Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب في أوكرانيا لم تصل إلى طريق مسدود

الهجوم المضاد في العام الماضي فشل لكن الغرب قادر على منع النصر الروسي هذا العام

جندي أوكراني قرب باخموت، أوكرانيا، ديسمبر 2023 (فياتشيسلاف راتينسكي/رويترز)

ملخص

التسليم بأن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى حالة جمود يمنح الأفضلية للكرملين

منذ فشل الهجمات التي شنتها أوكرانيا وروسيا عام 2023، بدأت تتشكل رواية مفادها أن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود وحالة من الجمود. وهذا الاعتقاد السائد بأن الصراع جامد ولكنه مستمر إلى أجل غير مسمى يسبب شعوراً بالإرهاق في عواصم شركاء أوكرانيا، وإذا كان من المتوقع ألا يحقق أي من الطرفين تقدماً كبيراً، سينظر إلى الوضع الراهن على أنه مستقر من ثم فهو لا يتطلب تدخلاً سياسياً عاجلاً.

لكن هذا الاعتقاد المتداول بوجود حالة من الجمود غير دقيق على الإطلاق. في الحقيقة، تتسابق موسكو وكييف لإعادة بناء قدراتهما القتالية الهجومية. وفي صراع بهذا الحجم، ستستغرق هذه العملية وقتاً لا محالة. وفي حين أن النصف الأول من عام 2024 قد يشهد تغييرات قليلة في ما يتعلق بالسيطرة على الأراضي الأوكرانية، فإن العتاد وتدريب الأفراد والخسائر التي يتكبدها كل جانب في الأشهر القليلة المقبلة ستحدد المسار الطويل المدى للصراع. والواقع أن الغرب أمام خيار حاسم الآن: إما دعم أوكرانيا حتى يتمكن قادتها من الدفاع عن أرضهم والاستعداد لهجوم عام 2025 أو منح روسيا اليد العليا بطريقة لا رجعة فيها.

إن غياب الالتزام الواضح بتقديم مساعدات لأوكرانيا على المدى الطويل لا يهدد بمنح روسيا مزايا في ساحة المعركة فحسب، بل يزيد من جرأة موسكو ويعزز ثقتها في نفسها أكثر فأكثر. سبق أن أدت حالة عدم اليقين هذه إلى تقويض الهدف المتمثل في دفع روسيا إلى طاولة المفاوضات، إذ إن الكرملين يعتقد اليوم أنه قادر على الصمود حتى انكسار إرادة الغرب بدعم أوكرانيا. وما لم يجر التعهد بالتزامات واضحة أوائل عام 2024، ستزداد عزيمته صلابة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وستسهم الخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة وأوروبا على مدى الأشهر الستة المقبلة في تحديد مسارين محتملين في المستقبل. في أحدهما، ستكون أوكرانيا قادرة على بناء قواتها لتجديد العمليات الهجومية وتقليص القوة العسكرية الروسية إلى مستوى يسمح لكييف بالتفاوض من موقع قوة لفرض سلام دائم. وفي الثاني، سيؤدي نقص الإمدادات والأفراد المدربين إلى إغراق أوكرانيا في صراع استنزاف ينهكها ويجبرها على الخضوع في نهاية المطاف.

ويتعين على شركاء أوكرانيا الدوليين أن يتذكروا أن الأوكرانيين ليسوا الوحيدين الراغبين في تحقيق النتيجة الأولى. كذلك، من الضروري حماية القاعدة الدولية التي تنص على عدم جواز تغيير الحدود بالقوة. ويذكر أن روسيا الجريئة والمهيأة للقتال قد تشكل تهديداً مستداماً لحلف شمال الأطلسي، مما يتطلب من الولايات المتحدة دعم تدابير الردع في أوروبا إلى أجل غير مسمى، وهذا من شأنه أن يحد من قدرة واشنطن على نشر القوة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ويزيد بصورة كبيرة من خطر الصراع حول تايوان. إذاً، فالغرب لديه القدرة على التأثير في مجرى التاريخ، لكن عليه أولاً أن يدرك خطورة القرار الذي يواجهه حالياً.

