ملخص
تزايدت التوقعات عن عدم إقدام إيران أو سوريا على الرد بالمثل على "الانتهاك الإسرائيلي لسيادة الأراضي السورية"
طال ليل السوريين وعلت وجوههم الدهشة من الجرأة الإسرائيلية في اصطياد قادة إيرانيين كباراً بـ"فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني في عاصمتهم دمشق لتتخطى تل أبيب علانية "قواعد الاشتباك"، التي طالما لم تتجاوز حدود ضواحي الشام، وبأصعب أحوالها تستهدف مطارها الدولي.
وما زاد طين السوريين بلة أن الضربة الإسرائيلية نالت من سمعة حي المزة الهادئ المصنف راقياً، والمحصن لاستخدامه من قبل البعثات الدبلوماسية كمقار عمل لها تقع في الجهة الغربية الجنوبية للعاصمة دمشق.
وبعيداً من الخسائر الكبيرة للضربة الإسرائيلية، وقف السوريون هذه المرة أمام الرد المعتاد لوزارة الخارجية في دمشق بإدانة الهجوم ومطالبة دول العالم الوقوف في وجه تل أبيب، ودعوة مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
وارتفع عدد قتلى الهجوم إلى 12 شخصاً بينهم خمسة قادة إيرانيين في الغارة الإسرائيلية، وذلك في حصيلة جديدة أعلن عنها المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، اليوم الأحد.
وتزايدت التوقعات عن عدم إقدام إيران أو سوريا على الرد بالمثل على "هذا الانتهاك لسيادة الأراضي السورية"، إذ يرى مراقبون لمجريات الأحداث عن الاكتفاء طهران ودمشق ببيانات الإدانة، وعدم الرد بطريقة تفتح معها أبواب حرب إقليمية واسعة، وهو ما وصف بـ"الصبر الاستراتيجي".
وتلتزم دمشق تحديداً هذه الاستراتيجية الصبورة تجنباً لفتح جبهة جديدة، بخاصة أنها ما زالت تعاني جرحاً لم يندمل بعد في حربها بالشمال ونزاعها مع فصائل المعارضة المتشددة، علاوة عن نية الفصائل الانفصالية من الأكراد بتحقيق الفيدرالية، وكذلك وجود جيوش أجنبية ومن أبرزها الولايات المتحدة وتركيا، في الشمال والشمال الشرقي.
غزة وتوسيع الدائرة
إزاء هذا التطور الجديد في قواعد الاشتباك تبقى كل السيناريوهات مفتوحة، على رغم ضبط النفس لدى كل من الحليفتين طهران ودمشق، إذ أمدت إيران حليفتها سوريا دعماً لوجيستياً وعسكرياً منذ اندلاع الحراك الشعبي في البلاد عام 2011 وانتقاله إلى صراع مسلح ما زال مشتعلاً حتى اليوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من ناحية أخرى، طاولت الهجمات الإسرائيلية المتكررة السنوات الماضية مواقع للحرس الثوري في الشمال والشرق والجنوب السوري وميناء اللاذقية، وكلها ضربات قل ما أعلنت عنها تل أبيب بشكل رسمي، ولكن في حال أفصحت عنها كانت تشير إلى التهديد الإيراني الذي بات يقترب جداً من حدودها، في وقت تكثفت ضربات الطيران الإسرائيلية بشكل لافت حين اندلعت حرب غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ووفق حديث متخصصين في المشهد السوري فإنه ربما يتمحور رد دمشق عبر الاقتصار على تنفيذ عمليات استخباراتية مضادة، مع اشتعال جبهة الجولان عبر أذرع طهران في المنطقة الجنوبية، وتكثيف إطلاق الطائرات المسيرة من منصات إطلاق صواريخ متاخمة للحدود الشمالية لإسرائيل في درعا والقنيطرة.
وتشير المعطيات الأولية إلى تنقل وحدات مقاتلة من الفصائل المدعومة إيرانياً منها "المقاومة الإسلامية العراقية، و’حزب الله’ على طول محور شرق البلاد إلى الجنوب وبالعكس".
وبات واضحاً أن ما تحمله أبعاد هذا القصف جاءت نتيجة لعدم حسم المعركة في غزة وعدم تحقيق أي انتصار، ولهذا يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى توسيع نطاق الصراع في المنطقة، ومن المتوقع كذلك اشتعال جبهة الجنوب السوري، وهي المرشحة أكثر من جبهة جنوب لبنان لاندلاع المعارك وتوسيع دائرة الصراع.
توريط الأميركيين أكثر
قد ينفد الصبر الاستراتيجي لدى سوريا، بحسب متابعين، ولكنه يتوقع أن يكون مفاجئاً، ولن يحدث إلا بتنسيق مع روسيا، التي ما زالت تراقب تطورات المشهد بالمنطقة بعين المصالح الإقليمية، والقدرة على إعادة ترتيب الأوراق، مع الوضع في الاعتبار الحرب الأوكرانية، والدفع تجاه غوص اللاعب الأميركي بوحل الصراعات في المنطقة العربية أكثر من ذلك.
وبكل الأحوال لن يحدث أي صراع مباشر بين دمشق وتل أبيب إلا بدعم من موسكو، خصوصاً في ظل تراجع العلاقات الروسية الإسرائيلية بشكل واسع بعد مساندة تل أبيب لكييف، بل وإمدادها بالأسلحة المناسبة المضادة للدروع وللسفن الحربية، في وقت أرسلت طهران طائرات مسيرة لموسكو.
حرب طويلة المدى، وغير واسعة هو ما ترغبه كل الأطراف، في حين تهرول الطائرات والمدرعات الإسرائيلية مع كل قوات المشاة لتحقيق انتصارات على الأرض في ظل تراجع موقف حكومة نتنياهو أمام المعارضة في تل أبيب، بحسب المراقبين أيضاً.
وإلى ذلك الوقت ستبقى عبارة "الاحتفاظ بحق الرد" هي الأكثر تداولاً، وسط خشية السوريين من طول أمد الحرب، واستهدافات متكررة أمام "بنك أهداف واختراق" إسرائيلي للصف الإيراني.