ملخص
لم يسبق لأي مرشح جمهوري أن فاز في أول ولايتين، ثم لم يحصل في نهاية المطاف على الترشيح الرئاسي.
على رغم فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الساحق في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري بولاية نيوهامبشير، وتأكيد زعامته المطلقة للحزب بعد تغلبه على منافسته الوحيدة المتبقية نيكي هايلي واستمرار حالة الزخم التي تقوده نحو حسم المعركة والترشح بسرعة، إلا أن النتائج تشير أيضاً إلى أنه يخاطر بخسارة عدد من الجمهوريين وحصة كبيرة من الناخبين المستقلين، بما يكفي لخلق مشكلة له كمرشح للانتخابات العامة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ضد الرئيس جو بايدن، فما الذي يعنيه انتصار ترمب الكبير؟ وعلى ماذا تراهن هايلي باستمرارها في المنافسة؟ ولماذا تدق النتيجة جرس إنذار لترمب على رغم هذا التفوق؟
انتصار تاريخي
سجل ترمب انتصاراً كبيراً في ولاية نيوهامبشير كان ينتظره بثقة كبيرة، فقد حصد نحو 55 في المئة من الأصوات بما يكفي لتأكيد أنه يبحر بسلاسة نحو ترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة هذا العام، وبغض النظر عما سيأتي بعد ذلك، فقد أكد هذا الانتصار مكانة ترمب باعتباره حامل لواء الحزب في كتب التاريخ التي ستسجل أنه الوحيد الذي فاز بولايتي أيوا ونيوهامبشير وهو خارج السلطة ضمن معركة تنافسية، بينما كان الجمهوريون الوحيدون الذين فازوا في كل من المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا والانتخابات التمهيدية في نيوهامبشير يشغلون مناصبهم بالبيت الأبيض.
ولأنه لم يسبق لأي مرشح جمهوري أن فاز في أول ولايتين، ثم لم يحصل في نهاية المطاف على الترشيح الرئاسي، يبدو ترمب في وضع مثالي لحسم المعركة مبكراً، ويعود ذلك إلى أنه كان ينظر إلى نيوهامبشير على أنها الولاية الوحيدة التي كان يمكن أن يفوز بها شخص آخر غير ترمب حيث تميل التركيبة السكانية للناخبين نحو الوسطية السياسية مقارنة بالولايات الأخرى ذات التصويت المبكر، مثل أيوا وساوث كارولينا، إلى جانب الانتخابات التمهيدية المفتوحة التي تسمح للناخبين المستقلين وغير المنتمين حزبياً بشكل رسمي المشاركة في الاقتراع، وأظهرت المؤشرات الأولية بالفعل عقب التصويت، أن ما يقرب من نصف الناخبين الذين شكلوا الهيئة الانتخابية الأولية للحزب الجمهوري في الولاية، لم يكونوا جمهوريين مسجلين، وأن 6 في المئة من الناخبين تم تحديدهم على أنهم ديمقراطيون، كما كان الناخبون أكثر تعليماً وليبرالية مقارنة بأي منافسة مهمة أخرى للحزب الجمهوري.
ولهذا فإن انتصاره في نيوهامبشير، حيث كانت هايلي في وضع أفضل لإطاحته، سيحفز الجمهوريين على تعزيز دعمهم خلفه قبل المواجهة المباشرة مع الرئيس جو بايدن.