ضيق الوقت

لو سار الهجوم العسكري الأوكراني عام 2023 حسب الخطة المرسومة، لاخترقت القوات الأوكرانية ما يسمى خط سوروفيكين الروسي [نسبة إلى الجنرال سيرغي سوروفيكين الذي قاد الجيوش الروسية في الهجوم على أوكرانيا من أكتوبر (تشرين الأول) 2022 إلى يناير (كانون الثاني) 2023] في مقاطعة زابوريجيا وحررت ميليتوبول، وقطعت الطرق التي تربط روسيا براً بشبه جزيرة القرم. إلى جانب العمليات البحرية الأوكرانية، كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى وضع شبه جزيرة القرم تحت الحصار، وعلى رغم صعوبة هذا الهدف فإنه كان قابلاً للتحقيق. إن السبب الرئيس للفشل هو أن الوحدات الأوكرانية المكلفة قيادة الهجوم لم يكن لديها الوقت الكافي للتدريب والتحضير.

في يوليو (تموز) 2022، أنشأت المملكة المتحدة، جنباً إلى جنب مع شركاء آخرين لأوكرانيا، عملية "إنترفلكس" Interflex الرامية إلى تدريب القوات الأوكرانية. في ذلك الوقت، كانت أوكرانيا في حاجة ماسة إلى وحدات إضافية من أجل تأمين مواقع دفاعية، لذا وضعت عملية "إنترفلكس" برنامجاً تدريبياً مدته خمسة أسابيع، أعطت فيه الأولوية للمهارات ذات الأهمية الحيوية في العمليات الدفاعية. ولا تزال خطة الخمسة أسابيع هذه قائمة، بيد أن المهمة تغيرت بصورة جذرية.

خلال الحرب العالمية الثانية، اعتبر الجيش البريطاني أن إعداد جندي للمشاركة في قتال المشاة يتطلب 22 أسبوعاً من التدريب في الأقل. بعد هذه الفترة الأولية، يقسم الجنود إلى وحدات ويشاركون في تدريبات جماعية تجري على مستوى الكتائب. حتى قبل مايو (أيار) 2023، كان من الواضح أن القوات الأوكرانية لم تكن مدربة بصورة كافية على العمليات الهجومية ولم يكن لديها الوقت الكافي لتتعلم طريقة تشغيل المعدات الجديدة التي أرسلت إليها. ولكن بما أن القوات الروسية كانت تعمل على تعزيز مواقعها الدفاعية، لم يكن من الممكن تأجيل الهجوم.

السبب الرئيس وراء فشل الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا هو أن قواتها لم تكن تملك الوقت الكافي للتدريب

واستكمالاً، كانت الفرص المتاحة للجنود الأوكرانيين للمشاركة في التدريب الجماعي محدودة للغاية. وتجدر الإشارة إلى أن عدد القوات المنتشرة ليس العامل الوحيد المهم في الحرب، فالتنسيق الفعال بين الوحدات الصغيرة يلعب دوراً محورياً في تحديد مدى فعالية القوى العاملة في الجيش، حتى عندما تكون منتشرة في منطقة واسعة. وتتطلب جغرافية أوكرانيا مهارة عالية في التنسيق لأن خطوط الأشجار تمنع الوحدات من رؤية بعضها بعضاً. ويؤدي خطر التعرض لهجمات مدفعية إلى اعتماد استراتيجية زيادة التشتت، فتنتشر السرايا في كثير من الأحيان على مسافة ميلين تقريباً على طول خط المواجهة. وتسهم التضاريس في زابوريجيا في تشجيع القادة خصوصاً على اللجوء إلى فصل السرايا عن بعضها أثناء القتال. في هذه البيئة الجغرافية، من الضروري أن تتمتع الوحدات العسكرية بالقدرة على مزامنة عملياتها حتى عندما تعجز عن رؤية بعضها بصورة مباشرة وذلك لكي تتمكن من تقديم الدعم المتبادل والاستفادة من مكاسب بعضها بعضاً.

