Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ما زالت القاعدة مستعدة لشن هجمات ضد أميركا والغرب؟

التنظيم الإرهابي وجد موطناً جديداً له وأعاد اكتشاف هدفه القديم

مع حلول الذكري الثامنة عشرة لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، حذر مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية من أن تنظيم القاعدة الإرهابي وجد موطناً جديداً له في سوريا خلال الأعوام الماضية على الرغم من أن معظم قياداته لا تزال في جنوب آسيا، كما أن التنظيم الذي فقد جزءاً مهماً من عناصر قوته، أعاد اكتشاف هدفه القديم بضرورة استهداف الولايات المتحدة والدول الغربية، ولذلك يمثل تنظيم القاعدة خطراً ماثلاً حتى الآن وفقاً لتحليل البيانات والمواقف الصادرة عنه خلال الأشهر القليلة الماضية.

وبحسب ما وصفه كاتبا المقال "كولين كلارك" خبير العلوم السياسية في مؤسسة "راند" بواشنطن، و"تشارلز ليستر" كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط، تبدو القاعدة مختلفة عما كانت عليه حينما شنت هجماتها على الولايات المتحدة وقتلت آلاف الأميركيين، فضغوط مكافحة الإرهاب التي تكثفت على وجه الخصوص في أفغانستان وباكستان تركت خلفها قيادة مركزية شاخت وغير متواصلة مع بعضها بعضاً بشكل متزايد، كما أن ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف باسم داعش كمنافس قوي لها، جعل القاعدة تكافح أحياناً لإثبات تفوقها في الجهاد العالمي في مواجهة داعش.

موطن جديد

ولأن أيمن الظواهري داهمه المرض ومعزول في مكان ما على الأرجح داخل باكستان، بينما قُتِل حمزة بن لادن الذي كان من المتوقع أن يخلف الظواهري في قيادة التنظيم، أصبح أكثر أعضاء التنظيم ولاءً، مدركين أن أفضل فرص التنظيم لا تزال مرتبطة بوجودها الحالي في شمال غربي سوريا، ولهذا استثمرت القاعدة الفرص التي وفرتها الحرب في سوريا وبدأت في نقل عناصرها وأصولها الأساسية من أفغانستان وباكستان إلى الشام بدءاً من سبتمبر عام 2014.

هذا التغير في مركز جاذبية التنظيم يشكل تغيراً كبيراً له انعكاسات لا تزال عصية على الفهم الكامل بين مسؤولي مكافحة الإرهاب حول العالم بحسب قول الكاتبين، ولكن بعد حوالى عقدين مضطربين من أكثر هجمات القاعدة دموية وتأثيراً، استقرت القاعدة وهي الآن تكثف جهودها لمهاجمة الغرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إستراتيجية الصبر

عقب وفاة أسامة بن لادن مؤسس التنظيم عام 2011، وبداية ما يُسمى الربيع العربي، شرعت القاعدة في انتهاج إستراتيجية جديدة، إذ لاحظ الباحثون في مكافحة الإرهاب أن القاعدة اتبعت إستراتيجية محدودة الأهداف ترتكز على التدرج والعمل محلياً، هذا التحول أُطلِق عليه "إستراتيجية الصبر" و"البرغماتية المحكومة"، وبدت القاعدة تعيد بناء نفسها بصبر وهدوء، في حين تركت وبشكل متعمد تنظيم داعش يتلقى نيران حملة الغرب المستعرة لمكافحة الإرهاب وغضبه.

واعتبرت هذه الإستراتيجية المحلية البرغماتية (النفعية)، بمثابة دليل واضح على طريقة عمل القاعدة في سوريا، حيث وجدت هناك في البداية تحت اسم "جبهة النصرة" التي نفذت بفاعلية منهجاً للجهاد بدا أنه نجح سابقاً في كل من اليمن ومالي، ولكنه فشل في نهاية المطاف. لكن توجيه طاقاتها محلياً بحظر قانون العقوبات وبناء تحالفات مع التنظيمات الإسلامية وغير الإسلامية، وبجعل خصومها الأقل تطرفاً خارج المنافسة من خلال تقديم نموذج حكم غير فاسد وكفوء، كل ذلك منح "جبهة النصرة" صدقية وشعبية لم تتمكن أي جماعة منتسبة إلى القاعدة من تحقيقها في أي وقت من الأوقات.

