ملخص
تنحية الرئيس السابق قد ترسل الولايات المتحدة إلى هاوية من العنف والانقسام لم تشهدها البلاد منذ الحرب الأهلية الأميركية.
هل تستطيع كولورادو استبعاد الرئيس السابق ترمب من ورقة الاقتراع في الانتخابات التمهيدية بالولاية؟ هذا هو السؤال البالغ الأهمية الذي تنظر فيه اليوم (الثامن من فبراير) المحكمة العليا الأميركية، إذ تستمع إلى المرافعات في قضية غير مسبوقة تخوض بموجبها في مناطق قانونية غير مألوفة لتحديد مصير ترمب، مما يمنح قضاة المحكمة دوراً مركزياً في رسم مسار الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى منذ ما يقرب من ربع قرن.
وعلى رغم تراجع احتمال استبعاد ترمب من الانتخابات، إلا أنه قرار ما زال مطروحاً فماذا لو صدمت المحكمة البلاد، وقررت أن ترمب لم يعد مؤهلاً؟ فماذا يعني ذلك بالنسبة إلى السباق الرئاسي وللمحكمة العليا، وللمجتمع الذي تتصاعد فيه التوترات السياسية؟ وهل من المؤكد أن يتبع ذلك انفجار العنف، أم أن القرار قد يقضي عليه في مهده؟
ماذا يجري الآن؟
بعد أن قدم خبراء قانونيون مذكرات متعارضة لمناشدة قضاة المحكمة العليا "إما السماح لترمب بالبقاء في بطاقة الاقتراع في ولاية كولورادو أو إبعاده عنها"، سيستمع القضاة إلى مرافعات ويقررون في أي وقت بعد ذلك ما إذا كانت المحكمة العليا في كولورادو على حق في تطبيق المادة الثالثة من التعديل الـ14 من الدستور الذي تم إقراره بعد الحرب الأهلية الأميركية ويمنع من شاركوا في تمرد من تولي منصب فيدرالي، بالتالي يمكن أن ينطبق على ترمب لتحريضه أنصاره على مهاجمة مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 وفقاً لما أكدته المحكمة العليا في كولورادو، أم أن ذلك لا ينطبق على ترمب؟
وبينما يجري التصويت الآن في الانتخابات التمهيدية في بعض الولايات، وتمت طباعة بطاقات الاقتراع الأسبوع الماضي في كولورادو للانتخابات التمهيدية في الخامس من مارس (آذار) المقبل كي تتضمن اسم ترمب، إلا أن وضعه كمرشح في كولورادو والولايات الأخرى سيعتمد على ما تقرره المحكمة العليا في نهاية المطاف، إذ سيكون قرارها بتسوية القضية على الصعيد الوطني ملزماً لبقية الولايات الأخرى التي تواجه تحديات مماثلة لترشيح ترمب.
حساسية المحكمة
وعلى النقيض من قضية بوش ضد جور عام 2000، عندما سلم قرار المحكمة الانتخابات للرئيس السابق جورج دبليو بوش، فإن القضية الحالية التي تنظر في مدى تأهل ترمب لولاية ثانية تأتي في وقت تنظر فيه شريحة كبيرة من الأميركيين في البلاد إلى المحكمة العليا من خلال منظور حزبي، إذ لا تزال نسبة كبيرة تصدق ما يردده ترمب بأن الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2020 سرقت منه، ولهذا قد يكون القضاة وبخاصة رئيسهم جون روبرتس مترددين في الخوض في نزاع مشحون سياسياً، وقد تجد المحكمة لنفسها مخرجاً بأن تقرر أن المحكمة العليا في كولورادو كانت مخطئة في منع ترمب من إدراج اسمه في ورقة الاقتراع لأسباب فنية.
ومع ذلك، تقول صحيفة "واشنطن بوست" إن خبراء قانون الانتخابات ناشدوا قضاة المحكمة العليا أن يقرروا بشكل نهائي السؤال الرئيس حول ما إذا كان ترمب غير مؤهل بموجب المادة 3 من التعديل الـ14، مما يتعين معه الخوض في مياه قانونية لم تختبر بعد وسط منطقة محفوفة بالأخطار، نظراً إلى التداعيات السياسية للحكم والموازنة بين ما إذا كانت العواقب المترتبة على استبعاد المرشح الجمهوري الأوفر حظاً في خضم الانتخابات التمهيدية، تفوق العواقب المترتبة على السماح له بالترشح مرة أخرى بعد أن حاول تغيير نتائج الانتخابات الأخيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبدو المعضلة الأساسية في التحذيرات التي ملأت الفضاء القانوني في الولايات المتحدة حول العواقب الوخيمة المترتبة على استبعاد مرشح رئاسي يحظى بشعبية طاغية في حزبه من السباق الانتخابي في مقابل تحذيرات أخرى من أن فشل المحكمة العليا في التحرك بشكل صحيح لاستبعاد ترمب، إذا كان هذا التحرك مبرراً من الناحية القانونية، يمكن أن يكون له عواقب وخيمة بالقدر نفسه.
وأياً كان قرار المحكمة فمن المرجح أن يؤدي إلى استقطاب الناخبين، ويؤثر سلباً في ثقة الأميركيين في المحكمة والنظام القضائي تماماً كما حدث عندما أدى قرار المحكمة العليا في قضية بوش ضد جور إلى تقسيم البلاد قبل 24 عاماً، بخاصة أن ثقة الرأي العام في المحكمة وصل إلى أدنى مستوياته وفقاً لمؤسسة غالوب.
ماذا سيحدث إذا استبعد ترمب؟
يعتقد بعضهم أن الحكمة التقليدية تستوجب على المحكمة العليا الأميركية ألا تستبعد ترمب حتى لو كان يتعين عليها من الناحية القانونية الخالصة أن تفعل ذلك، لأن ما يتطلبه القانون، سيكون خطوة متفجرة للغاية للإطاحة بالمرشح الأوفر حظاً لترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، وإذا كانت هناك قضية تتطلب من المحكمة العليا أن تختار الحفاظ على السلام بدلاً من اتباع القانون، فقد تكون هذه هي القضية، وهو ما يشير إليه غالبية فقهاء القانون وخبراء الأمن وعلماء السياسة بسبب ما يمكن أن يحدث في مثل هذه الظروف الاستثنائية.
لكن إذا افترضنا أن المحكمة العليا الأميركية قررت ما تراه مناسباً من الناحية القانونية وصدمت الجميع بقرار استبعاد ترمب من الانتخابات وأيدت حكم المحكمة العليا لولاية كولورادو، فما التداعيات المحتملة لذلك؟
فوضى انتخابية وسياسية
يعتقد الخبير القانوني في مركز إدوين ميس الثالث للدراسات القانونية والقضائية التابع لمؤسسة هيرتاج في واشنطن، هانز فون سباكوفسكي، أنه لا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا فشلت المحكمة العليا الأميركية في تطبيق النص والتاريخ التشريعي للمادة 3 من التعديل الـ14 بشكل صحيح وتجاهلت السوابق، لكن في حال حكم المحكمة، وهو أمر مستبعد للغاية، فإن ذلك من شأنه أن ينشئ مستنقعاً قانونياً سيؤدي إلى فوضى انتخابية وسياسية وحرمان ملايين الناخبين من حقهم في اختيار مرشحهم.
وقد تنجم الفوضى الانتخابية عن خطر ظهور آراء ونتائج متضاربة تماماً في الولايات الـ50 وفي العاصمة واشنطن، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى فوضى سياسية وتلاعب حزبي بالعملية الانتخابية، لأنه سيسمح لمسؤولي الولايات في جوهر الأمر بإدانة مرشح انتخابي بارتكاب جرائم خطرة في دعوى مدنية، حتى لو لم يوجه الاتهام إلى ذلك الشخص قط، ويمكن أن يشمل ذلك، على سبيل المثال، استبعاد رئيس يترشح لإعادة انتخابه لأن مسؤول انتخابات الولاية دانه بارتكاب الخيانة لرفضه المتعمد تطبيق قانون الهجرة الفيدرالي وفتح الحدود عمداً للسماح لملايين الأجانب غير الشرعيين ومهربي المخدرات وتجار البشر والمجرمين والإرهابيين بالتدفق إلى البلاد.
تمزيق أميركا
لكن سكوت جينينغز وهو مستشار سياسي جمهوري يرى أن العواقب ستكون أفدح من ذلك، إذ يعتقد أنه إذا فعلتها المحكمة فإنها ستمزق الولايات المتحدة، ولن يكون أمام الرئيس جو بايدن أي خيار سوى التنحي، لأن الافتراض في نظر أغلب الأميركيين وجميع الجمهوريين هو أن بايدن وحزبه الديمقراطي دبروا التخلص من منافسه الوحيد ترمب الذي يتفوق عليه في استطلاعات الرأي، وسيعزز عدم تنحي بايدن الاعتقاد بالنسبة إلى معظم الجمهوريين أن أميركا أصبحت جمهورية موز حيث النخب الحاكمة فوق القواعد والقانون.
ويفترض جينينغز أيضاً أن عديداً من الولايات التي يديرها الجمهوريون ستتجاهل ببساطة حكم المحكمة العليا وتضع ترمب على بطاقة الاقتراع، حتى لو رشحت اللجنة الوطنية الجمهورية شخصاً آخر، معرباً عن شكوكه في أن نيكي هايلي أو أي مرشح مناهض لترمب يمكنه الحصول على الترشيح في هذه الظروف.
لن يكون قراراً حزبياً
غير أن أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا ريتشارد هاسن الذي يدير أيضاً مشروع حماية الديمقراطية، يعتقد أنه إذا صدر الحكم بأن ترمب غير مؤهل، فسيكون من الصعب تصويره على أنه قرار حزبي أو ليبرالي حيث لا يوجد بين قضاة المحكمة العليا التسعة سوى ثلاثة قضاة معينين من رؤساء ديمقراطيين، لذا فإن الحكم ضد ترمب سيتطلب أصوات قاضيين معينين من الجمهوريين في الأقل، وهذا يتناقض مع الحكم المحتمل (ستة إلى ثلاثة) الذي ينقسم فيه القضاة على أسس حزبية، ويبقي فيه المحافظون ترمب على بطاقة الاقتراع بينما يصوت الليبراليون لإبعاده.
وإذا استبعد ترمب من خلال تصويت اثنين على الأقل من القضاة المحافظين مع الليبراليين الثلاثة، فإن الناخبين الوسطيين الذين اعتقدوا أن ترمب يجب أن يبقى على بطاقة الاقتراع قد يطمئنون إلى أن القرار لم يتخذ على أساس حزبي.
إقبال أقل
وتشك أستاذة السياسة العامة في كلية فرانك باتن للقيادة والسياسة العامة في جامعة فيرجينيا أشلي جاردينا في أن المحكمة العليا ستحرم ترمب من الترشح للرئاسة، لكن إذا لم يكن ترمب على بطاقة الاقتراع، فقد يؤدي ذلك إلى إقبال أقل من المتوقع بين الناخبين الجمهوريين.
ويعود السبب وراء ذلك إلى أنه من غير المرجح أن يحول الناخبون البيض، الذين يميلون إلى أن يكونوا من أكثر مؤيدي ترمب حماسة، ولاءهم لنيكي هايلي، بخاصة أن ترمب سلط الضوء على هوية هايلي الجنوب آسيوية، وشكك في أهليتها للترشح للرئاسة نظراً إلى وضع والديها كمهاجرين، ومن دون مرشح بديل يلقي الحزب دعمه وراءه، فإن عديداً من ناخبي ماغا قد لا يشاركون ببساطة في الانتخابات.
