Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدولار "الأسود" يزدهر في "المتاهة الليبية"

أسواق موازية للعملة تفاقم أرباح المضاربين وأصابع الاتهام تشير إلى القوانين المعقدة ومراكز القوى 

العملية بسيطة لا تتطلب إلا رصيداً من العملة ومراقبة مستمرة لمؤشر صرف العملات الأجنبية (أ ف ب)

ملخص

قفز سعر صرف الدولار مقابل الدينار الليبي إلى أكثر من ستة دنانير مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء أخيراً.

في سوق "المشير" للعملة وقف الشاب العشريني محمد، وهو موظف حكومي يعمل بإحدى الإدارات الليبية، لحضور إحدى تجمعات المضاربة على العملة أو كما تسمى عند الليبيين "الحلقة".

يقول محمد إنه انطلق في العمل بأسواق العملة، سواء في سوق "المشير" أو سوق "الظهرة" منذ سبع سنوات خلت مع خاله الذي يقيم الآن في الولايات المتحدة، حيث كان يشتري معه الدولار عندما تهبط قيمته مقابل الدينار الليبي ثم يعيد بيعه للعملاء عندما يرتفع سعره.

والعملية بسيطة لا تتطلب إلا رصيداً من العملة، ومراقبة مستمرة لمؤشر صرف سعر العملات الأجنبية أمام العملة المحلية بشكل مستمر. وهي أيضاً مربحة ويمتهنها الآلاف من الشباب وأصحاب محلات بيع الذهب وغيرهم من الليبيين في مختلف المجالات.

ظاهرة قديمة متجددة

تنتشر محلات الصرافة وبيع العملة في العاصمة الليبية طرابلس، وتتجمع المئات منها في أشهر سوقين وهما "المشير" و"الظهرة". وانطلقت المضاربة في السوق السوداء للعملة بشكل غير رسمي وفي سرية تامة في نهاية ثمانينات القرن الماضي إبان حكم العقيد معمر القذافي، وكانت مقتصرة على أصحاب محلات تجارة الذهب قبل أن تتوسع بشكل لافت في منتصف التسعينيات، وكان التجار يتحكمون في أسعار العملات الأجنبية كما يشاؤون، على رغم أن القانون الليبي آنذاك كان يجرم العملية ولا يسمح بها إلا لشركة "الصرافة للخدمات المالية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قفز سعر صرف الدولار مقابل الدينار الليبي إلى أكثر من ستة دنانير مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء أخيراً، في حين أنه لا يتجاوز 4.7 دينار في المصرف المركزي. جمال وهو أحد المتاجرين في العملة يرى أن المضاربين في السوق السوداء وراء هذا الفارق كما أنهم يتحكمون في السوق، بخاصة أن المركزي لا يمكنه توفير السيولة اللازمة من العملة الأجنبية في السوق الليبية، لذلك تتحكم جهات أخرى في سعر صرف العملة تحت أعين السلطات التي تغض الطرف عن ذلك، في وقت يؤكد متابعون أن السوق السوداء تسيطر على الاقتصاد الليبي بنحو 80 في المئة.

يقول المتخصص المالي الجنائي حسام الشريك، إن سبب انتشار محلات الصرافة والسوق السوداء في ليبيا يعود بالأساس إلى تعقيد القوانين المعمول بها في البلاد، وهو ما يضطر المواطنين والعملاء وأصحاب الشركات على السواء إلى الالتجاء للسوق الموازية.

ويضيف أن "السوق السوداء خلقت لتكون حلاً لمشكلات أوجدها المستفيدون منها. والدولة ليست ضعيفة لتلك الدرجة التي لا يمكن معها التعاطي مع الموضوع. إنها سياسة خلق الفوضى لمزيد من الفوضى في البلاد مع غياب إرادة حقيقية لحل المشكلة، والأمر لا يعدو أن يكون خدمة لمراكز القوة المستفيدة من الوضع الذي تريده أن يبقى كما هو".

والحل، بحسب الشريك، يكمن بالأساس في معرفة الأسباب الحقيقية للمشكلة وتوصيفها التوصيف الصحيح، ووجود جهة ضغط حقيقية من أجل إصلاح الأمور. مضيفاً، "الأمر يتشابه كثيراً مع موضوع دعم البنزين والمحروقات، وعدم حلحلة الأمور يعود إلى غياب الثقة بين المواطن ورجال الأعمال من جهة، والدولة من جهة أخرى، والأزمة في تفاقم مستمر يوماً يوم بعد".