ولكن نادراً ما جرت تدريبات جماعية في الجيش الأوكراني على نطاق يتجاوز مستوى السرية، إضافة إلى ذلك، فإن الحاجة إلى تزويد الوحدات العسكرية المشكلة حديثاً بمزيد من الأفراد قد أدت إلى نقص في الضباط ذوي الخبرة في كل منها. على مدى الحرب، ازداد عدد القوات الأوكرانية النشطة خمسة أضعاف، ولكن في المقابل لم يرتفع عدد ضباط الأركان المدربين بصورة كبيرة. وفي ساحة قتال تتطلب من الضباط الأوكرانيين تنسيق مناورات منتشرة على نطاق واسع، من ضمنها إطلاق نيران المدفعية وتحديد مسار تحليق الطائرات من دون طيار وتأثيرات الحرب الإلكترونية [أي اكتساب ميزة تكنولوجية، وتعطيل أنظمة الخصم، وحماية القوات الصديقة، والتأثير في بيئة المعلومات والاتصالات في ساحة المعركة]، فإن النقص في الضباط الميدانيين يعني عدم القدرة على دمج العمليات الكبيرة وجمعها معاً.

خلال هجوم عام 2023، كانت أوكرانيا تنفذ عملياتها العسكرية مستخدمة أزواجاً من السرايا (أي كل سريتين معاً)، يديرها من كثب مركز قيادة لواء يعاني نقصاً في العديد. وكانت النتيجة أنه على رغم نجاح الجنود الأوكرانيين في كثير من الأحيان في الاستيلاء على مواقع العدو، فإنهم نادراً ما كانوا قادرين على استغلال الخروق والإنجازات التي حققوها أو تعزيز مكاسبهم بسرعة. وعوضاً عن ذلك، كان عليهم التوقف والتخطيط، مما أعطى القوات الروسية الوقت لإعادة تنظيم صفوفها. وإذا لم يتمكن الجيش الأوكراني من توسيع نطاق عملياته، فهو معرض لخطر تكرار التجربة ذاتها، بيد أن توفير التدريب المناسب سيحتاج إلى وقت.

الهجوم المتقن هو أفضل دفاع

من الضروري إجراء تعديلات في تدريب القوات الأوكرانية من أجل شن عمليات هجومية أكثر فاعلية. لكن التدريب الأفضل لن يقلل حاجة كييف إلى العتاد. من المرجح أن يواجه الجيش الأوكراني نقصاً كبيراً في المعدات خلال العام المقبل: ففي ذروة هجومها عام 2023، كانت أوكرانيا تطلق ما يصل إلى 7 آلاف قذيفة مدفعية يومياً، وكانت هذه القذائف مسؤولة عما يصل إلى 80 في المئة من الخسائر الروسية في القتال. ولكن بحلول نهاية عام 2023، كانت القوات الأوكرانية تطلق ما يقارب 2000 قذيفة يومياً. في المقابل، ازدادت قدرة المدفعية الروسية، فالقوات الروسية تطلق الآن نحو 10 آلاف قذيفة يومياً. وما لم تتمكن أوكرانيا مرة أخرى من تهيئة ظروف تتيح لها أن تحقق تفوقاً مناطقياً [أي في منطقة معينة]، فإن أي عمليات هجومية جديدة ستؤدي إلى خسائر لا يمكن تحملها في صفوف القوات الأوكرانية.

العقبات الرئيسة التي تحول دون نجاح أوكرانيا في الحرب هي سياسية

في الواقع، من دون خلق مثل هذه المناطق التي تتفوق فيها أوكرانيا مدفعياً، فإن أوكرانيا ستجد صعوبة في صد الهجمات الروسية. تنشر روسيا حالياً نحو 340 ألف جندي في جنوب أوكرانيا. وفي معظم فترات الحرب، كانت الإمكانات الهجومية لتلك القوات محدودة بسبب القيود اللوجيستية. لكن روسيا واجهت عقبات أيضاً في أعمالها العسكرية بسبب ارتفاع مستوى الخسائر التي ألحقتها بها أوكرانيا، ووصلت إلى 1000 قتيل وجريح يومياً خلال أعنف فترات القتال. إن تكبد هذا الحجم الهائل من الخسائر أجبر روسيا على إرسال جنود غير مدربين إلى خط المواجهة، وفي حين أن ذلك لم يمنع موسكو من محاولة إجراء مناورات هجومية، إلا أنه حد من فعاليتها.

