ملخص
كانت لدى ديسانتيس فرصة ذهبية حينما حقق فوزاً ساحقاً في انتخابات 2022
لا شك أن خروج حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس من سباق الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري، يمثل هزيمة ساحقة لمرشح كان ينظر إليه، قبل أشهر عدة، على أنه أقوى أمل للجمهوريين الراغبين في تجاوز عهد دونالد ترمب، ومنافسة الرئيس الديمقراطي جو بايدن بجيل جديد، فما سبب انسحاب ديسانتيس وما الذي يعنيه ذلك للمرشحين المتبقيين ترمب ونيكي هايلي؟
بداية ونهاية
على مدى أشهر، أدار حاكم فلوريدا رون ديسانتيس (45 سنة) الذي بدا ذات يوم وكأنه المنافس الأكثر صعوبة لدونالد ترمب في عام 2024، حملة مكلفة ومضطربة فشلت في جذب الناخبين الجمهوريين، وبالغت في تقدير مهاراته السياسية، وأخطأت في قراءة مدى قوة الرئيس السابق ترمب، لينتهي الحال بخروجه من السباق قبل يومين فقط من الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشير ولتبقى بذلك نيكي هايلي، الحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولينا، كآخر منافس على الساحة لترمب.
وتميزت رحلة ديسانتيس التي لم تكمل عاماً واحداً من الصراع بكثير من الفوضى التي بدت ظاهرة مع انطلاق حملته في الربيع الماضي ومع نهاية الحملة خلال الأيام القليلة الماضية، فقد بدأت حملته بحدث تم نقله عبر البث المباشر على موقع "تويتر"، لكنها تعرضت للسخرية على نطاق واسع بسبب الاختلالات التي شابت الجوانب الفنية للبث، وخلال عطلة نهاية الأسبوع، كان جدول أعمال ديسانتيس في حالة تغير مستمر، إذ كان يسافر بين نيو هامبشير وساوث كارولينا من دون سابق إنذار، مما أدى إلى تأجيل الفعاليات التي نظمتها حملته أو إلغاء ظهوره في البرامج السياسية الشهيرة صباح الأحد.
خسارة أيوا الفادحة
وبين اضطرابات البداية والنهاية مثلت خسارة ديسانتيس الفادحة بفارق 30 نقطة مئوية أمام ترمب في المؤتمرات الحزبية بولاية أيوا، الإثنين الماضي، صدمة مدوية جعلته يواجه سؤالاً صعباً وهو: ما جدوى الاستمرار في الحملة؟ وفي يوم الأحد، قدم إجابته معترفاً بأنه لا فائدة من الاستمرار في القتال من دون طريق واضح نحو النصر، وحتى قبل هذا الموعد، كان ديسانتيس يشير إلى أنه ربما يخرج من السباق، ويتطلع إلى انتخابات عام 2028، ولهذا لم يكن من المستغرب أن يعلن دعمه للرئيس ترمب الذي قال إنه متفوق على الرئيس الحالي جو بايدن.
ولم تكن نتيجة ولاية أيوا المخيبة للآمال هي وحدها السبب، بل أضيفت إليها أرقام استطلاعات الرأي المتدهورة في ولاية نيو هامبشير التي ستشهد أول انتخابات أولية تمهيدية الثلاثاء، وولاية ساوث كارولينا التي راهن عليها موقتاً واكتشف أنها ستكون محبطة أيضاً عندما تجري بها الانتخابات قبل نهاية الشهر الجاري، مما يعني أن المانحين الذين كانوا قد بدأوا بالتخلي عنه لن يوفروا مزيداً من الأموال اللازمة للإنفاق على الحملات الانتخابية في ما تبقى من السباق الانتخابي الطويل، من ثم بدت الأسابيع القليلة التالية سيئة أيضاً، حيث حقق ترمب تقدماً قوياً في كل ولاية.
فرصة ضائعة
وكانت لدى ديسانتيس فرصة ذهبية حينما حقق فوزاً ساحقاً في انتخابات 2022 وحافظ على منصبه كحاكم لفلوريدا بفارق 20 نقطة عن منافسه الديمقراطي، في وقت كان فيه الحزب الجمهوري تحت قيادة ترمب محبطاً بسبب النتيجة المخيبة للآمال في الكونغرس الأميركي والتي مكنته من فوز ضعيف جداً في مجلس النواب، بينما فشل في استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ، وفي هذا التوقيت كان ينظر إلى ديسانتيس على أنه فرس الرهان الذي يمكن أن يبحر بالحزب الجمهوري ويحلق به في آفاق جديدة بعيداً من ترمب إذا تمكن من استخدام استراتيجية ناجحة ومستدامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول المتخصص الاستراتيجي المخضرم في الحزب الجمهوري ستيوارت ستيفنز إن ديسانتيس كان من الممكن أن يترشح باعتباره تجسيداً للحلم الأميركي، فهو من أبناء الطبقة المتوسطة الذي وصل بكفاحه إلى جامعتي "هارفرد" و"ييل"، وخدم في الجيش، وبدأ حياته مدرساً، ثم محامياً، وهذا هو الرجل الذي يحتفي به الأميركيون بخاصة عندما يكون محبوباً وقابلاً للانتخاب.
