Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الكتلة الديمقراطية" بالسودان... حلول السياسة بين أنياب العنف

رفضت "الاتفاق الإطاري" عام 2022 على رغم قبوله محلياً ودولياً وتأثيرها في مساعي الاستقرار ووقف الحرب بات يرتبط بعلاقات القوة

تفترض التجارب السياسية السودانية أن هناك صلة وثيقة بين انقسامات القوى والأحزاب السياسية أو الجماعات المسلحة وبين العنف (أ ف ب)

ملخص

خلال الحرب السودانية.. أين تستقر بوصلة الكتلة الديمقراطية؟

بعد رفض بعض القوى السياسية "الاتفاق الإطاري" الموقع عليه بالأحرف الأولى في ديسمبر (كانون الأول) 2022 بين المكون العسكري و"الحرية والتغيير- المجلس المركزي"، شكلت عدد من الكيانات تحالفاً لمواجهة الاتفاق باسم "الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية" الذي التأم مع مجموعة مبادرة "نداء أهل السودان" بقيادة الزعيم الديني الشيخ الطيب الجد، وغرضها إسقاط الاتفاق الذي جاء لحل الأزمة التي نجمت عن الإجراءات التي فرضها رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان عام 2021، وشملت حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حال الطوارئ.

ونص "الاتفاق الإطاري" على النأي بالقوات المسلحة عن العمل السياسي وإتاحة الفرصة للقوى السياسية لتشكيل حكومة بقيادة مدنية، وإجراء ترتيبات أمنية تقضي بدمج قوات الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة في الجيش الوطني الواحد.

تحول المشهد

وضم التحالف شخصيات سياسية على خلاف مع "قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي" ومنها المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة بزعامة الناظر محمد الأمين ترك ناظر عموم الهدندوة، ونائب رئيس "الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل" جعفر الميرغني الذي عُين رئيساً للكتلة، إضافة إلى زعيم "حركة العدل والمساواة" جبريل إبراهيم وزعيم "حركة تحرير السودان" مني أركو مناوي والأمين العام للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية مبارك أردول، ثم انضم فصيل "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة عبدالعزيز الحلو، وكذلك ضم عدداً من منظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة والإدارات الأهلية وبعض التنظيمات الأخرى، ومجموعات سياسية أخرى وقيادات قبلية كانت جزءاً من النظام السابق حتى سقوطه.

وما عرف عن هذا التحالف أنه لا يجمع بين أطرافه مبادئ مشتركة، ومع ذلك اتفقوا على تحقيق هدف ذي أولوية خاصة وهو إسقاط "الاتفاق الإطاري"، ولم يكن لهذا التحالف تأثير في الأرض، ولكن بعد أن عم دخان الحرب سماء السودان تبين أن المجموعة مارست تحريضاً وضغطاً كبيراً على المكون العسكري، وأخرجت تظاهرات رافضة للاتفاق مما أدى إلى استمرار رفض "المجلس المركزي" لأي تفاهمات معها، خصوصاً أنها لم تكن حريصة على انضمامها، بل كان تركيزها منصباً على الحركات المسلحة للانضمام إلى "الاتفاق الإطاري"، وبموجبه تحول المشهد المشتعل أصلاً إلى الحرب قبل التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي الذي كان مقرراً في الأول من أبريل (نيسان) 2023، على أن يتم التوقيع في السادس من الشهر نفسه على الدستور الانتقالي.

تصاعد الاتهامات

وخلال الاجتماع الممهد للتوقيع تمسكت مجموعة "المجلس المركزي" بتوقيع حركتي جبريل ومناوي المسلحتين إضافة إلى الحزب الاتحادي، باعتبارهم ممثلين لتنظيماتهم السياسية بصورة منفردة وليس للكتلة التي رأت أنها تضم جماعات محسوبة على النظام السابق، مما دفعهم لمقاطعة الاجتماع، بينما حاولت إقصاء بقية أعضاء التحالف.

وهذه المقاطعة روجت للكتلة بأكثر مما فعله برنامجها السياسي، إذ التحق بها حوالى 30 فصيلاً من القوى السياسية والحركات المسلحة وتنظيمات المجتمع المدني.