حدود التجارة المحرمة

تؤكد دراسة أعدتها منظمة "ذي سنتري" الأميركية غير الحكومية The sentry تحت عنوان "الطفرة الكليبتوقراطية في ليبيا" Libya’s Kleptocratic Boom، أن استمرار ضعف النظم المصرفي الليبي أدى إلى اعتماد الاقتصاد بشكل كبير على السوق السوداء في التحركات الأساسية لرأس المال بين المناطق الشرقية والغربية من البلاد.

وأكدت الدراسة أنه "ما لم يتم إحراز تقدم على صعيد (توحيد المركزي بشكل فعلي)، خصوصاً نظام مقاصة رقمي موحد، فإن السوق السوداء سوف تستمر في لعب دور لا غنى عنه في الاقتصاد الليبي، مما يعرقل الجهود الرامية لمكافحة غسيل الأموال".

وأضافت أنه "في ظل عدم وجود حكم رسمي أو سيطرة للدولة الليبية، ظهرت السوق السوداء لتصبح منصة منتشرة يمكن للمشاركين من خلالها تحويل كميات كبيرة من الدينار الليبي إلى دولارات". وقال المشرفون على الدراسة، "بهذه الطريقة يمكن تداول كميات كبيرة من العملات المادية بأمان ومن دون ترك أي أثر ورقي، فضلاً عن ارتباط السوق السوداء بنظيرتها في دول كالإمارات وتركيا وسوريا ولبنان".

ونبهت الدراسة إلى أن "مجموعة الآليات التي تتيح التحويل والإثراء الشخصي تطورت بالتزامن مع توسع السوق السوداء خلال العقد الماضي حتى أصبح التمييز بين القطاعين المشروع وغير المشروع في ليبيا شبه مستحيل، الأمر الذي سهل على الجهات الفاعلة غير المشروعة غسيل أموالها القذرة عن طريق إعادة تدويرها في حسابات مصرفية مشروعة ثم إرسالها إلى الخارج على شكل دولارات".

تعرف "الكليبتوقراطية" أو "حكم اللصوص"، بأنها مصطلح مركب من مقطعين باللغة الإغريقية، الأول "كلبتو" Κλεπτο ويعني لص، وثانيهما "قراط" κρατ بمعنى حكم. والحكومة "الكليبتوقراطية" يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم، عادة عن طريق اختلاس أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان.

واستشهدت المنظمة الأميركية "ذا سنتري" المعنية بمكافحة الفساد، وهي منظمة غير ربحية، بنتائح دراسة أجراها المعهد الإقليمي لأبحاث الجريمة والعدالة التابع للأمم المتحدة، مفادها أن الفساد وغسل الأموال من القضايا الشاملة التي تربط الجريمة في ليبيا بالتدفقات المالية الدولية غير المشروعة عبر الحدود".

وكانت آخر زيارة قام بها فريق من صندوق النقد الدولي بقيادة ديميتري غيرشينسون إلى العاصمة التونسية في الفترة من 13 إلى 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 لمناقشة التطورات الاقتصادية والمالية في ليبيا وآفاقها الاقتصادية الكلية وأولويات السياسات والإصلاح.

وأكدت بعثة الصندوق الحاجة الماسة إلى وضع رؤية اقتصادية وطنية واضحة. فعلى المدى القصير يقتضي الوضع في ليبيا إعداد موازنة تدعم مصداقية سياساتها، لأن الإنفاق غير الموجه من المالية العامة يعقّد عملية تنفيذ السياسة الاقتصادية الكلية. وعلى المدى المتوسط تحتاج ليبيا إلى استراتيجية اقتصادية لتنويع أنشطتها وتعزيز الجهود لتحقيق نمو أقوى وأكثر شمولاً لجميع الفئات بقيادة القطاع الخاص. وعلى المدى الأطول ينبغي تركيز جهود الإصلاح الهيكلي على تقوية المؤسسات وتحسين إطار مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ومعالجة ملفات الفساد وقضايا الحوكمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير