ملخص
بعد تكشف حال الأزمة الاقتصادية فعلياً تبين أن الفقراء ازدادوا مليون شخص في بريطانيا.
كشف تحليل بريطاني عن أن تفاقم أزمة ارتفاع كلفة المعيشة في المملكة المتحدة دفع بنحو مليون شخص إضافي إلى حزام الفقر مقارنة بالأرقام المسجلة في العام الماضي.
وكانت التقديرات قد أشارت إلى أن ما مجموعه 14 مليوناً و400 ألف شخص سيعانون الفقر في المملكة المتحدة خلال الفترة الممتدة من عام 2021 إلى عام 2022 - بمن فيهم 4 ملايين و200 ألف طفل - مع تزايد عدد الأفراد غير القادرين على تحمل كلف الطعام أو دفع فواتير الطاقة، وذلك بحسب النتائج التي توصل إليها تحليل أجرته "مؤسسة جوزيف راونتري" Joseph Rowntree Foundation (JRF) (وهي منظمة بريطانية للبحوث الاجتماعية وتطوير السياسات). وهذا الرقم هو أعلى من إجمالي 13 مليوناً و400 ألف شخص - بمن فيه 3 ملايين و900 ألف طفل - في العام السابق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي وضع مثير للذهول يوصف بأنه "فشل اجتماعي على نطاق واسع"، وقع نحو 6 ملايين شخص في براثن فقر مدقع، من أبرز وجوهه خفض الدخل في المتوسط إلى أقل من 40 في المئة بعد احتساب كلف السكن. ويتم على سبيل المثال، تصنيف أسرة لديها طفلان عمرهما أقل من 14 سنة على أنها تعاني فقراً مدقعاً إذا كان دخل الأسرة أقل من14600 جنيه استرليني (18542 دولاراً أميركياً).
وروت أسر كيف تواجه تحديات في تأمين طعام صحي لها، لأنها لا تستطيع تحمل كلف الغذاء الأساس، فيما أكد عاملون اجتماعيون في الخطوط الأمامية أن هذه العائلات تبقى قابعة في المنزل، لأنها غير قادرة على الخروج بسبب القيود المالية.
جمعيات خيرية أعربت عن خيبة أملها مما كشف عنه، وأفادت "منظمة العمل من أجل الأطفال" Action for Children (وهي مؤسسة خيرية لديها 7 آلاف موظف ومتطوع، تعنى بمساعدة الأطفال والشباب المعرضين للخطر)، بأن ملايين الأفراد "يتحملون بلا داع البؤس". ويؤكد المتخصص في التوفير والمدافع عن حقوق المستهلك مارتن لويس، أن التقرير يجب أن يدفع بصناع القرار والجهات المنظمة إلى "التنبه واتخاذ الإجراءات اللازمة".
وفي هذه الإطار أيضاً لا بد لصحيفة "اندبندنت" من أن تشير إلى الآتي:
• سيحتاج 6 ملايين فرد من أفقر الناس في المملكة المتحدة لمضاعفة دخلهم بهدف تفادي الفقر.
• نحو ثلثي عدد البالغين (64 في المئة) الذين يعانون العوز يعيشون ضمن أسر عاملة - في ارتفاع عن نسبة 61 في المئة المسجلة في العام السابق.
• وفقاً لتقديرات "مؤسسة جوزيف روانتري"، فإن ما يزيد على شخص من كل 5 أشخاص في المملكة المتحدة - و3 من كل 10 أطفال - يعيشون في حال فقر في الفترة ما بين عام 2021 وعام 2022.
• سيتم قطع خدمة الغاز والكهرباء عن أكثر من مليوني شخص هذا الشتاء، لأنهم لا يستطيعون تحمل كلفة تعبئة عداد الدفع المسبق الخاص بهم.
ويذكر هنا أن الفقر كما تعرف عنه "مؤسسة جوزيف روانتري" هو أن يكون للفرد دخل - بعد احتساب كلف السكن - أقل من 60 في المئة من متوسط دخله الشخصي لأسرته.
وبالنسبة إلى الشريكين اللذين لديهما طفل أكبر من 14 سنة وآخر أصغر منه، فإن دخل الأسرة الذي يقل سنوياً عن 25 ألفاً و300 جنيه استرليني (32 ألفاً و131 دولارا)، يصنف في خانة الفقر. وكي يكون شخص في حالة فقر مدقع، فإن العتبة تنخفض إلى 16 ألفاً و900 جنيه استرليني سنوياً (21 ألفاً و463 دولاراً).
