ملخص
منذ نحو أربعة أشهر، فرت إيناس مع عائلتها من بلدتها الحدودية في جنوب لبنان ولم تظن أن النزوح سيطول وأن منزلها سيتضرر جراء التصعيد
منذ نحو أربعة أشهر، فرت إيناس طحيني مع عائلتها من بلدتها الحدودية في جنوب لبنان مع بدء "حزب الله" وإسرائيل تبادل القصف، ولم تظن أن النزوح سيطول وأن منزلها سيتضرر جراء التصعيد.
وتتحسر الأم لثلاثة أطفال على مصير بيتها وعلى ظروف النزوح الصعبة بعدما باتت تقيم في مدرسة تم تحويلها على عجل إلى مركز إيواء في مدينة صور الساحلية يفتقد لأبسط مقومات الحياة.
وتقول طحيني (37 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية "قصفوا (الإسرائيليون) بيت شقيقي مما أدى إلى احتراقه بالكامل، بينما تضررت شقتي في الطابق الأسفل".
وطحيني في عداد أكثر من 86 ألف شخص نزحوا من منازلهم جنوب لبنان وفق الأمم المتحدة، منذ بدء التصعيد عبر الحدود على وقع الحرب في قطاع غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). وتتعرض البلدات الحدودية اللبنانية لقصف إسرائيلي رداً على إطلاق "حزب الله" صواريخ من الجنوب يقول إنها دعماً لحركة "حماس" الفلسطينية.
البدء من الصفر
وتعتمد عائلة طحيني التي نزحت من بلدة عيتا الشعب الحدودية، على راتب زوجها الجندي البالغة قيمته حالياً 150 دولاراً، والذي لم يكن يكفي العائلة حتى قبل النزوح.
وتوضح بينما تغرورق عيناها بالدموع "لو كنت قادرة على استئجار منزل في صور لفعلت ذلك، لكن ذلك ليس بمقدورنا ولا نعرف ماذا سيحدث لنا".
وعيتا الشعب من البلدات الحدودية الأكثر تضرراً بالقصف الإسرائيلي الذي دمر عدداً كبيراً من المنازل.
وتنشر "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسمية في لبنان، بشكل شبه يومي تقارير عن ضربات تلحق أضراراً بالغة بمنازل وتدمر بعضها الآخر. ويعلن "حزب الله" بانتظام مقتل عناصر منه في تبادل إطلاق النار مع إسرائيل، فيما يطاول القصف أيضاً مدنيين.
وتنقل طحيني عن جيرانها تضرر ممتلكات لهم جراء القصف الإسرائيلي، وتقول بحرقة "على كل هؤلاء الناس أن يبدأوا مجدداً من الصفر".
"لم نعد نحتمل"
وتسبب التصعيد بمقتل 216 شخصاً في لبنان بينهم 161 عنصراً في "حزب الله" و26 مدنياً، ضمنهم ثلاثة صحافيين، وفق تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية، بينما قتل 15 شخصاً في الجانب الإسرائيلي بينهم ستة مدنيين، بحسب الجيش الإسرائيلي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعلن "حزب الله" استهداف مواقع ونقاط عسكرية إسرائيلية، بينما يرد الجيش الإسرائيلي بقصف جوي ومدفعي يقول إنه يستهدف "بنى تحتية" للحزب وتحركات مسلحين قرب الحدود.
في قاعة تدريس باتت مسكنه في مركز الإيواء ذاته في صور، يروي حافظ مصطفى (46 سنة) أن أولاده الـ10 انقطعوا عن التعلم في المدارس والجامعات نتيجة النزوح.
ويقول الرجل الذي كان يعتاش من مزرعتي بقر قبل نزوحه من بلدته بيت ليف، "اضطرت ابنتاي إلى التوقف عن ارتياد الجامعة بسبب عدم قدرتي على توفير 400 دولار قبل الاختبارات".
واستهدف القصف الإسرائيلي على حد قوله مزرعة يمتلكها مع شريكه، مما أدى إلى مقتل عدد من الأبقار وهرب بعضها الآخر. واضطر إلى بيع 17 بقرة كانت في مزرعة ثانية بسبب عدم قدرته على تأمين مكان لإيوائها ومن أجل توفير مورد عائلته.
ويقول بحسرة "كنا نعلم الأولاد ومعنا المال وأمورنا جيدة... الحرب قلبت حياتنا رأساً على عقب". ويتابع "حتى لو عدت إلى بلدتي، فسأبدأ حياتي من الصفر"، مضيفاً "ملينا من الحرب، لقد طالت كثيراً ولم نعد نحتمل".
حاجة ملحة إلى المساعدات
وتؤوي منطقة صور العدد الأكبر من النازحين مع هرب أكثر من 27 ألف شخص إليها، وفق الأمم المتحدة. ويقيم قرابة 1000 منهم في مراكز إيواء.
ويقول رئيس وحدة إدارة الكوارث التابعة لاتحاد بلديات صور مرتضى مهنا "هناك متطلبات كثيرة يحتاج إليها النازحون لسنا قادرين على تأمينها"، مضيفاً "لم نتوقع أن تطول فترة النزوح... والوضع يزداد تعقيداً".
ويحتاج النازحون المتحدرون من 87 قرية وبلدة معظمها حدودية، إلى مساعدات على الصعد كافة، وفق مهنا الذي كان يتحدث من غرفة إدارة الكوارث محاطاً بمتطوعين وموظفين حكوميين يعملون من دون توقف وقربهم شاشات وقوائم عليها أسماء وأرقام هواتف.
على وقع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق وتدهور قيمة العملة المحلية منذ عام 2019 في لبنان، تضاءلت قدرة السلطات على تقديم الخدمات الأساسية. ولم يتلق النازحون في منطقة صور، وفق مهنا، حصصاً غذائية إلا مرة واحدة في غضون نحو أربعة أشهر، وسط نقص في الحاجات الرئيسة من فرش وأغطية ووسائد.
ويتابع "هذه العائلات خسرت ممتلكاتها وأشغالها وليست قادرة على شراء ما تحتاج إليه".
ترقب العودة
وعلى غرار مصطفى، يؤكد كثر أنهم وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها نازحين بعدما كانوا ميسورين وقادرين على تأمين كل حاجاتهم.
واختار عباس فقيه (40 سنة) النزوح مع زوجته وأطفاله الأربعة من قرية رب تلاتين إلى بلدة صريفا الواقعة على بعد 15 كيلومتراً من الحدود والتي بقيت بمنأى عن القصف الإسرائيلي.
ويعتبر نفسه محظوظاً كونه يقيم مع عائلته الكبيرة في منزل من دون دفع بدل إيجار، ولتمكنه من نقل ماشيته إلى قطعة أرض قريبة. لكن ذلك لم يحل دون خسارته بعضاً من مصدر رزقه.
ويقول بينما يلهو أطفاله مع أولاد عمهم قربه "كان لديَّ 250 رأساً من الماعز، بعت قرابة 60 منها حتى الآن من أجل تأمين الطعام للعائلة والعلف لبقية الماشية".
ويوضح أن عديداً من الجديان المولودة حديثاً ماتت بسبب البرد ولعدم جهوزية قطعة الأرض التي نقلها إليها. ويتحسر لعدم قدرته هذا العام على زرع مواسم القمح والعدس.
ويأمل فقيه في أن يتوقف القصف ويعود إلى قريته. ويقول "نتابع الأخبار بفارغ الصبر على أمل سماع أخبار عن هدنة".