اضطرابات واسعة
بيد أن أسوأ العواقب تتعلق باحتمالات تفجر العنف والاضطرابات في أنحاء الولايات المتحدة، إذ يحذر عضو مجلس الأمن القومي الأميركي السابق ستيفن سايمون من أن تفكر المحكمة العليا في منع ترشيح ترمب لأن المشهد السياسي جاف للغاية، وربما تكون العواقب المترتبة على استبعاده من السباق الرئاسي حارقة، بالنظر إلى أن قاعدة ترمب الجمهورية ماغا، تضم ميليشيات مدججة بالسلاح، وتغلي بسبب ما تعتقد أنه هزم بطريقة احتيالية عام 2020 ويفترض كثيرون أنهم سينتقمون في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل من خلال استعادة البيت الأبيض، كما أعلن ترمب نفسه أنه سينتقم نيابة عنهم، ولهذا فإن حرمانه بشكل استباقي من فرصة الوفاء بهذا التعهد، سيدفع بعضهم على الأرجح إلى العنف.
ويتفق الخبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية جوناثان ستيفنسون، مع ضرورة التحذير من اندلاع العنف لأنه من الممكن أن يظهر مزيد من التصعيد كخطوة منطقية بعد صدور حكم بمنع ترمب من الترشح، إذ يمكن لمسؤولي إنفاذ القانون على مستوى الولايات، المتعاطفين بالفعل مع المتشددين المؤيدين لترمب الذين يشككون في مدى مسؤوليتهم أمام السلطات الفيدرالية، أن يتنازلوا بتحد عن واجباتهم التنفيذية، مما يسمح لحرائق العنف السياسي التي يمكن احتواؤها بالاستمرار من دون رادع.
وإذا وصلت هذه الأمور إلى الكتلة الحرجة، فقد لا تتمكن السلطات المدنية الفيدرالية من التحكم في العنف واستعادة النظام العام، وقد يشعر الرئيس بدوره بأنه مضطر إلى تفعيل قانون التمرد ونشر الجيش الأميركي ضد المواطنين الأميركيين، وهي إحدى السلطات الاستثنائية التي أشار ترمب إلى أنه سيطلق لها العنان إذا انتخب.
انفصال الولايات الجمهورية
وفي حين يخشى ريك ويلسون وهو استراتيجي سياسي مخضرم شارك في تأسيس مشروع لينكولن المناهض لترمب، من أعمال عنف وفوضى تجعل يوم السادس من يناير (كانون الثاني) يبدو وكأنه نزهة، أبدى الخبير الأمني دونيل هارفين قلقه من انتشار التطرف العنيف الذي يتراوح من العنف واسع النطاق ضد المباني والرموز الحكومية، إلى أعمال العنف المستهدفة والإرهاب العشوائي ضد أي أفراد ينظر إليهم على أنهم يعملون بنشاط ضد مصالح الرئيس السابق، أو أولئك الذين كانوا راضين عن عدم الدفاع عنه.
وإضافة إلى ذلك، تكتسب المناقشات حول انفصال الولايات الجمهورية الحمراء أو فكرة ما يسمى الطلاق الوطني زخماً جديداً، إذ تم إيقاظ هذا الحديث من جديد أخيراً على يد حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت في شأن النزاع حول الحدود والمهاجرين، إذ أبدى 25 حاكماً جمهورياً دعمهم العلني لسخرية أبوت من قرار المحكمة العليا الأخير الذي ألزمه بإزالة أسلاك شائكة وضعها قرب الحدود وإعادة عمل سلطات الحدود الفيدرالية، لكنه تحدى حكم المحكمة العليا.
وفي حين يبدو هذا مجرد مسرح سياسي لبعضهم في إطار انقسام سياسي ومجتمعي حاد، إلا أن هناك مجموعات محلية عنيفة، تسمى "المتسارعين"، التي تنظم حول الموضوع الرئيس المتمثل في الحرب الأهلية الثانية أو الحرب العرقية الوطنية الأميركية، وهو حديث يتردد صداه لدى الموجودين على هامش المجتمع الذين لديهم نوايا خبيثة ووسائل لتنظيم معتقداتهم والتصرف بناء عليها بسرعة.
وفيما يحتمل أن تجلب إعادة انتخاب دونالد ترمب معها موجة من التطرف الداخلي الطبيعي، فإن تنحية الرئيس السابق قد ترسل الولايات المتحدة إلى هاوية من العنف والانقسام لم تشهدها البلاد منذ الحرب الأهلية الأميركية.