باختصار، ظلت جبهة النصرة واعية تماماً للكيفية التي تفاعل بها السكان المحليون معها وخصوصاً بعدما أثبتت أنها أكثر التنظيمات العسكرية قوة على أرض المعركة، ما منحها ميزة إضافية.

تحول "جبهة النصرة"

مع ذلك، كان للوسيلة التي نجحت بها جبهة النصرة تأثير جانبي كبير، ونأت بجناحها السوري عن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة في جنوب آسيا بعدما استلزم نهجها المحلي إظهار مستوى عال من المرونة واتخاذ القرارات السريعة التي كان من المستحيل عليها تنسيقها مع قيادات القاعدة مثل أيمن الظواهري الذي يصعب التواصل معه أو تلقي ردود منه تستغرق أسابيع أو أشهراً.

وبحلول عام 2016، أصبح من الواضح أنه كي تواظب جبهة النصرة على نجاحها وكي تتحول صدقيتها المكتسبة إلى شعبية، والشعبية إلى تأييد، والتأييد إلى الولاء، كانت في حاجة إلى التعامل مع أكبر عقبة تواجه تقدمها وهي ارتباطها باسم "القاعدة" الذي لا يجلب معه سوى الشبهة والشكوك وجنون العظمة وعدم الثقة.

وتمثل الحل في إعادة تسمية "جبهة النصرة" مرتين متتاليتين بنجاح، كانت الأولى في يوليو (تموز) 2016 حين أصبحت "جبهة فتح الشام" وتمت بسلام، والثانية في يناير (كانون الثاني) 2017 حين تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" والتي أنجزت هجمات عسكرية ضد تنظيمات إسلامية أخرى شكلت تهديداً محتملاً لها، وبهذا لم تعد "هيئة تحرير الشام" أمام العالم من التنظيمات المنتسبة إلى القاعدة بفضل الهجمات المفاجئة ضد خصومها والتي لم تحظ بشعبية وتأييد من بعض قيادات القاعدة.

منهج "حراس الدين"

وبفعل الغضب والحنق الشديدين من التغيير الذي لحق بهوية جبهة النصرة والعملية التي صاحبتها، انشقت أعداد كبيرة من القاعدة ومنها أعضاء على مستويات عليا ظلت في كنف القاعدة لعقود، وأسست جماعة جديدة أطلقوا عليها اسم " تنظيم حراس الدين"، وبتوجيه من أيمن الظواهري وغيره من قيادات القاعدة، تمحور التشكيل الجديد في نموذج الطليعة النخبوية التي تم اعتناقها أيام بن لادن، مع منتسبين محبطين من فقدانهم أراضي كانوا يسيطرون عليها، وحرص التنظيم الجديد على تجنب الارتباط بجماعات "غير نقية" بحسب وصفهم، كما تجنب التنظيم الارتباط بأية حكومات أجنبية، ولكن مع اتباع إستراتيجية عسكرية صريحة ترتكز إلى عين على "الأعداء القريبين" وعين على "الأعداء البعيدين" في الغرب.

ومنذ تأسيسها في نهاية 2017، قاد تنظيم "حراس الدين" سمير حجازي وكنيته "أبو همام الشامي" وهو خبير عسكري للقاعدة أمضى فترات زمنية متفاوتة في كل من الأردن وأفغانستان وباكستان والعراق ولبنان قبل أن يصل إلى سوريا عام 2012. وظل حجازي وثيق الصلة بقيادي القاعدة السيّء السمعة سيف العدل، كما عمل حجازي من قرب مع مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق حيث كان ينسق معه تدريب المقاتلين الأجانب هناك.

جبهة القاعدة المفضلة

مع ذلك، قال مصدران لمجلة "فورين بوليسي" إن حجازي لم يعد زعيماً لتنظيم "حراس الدين" وجرى استبداله بأحد قياديي القاعدة وهو "خالد العاروري" وكنيته "أبو القسّام الأردني" والذي قالت المصادر أيضاً أن الظواهري عينه نائباً من بين ثلاثة نواب لزعيم تنظيم القاعدة العالمي إلى جانب كل من عادل وعبد الله أحمد عبد الله، وكنيته "أبو محمد المصري" وكليهما يقيمان في إيران حالياً.