ونظمت "الكتلة الديمقراطية" معارضة واضحة لـ "الاتفاق الإطاري" الذي حظي في المقابل بتأييد محلي ودولي متمثلاً في الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي و"إيغاد" والمجموعة الرباعية المكونة من السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا، وهذا الموقف بين قبول ورفض من التكتلين أتى على خلفية موقفهما من "الوثيقة الدستورية" التي استند إليها الاتفاق الإطاري، مما يشير إلى استمرار تصاعد اتهامات "الكتلة الديمقراطية" لـ "المجلس المركزي" بمحاولة الإقصاء والانفراد بالسلطة، وهو ما دفعها إلى التراجع عن التوقيع على الاتفاق الإطاري ووصفه بأنه إقصائي، بعد أن أصدرت بياناً أكدت فيه اقترابها من التوقيع.

واتهم المجلس المركزي "الكتلة الديمقراطية" بتنفيذ أجندات النظام السابق، والسعي إلى إفشال العملية السياسية وتأييد سيطرة الجيش على السلطة، وكشف عن خطة تحيكها "الكتلة الديمقراطية" في حال تم التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، وهو إعلان  التمرد في شرق السودان إلى حدود إريتريا، وإغلاق طرق حيوية منها طريق الخرطوم - بورتسودان وطريق شريان الشمال - بارا والطريق المؤدي إلى مصر، وكذلك طريق الخرطوم - سنار، وإشعال تصعيد داخلي عبر لجان المقاومة، مع الاحتفاظ بالوزارات المهمة مثل المالية التي يترأسها جبريل إبراهيم، والشركة السودانية للموارد المعدنية التي كان يترأسها مبارك أردول، وكلاهما عضوان في "الكتلة الديمقراطية".

قوى متمايزة

وتشكل المجموعتان قوتان حدد تفاعلهما ونشاطاتهما مسار التطور السياسي في السودان، فخلال ثلاثة عقود ظلت هذه القوى السياسية والحركات المسلحة تمارس السياسة على هامش الدولة، ولم يكن لهم دور في صنع القرار السياسي واقتصر الأداء على أفراد من التنظيمات السياسية تولوا مناصب شكلية مثل مساعدي الرئيس الذين عينهم الرئيس السابق عمر البشير من الأحزاب المختلفة فيما عُرف بحكومة "الوفاق الوطني"، مما عطل مقدرتهم على صياغة المطالب السياسية، وقتل رغبة الأحزاب الموالية للنظام في التحول الديمقراطي.

وتعبر المجموعتان عن قوى سياسية متمايزة في تكويناتها الاجتماعية مما يفرض عليها ضرورة التعرف على طبيعة خريطة القوى الأخرى في الساحة السياسية وتوازناتها وتفاعلاتها المختلفة، سواء على المستوى المؤسسي الهيكلي للنظام السياسي أو في نطاق الممارسة الفعلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهكذا فإن مواقفها السياسية تكون ناتجة من تفضيلات معينة أكثر مما هي توجهات مستندة إلى عقيدتها السياسية وأولوياتها، وهو ما يسلب قدرتها على تعزيز مواقعها في الدولة ويشوب مقدرتها على التحكم في عملية صنع القرار السياسي.

وتأثير هذه الحال على "الكتلة الديمقراطية" و"المجلس المركزي" كان واسعاً ونتج منه أولاً أن وسعت الطبيعة غير المتجانسة بين هذه القوى مساحات الصراع وقلصت التوافق والشراكات والتماسك النسبي بينها مما أدى إلى زيادة حدة العنف السياسي الذي أوصل السودان إلى الحرب الحالية، وثانياً اتضحت العلاقة بين هذه القوى كعلاقة متعددة الاتجاهات تتجلى على المستويات الوطنية والتنافس على التعاطي الإقليمي والدولي مما عرقل الحلول والمبادرات.

وثالثاً أثر الاستقطاب السياسي على مدى دمج الحركات المسلحة في الجيش السوداني ودمج القوى السياسية في النظام، إذ يتجاوز الدمج مجرد مسألة تمثيل مؤسسي يتعلق بتوزيع المناصب السياسية والتنافس على السلطة بين الدوائر الاجتماعية والسياسية الرئيسة، وكشف مدى قدرتها على الحفاظ على وصولها إلى السلطة في ترتيبات سياسية مختلفة.

أما رابع النواتج فهو تلاشي مؤسسات الدولة التي دمرتها الحرب ونتج منه مساحات غير خاضعة للحكم تمثل في نظام سياسي شبيه بالدولة من دون الوطنية متقلبة التحالفات، وتتحرك في جغرافيا مميزة بالعنف.

