ملخص
العمليات العسكرية لا تتأثر بقطع الاتصالات فهي لديها اتصالات خاصة ومؤمنة وعلى درجة عالية من السرية
شهد السودان لأيام عدة انقطاعاً كاملاً وكلياً لشبكات الاتصالات، وسط غموض في الأسباب. وفيما تحدثت مصادر متعددة عن ضلوع قوات "الدعم السريع" بهذا الأمر بتعطيلها المقسمات الرئيسة لشبكات "سوداني" و"أم تي أن" بالخرطوم، مما أدى إلى انقطاع الاتصالات والإنترنت في أجزاء واسعة من السودان، نفت "الدعم السريع" قيامها بأي إجراءات تتعلق بشركات الاتصال، واتهمت الجيش بقطع الخدمة.
وتوقفت شبكات الاتصالات والإنترنت منذ الجمعة الماضية في معظم ولايات السودان، في وقت تشهد البلاد اندلاع حرب بين الجيش و"قوات الدعم السريع" منذ قرابة عشرة أشهر.
هدف عسكري
اللواء أمين اسماعيل مجذوب خبير إدارة الأزمات والتفاوض في مركز البحوث الاستراتيجية في الخرطوم، قال "من الواضح أن عناصر من قوات ’الدعم السريع‘ طلبت من شركات الاتصالات تعطيل الخدمة في الولايات الآمنة، وهو في الأساس عمل سياسي بحت، إذ تعتقد هذه القوات أن شركات الاتصالات أوقفت خدماتها في إقليم دارفور بطلب من الجيش، لكن السبب أن الاتصالات تعطلت في معظم مناطق دارفور بسبب حرق المحطات ونهب مولدات الكهرباء وانعدام الوقود".
وتابع مجذوب "هذا عمل يأتي في إطار محاولة إدارة شأن المناطق المحتلة من هذه القوات في دارفور، وأن مسألة استهداف الولايات الأخرى فيه نوع من خطاب الكراهية والتحريض والتفرقة العنصرية. كأنها (الدعم السريع) تريد أن تقول: أنتم تقدمون الخدمة للولايات التي تقف مع الجيش".
وعن علاقة تعطيل هذه الخدمة بالناحية العسكرية، أوضح "الأمر ليس له علاقة بالجانب العسكري، لأن العمليات العسكرية لا تتأثر بقطع الاتصالات، فهي لديها اتصالات خاصة ومؤمنة وعلى درجة عالية من السرية وتستخدم أحدث أنظمة الاتصالات في العالم عسكرياً، لذلك لا تتأثر بهذا الانقطاع، فهذا العمل يسيء لبنود الألفية الثالثة ويعكس عدم توفر الرؤية لعناصر ’الدعم السريع‘ في مسألة ضرورة توفير المعلومات وتبادلها والحصول عليها بالنسبة إلى المواطنين".
إلحاق الضرر
منذ اندلاع الحرب شهدت البلاد دماراً كبيراً في البنية التحتية والمرافق الخدماتية، وظلت شركات الاتصالات في السودان تسعى إلى تقديم الخدمات والحفاظ على مستوى معقول منها، لأن انقطاع الإنترنت قد يكون سبباً رئيساً في تفاقم الأزمات بخاصة المتعلقة بالمسائل المالية وغيرها من الخدمات التي تحتاج إلى شبكات اتصال.
وبحسب مهندس الاتصالات والشبكات هشام سامي، فإن "انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت في السودان ظهرت نتائجه السلبية منذ اليوم الأول، إذ يتعامل أغلب السودانيين الموجودين في السودان في الفترة الحالية بتطبيقات تحويل النقود، وذلك بعد توقف الخدمات البنكية في معظم البلاد وعدم توفر السيولة، لذلك أدى انقطاع شبكات الاتصال إلى شل حركة المواطنين في الحصول على احتياجاتهم اليومية".
وعن الأضرار الأخرى التي أصابت الدولة جراء هذا الانقطاع، قال سامي "بالتأكيد أن انقطاع شبكة الاتصال أثر بصورة كبيرة في تعطيل كثير من الخدمات الحكومية من ناحية التحصيل الضريبي والجمركي بالنسبة إلى ميناء سواكن، كما قامت السفارات السودانية في الخارج بإيقاف خدمة استخراج الجواز السوداني الإلكتروني، وذلك لارتباطه بالشبكة في السودان، مع تعطل البنوك وخروجها عن الخدمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أداة قديمة
الباحث السياسي ماهر أبو الجوخ قال "من المؤكد أن انقطاع شبكة الإنترنت لديه تداعيات وخيمة على المواطنين وما تبقى من أوجه الحياة بالسودان باعتبارها وسيلة التواصل المتبقية، ليس للتواصل فقط، ولكن حتى للاستخدام في تدابير الحياة من خلال تلقي المساعدات المالية عبر التحويلات البنكية للموجودين في مناطق الحرب".