ويعد "العاروري" أيضاً أحد عضوين على الأقل من تنظيم "حراس الدين" يشغلان مقعدين من مقاعد مجلس شورى تنظيم القاعدة العالمي المكون من 12 مقعداً وغالبيتهم ما زالوا في جنوب آسيا، ما يوضح كيف أصبحت سوريا جبهة أساسية لتنظيم القاعدة لتحل بذلك محل اليمن كجبهة مفضلة للقاعدة. ولم يكن تنظيم "حراس الدين" يعاني من نقص من مقاتلي القاعدة الأساسيين وقياداتها، فقد ضم كلاً من "سامي العريدي"، و"بلال خريسات"، و"فرج أحمد النعنع" فضلاً عن "أبو خلاد المهندس" (والد زوجة سيف العدل) الذي تناقلت مواقع إخبارية مقتله في 22 أغسطس (آب) الماضي أي قبل أسابيع قليلة.

مهاجمة الغرب

وفي حين تواصل القاعدة إجراء التغييرات كمنظمة عالمية، تطفو على السطح أسئلة مهمة لدى صُناع السياسات والمسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة والغرب مثل: إلى أي مدى لا تزال القاعدة مهتمة بمهاجمة الغرب؟ وهل يمثل غياب وقوع هجمات كبيرة منسوبة إلى القاعدة خلال هذه المرحلة نقصاً في قدرات التنظيم أم يمثل فقط تغيراً في الأولويات؟

في مقابلة تليفزيونية مع قناة "الجزيرة" أجريت عام 2015، قال "أبو محمد الجولاني" الذي كان زعيماً لجبهة النصرة آنذاك إن أيمن الظواهري أصدر إليه تعليمات بعدم استخدام سوريا كمنطلق لشن هجمات ضد الغرب.

لكن هذه التعليمات التي وصلت في خطاب سري في بداية عام 2015 كانت رداً على شن الحكومة الأميركية هجمات ضد ما يسمى "تنظيم خراسان" الذي بدأ عام 2014 وضم مجموعة صغيرة من كوادر تنظيم القاعدة المتمركزة في شمال سوريا اعتزمت مهاجمة الغرب. ويعني هذا ببساطة أن تعليمات الظواهري لم تكن سوى قرار بالابتعاد عن حملة التدقيق والتمحيص الغربي تجاه منتسبي القاعدة وسط تصاعد الحملة الدولية ضد تنظيم داعش.

رسائل القاعدة 

ولتجنب أي ارتباك عما إذا كانت الولايات المتحدة والغرب لا يزالان في مرمى جهود التنظيم العالمي للقاعدة، فقد أصدرت القاعدة سلسلة من الرسائل منها ما صدر في أبريل (نيسان) 2017 حين كرّر الظواهري تأكيده أهمية الصراع العالمي للقاعدة مع الغرب، وفي الشهر التالي صدرت رسالة من حمزة بن لادن و"قاسم الريمي" أمير القاعدة في جزيرة العرب يدعوان فيها أتباع القاعدة إلى شن هجمات ضد الغرب.

ولهذا، لم يكن مستغرباً أن يحذر "دان كوتز" مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية في شهادته أمام الكونغرس في مايو (أيار) 2017 من أن أوروبا سوف تظل معرضة لخطر شن هجمات إرهابية وأن عناصر من داعش والقاعدة قد يحيكون مؤامرات لتنفيذ عمليات إرهابية في القارة الأوروبية. أكثر من ذلك، إن "أنصار الفرقان" وهي جماعة من عناصر القاعدة تشكّلت في سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، أكدت التزامها الأهداف الجديدة المحددة في سوريا وهي شن حرب عصابات في سوريا مع إبقاء عين لاستهداف الغرب.

كما أن خطاباً آخر من الظواهري صدر في مارس (آذار) 2018 تحت عنوان "أميركا هي العدو الأول للمسلمين"، حثّ فيه أتباع القاعدة على شنّ ضربات ضد الولايات المتحدة. ولا شيء في كل ذلك يبعث على الدهشة، فلطالما كان ولا يزال خطاب القاعدة يقول إن الغرب في حالة حرب مع الإسلام.