أما في ما يتعلق بوالد وحيد لديه طفلان، أحدهما يبلغ من العمر 14 سنة، والآخر ما دون سن الـ14، فإن حد الدخل هو 18 ألفاً و800 جنيه استرليني (23 ألفاً و876 دولاراً).
ووفقاً لحسابات المؤسسة الخيرية التي بنتها على أرقام دخل الأسرة كما حددتها وزارة العمل والمعاشات التقاعدية البريطانية، فإن زوجين يعانيان ضائقة مالية ولديهما طفلان تحت سن الـ14، يحتاجان سنوياً لـ6 آلاف و200 جنيه استرليني (7 آلاف و874 دولاراً)، للتمكن من مواصلة العيش. وسيحتاج أولئك الذين يعيشون في فقر مدقع لمبلغ أكبر يقدر بـ12 ألفاً و800 جنيه استرليني (16 ألفاً و256 دولاراً).
الخبير مارتن لويس قال "كنت قد نبهت في بداية أزمة الطاقة إلى أنني استنفدت شتى الوسائل لمساعدة كثيرين من ذوي الدخل المنخفض. والآن، وصلنا إلى الحقيقة القاسية المتمثلة في أن 100 ألف شخص في المملكة المتحدة، ما زالوا - حتى بعد تلقي مساعدة مهنية من جمعيات خيرية - يعانون عجزاً في موازنتهم. من ثم فإن دخلهم هو أقل من الحد الأدنى من الإنفاق الضروري". واعتبر لويس أن البحث "يشير بصورة واضحة على تفاقم الأزمة".
ويأتي تقرير "مؤسسة جوزيف روانتري" بعدما أظهرت أحدث البيانات من مؤسسة "سيتيزنس أدفايس" Citizens Advice الخيرية (وهي منظمة مستقلة تقدم المشورة لمساعدة الأشخاص الذين يواجهون مشكلات قانونية أو يعانون ديوناً أو مصاعب في مسائل كالإسكان وغيرها من المشكلات)، أن 200 ألف شخص قد أتوا إلى مراكزها في عام 2023 طلباً للحصول على خدمات دعم الأزمات، مثل الإحالات إلى بنوك طعام أو صناديق الطوارئ، وهذا الرقم يشكل 3 أضعاف العدد المسجل لديها في عام 2019.
وتقدر المؤسسة الخيرية أيضاً أن نحو 800 ألف شخص ظلوا لأكثر من 24 ساعة بلا غاز أو كهرباء في العام الماضي، لأنهم لم يتمكنوا من زيادة رصيدهم في العداد، مما جعلهم غير قادرين حتى على تحضير وجبة ساخنة أو أخذ حمام دافئ.
أحد أفراد الأسر المتأثرة بأزمة ارتفاع كلفة المعيشة - والذي تدعمه جمعية "باتل المملكة المتحدة" Buttle UK الخيرية للأطفال - قال "لديَّ 4 أطفال يعيشون معي، وابنة أكبر سناً انتقلت من المنزل. كثيراً ما كان المال الذي أجنيه شحيحاً، لكن مع أزمة ارتفاع كلفة المعيشة هذه، أصبح الأمر لا يطاق. إن معظم رصيدي من إعانة "الدعم الشامل" Universal Credit (UC) (معونة تمنح شهرياً لأصحاب الدخل المنخفض أو للعاطلين من العمل لمساعدتهم في تحمل كلف معيشتهم)، يصرف على فاتورة الغاز والكهرباء، وهذه الكلف تزداد كل شهر.
إحدى العاملات الاجتماعيات في الخطوط الأمامية أكدت أنها شاهدت أسراً "يقضي أفرادها مزيداً من الوقت في المنزل أو في الشارع، لأنهم لا يستطيعون القيام بشيء أو الذهاب إلى أي مكان". وقال عامل آخر "غالباً ما يذهب الأطفال إلى المدرسة جائعين، لأن البعض منهم قد لا يكونون مؤهلين للحصول على وجبات مدرسية مجانية لأن دخل والديهم يتجاوز معايير الأهلية".
