إحباط بين السودانيين بعد تجميد عضوية "إيغاد" وتوقعات بتصعيد القتال

بعد 48 ساعة من دعوة الهيئة الحكومية المعنية بالتنمية (إيغاد) قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان وقائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى لقاء مباشر خلال أسبوعين لإنهاء الحرب الدائرة في السودان منذ تسعة أشهر، فاجأت حكومة الخرطوم مواطنيها أمس السبت بإعلانها تجميد عضوية البلاد في المنظمة الأفريقية، مما أحدث جدلاً واسعاً وسط السودانيين في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثر القرار قطعاً للطريق أمام مساعي إحلال السلام.

وبحسب بيان لوزارة الخارجية السودانية، فإن قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان أرسل رسالة إلى رئيس جيبوتي ورئيس "إيغاد" إسماعيل عمر غيلة "أبلغه فيها قرار حكومة السودان تجميد عضويتها في المنظمة".

وأرجع البيان قرار التجميد إلى "تجاهل المنظمة قرار السودان الذي نقل إليها رسمياً وقف انضمامه وتجميد تعامله معها في أي مواضيع تخصه"، وهو ما لم يحدث خلال قمة المنظمة الاستثنائية التي عقدت في أوغندا الخميس.

خطأ فادح

وعلق القيادي في تحالف قوى "الحرية والتغيير" شهاب إبراهيم الطيب في حديثه إلى "اندبندنت عربية" على تجميد السودان عضويته في (إيغاد) بقوله "درجت خارجية حكومة الأمر الواقع في بورتسودان منذ اندلاع الحرب على اتخاذ مواقف لا تساعد في تحقيق سلام وإنهاء واقع الحرب ومعاناة الشعب السوداني، وكل هذه المواقف هي بمثابة تعبير عن توجهات النظام البائد الذي أشعل الحرب، ويعمل على قطع الطريق أمام أي محاولة لوقف هذا الصراع الذي دخل شهره العاشر". وتابع "ظللنا كقوى مدنية نسعى منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب مع كل العاملين لمصلحة السودان داخلياً وخارجياً لوقف هذا القتال والدمار الذي لحق ببلادنا، لكن دائماً ما تصطدم جهود السلام بعراقيل من فلول النظام السابق الذين يسيطرون على مفاصل الدولة في الجيش والخارجية فهم يريدون أن يتحول الصراع إلى حرب أهلية، وكذلك أن تتوسع لأنهم يعتمدون على التباينات في الموقف الإقليمي".

ورأى الطيب أن "مقاطعة (إيغاد) أو تجميد العضوية فيها خطأ فادح وقرار لا يتسم بالحكمة، فهي منظمة مهمة في الإقليم، خصوصاً أنها تضم بعض الدول التي لها وزن في القارة الأفريقية، بخاصة منطقة القرن الأفريقي مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا، كما لهذه المنظمة أدوار في تحقيق السلام بالبلاد قبل انفصال جنوب السودان، فضلاً عن أنها تمثل منظمة إقليمية مهمة في الاتحاد الأفريقي.

وتوقع أن تمارس "إيغاد" مزيداً من الضغط على طرفي النزاع لإنهاء هذه الحرب التي تعد من أكبر المهددات للدول الإقليمية، خصوصاً التي تجاور السودان خشية من تأثيرها عليها، لذلك "من المؤكد أن تجد تحركات هذه المنظمة الدعم الدولي من أجل وقف هذه الحرب العبثية".

وأشار القيادي في "الحرية والتغيير" إلى أن الغرض من قرار الخارجية السودانية بتجميد عضوية بلادها في (إيغاد) هو استمرار الحرب لقطع أي جهود تؤدي لاستقرار وحكم مدني، متوقعاً أن تشهد الأيام المقبلة توسعاً في الحرب وتصاعد وتيرة القتال مما يعني استمرار المعاناة للمواطنين السودانيين وتمدد الحرب لمناطق أخرى.

دقلو وسلفاكير

في الأثناء، جدد قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اتهامه لفلول النظام البائد بإشعال حرب الخرطوم بمعاونة عناصرهم في قيادة القوات المسلحة. وقال في تغريدة على صفحته بمنصة "إكس" إنه أجرى أمس السبت بأوغندا محادثات مع رئيس جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، حول الأوضاع في السودان وجهود وقف الحرب المندلعة في البلاد، موضحاً أنه قدم شرحاً مفصلاً حول اندلاع الحرب في البلاد.

ونوه دقلو بأنه طرح على سلفا كير رؤية "الدعم السريع" لوقف الحرب، وبناء دولة جديدة على أساس العدالة والمساواة، وتكوين جيش قومي مهني واحد في ظل حكومة مدنية ديمقراطية تنهض بالبلاد، وتنهي الحروب السودانية، معرباً عن شكره لرئيس جنوب السودان لاهتمامه بما يجري في بلاده وتفهمه لحقيقة الأوضاع فيها.

