Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب يواجه مشكلة إعادة قاصريه غير النظاميين في أوروبا

يطرح هذا الملف إشكالات أمنية خطرة حين يتعلق الأمر بتجنيد الأطفال من قبل جماعات إرهابية أو انفصالية

شاب يرفع العلم المغربي جادة الشانزيليزيه في العاصمة الفرنسية باريس (أ ف ب)

ملخص

سبق للملك محمد السادس أن دعا في يونيو 2021 إلى إعادة جميع المهاجرين القصر المغاربة غير النظاميين في دول الاتحاد الأوروبي إلى المغرب

يخشى الفتى المغربي ياسين، ذو الـ16 سنة، أن تعيده السلطات الفرنسية في أي وقت وحين إلى بلده الأم، بموجب اتفاق ثنائي سابق بين الرباط وباريس يهدف إلى تيسير إرجاع القصر المهاجرين غير النظاميين إلى بلدهم الأصلي.
ياسين هو أحد آلاف القصر المغاربة غير المصحوبين بذويهم الذين يعيشون في دول أوروبية، بخاصة فرنسا وإسبانيا وألمانيا، والذين "يتسكعون" في الشوارع متهربين من السلطات الأمنية لتلك الدول، مخافة تعرضهم لتنفيذ قرارات الترحيل.
ويثير وجود قصر مغاربة غير نظاميين على الأراضي الأوروبية إشكالات اجتماعية وأمنية عدة.
وعلى رغم عدم توفر إحصاءات رسمية في شأن عدد القصر المغاربة في أوروبا، فإن معطيات جمعيات مغربية غير حكومية تتداول رقم 20 ألف قاصر غير مصحوبين بذويهم، يقيمون في دول أوروبية، وأغلبهم في فرنسا وإسبانيا.

حماية قانونية

ويقول ياسين إن عدداً من زملائه القصر الذين وصلوا إلى فرنسا بطرق غير قانونية تم إرجاعهم إلى بلادهم على دفعات، غير أن كثراً آخرين لا يزالون موجودين هناك، خصوصاً في ضواحي المدن، ويترقبون قرار إعادتهم بين عشية وضحاها. لكن ياسين مطمئن نسبياً، لكونه مثل باقي الأطفال المهاجرين مشمولاً بحماية قانونية توفرها "الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل"، التي تقف حجر عثرة أمام عمليات الترحيل التي تسعى إلى تنفيذها فرنسا ودول أوروبية أخرى.
من جهة أخرى، تتعهد فرنسا بموجب اتفاق مع المغرب يعود إلى عام 2000، تسهيل إعادة المهاجرين القصر إلى البلاد. وتروم الاتفاقية المذكورة تحديد إطار قانوني مناسب لرعاية القصر غير المصحوبين المتحدرين من المغرب، والسماح لقضاة الأحداث بالحصول على العناصر الأساسية لاتخاذ التدابير الأكثر ملاءمة لمصلحة هؤلاء الأطفال، من ضمنها إعادتهم إلى بلدهم الأصلي.
وبدورها تتحين إسبانيا الفرصة لإعادة آلاف القصر المغاربة غير النظاميين إلى بلدهم الأصلي، لكن تواجهها قوانين حماية الأطفال وقرارات المؤسسات القضائية، وآخرها قرار المحكمة العليا الإسبانية الصادر في الـ22 من يناير (كانون الثاني) الجاري، بعدم قانونية ترحيل مئات الشباب المغاربة من مدينة سبتة شمال المغرب (الخاضعة للسيادة الإسبانية) في أغسطس (آب) 2021، بعد عملية عبور جماعية عبر الحدود.

ملف معقد

من جهته، سبق للعاهل المغربي الملك محمد السادس أن دعا في يونيو (حزيران) 2021 إلى إعادة جميع المهاجرين القصر المغاربة غير النظاميين في دول الاتحاد الأوروبي إلى المغرب، وتسوية أوضاعهم من خلال وضع آليات تعاون لهذا الغرض مع بعض البلدان، ولا سيما فرنسا وإسبانيا، وهو ما أدى إلى عودة عشرات القصر إلى المغرب.
وعلى رغم هذا التوجه من أعلى سلطة في المغرب، فإن ملف القصر المغاربة غير المصحوبين بذويهم لا يزال مطروحاً في بعض الدول الأوروبية، وهو ما فسره بيان حكومي سابق بأنه يعود إلى "العوائق بسبب الإجراءات المعقدة في بعض البلدان الأوروبية".
وسبق لوزارة الخارجية المغربية أن شددت على كون "عملية ترحيل الأطفال المغاربة من الدول الأجنبية لا يمكن أن تتم إلا إذا توفرت شروط محددة، من بينها شروط استقبال الطفل، سواء من طرف عائلته أو من لدن مؤسسات مختصة في رعاية الطفولة، وإذا لم يتوفر هذا الشرط فالترحيل لا يتم إلا بعد بلوغ القاصر سن 18 سنة".
ويقول في هذا الصدد، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، الباحث في شؤون الهجرة، محمد بن عيسى، إن "ملف القصر المغاربة غير المصحوبين الموجودين بدول الاتحاد الأوروبي هو ملف معقد تتداخل فيه عوامل عدة مرتبطة أساساً بقوانين وتشريعات تلك الدول". ويشرح بن عيسى "توجد في تلك الدول الأوروبية رقابة قضائية وضغط من المجتمع المدني والإعلام بعدم إعادتهم إلى المغرب إلا وفق إجراءات خاصة تجعل من إمكانية الإعادة والإبعاد واقعاً معقداً"، مشيراً إلى أن "قوانين الاتحاد الأوروبي ومؤسساته التي تكرس احترام حقوق الإنسان داخل دوله تعتبر أدوات ضغط إضافية، كما أن الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان تنص على أن أي قرار كيفما كان نوعه يجب أن يكرس مصلحة الطفل الفضلى".

