ملخص
على وقع تصاعد العمليات العسكرية في جنوب لبنان، يبرز حراك دبلوماسي على مستوى سفراء اللجنة الخماسية لإعادة إحياء ملف الرئاسة اللبنانية
بعد أن جمّدت التطورات الإقليمية الملف الرئاسي اللبناني وعلّقته منذ أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في إسرائيل وقطاع غزة، تستعد اللجنة الخماسية العربية - الدولية حول لبنان لإطلاق مبادرة جديدة لانتخاب رئيس للبلاد بعد عام ونصف العام على شغور الموقع الأول في الدولة، حيث تشير المعلومات إلى أن المبادرة ترتكز على فصل الملف الرئاسي عن القرار الدولي 1701 وتداعيات الحرب في غزة.
وقبيل التحضير لعقد اجتماع "الخماسية" المتوقع مطلع فبراير (شباط) المقبل، برز تحرك سفرائها في لبنان، لا سيما السفير السعودي وليد بخاري، حيث أجرى سلسلة لقاءات واتصالات مع المسؤولين اللبنانيين إضافة إلى لقائه السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أماني، حيث تؤكد المعلومات أنه استعرض معه أفكاراً من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي والعمل على إقناع القوى السياسية اللبنانية بالتوافق على "خيار ثالث"، في ظلّ عدم قدرة المرشحَين المعلنَين، الوزير السابق جهاد أزعور (المدعوم من المعارضة)، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية (مرشح حزب الله)، على تأمين الأصوات اللازمة للفوز بالرئاسة".
وبالتزامن مع حراك السفراء، يقوم المبعوث القطري جاسم آل ثاني "أبو فهد" بجولة على السياسيين اللبنانيين بعيداً من الإعلام، فيما يتوقع وصول المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت بداية فبراير المقبل لإجراء مروحة مشاورات سياسية، بعد أن التقى المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلَولا، وقبل أن يتوجه إلى الدوحة للقاء كبار المسؤولين القطريين المولجين مواكبة الملف الرئاسي، علماً أن أعضاء اللجنة "الخماسية" يلتقون بين الفينة والأخرى في باريس باجتماعات غير رسمية.
تجميد الملفات
ومن الواضح أن مسألة الفصل بين الحرب في غزة وملف الرئاسة اللبنانية بات معقداً بعد تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي ربط فيها الموقف الرسمي اللبناني بمقاربة "حزب الله"، إذ يرى باحثون أن الحزب لا يريد التنازل عن أي ورقة يملكها في الظروف الحالية، لا سيما أن توازن القوى الإقليمي يتحول بشكل كبير، وأن المكاسب التي حققها المحور الإيراني طيلة 40 سنة باتت مهددة.
وبرأيهم فإن الحزب لن يفرج عن ورقة الرئاسة إلا إذا تم القبول بمرشحه، كذلك فإنه سيستمر بالمناوشات مع الجيش الإسرائيلي بانتظار تسوية إقليمية يعتبر أنها تعيد الواقع في جنوب لبنان إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر 2023، بالتالي فإن السيناريو الأفضل بالنسبة له، هو تجميد جميع الملفات العالقة حتى إشعار آخر.
عودة العقوبات
ويشير مصدر دبلوماسي أميركي إلى أن البيان الأخير للجنة الخماسية العربية – الدولية التي انعقدت في الدوحة منتصف يوليو (تموز) 2023 تضمن الإشارة الى "اتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في انتخاب رئيس للبلاد"، كاشفاً أن "الولايات المتحدة قد تعيد طرح مسألة العقوبات على المعرقلين".
وبرأيه فإن استمرار الشغور الرئاسي في لبنان "ممنهج بهدف ضرب الشرعية اللبنانية وجعلها خاضعة تماماً لأجندة حزب الله"، مشدداً على أن عدم وجود رئيس للبنان في الظروف التي تمر بها المنطقة أمر خطير يضر بمصالح الشعب اللبناني، مؤكداً دعم بلاده عمل "الخماسية" لإنهاء الفراغ الرئاسي والعمل المشترك لحماية لبنان من التورط في حرب مدمرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توريط أميركا
وكان من المرتقب أن يجتمع سفراء الدول الخمس، مع رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري (رئيس حركة أمل)، لكن أُرجئ اللقاء إلى موعدٍ لاحقٍ لم يُعلَن عنه، لكن النشاط الدبلوماسي بقيَ قائماً باجتماعين منفصلين جمعا بري مع السفيرين السعودي وليد بخاري، ومن ثم المصري علاء موسى.