ويكمن التحدي الذي يواجه أوكرانيا في حفاظها على وضعية دفاعية وفي الوقت نفسه الاستمرار في شن هجمات محلية محصورة في مكان معين. إذا تكبدت روسيا خسائر أقل، فإن قدرات قواتها في الميدان ستتحسن. واستطراداً، فإن تقليل الضغط على الخطوط الأمامية من شأنه أن يوفر لروسيا مزايا أخرى أيضاً. فهو سيمكن موسكو من تغيير مهام الجنود المتمرسين وإعادة توجيههم لتدريب المجندين، مما قد يسمح لها بفتح محاور هجومية جديدة في النصف الثاني من عام 2024. ويمكن للقوات الروسية أيضاً التركيز على قطاعات يمكنها أن تهيئ فيها ظروفاً أكثر ملاءمة في ساحة المعركة وإلحاق خسائر فادحة بأوكرانيا. وإذا تركت أوكرانيا أجزاء كبيرة من الجبهة في حالة من الهدوء، فقد تنجح القوات الروسية أيضاً في توسيع تحصيناتها بصورة كبيرة، مما يجعل تنفيذ أي عمليات هجومية أوكرانية مستقبلية أكثر صعوبة. إذاً، حتى مع حفاظ الجيش الأوكراني على موقف دفاعي، يتعين عليه أن يسعى في الوقت نفسه إلى زيادة معدل استنزاف القوات الروسية إلى الحد الأقصى.

ترتيب الأولويات

من الضروري أن تتوصل كييف وشركاؤها إلى إيجاد تفاهم واقعي مشترك حول ماهية المواد والتدريبات التي يمكن توفيرها ومتى يمكن الحصول عليها. على مدى العامين الماضيين، فشل حلفاء كييف في الاستفادة من أفضلية الوقت التي كانت متاحة لهم، إذ أمضوا معظم عامي 2022 و2023 مستمتعين بنشوة النكسات المبكرة لروسيا، وتخيلوا أنهم قادرون على تجنب صراع طويل الأمد. وعوضاً عن السعي إلى توسيع القدرة الصناعية في الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، اعتمد أصدقاء كييف بصورة أساسية على الذخائر الموجودة في المخزونات الوطنية والسوق الدولية وأرسلوها إلى أوكرانيا.

والآن بدأت مخزونات الذخائر هذه تنفد. ومن أجل مواصلة تحقيق التفوق المدفعي في منطقة معينة، ستحتاج أوكرانيا إلى نحو 2.4 مليون قذيفة سنوياً. لكن شركاء أوكرانيا الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة، سيجدون صعوبة في توفير نصف هذه الكمية عام 2024.

في الواقع، يحظى نقص قذائف المدفعية في أوكرانيا بالقدر الأعظم من الاهتمام. لكن محدودية مواردها لا تقتصر على الذخيرة فحسب. ولكي تتمكن أوكرانيا من تجديد قدراتها الهجومية والدفاع عن نفسها ضد الهجمات الروسية، ستحتاج إلى ما يقارب 1800 ماسورة بديلة لصيانة المدافع سنوياً، والآلات القليلة لتصنيع تلك المواسير في أوروبا لا يمكنها تلبية هذا الطلب. كذلك، فإن الأساطيل العديدة من المركبات التي منحت إلى كييف خلال العامين الماضيين تحتاج إلى مصدر إمدادات ثابت وموثوق لقطع الغيار. وسيستمر الطلب على صواريخ الدفاع الجوي الاعتراضية أيضاً، إذ إن روسيا تنتج الآن أكثر من 100 صاروخ كروز وصاروخ باليستي و300 طائرة هجومية من دون طيار شهرياً. ومن أجل احتواء الأضرار الناجمة عن هذه الأسلحة، يتعين إعادة إمداد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي الغربية. وإذا لم تعمل الدول الغربية على زيادة قدرتها على إنتاج هذه الأنظمة، فستكون لروسيا اليد العليا.