وأشار عامل آخر في مجال دعم الأسر إلى أن "الآباء يواجهون الآن معضلة الاختيار بين استخدام المال لدفع أجرة الحافلة لإرسال أطفالهم إلى المدرسة، أو إبقائهم في المنزل للتمكن من شراء مواد غذائية أساسية كالحليب والخبز". وقال آخر إنه أثناء الزيارات المنزلية التي قام بها، كانت المساكن دائماً باردة، لأن الآباء لا يستطيعون تحمل كلف التدفئة، ما تسبب في إصابة أطفالهم، ولا سيما منهم الرضع، بالتهابات في الصدر.
ليز كيندال وزيرة العمل والمعاشات التقاعدية في حكومة الظل "العمال" المعارضة، علقت على تقرير "مؤسسة جوزيف روانتري" بالقول إن "وقت التغيير قد حان". وأضافت أن "الحقيقة المدمرة المتمثلة في وقوع فرد من كل 5 أشخاص في براثن الفقر، إنما تعكس فشل سياسة حزب ’المحافظين‘ على مدى 14 عاماً. فالأسر في جميع أنحاء البلاد يدفع بها إلى خانة الفقر من جانب حكومة تسببت في انهيار الاقتصاد وتفاقم أزمة ارتفاع كلفة المعيشة".
جوزيف هاوز الرئيس التنفيذي لجمعية "باتل المملكة المتحدة" الخيرية، رأى أن البحث الذي أجرته "مؤسسة جوزيف روانتري" يشكل "أحدث دليل قاطع على حال الفقر التي يعانيها الأطفال في المملكة المتحدة".
أما النائبة سارة أولني وهي المتحدثة باسم القضايا المالية في حزب "الديمقراطيين الأحرار"، فاعتبرت أن "حكومة حزب ’المحافظين‘ هذه سجلت فشلاً ذريعاً في توفير الأمن الاقتصادي الذي يستحقه الناس". وأضافت أن "القرارات التي اتخذها حزب ’المحافظين‘ هي التي تسببت في الارتفاع الكبير لبدلات الإيجار، وفي الكلفة الأسبوعية الباهظة للتسوق، وفي ركود الاقتصاد".
بول كيساك الرئيس التنفيذي لمؤسسة "جوزيف راونتري الخيرية" لفت إلى أن الفقر تفاقم في بريطانيا على مدى العقدين الماضيين من الزمن. وقال إن "مؤشرات واضحة على المشقة والعوز تحيط بنا - بدءاً من الاعتماد المتزايد على بنوك الطعام، وصولاً إلى العدد المتفاقم للأسر المشردة. وهذا يمثل فشلاً واسع النطاق على المستوى المجتمعي".
بول كاربيري الرئيس التنفيذي لمجمعية "العمل من أجل الأطفال"، رأى أن "الأولوية القصوى للحكومة البريطانية يجب أن تكون في إصلاح نهجها الفاشل في مكافحة الفقر، الذي يؤثر بصورة غير متناسبة على الأطفال". واعتبر أن "وحده التصميم الوزاري على اتخاذ القرارات السليمة طويلة الأمد، هو الذي سيحدث تغييراً ذا جدوى".
وقال مارك راسل، من "جمعية الأطفال" The Children’s Society (جمعية خيرية متحالفة مع "كنيسة إنجلترا"، تعنى بتحسين حياة الأطفال والشباب وتعزيز أوضاعهم الاجتماعية) إن انتشار فقر الأطفال في المملكة المتحدة هو أمر "مشين"، مضيفاً أن ذلك كان له "تأثير مدمر على حياة الأطفال".
وفي تعليق على ما تقدم، قال متحدث باسم الحكومة البريطانية "نحن نواصل مساعدة الأسر على دفع كلف المعيشة، المدعومة بأكثر من 100 مليار جنيه استرليني"، مشيراً إلى أن "هناك مليوناً و700 ألف شخص أقل، يعيشون في فقر مدقع في المملكة المتحدة - بمن فيهم 400 ألف طفل - مقارنة بعام 2010". وخلص إلى التأكيد أن "أطفال الأسر التي يعمل فيها أحد الوالدين، هم أقل عرضة للفقر بـ5 مرات. ولهذا السبب نحن نستثمر مليارات الجنيهات لإزالة الحواجز المعرقلة لعمل الأفراد، ودعم أكثر من مليون شخص من ذوي الدخل المنخفض، من خلال برنامج "التقدم في العمل" In Work Progression الذي وضعناه، وكل ذلك في وقت نبذل فيه جهوداً حثيثة لخفض الضرائب والحد من التضخم، من أجل أن يكون لدى الأفراد الذين يعملون بجهد، مزيد من المال في حوزتهم".
© The Independent