اقرأ المزيد


معوقات

من جهته أفاد الباحث في مجال العلاقات الدولية أحمد نور الدين بأن "المغرب عبر أكثر من مرة عن استعداده لاستقبال القصر غير المصحوبين الذين يوجدون في وضعية غير نظامية في الدول الأوروبية، ولكنه يشترط التأكد من هوياتهم، وهو أمر ليس سهلاً بالنسبة إلى أطفال قد لا يملكون وثائق هوية، بخاصة إذا كانوا ينكرون أو يخفون هويتهم الحقيقية للتهرب من الترحيل".
ويردف نور الدين "هناك معوق آخر يرتبط بالدول الأوروبية نفسها التي تمنع قوانينها في كثير من الحالات ترحيل القصر، كما أن عديداً من المنظمات الحقوقية في تلك الدول تدافع عن حق القصر في الرعاية والتعليم وعدم ترحيلهم قبل بلوغهم سن الرشد القانونية، ومن ثم فإن المسألة لا تتعلق بالمغرب وحده".

ويرى الباحث ذاته أن "هذا الملف يطرح إشكالات عدة، منها ما هو اجتماعي يتعلق بالاستغلال الذي يتعرض له القصر من طرف شبكات تهريب البشر والجريمة المنظمة، إذ تتعدد أوجه الاستغلال بتعدد أنشطة تلك الشبكات، فقد يكون الاستغلال مادياً صرفاً من خلال استخدامهم كقوة عاملة بأجور زهيدة أقل من الحد الأدنى القانوني للأجور". واستطرد "وقد يكون الاستغلال من دون أجور بسبب وضعيتهم غير القانونية التي لا تسمح لهم بالمطالبة بحقوقهم، ولا بتسجيلهم في صناديق الضمان الاجتماعي والتقاعد وغيرها من الحقوق الاجتماعية، وهي وضعية تحيل إلى وضعية الاسترقاق وتصب مباشرة في مصلحة الشركات الجشعة وعصابات تهريب البشر".

استغلال خطر

وأبرز أحمد نور الدين أن "هذا الاستغلال قد ينتقل إلى مستويات أخطر عندما يتعلق الأمر بالاستغلال الجنسي مثلاً، فوقوع القصر بين أيدي شبكات الدعارة الدولية يجعل من القاصر محتجزاً بكل ما تعنيه الكلمة من معان قانونية، يفقد فيها القاصر من كلا الجنسين حريته، ويتعرض لكل أشكال العنف الجنسي والبدني والحرمان، ويصبح معرضاً لشتى الأمراض المنقولة جنسياً التي قد تهدد حياته، بل يصبح بضاعة يتم بيعها من ماخور إلى آخر، وأحياناً من بلد إلى آخر، كما فضح ذلك بعض الضحايا الناجين من ذلك الجحيم بعد فرارهم من الاحتجاز".
واعتبر المتحدث أن "هذه الوضعية الكارثية للقصر من الجنسين تسائل الدول بكل مؤسساتها، كما تسائل الجمعيات الحقوقية والمجتمع المدني"، مضيفاً أن "معالجة هذه الوضعية الخطرة تستدعي تنسيقاً أمنياً وقضائياً دولياً واسعاً وبآليات مبتكرة لمجاراة تطور أساليب شبكات الجريمة المنظمة العابرة للقارات، كما تستدعي تنسيقاً أكاديمياً لدراسة هذه الظواهر ومسبباتها، ويستلزم إحداث آليات للرصد والتحليل عابرة للدول".
ولفت الباحث المغربي إلى أن "تهريب القصر قد يطرح إشكالات أمنية خطرة حين يتعلق الأمر بتجنيد الأطفال من قبل جماعات مسلحة سواء كانت إرهابية أو انفصالية، وقد تحدثت تقارير إعلامية عن حالات كثيرة لهذا النوع من الاستغلال تم فيها نقل قصر إلى ساحات الحروب في سوريا وحتى أوكرانيا".

وخلص نور الدين إلى أن "هذا الملف خطر، ويستدعي معالجة شاملة لا تنحصر في الجوانب الأمنية المحضة بقدر ما تعالج الأسباب الاجتماعية - الاقتصادية والثقافية كذلك، من دون إغفال الجوانب الأمنية طبعاً، التي تبقى شرطاً ضرورياً ولكنه غير كاف".

المزيد من تقارير