انتهاكات جسيمة

إلى ذلك، دعت وزارة الخارجية السودانية، مجلس الأمن الدولي، إلى الاضطلاع بمسؤوليته تجاه الدول التي تدعم استمرار الحرب في بلادها بتزويد قوات "الدعم السريع"، بالسلاح واعتبارها مرتكبة للعدوان.

وأشارت الخارجية في بيان إلى تقرير مراقبين تابعين للأمم المتحدة تحدثوا عن تورط قوات "الدعم السريع" وميليشيات متحالفة معها في انتهاكات جسيمة بغرب دارفور، أدت إلى مقتل ما بين 10 و15 ألف شخص بمدينة واحدة في ولاية غرب دارفور، لافتة إلى أن تلك الانتهاكات التي استهدفت قبيلة المساليت ترقى إلى مستوى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.

وطالب البيان بالمسارعة بتصنيف الميليشيات جماعة إرهابية وتجريم التعامل معها، كما شدد على أهمية ملاحقة وتصفية شبكات التمويل والشركات التجارية لـ"الدعم السريع"، ومحاسبة شركات العلاقات العامة والدعاية التي توظفها في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وغيرها من الدول باعتبارها شريكة لها في جرائمها.

ولفت البيان إلى أن تقرير المراقبين أكد ما ظلت تنبه إليه الحكومة السودانية بأن بطء رد فعل المجتمع الدولي وتردده في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد "الدعم السريع"، وتصنيفها جماعة إرهابية، يسهم في استمرار الحرب وتعطيل مساعي السلام، ويفاقم المعاناة الإنسانية لملايين السودانيين داخل البلاد وخارجها.

العلاقات مع إيران

دبلوماسياً، توصلت الحكومة السودانية ونظيرتها الإيرانية إلى اتفاق يشمل تسريع الخطوات المتعلقة بإعادة التمثيل الدبلوماسي وفتح السفارات في البلدين، بعد عودة العلاقات بين الدولتين في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، بعد نحو سبعة أعوام من القطيعة.

وبحسب بيان لوزارة الخارجية السودانية، فإن وزيرها المكلف علي الصادق، بحث مع النائب الأول لجمهورية إيران الإسلامية محمد مخبر، على هامش الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز، المنعقدة بأوغندا، السبل الكفيلة باستعادة العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيز وتمتين التعاون والتنسيق المشترك على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي.

وأشار البيان إلى أن الصادق أطلع المسؤول الإيراني، على تطورات الأوضاع في السودان والجهود التي تبذلها الحكومة لاستتباب الأمن والاستقرار.

وكانت الحكومة السودانية قد قطعت علاقاتها مع إيران في 2016 بسبب تدخلات الأخيرة في المنطقة والاعتداء على سفارة السعودية لدى طهران، وقررت إغلاق السفارة السودانية لدى إيران وطرد الدبلوماسيين الإيرانيين من الخرطوم.

المواجهات العسكرية

ميدانياً، تواصلت المواجهات العسكرية أمس السبت بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" على عدد من جبهات القتال داخل مدن العاصمة الثلاث الخرطوم، وبحري، وأم درمان، حيث قام الجيش بقصف مدفعي متواصل من قاعدة وادي سيدنا بشمال أم درمان باتجاه مواقع ميليشيات "الدعم السريع" بالمدن الثلاث.

ويخوض طرفا الصراع منذ أسبوع معارك عنيفة في وسط مدينة أم درمان، للسيطرة على مناطق حيوية قد تكون مناطق إمداد لقوات "الدعم السريع" إلى مناطق أخرى. وتمكن الجيش من الوصول إلى شارع الـ40 بأم درمان، وهي منطقة حيوية كانت تقع تحت سيطرة قوات "الدعم السريع"، إذ يعتبر الشريان الرئيس لنقل الإمداد إلى قواتها المنتشرة في أحياء وسط المدينة.

في حين يسود الهدوء الحذر معظم مناطق وأحياء الخرطوم التي لم تشهد أي اشتباكات أو غارات جوية من جانب الجيش، فضلاً عن عدم وجود قصف مدفعي متبادل بين طرفي القتال.

من جهته دعا مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية ياسر العطا ولاة الولايات وقادة الفرق العسكرية إلى تنزيل دعوة قائد الجيش في شأن الاستنفار لواقع عملي، وذلك من خلال الاستمرار في تسليح وإعداد وتدريب المستنفرين على جميع الأسلحة.

ونوه العطا في مقطع فيديو بثته صفحة الجيش على "فيسبوك" إلى ضرورة ترتيب المستنفرين في شكل كتائب على أن تكون كل كتيبة على رأسها سرية من قدماء المحاربين، وفصيلة من الجيش أو الاستخبارات أو الشرطة.