في توجه اعتبره المراقبون مسعى إلى تهيئة الجبهة الداخلية الكردية قُبيل بدء جولة التفاوض الحاسمة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية، المتوقع أن تجرى طوال الأشهر المتبقية من هذا العام، عقد رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني الأحد الثامن من سبتمبر (أيلول) اجتماعاً مطولاً مع الكتل الكردستانية في البرلمان الاتحادي، بحضور الأعضاء الكرد في اللجنة المالية في البرلمان الاتحادي، ونائب رئيس وزراء الإقليم قوباد طالباني وعدد من الوزراء لمناقشة أهم الملفات العالقة بين حكومة الإقليم ونظيرتها الاتحادية، واطلاع الكتل الكردستانية على تلك التفاصيل، وخلق وحدة داخلية في شأن مفاوضة بغداد.
ملفات جوهرية
مصدر مقرب من المجتمعين أكد لـ "اندبندنت عربية" أن النقاش المستفيض بين الطرفين تطرق إلى ثلاثة ملفات بشكل تفصيلي تماماً، وأن المجتمعين اتفقوا مبدئياً على الخطوط العريضة التي تُجمع عليه القوى السياسية الكردية في مطالبها من الحكومة المركزية. وكاشفت رئاسة وزراء إقليم كردستان الكتل الكردستانية بشكل تفصيلي وشفاف بشأن الملف النفطي، وجرى عرض معدلات الإنتاج اليومي لإقليم كردستان العراق، إلى جانب توضيح القيمة المالية لتلك الكميات المصدرة، والآلية التي يجري فيها صرف الموارد المتأتية من التصدير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المصدر أوضح أيضاً أن رئاسة وزراء الإقليم شرحت للكتل الكردستانية الآلية التي تعمل وتشرف عليها شركة "ديلويت" العالمية للتدقيق المالي، المشرفة على أرقام وحسابات نفط إقليم كردستان العراق، وهذه الشركة التي هي محل ثقة للمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، وقال إن سلطات الإشراف والكشف التي تتمتع بها هذه الشركة، بحسب العقد الموقع بينها وبين حكومة الإقليم، ترد على كامل الاتهامات التي تطاول الكرد من قبل القوى السياسية المركزية والجهات الإعلامية العراقية.
تفاصيل الديون
وفي الإطار نفسه، فإن الجهة الحكومية الكردية أوضحت خلال الاجتماع تفاصيل الديون المترتبة على الإقليم، سواء تلك التي للشركات النفطية العاملة فيه، أو للجهات المالية الدولية التي تعاونت مع الإقليم أثناء أزمته المالية الحادة بعد صيف العام 2014.
الحكومة الكردستانية كشفت للمجتمعين عن العوامل التي أسهمت في تراكم هذه الديون، لا سيما قطع حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية اعتباراً من العام 2014، أو تحمل الإقليم للتبعات المالية للجهد العسكري الذي بذلته في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، أو إيواءه حوالى مليوني لاجئ ونازح عراقي طوال هذه السنوات.
ترتيبات داخلية
كذلك فإن المجتمعين استعرضوا وناقشوا واتفقوا على رؤية مشتركة، بشأن المطالب والحقوق الدستورية لإقليم كردستان العراق، والتي لا تلتزم بها الحكومة المركزية العراقية، على الرغم من الفرض الدستوري الواجب عليها.
ويأتي هذا الاجتماع بعد أسابيع قليلة من تشكيل حكومة الإقليم الجديدة، التي استقرت على تكوين ملف من القوى السياسية الرئيسة الثلاث الأكبر حجماً في برلمان الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى جانب حركة التغيير الكردية "كوران"، وهذه القوى الثلاث تشغل حوالى 90 مقعداً برلمانياً من أصل 111 مقعداً في البرلمان الإقليمي.
جبهة معارضة كردية
هذا التشكيل الحكومي أدى إلى أن تتشكل في المقابل جبهة معارضة كردية داخلية، مؤلفة من الحزبين الإسلاميين الرئيسين، الاتحاد والجماعة الإسلامية، إلى جانب حركة "الجيل الجديد" الشعبوية، التي يقودها رجل الأعمال شاصوار عبد الواحد.
وتتخوف حكومة الإقليم من أن تتبنى قوى المعارضة الكردية خطاباً ومواقف سياسية مختلفة، وربما مناهضة، لتوجهات وترتيبات حكومة إقليم كردستان، وأن تذهب كتلها في البرلمان المركزية إلى مستوى التشكيك بصدقية ما تعرضه الحكومة الإقليمية وتطالب به من الحكومة المركزية. وتخشى حكومة كردستان العراق، ومعها الأحزاب الثلاثة الرئيسة المشكّلة لها، أن تستغل القوى العراقية المركزية هذه الخلافات الداخلية الكردية، للتشكيك والتهرب من مطالب الإقليم، بما في ذلك ما جرى الاتفاق عليه سابقاً.
مطالب إستراتيجية للإقليم
وتطور حكومة إقليم كردستان راهناً رؤيتها لما يجب أن تناقشه مع بغداد، وتؤطر تلك الرؤية بأربع قضايا مترابطة، يجب أن تصبح واضحة المعالم بين الطرفين، وبشكل عاجل.
في الملف النفطي، ترى حكومة الإقليم أن بغداد في حال قبلت بالشراكة بين الطرفين في هذا الملف، بحسب التفسير الدستوري لها، فالأمر يفرض عليها واحداً من شرطين، فإما القبول أن تكون هي الجهة المشرفة على هذا الملف، وتتعهد بدفع التزاماتها تجاه الشركات الدولية العاملة في الإقليم، ولا سيما ديونها المتراكمة، وتحصل على الكميات النفطية المتفق عليها من إقليم كردستان العراق، أو أن تسمح لحكومة الإقليم بإدارة هذا الملف بشكل كامل، من خلال تصدير النفط باستقلال واضح، وبالتالي الالتزام بدفع الديون المتراكمة عليها.
اتفاق واضح
كذلك فإن حكومة الإقليم تسعى إلى أن تعقد اتفاقاً واضحاً مع الحكومة الاتحادية بشأن ميزانية العام 2020، قادراً على تحقيق تطلعات الإقليم الاقتصادية والتنموية، فالإقليم يعمل لأن يتجاوز أزمته المالية المتراكمة منذ العام 2014.
وسط هذه الأجواء، أكد مصدر قريب من المجتمعين لـ "اندبندنت عربية" أن رئاسة الوزراء توافقت مع رؤساء الكتل الكردستانية على أن حقوق الإقليم الدستورية ومطالبه من الحكومة المركزية، ولا سيما في ما يخص الإدارة المشتركة للمناطق المتنازع عليها وعودة قوات البيشمركة والأجهزة الأمنية الكردية إليها، إنما تتجاوز أي خلافات داخلية كردية، لأنها مطالب عمومية وتحقق مصالح كل أكراد العراق.
والأمر الذي ينطبق على ملف المناطق المتنازع عليها، ينطبق على المواقع والحقوق الدستورية الكردية الأخرى في السلطة العراقية، خصوصاً مبدأ التوافق والشراكة الذي قام عليه العراق الحديث، والذي تراه القوى الكردية محل تنازل من قِبل القوى المركزية العراقية "الشيعية"، التي تسعى إلى الاستغناء عن أية شراكة مع الطرف الكردي.