرير، فاتجهوا للحصول على وظائف موقتة ليعولوا أسرهم. يقول مدير عام الإحصاءات الاقتصادية في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني محمد قلالوة "ربما تصبح هذه المهن الموقتة سبيل رزق دائم لسكان القطاع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذه العبارة تقلق سكان غزة الذين يأملون في عودة الحياة إلى طبيعتها، لكن قلالوة يرى أنه "من الصعب عودة الوضع الاقتصادي بغزة إلى ما كان عليه قبل الحرب، لا سيما إذا تحرك المجتمع الدولي في اتجاه المساعدات الإنسانية، وليس إعادة التنمية".

ويوضح أن خسائر القطاع الخاص جراء الحرب تقدر بنحو 1.5 مليار دولار خلال شهرين فقط، فيما لم يتم حساب باقي الخسائر في الشهرين الثالث والرابع، لافتاً إلى أن العمليات العسكرية أصابت عجلة الإنتاج بالشلل.

ويبلغ عدد المنشآت المقدر للقطاع الخاص في غزة نحو 56 ألف منشأة، فيما يشكل قطاع التجارة الداخلية نحو 56 في المئة من إجمالي المنشآت، يليه قطاع الخدمات بنسبة 30 في المئة، فيما بلغت نسبة قطاع الصناعة ما يقارب الـ10 في المئة، أما باقي الأنشطة الاقتصادية فتشكل أربعة في المئة من إجمالي عدد المنشآت.

يشير قلالوة إلى أن سبعة في المئة من جميع الأنشطة الاقتصادية تعمل في غزة، وأن هذه النسبة تشكلت من القطاعات الحيوية التي لم تتوقف بشكل تام خلال الحرب، وتتمثل في القطاع الصحي والمخابز، وجزء من قطاع التجارة الداخلية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير