ملخص
فشل سلاح النفط التقليدي هو الذي يعطي أهمية لسلاح الطاقة الحديث، لأنه أكثر فعالية وتأثيراً
تطور سلاح النفط من المفهوم القديم المتعلق باستخدامه في المقاطعة كسلاح سياسي للضغط على الخصم لإجباره على التراجع عن موقف ما، إلى المفهوم الحديث المتعلق باستهداف مصادر الطاقة، وليس النفط فقط، للضغط على الدول العدوة وتكبيدها أكبر خسائر ممكنة، وهو ما نراه في أماكن عدة اليوم، منها ضرب الحوثيين لناقلات النفط في خليج عدن، أو تخويفها من المرور من باب المندب. ومنها الهجوم على أرامكو في سبتمبر (أيلول) 2019، وضرب حاملات النفط في الخليح كما حصل قرب ميناء الفجيرة منذ سنوات، أو تفجير أنبوب غاز "نورد ستريم 1".
لهذا لا بد من توسيع مفهوم "سلاح النفط" في أدبيات أسواق الطاقة ليشمل كل هذه التطوارت الجديدة، بما ذلك إضافة الغاز للنفط، بسبب إغلاق خط الغاز الروسي "نورد ستريم 2" ثم تفجير خط غاز "نورد ستريم 1"، فكما أن هناك "سلاح النفط" هناك "سلاح الغاز".
ما ذكر أعلاه يبدو منطقياً وسهلاً، ولكن الفروق بين المفهوم "القديم" والمفهوم "الحديث" مهمة، لأن لكل منهما نتائج وحلول مختلفة، ومن ثم فإن الآثار المستقبلية في أسواق النفط (والغاز أيضاً بسبب حاملات الغاز المسال من جهة، وتفجير الأنابيب الروسية من جهة أخرى)، غير ما عهده الناس من الحظر النفطي.
لمحة تاريخية
على رغم شيوع تعبير "سلاح النفط" في أدبيات أسواق الطاقة ليعبر عن "الحظر النفطي" لتحقيق مآرب سياسية، إلا أن النفط استخدم تاريخياً كسلاح بالمعنى الحرفي للكلمة، إذ استخدمت الجيوش المختلفة "كرات النار" أو "كرات اللهب"، وهي عبارة عن كتل من الصوف أو مواد مشابهة تبلل بالنفط الذي كان يوجد في سبخات على سطح الأرض ثم تشعل وتقذف على الأعداء، خصوصاً المتمترسين في حصون أو وراء أسوار. حتى الجيوش الإسلامية في عصور معينة كان فيها قسم "النفاطات" ومهمتها قذف الكرات النارية بالمنجنيق.
في الحرب العالمية الثانية هاجم الحلفاء ناقلات ومنشآت النفط التابعة لألمانيا واليابان بشكل مقصود لحرمانها من الوقود، وردت اليابان بما يعرف بـ"هجمات الكماكازي" حيث قام الطيارون اليابانيون بعمليات انتحارية، إذ ينقضون على حاملات النفط الأميركية والأوروبية بطائراتهم وتفجيرها. ومن عجائب القدر أن أحد أسباب هذه النوع من الهجمات هو ندرة الوقود وعدم وجود وقود كاف لعودة الطائرة لقاعدتها.
وهناك أدلة تاريخية على أن الحلفاء فجروا حقولاً ومنشآت نفطية تابعة لهم أثناء انسحابهم من مناطق معينة حتى لا تقع في يد الأعداء ويستفيدوا منها.
الفروق الأساسية بين سلاح النفط التقليدي وسلاح الطاقة الحديث
يرمز "سلاح النفط" في أدبيات أسواق الطاقة إلى قيام الدول المنتجة للنفط بفرض حظر على دول مستهلكة لتحقيق أغراض سياسية، ولعل أشهر مثال على ذلك هو المقاطعة النفطية في أكتوبر (تشرين الأول) 1973، التي فرضتها بعض الدول العربية على الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، على رغم أن الولايات المتحدة هي أكثر مستخدم لهذا السلاح، وبفارق كبير عن أية دولة أخرى، وما زالت تستخدمه حتى يومنا هذا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن مفهوم "سلاح النفط" توسع في أرض الواقع مع التطورات التقنية والسياسية، إذ يشير المفهوم الحديث إلى استخدام المتفجرات والمسيرات والصواريخ وغيرها من فئات مختلفة من معارضة سياسية وثوار وإرهابيين، وأحياناً حكومات، لتدمير منشآت نفطية أو غازية، وخفض إنتاج النفط والغاز، بهدف تحقيق أهداف سياسية، التي تتضمن أيضاً تجنيد أتباع جدد والحصول على تغطية إعلامية. وأسهم التقدم التقني كثيراً في هذا المجال حيث يمكن لأية مجموعة أو أفراد شراء معدات بمبلغ بسيط تمكنهم من مهاجمة منشآت الطاقة المختلفة.
وعلى رغم اقتناع الخبراء أن الدول المنتجة للنفط، خصوصاً الدول العربية، لن تلجأ إلى استخدام النفط كسلاح مرة أخرى، إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا سيستمرون في استخدامه على رغم فشله، وذلك لما له من قيمة رمزية سياسية عند الناخبين في هذه الدول. وفشل سلاح النفط التقليدي هو الذي يعطي أهمية لسلاح الطاقة الحديث، لأنه أكثر فعالية وتأثيراً، فالحظر النفطي لم يؤد إلى حرب، ولكن ضرب السفن وحاملات النفط، وأثره الكبير في عمليات الشحن البحري أدى إلى حرب، كما نرى في الهجمات التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا على الحوثيين.
أوجه التشابه والخلاف بين سلاح النفط التقليدي وسلاح الطاقة الحديث
تتمثل أوجه التشابه في ثلاثة أمور:
1- كلا السلاحين يستخدم لخفض المعروض والصادرات.
2- كلاهما يستخدم ليضغط على الخصم لتحقيق أهداف معينة، غالباً ما تكون سياسية.
3- كلاهما يمثل تهديداً لأمن الطاقة العالمي، ويسهم في رفع أسعار النفط والغاز والكهرباء.
إلا أن المهم في مقالة اليوم هو أوجه الاختلاف، التي تتمثل في ما يلي:
1- عدد المشاركين: تاريخياً، يحظر من دول محددة على دول معينة، بينما يكثر عدد المشاركين في سلاح الطاقة الحديث: فئات كثيرة من معارضة للحكم، إلى ثوار، إلى إرهابيين، إلى عصابات، إلى قراصنة، إلى "هاكرز" يحاولون إيقاف إمدادات الطاقة عن طريق هجمات سيبرانية.
2- هوية المشاركين: في سلاح النفط التقليدي، هوية المشاركين معروفة، وهي حكومات ودول، بينما هوية أغلب المشاركين في سلاح الطاقة الحديث غير معروفة. في حال الحوثيين، المجموعة معروفة، ولكن في كثير من العمليات التي تتم في دول أخرى غير معروفة، خصوصاً بالنسبة إلى الهجمات السيبرانية.
3- الأهداف: في سلاح النفط التقليدي تقوم الدول المنتجة بفرض حظر وتحدد أهدافاً معينة للحظر وشروطاً واضحة لرفع الحظر، ولكن هذه ليست الحالة لدى المجموعات والأفراد الذي يهاجمون حاملات النفط والمنشآت النفطية وأبراج الكهرباء، أو حتى الهجمات السيبرانية على منشآت الطاقة المختلفة حول العالم. أغلب هذه المجموعات ليس لها هدف واضح، وشروطها للتوقف عن هذه الهجمات، إما غير موجودة أو غير واضحة، في أغلب الأحيان يكون الهدف هو إزعاج أو إيلام الحكومة أو المجموعة المستهدفة، أو زيادة تكاليفها.
4- التنسيق: لو نظرنا إلى كثير من عمليات حظر النفط، بما في ذلك التي قامت بها الدول العربية في 1956 و1967 و1973، وعمليات الحظر الأممية والأميركية والأوروبية، تجد أنها تمت بالتنسيق بين دول عدة، وأعلنت مقدماً وإشعار الدول المستهدفة. هذه ليست الحال في سلاح الطاقة الحديث حيث تحصل الأمور بشكل مفاجئ ومن دون أي تنسيق بين أي من هذه المجموعات. هذا يعني أن سلاح الطاقة الحديث أكثر فعالية في الأسواق، ويزيد الذبذبة بشكل أكبر من الحظر النفطي.
5- التكاليف: سلاح الطاقة الحديث يرفع تكاليف الإنتاج والعمليات بشكل ملحوظ، نتيجة الدمار الذي تسببه المتفجرات أو الصواريخ أو المسيرات، أو المشكلات الإلكرتونية الناتجة من هجمات سيبرانية. التكاليف لا تذكر في حالة الحظر النفطي، وقد تتمثل فقط في انخفاض الإيرادات إذا لم يؤد ارتفاع الأسعار للتعويض عن عائدات الكميات المتوقفة.
6- الآثار: تختلف آثار سلاح النفط التقليدي تماماً عن آثار سلاح الطاقة الحديث، مثلاً عندما قامت الدول العربية بالحظر النفطي في عام 1973، استطاعت التمييز بين الأعداء والأصدقاء والمحايدين. عندما فرضت الولايات المتحدة حظراً نفطياً على دول معينة، قصرت الحظر على هذه الدول. المشكلة في سلاح الطاقة الحديث أنه لا يميز بين الصديق والعدو. فتفجيرات أرامكو في سبتمبر 2019 رفعت أسعار النفط على الجميع، وآذت أصدقاء من قاموا بالتفجير أكثر من أعدائهم لأن أغلب صادرات السعودية تذهب إلى آسيا وليس إلى الولايات المتحدة. إغلاق المنشآت النفطية في ليبيا أثر في الجميع، أعداء وأصدقاء من قام بعملية الإغلاق على حد سواء، والأمر ذاته ينطبق على ضرب السفن في الخليج منذ سنوات.
خلاصة الأمر أن تطور سلاح النفط التقليدي إلى سلاح الطاقة الحديث أدى إلى توسع الأمر ليشمل مصادر الطاقة الأخرى بما في ذلك الغاز والكهرباء والمحطات النووية، وهذا بدوره أدى إلى زيادة الذبذبة في الأسواق، وانخفاض الإمدادات، وارتفاع أسعار مصادر الطاقة. إلا أن موضوع "التجييش" و"التسليح" في أسواق الطاقة يمر بتطور جديد الآن، وهو استخدام "التغير المناخي" كسلاح، ولهذا مقالة أخرى.