تعزيز التحالفات

وعكس اندلاع انتفاضة عام 2018 وفشلها في الوصول إلى نظام حكم ديمقراطي أو إكمال الفترة الانتقالية غير المكتملة للتحولات السياسية الطارئة في السودان، فالأحزاب السياسية بعد أن كانت محظورة وملاحقة ثم احتويت في حكومة الوفاق الوطني في عهد البشير، لم تنجح بعد ذلك في إحداث تحول سياسي واقتصادي واجتماعي.

وتتركز المقاومة الحالية لدى "الكتلة الديمقراطية" في الإصرار على الأخذ بمقترحها، وهو خريطة طريق لحل الأزمة السودانية وتشكيل حكومة تصريف أعمال موقتة.

وعلى رغم وجاهة هذه المقترح لإعادة مرافق الدولة للخدمة لتلبية الحاجات الإنسانية إلا أن تهمة عدم الشفافية تواجهه لأن عدداً من أعضاء هذه الكتلة ووزراء سابقين وحاليين قدموا حججاً كثيرة ضد "الاتفاق الإطاري" كموصل للفترة الديمقراطية، كما ظلوا يعارضون مقترح "المجلس المركزي" بإطلاق عملية سياسية تؤدي لوقف القتال وحماية المدنيين وفق القانون الإنساني الدولي.

 ويظهر الطرفان رغبتهما في تعزيز التحالفات والتغلب على التحديات الداخلية والخارجية، ولكن كل ذلك سينهار عندما يبدأ التنافس على السلطة أو عند المواجهة والتقييم الشعبي لدورهما.

وفي كل الأحوال فإن من يتسلم السلطة من المجموعتين سيعمل على المساومة من خلال التعيينات الوزارية أو عمليات التطهير الوظيفي التي تهدف إلى تعزيز التسويات السياسية وتأمين أصحاب السلطة من المنافسين، وحدث قريباً منه في مسلك "لجنة إزالة التمكين" التي أعلنت متابعة سجلات الفساد واستعادة أصول الدولة من أعضاء النظام السابق، ولكنها فشلت في نهاية المطاف.

التوجه القادم

 وخلال الأزمة الوجودية التي يمر بها السودان فإن غياب قاعدة دعم متماسكة تهدد بترك القوى السياسية أكثر عرضة للقمع والانشقاق، وهو المصير الذي أدركته قلة من الأحزاب السياسية مثل الحزب الشيوعي الذي انزوى قليلاً، لهذا السبب ولإحساسه أن ما يحدث الآن سيذيب عقيدته السياسية وينتهي إلى تابع أو حزب مذاب في هذه التحالفات، خصوصاً أنه منذ البداية حاول احتواء "قوى إعلان الحرية والتغيير" في نسختها الأولى لكنه ابتعد من كونه حزباً فاعلاً بعد انشقاق القوى بسبب الصراع على السلطة.

وأمام تعنت "الكتلة الديمقراطية" لا تستطيع مجموعة "المجلس المركزي" إقصاء الحركات المسلحة المنضوية تحتها لأنها تتكئ على أحد البنود المهمة في "اتفاق جوبا للسلام"، وهو أن لهذه الحركات 25 في المئة من مقاعد مجلس الوزراء، كما أنها لا تزال تحتفظ بقوتها العسكرية ولا يمكن مطالبتها بإدماج مقاتليها في الجيش بحسب اتفاق الترتيبات الأمنية ما لم يتفق الجميع على ذلك بمن فيهم "الدعم السريع" واستثنائها من تنفيذ الجانب السياسي للاتفاق.

 وتفترض التجارب السياسية السودانية أن هناك صلة وثيقة بين انقسامات القوى والأحزاب السياسية أو الجماعات المسلحة من جهة والعنف من جهة أخرى، فعندما يكون الانقسام أعلى يكون خطر العنف وعدم الاستقرار أكبر أيضاً، وهو ما تعانيه "قوى إعلان الحرية والتغيير"، ومع ذلك فإن الأمثلة تكشف أيضاً أن الانقسام ليس وحده المسبب الرئيس لأنماط عدم الاستقرار وعدم التوافق السياسي المختلفة.

وعلى رغم الحجج التي تسلط الضوء على دوافع الصراع فإن هناك ظروفاً ترتبط بعلاقات القوة في تزويد المجموعات السياسية بحوافز لتصعيد العنف السياسي والسعي للوصول إلى السلطة، وهو ما سيحسم توجه "الكتلة الديمقراطية" المقبل.

المزيد من تحلیل