هايلي في ورطة
حظيت حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة نيكي هايلي التي حصدت نحو 43 في المئة من الأصوات على أفضل فرصة لتحقيق نصر مفاجئ على الرئيس السابق، واقتربت من ترمب في بعض استطلاعات الرأي المتأخرة، إلا أنها لم تقدم دليلاً جيداً حول الكيفية التي يمكن أن يكون بها هذا السباق تنافسياً، فقد فشلت في إثارة مشاعر الناخبين بحسب استطلاعات الرأي التي أجريت عقب التصويت، حيث أعرب ثلاثة من كل 10 ناخبين عن حماستهم للتصويت لها مقابل ثمانية من كل 10 كانوا متحمسين لترمب، وهو ما يمثل طريقاً وعراً يمكن أن تسلكه هايلي نحو النصر، لأنه إذا لم تتمكن من إثارة حماسة الناخبين لها، فمن المؤكد أنها لن تفوز في عديد من الولايات المقبلة الأقل تفضيلاً بالنسبة لها، بخاصة أن الحزب الجمهوري ليس مناهضاً لترمب بما يكفي لبناء قوة دافعة حول ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما يصعب الطريق نحو المستقبل أنه يجب على هايلي الآن أن تجد قوة جذب جديدة خارج أيوا ونيوهامبشير حيث أنفقت لجنة العمل السياسي التابعة لها أكثر من 71 مليون دولار حتى الآن، وضخت 99.9 في المئة من هذه الأموال في هاتين الولايتين، وفقاً للسجلات الفيدرالية، وهي تواجه الآن ما يمكن أن يكون شهراً طويلاً ومؤلماً بعد أن اختارت عدم التنافس في المؤتمرات الحزبية في ولاية نيفادا مع ترمب في 8 فبراير (شباط) المقبل، بعد أن وضعت الولاية قواعد اعتبرتها مواتية للرئيس السابق، بينما تصوت ولاية ساوث كارولينا، مسقط رأس هايلي في 24 فبراير.
وإضافة إلى المشكلات المالية، واجهت هايلي اصطفافاً جمهورياً مؤيداً لترمب في الأيام العشرة الماضية لأربعة من منافسيه المهزومين وهم رون ديسانتس، وفيفيك راماسوامي، وحاكم ولاية نورث داكوتا دوغ بورجوم، وسيناتور ولاية ساوث كارولينا تيم سكوت، الذي عينته هايلي للمرة الأولى لمنصبه في مجلس الشيوخ، فضلاً عن دعم حاكم ساوث كارولينا هنري ماكماستر للرئيس السابق.
مواصلة التحدي
وفي حين بدأ الجمهوريون تكثيف الضغوط على هايلي كي تبادر بالانسحاب من السباق الرئاسي مثلما فعل حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتس قبل أيام من أجل جمع الصفوف وتوحيد الحزب ضد خصمه الأكبر الرئيس جو بايدن، تعهدت هايلي بالمضي قدماً على رغم الخسارة وأعلنت أن السباق لم ينته بعد وأن نيوهامبشير ليست الولاية الأخيرة في البلاد، كما أعلنت حملتها عن إطلاق حملة إعلانية بقيمة أربعة ملايين دولار في ولاية ساوث كارولينا، وستقوم برحلات لجمع الأموال إلى نيويورك وفلوريدا وكاليفورنيا وتكساس في الأسبوعين المقبلين لإعادة ملء الخزائن المالية اللازمة للحملات.
لكن ساوث كارولينا قد تكون بعيدة المنال بالنسبة لهايلي، على رغم تاريخها كحاكمة للولاية لفترتين، حيث تتخلف عن ترمب بشكل كبير وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، ومع ذلك تحلت مديرة حملة هايلي الانتخابية بيتسي أنكني بالثقة في أن ما يقرب من نصف الناخبين الجمهوريين يريدون بديلاً لدونالد ترمب، وراهنت بوضوح على الولايات المقبلة ذات الانتخابات التمهيدية المفتوحة التي تسمح للمستقلين والديمقراطيين بالتصويت في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، حيث يمكن أن يفضل هؤلاء هايلي في نحو 11 ولاية من أصل 16 ستصوت في يوم الثلاثاء الكبير المقرر في 5 مارس (آذار).
علامات تحذير لترمب
لكن على رغم فوز ترمب الكبير في أيوا ونيوهامبشير على التوالي في انتصار فريد من نوعه وغير مسبوق، إلا أن هناك علامات تحذيرية ظهرت حول شهر نوفمبر، منها أن نحو 19 في المئة من الجمهوريين الذين أدلوا بأصواتهم في نيوهامبشير قالوا إنهم سيكونون غير راضين للغاية عن ترمب كمرشح لدرجة أنهم لن يصوتوا له في نوفمبر، وفقاً لاستطلاع للناخبين الأساسيين، كما قال 15 في المئة من الجمهوريين الذين شاركوا في المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا الأسبوع الماضي إنهم لن يدعموا ترمب في الانتخابات العامة.