استثمار الغضب
لكن بدلاً من ذلك، ترشح ديسانتيس محاولاً استثمار الغضب الذي تولد لدى بعض الجمهوريين في ما يسمى الحرب الثقافية ومواجهة سياسات الاستيقاظ التي يقودها اليسار في قضايا تتعلق بالتحول الجنسي وموضوعات الهوية في الكتب المدرسية التي كافحها، واستخدم الغالبية العظمى من الحزب الجمهوري في فلوريدا لصياغة أجندة محافظة جاهزة، وبدت كل تحركاته محسوبة لجذب الاهتمام على المستوى الوطني، بما في ذلك الحرب مع شركة "والت ديزني"، ما أكسبه تحوله الصارم ضد قيود "كوفيد-19" شهرة وطنية بين الجمهوريين وجعله هدفاً لإدارة بايدن.
صور ديسانتيس نفسه على أنه شخص فعال ومقاتل شرس، بما يشكل تناقضاً ضمنياً مع ترمب الذي فشل عملياً في تحويل سياساته إلى واقع على الأرض، وأظهرت بعض استطلاعات الرأي أنه على مسافة قريبة من ترمب، لكن الرئيس السابق لم ينتظر طويلاً وبدأ في مهاجمته ووصفه بأنه غير أخلاقي على اعتبار أن ترمب ساعده على التغلب على جمهوري آخر في الانتخابات التمهيدية لمنصب حاكم الولاية لعام 2018، وظل هذا الهجوم عالقاً في أذهان الناخبين، حتى الأشخاص الذين يحبون ديسانتيس قالوا إنه كان يجب عليه الانتظار وعدم التنافس مع ترمب.
مغازلة ناخبي ترمب
وكان ديسانتيس متردداً في الرد، وشرع في مهمة شبه مستحيلة تتمثل في محاولة مغازلة ناخبي ترمب من دون أن ينظروا إليه على أنه يحاول الإساءة إلى الرئيس السابق، وتجنب توجيه أي انتقادات لترمب سوى فقط في الأسابيع الأخيرة، عندما زادت حدة التناقضات بينهما، لكن الأوان كان قد فات، كما كان ديسانتيس أيضاً بطيئاً في احتضان وسائل الإعلام الإخبارية الوطنية. وكانت الطريقة التي تعامل بها، في السنوات القليلة الماضية، عبارة عن جهد سياسي يسمح بأن يقدم سياسات وأفكاراً على يمين أجندة الرئيس السابق وكسب الناخبين الذين أرادوا مزيداً من ترمب.
مشكلة الجاذبية
ووفقاً لأحد أعضاء جماعات الضغط الجمهوريين والخبير الاستراتيجي في فلوريدا مارك ليبوفيتش، لم يكن رون ديسانتيس يتمتع بجاذبية شخصية، وحتى المؤيدون يعترفون بأنه ليس خطيباً بالفطرة، وفي بعض الأحيان يطلق على نفسه اسم المسؤول التنفيذي النشط بنبرة رتيبة محايدة، مما من الصعب جداً نجاحه في الحملة الرئاسية.
وفي حين أثبت حاكم فلوريدا أنه كان مناضلاً في بعض الأحيان، إلا أنه بدا غير مرتاح في التعامل مع الناخبين الفرديين، ويقول منتقدو جهوده إنه كافح لإظهار الفكاهة وروح الدعابة والدفء.
مشكلات تنظيمية
وعانت حملة ديسانتيس من مشكلات تنظيمية عميقة، فقد اختار مجموعات يعرفها وأخرى لا يعرفها مما أدى إلى معارك داخلية انتقلت إلى الرأي العام، وبينما حاول الانتقال إلى مسار ترمب، من دون أن يدرك مدى ولاء مؤيديه، أدى ذلك إلى تنفير الناخبين الأكثر اعتدالاً من خلال تركيزه على السياسات المحافظة، بما في ذلك الإجهاض.
وبدأ صبر كبار المانحين الجمهوريين ينفد، وكثر منهم يرغبون في أن يتخلى الحزب الجمهوري عن ترمب، بخاصة عندما وصف ديسانتيس الهجوم الروسي على أوكرانيا بأنه نزاع إقليمي، ويقول الحلفاء والمنتقدون على حد سواء إن ديسانتيس فشل في تقديم رسالة متفائلة، وعمل على الالتفاف على الآخرين في الحروب الثقافية، وأنفقت حملته عشرات الملايين من الدولارات ليتراجع دعمه في استطلاعات الرأي، وأنفقت لجان العمل السياسي الخاصة به ما يقارب 60 مليون دولار على الإعلانات نيابة عنه.
من المستفيد؟
ووفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال"، من المرجح أن يذهب الدعم الذي كان ديسانتيس يستقطبه في نيو هامبشاير إلى ترمب ما يوسع تقدمه على هايلي، وقد يمنح تسجيل الرئيس السابق انتصاراً حاسماً آخر زخماً كبيراً يجعل إيقافه شبه مستحيل، بخاصة أن ترمب يسجل في استطلاعات الرأي أداءً قوياً في ولاية ساوث كارولينا، التي تعقد انتخاباتها التمهيدية في 24 فبراير (شباط).
ومع ذلك، فإن هايلي تبدو متفائلة، إذ قالت إن ديسانتيس خاض سباقاً رائعاً وقام بعمل جيد كحاكم، والآن بقي في السباق رجل واحد وسيدة واحدة، وكانت هايلي تأمل تحويل السباق إلى منافسة فردية مع ترمب، معتقدة أن الجمهوريين يمكن أن يبدأوا يحتشدون حول ترشيحهم، لكن استطلاعاً للرأي أجراه مركز 538 للحزب الجمهوري على المستوى الوطني في نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، وجد أن ترمب كان الخيار الثاني لمؤيدي ديسانتيس بنسبة 48 في المئة، مقارنة بنحو 27 في المئة اختاروا هايلي كخيارهم الثاني.