في السياق، قال الكاتب السياسي حسن الدر إن "مسألة تأجيل لقاء سفراء دول الخماسية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري مرتبط بترتيبات بين السفراء"، لافتاً إلى أن "السفير السعودي وليد بخاري يقوم بحراك حول إعادة تحريك ملف رئاسة الجمهورية ضمن إطار الخماسية الدولية، والنقاشات مع بقية سفراء الخماسية مفتوح". وأضاف الدر أن "تلك الحركة لا تؤشر الى إمكانية التوافق على رئيس في المرحلة القريبة وأن الأمور لا تزال تراوح في مكانها"، مؤكداً انفتاح "الثنائي الشيعي" (حركة أمل وحزب الله) على أي مبادرة تكسر الجمود، على رغم أن الأولوية تنصبّ على إدارة المعركة في الجنوب وعدم إعطاء ذريعة للحكومة الإسرائيلية لخلط الأوراق في المنطقة عبر شنها حرباً واسعة على لبنان وتوريط أميركا لإنقاذ نفسها من مأزق غزة.
وأكد المتحدث ذاته أن "الثنائي مصرّ على ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على عكس الفريق الآخر الذي ليس لديه مرشح جدي"، متهماً المعارضة بالعرقلة وغياب رؤية حول مرشح واضح وثابت، ومشيراً إلى أن بري طلب من السفير القطري إبلاغ "الخماسية" انفتاحه على النقاش في أي مبادرة.
ونفى الدر ما يشاع عن محاولة لمقايضة جبهة الجنوب بملف الرئاسي، مؤكداً الفصل بين ملف رئاسة الجمهورية والحرب في غزة، كاشفاً أن "الثنائي" متمسك بتطبيق القرار 1701 ويطالبون بتطبيقه أيضاً من الجانب الإسرائيلي ومعالجة النقاط المتنازع عليها على الحدود مع إسرائيل.
مبادرة جدية
وصرح النائب في البرلمان اللبناني، فادي كرم، أن "السعودية دخلت على خط مساعي تسهيل التسوية الرئاسية، ضمن إطار اللجنة الخماسية"، مشدداً على "النيات الجدية لمساعدة لبنان"، لافتاً إلى "عدم وجود أسماء متداولة تطرحها الخماسية". وأضاف كرم أن "محور الممانعة يستغل رغبة أكثرية الأفرقاء الدوليين والإقليميين بالسعي لمنع اندلاع حرب في لبنان، من أجل ربط التوتر في جنوب البلاد بمقايضة على الملف الرئاسي وبالتالي العمل على وضع يده على القرار اللبناني الرسمي بالكامل".
قائد الجيش نموذجاً
من ناحيته، يشدد النائب غسان سكاف، على "ضرورة التوصل إلى توافق داخلي على عدد من المرشحين الرئاسيين، يؤدي إلى تقاطع داخلي- خارجي نذهب به إلى المجلس النيابي ونتعهد بعدم كسر النصاب وعقد دورات متتالية حتى انتخاب الرئيس"، مشيراً الى أن "تحرك الخماسية الدولية جدّي وأساسي في الأزمة الرئاسية"، مستشهداً "بمساعي الخماسية في ملف التمديد لقائد الجيش والذي شكلّ نموذجاً ناجحاً".
وأشار إلى أنه "بالتزامن مع مساعي الخماسية هناك مساعٍ داخلية يجري العمل عليها، انطلاقاً من جلسة التمديد للقادة الأمنيين التي أثبتت أن التوافق بين اللبنانيين غير مستحيل، وانطلاقاً من مبدأ أنه لا يمكن انتظار نهاية الحرب وما يمكن أن تمليه علينا نتائجها، من فرض رئيس للجمهورية يكرّر أو يكون سبباً للانقسام في لبنان"، مشدداً على "ضرورة التحرك في مهلة زمنية لا تتعدى بضعة أسابيع وقبل أن ينكفئ الأميركيون لأنهم منشغلون في انتخاباتهم الرئاسية".