وخوفاً من انتهاء الدعم الأميركي مع الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه يجب تحرير جميع الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا بحلول أكتوبر 2024. وهذا أمر غير قابل للتحقيق، بالنظر إلى العتاد المتاح لأوكرانيا أو الوقت الذي سيحتاج إليه جيشها لتدريب قواته بشكل مناسب. ولكن ليس من المعقول أن يطالب حلفاء كييف الغربيون جنرالات أوكرانيا بوضع خطة مفصلة أطول أمداً قبل أن يلتزموا تقديم دعم جديد. في المقابل، لا يستطيع القادة العسكريون في أوكرانيا تحديد نوع وتوقيت العمليات التي يمكنهم تنفيذها بسبب عدم اليقين المحيط بالمعدات التي سيحصلون عليها. باختصار، أصبح الاستعداد للمرحلة التالية من الحرب أشبه بمعضلة "البيضة قبل أم الدجاجة" بين كييف وواشنطن.

أعلى جودة بأفضل سعر

تتضمن الخطة الواقعية توفير الموارد لكييف من أجل الحفاظ على وضعية دفاعية على مدى معظم عام 2024، بينما يجري في الوقت نفسه تدريب الوحدات وتجهيزها لشن عمليات هجومية عام 2025. وإضافة إلى الضمانات المطمئنة التي ستقدمها هذه الخطة لجنرالات أوكرانيا، فإنها ستوصل أيضاً رسالة إلى الكرملين مفادها أن الانتصار الروسي في حرب استنزاف مطولة ضد أوكرانيا التي تعاني شحاً في الموارد ليس نتيجة حتمية. ومن شأن التزام الولايات المتحدة دعم أوكرانيا حتى عام 2024 أن يحفز الحلفاء الأوروبيين على الاستثمار أكثر في تطوير صناعات الأسلحة لديهم، مما يقلل العبء على الولايات المتحدة خلال عام 2025.

بوتين غير مهتم بالاستيلاء على بعض الأراضي الأوكرانية فحسب بل يريد تغيير أسس النظام الدولي

يجب على قادة الغرب التأكيد أن الاستثمار على مدى أطول في قدرات التصنيع ليس ميسور الكلفة فحسب بل إنه يعود أيضاً بالفائدة على حلفاء أوكرانيا في نهاية المطاف. في الواقع، يتجاوز إجمالي موازنات الدفاع في الدول الـ54 الداعمة لأوكرانيا 100 مليار دولار شهرياً. وفي المقابل فإن الدعم الحالي لأوكرانيا يكلف تلك الدول أقل من 6 مليارات دولار شهرياً.

ويذكر أن العقبات الرئيسة التي تحول دون نجاح أوكرانيا في الحرب هي سياسية. في كثير من الأحيان، صور تمويل أوكرانيا على أنه مجرد منح مساعدات مالية لكييف، بيد أن هذا المنظور مضلل للغاية، إذ إن قسماً كبيراً من المساعدات التي ستحتاج إليها أوكرانيا يعتبر استثماراً من جانب شركائها في صناعة الدفاع الوطنية الخاصة بهم، وسينفق داخل بلدانهم. وفي نهاية المطاف، من المتوقع أن يسترد المتلقي حصة كبيرة من المساعدات المقدمة إلى أوكرانيا من خلال الضرائب، وستزيد فرص العمل في قطاع التصنيع في مختلف البلدان الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. وفي زمن حافل بالضغوط الاقتصادية، لا بد أن يلقى مثل هذا الاستثمار ترحيباً واسعاً من شعوب البلدان الداعمة لكييف.

وكثيراً ما قيل إن الدعم الأميركي لأوكرانيا يأتي على حساب جاهزية الجيش الأميركي لردع الصين. ولكن إذا رأت الصين أن الولايات المتحدة غير قادرة على مواصلة الجهود العسكرية، سواء في أوروبا أو آسيا، سيتزعزع الردع ويضعف، لذا فإن توسيع الصناعة لتلبية حاجات أوكرانيا يشكل أهمية بالغة.