وأضاف أبو الجوخ "هذا الأمر له تداعيات مرتبطة بالأمن القومي للبلاد بخاصة مع فتح الباب أمام إدخال تقنيات تعمل مباشرة مع الأقمار الاصطناعية بسبب انقطاع خدمات الإنترنت، وبالتالي قد يصعب السيطرة عليه بعد انتهاء الحرب لأنه في السابق كان خاضعاً للرقابة الشديدة، أما الآن فقد انتشر بشكل كبير للغاية".
وتابع "تبادل قطع خدمات الإنترنت يتجاوز مسألة الاستخدام كإجراء لما هو أبعد من هذا، بوصفه يمثل افتقاداً لسلطة حصرية ظلت محتكرة للدولة وإحدى أدواتها التي استخدمتها بشكل متعسف ضد من اختلفوا معها خلال التظاهرات والمواكب الاحتجاجية قبل سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وفض اعتصام القيادة العامة في يونيو (حزيران) 2019 وبعد انقلاب الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021. واستخدم الأمر ذاته ضد سلطة الحرب في بورتسودان نفسها بقطع الاتصالات والإنترنت عنها، فسلطة الدولة المركزية تراخت وتقلصت ولم يقتصر الأمر على إجبارها على مفارقة العاصمة السياسية لعاصمة جديدة وفقدانها لمساحات شاسعة ومدن عدة".
وعن سيطرة الدولة والحفاظ على ممتلكاتها، أفاد الباحث السياسي بأن "القضية وتداعياتها تجاوزت مفتاح تشغيل الخدمة لما هو أبعد بمستقبل واستمرارية نمط تلك الدولة المركزية، التي واضح أنها تتحلل وتتآكل وتتهاوى مع استمرار الحرب. ومن المؤكد أن وجودها بالقوالب والتصورات السابقة ذاتها لن تكون كما كانت قبل الحرب، كما أن فقدان السيطرة والتحكم على مسألة تشغيل وإيقاف الاتصالات هو أحد ملامح ودلالات هذا التحول المقبل".
نفي "الدعم السريع"
في المقابل، قال إبراهيم مخير، عضو المكتب الاستشاري للقائد العام لقوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، عن الاتهامات الموجهة لـ"الدعم السريع" بقطع شبكة الاتصال في البلاد، إن "البنية التحتية من شوارع وجسور ومستشفيات ومصانع وحتى المساجد والكنائس تضررت بصورة فظيعة وشديدة، ما خلق نوعاً من الحقد والكراهية، لا سيما من قبل السودانيين الذين يودون أن تُحكم البلاد ديمقراطياً، حتى ظن البعض أن من يفعل ذلك من الطيارين وأطقم المدفعية في الجيش السوداني غير سودانيين لأن هذه جريمة كبيرة ومستمرة".
وعن تضرر شبكة الاتصال قال مخير، "شبكة الإنترنت والهاتف الخلوي (الموبايل) أيضاً تضررت وعلى مراحل ومستويات عدة، فقد دمر الطيران أبراجاً للتقوية وانقطع الإرسال في مناطق كثيرة وبصورة متعمدة بتوجيه من بورتسودان، حيث تقبع المحولات الأساسية لشبكة الفايبر، وفي أحيان كثيرة بهدف عزل مجتمعات بعينها عن العالم كي يسقط السودان في عزلة تمنع المجتمع الدولي من متابعة الانتهاكات المتعددة التي ترتكبها بعض الجماعات تحت غطاء المقاومة الشعبية وبرعاية الجيش، كما تضررت السيرفرات في عدة مناطق خاصة في الخرطوم، وهنالك أفلام فيديو توثق كيف ينزع جنود النظام ويتعاونون على تخريب البعض منها في أحياء شمال أم درمان بهدف عزل مناطق بعينها إلكترونياً".
وعن أسباب هذه الأفعال قال مخير إن "هذه المحاولات تهدف إلى عزل السودان دولياً بدليل تقليل تأشيرات الدخول للمنظمات الدولية، إلى جانب تسجيل خروقات مثلما حدث في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حينما تعرضت بعثة الوكالة الدولية للصليب الأحمر لإطلاق نار مباشر اعترف به الجيش، حينما حاولت البعثة مساعدة الدعم السريع على إخلاء بعض المواطنين من مناطق العنف في وسط الخرطوم ما أدى إلى مقتل وإصابة البعض".
وعن انقطاع الشبكة في إقليم دارفور، قال مخير إن "إقليم غرب السودان ودارفور خصوصاً، يعاني منذ أشهر من فصل متعمد لشبكة الهاتف المحمول، ويمكن تخيل أثر ذلك على المواطنين وتعاملاتهم التجارية وتواصل الأسر مع بعضها البعض، في وقت هي في أشد الحاجة للمساندة النفسية والمعنوية، إضافة إلى تقلص مساحات المساعدة الطبية ووصول بلاغات الحوادث وغير ذلك".
وتابع مخير أن "الدعم السريع يدين هذا العمل ويدعو العالم لإدانته ويؤكد أنه ليس له أي طرف في ما يحدث".