وبحسب خبير استطلاعات الرأي والاستراتيجي الجمهوري وايت أيريس، فإنه يجب على أي مرشح أن يفوز بنسبة 90 في المئة أو أكثر من أصوات حزبه للفوز في الانتخابات، حيث لا يمكن أن يكون أي مرشح قادراً على المنافسة إذا لم يستحوذ على 90 في المئة.
وفي حين أن الديمقراطيين يشعرون بالقلق منذ أشهر في شأن تدهور التحالف الديمقراطي حول بايدن بسبب انخفاض الحماسة بين الناخبين الشباب والأقليات، فإن الإشارات المبكرة من منافسات ترشيح الحزب الجمهوري تشير إلى أن الجمهوريين قد يواجهون أيضاً مشكلة مماثلة في الحفاظ على تماسك التحالف الانتخابي المؤيد لترمب على رغم أن بعض استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر تقدمه بفارق ضئيل على الرئيس بايدن.
وغالباً ما تتفاقم الانقسامات بين الأحزاب خلال موسم الانتخابات التمهيدية، ثم تلتئم في نهاية المطاف، لكن ترمب شخصية غير عادية لأنه معروف بشكل كبير، وظلت الآراء عنه بين عديد من الناخبين ثابتة لسنوات، ما يشير إلى أنه قد يكون من الصعب إقناع المتشككين في ترمب داخل الحزب بدعمه.
تصويت المستقلين
وإضافة إلى ذلك، صوت لمصلحة ترمب في نيوهامبشير نحو 33 في المئة من الناخبين المستقلين الذين اختاروا الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وهو ضوء تحذير آخر لترشحه، نظراً إلى أنه فاز بحصة أكبر من المستقلين عام 2020 وصلت إلى 37 في المئة ومع ذلك خسر الانتخابات بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
ومن علامات الخطر الحالية أن 66 في المئة من الناخبين المستقلين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في نيوهامبشير، قالوا إنهم لن يصوتوا لمصلحة ترمب في نوفمبر إذا كان هو المرشح، وهو أمر يعتبره الاستراتيجي الجمهوري ديفيد وينستون نذيراً بما يمكن أن تكون عليه انتخابات 2024 بالنظر إلى أن فوز ترمب بالمستقلين تحول من هامش تأييد قدره 4 نقاط عام 2016 إلى خسارة بمقدار 13 نقطة عام 2020.
وفي ولاية أيوا، قال 20 في المئة من جميع المشاركين في المؤتمرات الحزبية، بما في ذلك 15 في المئة من الجمهوريين، إنهم لن يصوتوا لمصلحة ترمب إذا كان هو مرشح الحزب الجمهوري في نوفمبر المقبل، الأمر الذي وصفه المدير التنفيذي السابق للحزب الجمهوري في ولاية أيوا، ديف كوشيل بأنه علامة تحذير ضخمة، لأنه لا يمكن الفوز في الانتخابات إذا خسرت ربع أصوات الحزب الجمهوري.
وعلى سبيل المثال، أيد أكثر من ثلثي الناخبين المحافظين أيديولوجيا ترمب في نيوهامبشير وهم يشكلون 58 في المئة من مجموع الناخبين، بينما يشكل هؤلاء ما يقرب من ثلاثة أرباع الناخبين الجمهوريين الأساسيين على المستوى الوطني في الولايات المتحدة، بحسب ما وجدت شبكة "أن بي سي نيوز".
وبالمثل، فاز ترمب بما يقرب من ثلثي الناخبين غير الحاصلين على شهادة جامعية، والذين غالباً ما يعتبرهم المحللون السياسيون ناخبين من الطبقة العاملة، وهؤلاء شكلوا 63 في المئة من الناخبين الأساسيين في نيوهامبشير، لكنهم يمثلون 69 في المئة من الناخبين الأساسيين للحزب الجمهوري على المستوى الوطني بالولايات المتحدة وفقاً لبيانات شبكة "أن بي سي" الأميركية.
وفي حين لا يبدو أن الرئيس بايدن يحظى بفرصة نجاح جيدة في الوقت الراهن، فإن ترمب قد يواجه مشكلات أخرى في طريق ترشحه وعليه أن يحاول معالجتها قبل فوات الأوان.