في الواقع، الولايات المتحدة ملزمة الدفاع عن حلفائها الأوروبيين بموجب معاهدة موقعة. والإنتاج الدفاعي في أوروبا لا يضاهي الإنتاج في روسيا، بخاصة أن روسيا انتقلت إلى حالة الحرب، وبمرور الوقت، يجب على القادة الأميركيين أن يدفعوا أوروبا إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة حتى يتمكن الجيش الأميركي من إعطاء الأولوية للردع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لكن هذا التحول يجب أن يكون منظماً بعناية، وإذا أدى إلى هزيمة أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة تخاطر بالاضطرار إلى دعم أوروبا العاجزة عن الدفاع عن جبهتها الشرقية تزامناً مع تصاعد التوترات في مضيق تايوان.

لحظة القرار

يزعم بعض الزعماء في العواصم الغربية الآن أن الوقت قد حان للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن نمط التفكير هذا يتجاهل النطاق الكامل لأهداف روسيا والعروض الواقعية التي قد يكون الكرملين على استعداد لتقديمها. ومن المؤكد أن موسكو ليست مهتمة بالاستيلاء على بعض الأراضي الأوكرانية فحسب، إذ صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً وتكراراً أنه يريد تغيير أسس النظام الدولي.

وإذا طلبت الولايات المتحدة من شركائها تقديم تنازلات لروسيا مقابل وقف رمزي لإطلاق النار، فمن الممكن توقع نتيجتين محتملتين. أولاً، ستنتهك روسيا وقف إطلاق النار باستمرار، على غرار ما فعلته مع جميع نسخ اتفاقات مينسك الموقعة عام 2015، وفي الوقت نفسه ستعيد بناء جيشها لإنهاء مهمة احتلال كييف. ثانياً، ستجادل روسيا أمام حلفائها بأن الولايات المتحدة يمكن هزيمتها من خلال المثابرة. ومن المرجح أن يدفع هذا عدداً من شركاء الولايات المتحدة الأمنيين إلى البحث عن بوليصة تأمين، مما يقلل من نفوذ الولايات المتحدة حول العالم.

لا تريد روسيا صراعاً مباشراً مع حلف "الناتو"، بيد أن الكرملين يتطلع على نحو متزايد إلى توسيع نطاق مواجهاته غير المباشرة مع الغرب. منذ أن أنهى يفغيني بريغوجين تمرده في يونيو (حزيران) 2023، ازداد طموح روسيا للتنافس مع الغرب على مستوى العالم. والواقع أن تمرد بريغوجين الفاشل ربما كان سبباً في تعزيز هذه الطموحات: فقد أعيد الآن تنظيم العناصر المتبقية من قوته ليصبحوا "فيلق مهام خارجية" خاضعاً مباشرة لسيطرة جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي GRU. منذ صيف 2023، تعاونت روسيا على نطاق واسع مع حكومات غرب ووسط أفريقيا، ووعدتها بالدعم العسكري مقابل طرد القوات الغربية وبعض المصالح الاقتصادية.

إذاً، تقف الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيين على مفترق طرق. يمكنهم أن يختاروا وضع خطة فورية لتعزيز التدريب الذي يقدمونه للجيش الأوكراني وأن يوضحوا لشعبهم ولأوكرانيا أن الموعد النهائي لتحرير الأراضي في أكتوبر 2024 يجب أن يمدد وأن يضمنوا تلبية حاجات أوكرانيا من العتاد حتى عام 2025، أو يمكنهم الاستمرار في الاعتقاد بشكل خاطئ أن الحرب وصلت إلى حالة جمود، فيترددون ويتنازلون عن موقع الأفضلية لصالح روسيا. وهذا من شأنه أن يشكل خطأً فادحاً، فإضافة إلى توسيع شراكاتها في أفريقيا، تعمل روسيا على تعزيز تعاونها مع الصين وإيران وكوريا الشمالية. وإذا أظهرت خسارة أوكرانيا في نهاية المطاف عجز الغرب عن مواجهة أي تحد للبنية الأمنية العالمية، فمن غير المرجح أن يصدق خصومه أنه قادر على التعامل مع أزمات متعددة في وقت واحد.

*جاك واتلينغ هو باحث بارز في مجال الحرب البرية في المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة (RUSI)، وهو مركز بحوث مقره لندن

مترجم عن "فورين أفيرز" 3 يناير 2024

المزيد من آراء