تقييم أممي

في تقييم أخير صادر عن منظمة الأمم المتحدة حول الروابط بين القاعدة والمجموعات العاملة في سوريا جاء فيه: "أن هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين يتشاركان في التاريخ والأيديولوجية ولكنهما يختلفان في سياستيهما، فبينما ترتكز أجندة هيئة تحرير الشام وبرنامج عملها على سوريا من دون اهتمام بشن هجمات خارجية، فإن تنظيم "حراس الدين" لديه أفق وتصورات للعمل في الساحة الدولية، كما أن أيمن الظواهري يُعد المحدّد للسلطة داخل تنظيم حراس الدين لكنه لا يحدد السلطة بالنسبة إلى هيئة تحرير الشام".

وبينما تنخرط هيئة تحرير الشام حالياً في صراع مع القوات الروسية وقوات النظام السوري، يصبح لتنظيم "حراس الدين" الحرية في متابعة تنفيذ أجندة القاعدة، فعلى الرغم من كونه يشارك هيئة تحرير الشام في بعض نقاط جبهات القتال إلا أنه ملتزم تحركات مستقلة تصل إلى مدينة اللاذقية في شمال سوريا.

خلف الأبواب الموصدة

ووفقاً لأربعة مصادر مستقلة تحدثت مع "فورين بوليسي"، فإن قيادات تنظيم "حراس الدين" ناقشت مراراً أهمية توجيه ضربات إلى الغرب انطلاقاً من سوريا، وذلك خلال اجتماعات مع تنظيمات إسلامية في الأشهر الأخيرة. وعلى الرغم من عدم توافر أدلة قاطعة بوجود مؤامرة، إلا أن إثارة هذه القضية في اجتماعات عامة يحضرها من يعارضون هذا التوجه، يعد تحذيراً قوياً مما يمكن أن يحدث خلف الأبواب الموصدة.

ومع ضعف تنظيم داعش وإغلاق روسيا عملياً حرية تحرك الولايات المتحدة في المجال الجوي فوق غرب سوريا حيث توجد قاعدة جوية روسية، فإن تلك تمثل لحظة مناسبة لتنظيم القاعدة بفرقه الجديدة والمنتمين إليه من المواطنين المحليين للعمل في الساحة العالمية مرة أخرى. ولعل هذا هو السبب الذي دفع الولايات المتحدة بعد عامين من الهدوء إلى شن هجومين ضد أهداف مرتبطة بالقاعدة في شمال غربي سوريا في 30 يونيو (حزيران) و31 أغسطس على الرغم من التفاهم مع روسيا الذي يقضي بعدم تحليق الطائرات الأميركية فوق هذه المنطقة.

علامة مشجعة

القيادة المركزية الأميركية التي اعترفت بشن الهجومين وصفت الهدفين بأنهما يتبعان قيادة القاعدة في سوريا التي كانت تتآمر لشن هجمات تهدد مواطنين أميركيين وشركاء للولايات المتحدة ومدنيين أبرياء، وهو ما يعد علامة مشجعة على الرغم من أن الولايات المتحدة ما زالت مقيدة بعمليات مراقبة واستطلاع واستخبارات محدودة في مسرح العمليات.

ومنذ قطع كل الدعم عام 2017 عن جماعات المعارضة وعشرات الآلاف من الأفراد الذين كانوا يشكلون مصدراً مستمراً للمعلومات بالتوازي مع فقدان المرور السهل في المجال الجوي لشمال غربي سوريا، أصبحت الاستخبارات الأميركية والأجهزة العسكرية تراقب القاعدة وأيديها مقيدة من الخلف، في الوقت الذي تشن روسيا حملة برية في المنطقة ذاتها وهدفها ليس تنظيم القاعدة، وإنما خصوم القاعدة من المدنيين، وكذلك خصوم القاعدة من التنظيمات الإسلامية الأقل تشدداً وهو ما يعد وصفة لحدوث كارثة تهدد جهود مكافحة الإرهاب وتبقى فيها الولايات المتحدة غير قادرة على التحكم في الأمور.

وفي ظل هذا التعقيد، تمثل هذه البيئة المضطربة فرصاً عديدة لعناصر القاعدة ومنتسبيها لتجديد معركتهم ضد الولايات المتحدة والغرب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات