ملخص
الموازنة المقررة أصبحت بالكاد تكفي الأساسيات... فكيف يتعامل المقبلون على الزواج في مصر مع هذا الوضع؟
ألقت الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار بظلال ثقيلة على مشروعات الزواج القائمة حالياً في مصر مع حال الغلاء الشديد في أسعار جميع السلع التي يحتاج إليها تأثيث منزل حتى ولو بأقل الإمكانات.
فمع الارتفاع غير المسبوق في أسعار الذهب، الذي يعد من أهم عادات الزواج في مصر، سيدفع الوضع الاقتصادي الحالي بلا شك المصريين مرغمين إلى التنازل عن كثير من هذه العادات، والاقتصاد الشديد في المشتريات والاحتفالات إن وجدت، باعتبار أنه لا بد من التكيف مع الظروف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الفترة الأخيرة من الملاحظ اعتماد إقامة حفل بسيط للزفاف والاستغناء عن الحفلات المبالغ فيها، مع تغيير كثير من الأنماط الاستهلاكية المتمثلة في المبالغة بجهاز العروس من المفروشات والملابس وأدوات المطبخ، والتي كانت إحدى وسائل التفاخر بين العائلات وبخاصة عند المستوى الاقتصادي الأقل.
طبقاً لآخر تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أغسطس (آب) عام 2023 شهدت مصر عام 2022 نحو 99 ألف حالة زواج مما يعنى أنه تم تسجيل 2564 زيجة في اليوم، والتقرير التالي الذي سوف يصدره المركز خلال العام الحالي ربما يكون أكثر دقة في ما يتعلق بتأثير الأزمة الاقتصادية على عدد حالات الزواج، وهل كانت نسبة الاختلاف كبيرة أم أن المصريين استطاعوا التكيف مع الأمر.
بحثاً عن حلول
من خاض بالفعل خطوة الخطبة منذ عام أو أكثر ويقوم حالياً بالتجهيز الفعلي لمنزل الزوجية هو الأكثر تأثراً بالأزمة، فالموازنة التي كانت موضوعة لمشروع الزواج، والتي اعتمد فيها بعض الرفاهيات سواء في اختيار أثاث المنزل أو في إقامة حفل كبير للزفاف أو رحلة لشهر العسل، أصبحت بالكاد تكفي الأساسيات. فكيف يتعامل المقبلون على الزواج مع هذا الوضع؟
يحكي عمرو (29 سنة) يعمل في مجال المحاسبة، "كان اتفاقي مع أسرة عروسي أن تكون الخطبة لمدة عامين يمر منهم عام كامل الشهر المقبل، لكن في ظل الأوضاع الحالية أعتقد أننا نحتاج إلى عامين آخرين لإكمال استعدادات الزواج في ظل الارتفاع غير المسبوق في أسعار كل شيء، فخلال العام الماضي كادت الموازنة المخصصة لتجهيزات الزواج تنفد بعد تضاعف أسعار تشطيب الشقة، وكافة الخطط والحسابات التي أعددتها فشلت".
ويضيف "في العام الماضي طبقاً للأسعار التي كانت سائدة، كنت أتصور أن 50 ألف جنيه (1618 دولاراً بحسب سعر الصرف في البنوك المصرية) ستكفي لشراء الأجهزة الكهربائية الأساسية، فقد كان متوسط سعر غسالة الملابس على سبيل المثال 12 ألفاً (388 دولاراً)، وحالياً الغسالة نفسها سعرها يتجاوز 30 ألفاً (970 دولاراً). ارتفاع الأسعار غير طبيعي ولا يمكننا ملاحقته على رغم أننا نهدف لشراء الأساسيات فقط، ولكن الأمر أصبح شديد الصعوبة، ما يمكننا الاستغناء عنه هو حفل الزفاف الكبير أو عدم إقامته من الأساس، ولكن الأثاث والأجهزة الأساسية ماذا سنفعل في شأنها".
يشير كريم (31 سنة) مهندس مدني، إلى أن "تعثر كثير من مشروعات الزواج حالياً هو نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار، فكثير من السلع تضاعف ثمنها، وكثير من الحرفيين في كثير من المجالات مثل النجارة والسباكة وغيرها أصبحوا يطلبون أسعاراً مبالغاً فيها، وحجتهم عدم استقرار أسعار الخامات، ولا يخلو الأمر من بعض الجشع، فقد كان من المخطط أن يتم الزواج خلال الصيف المقبل، ولكن بالوضع الحالي سيتم تأجيل الأمر لأجل غير مسمى لحين استكمال الناقص من تجهيزات المنزل، والذي يحتاج أضعاف ما كان مخططاً له".
ويضيف، "على سبيل المثال شاهدنا غرفة نوم بأحد معارض الأثاث كان سعرها 40 ألفاً (1290 دولاراً)، وعندما عدنا لشرائها بعد ثلاثة أسابيع وصل السعر إلى 70 ألفاً (2270 دولاراً) وهكذا في كل شيء، وفي حالتي تواجهني أزمة أخرى هي أننا كنا متفقين على شراء الشبكة (الذهب) مع الزفاف وأسعار الذهب الحالية ستمثل أزمة أخرى حتى في حال شراء شيء رمزي للغاية كهدية للعروس، وليس (شبكة) بالشكل التقليدي المتعارف عليه".
الطبقة الوسطى أكثر تأثراً
التأثر بالوضع الاقتصادي الحالي في ما يتعلق بعادات الزواج ستلمسه كل الطبقات، فهو واقع لا محالة وسيغير كثيراً من شكل الاحتفالات والعادات التي كانت نهجاً للمصريين على مدار سنوات طويلة، والتي كان بعضها يثير انتقادات لمن يراها مبالغة كبيرة أصبحت لا تتلاءم مع العصر، وبخاصة مع ما تنتهجه بعض المناطق الريفية من مبالغة شديدة في التجهيزات والتشدد في عدد غرامات الذهب التي سيشتريها العريس.
في الوقت ذاته، فإن الطبقة المتوسطة كانت في بعض الأحيان تبالغ وتحمّل نفسها أعباء فوق طاقتها في أمور شكلية، مما جعل مشروع الزواج مكلفاً للغاية حتى قبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة.
عن شكل التغيرات الاجتماعية التي يمكن أن يشهدها المجتمع المصري في ما يتعلق بالزواج، تقول هالة منصور أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها، "الوضع الاقتصادي الحالي سينتج ننه بالفعل كثير من التغييرات في العادات الاجتماعية المصاحبة للزواج عند المصريين، فلا مفر من ذلك ولكن سيختلف الأمر من طبقة لأخرى، فالطبقة الوسطى بكل فئاتها هي الأكثر تأثراً بهذا الوضع وستتجه قطاعات كبيرة منها مضطرين إلى التخلي عن المبالغات والبهرجة في حفلات الزفاف على سبيل المثال".
وتضيف، "سيتجه الناس أيضاً للتخلي عن العادات المرتبطة بتقديم هدايا في مناسبات متعددة طوال العام، وستقل الهدايا بين المخطوبين بصورة كبيرة، وسيختفي منها الورد والشوكولاته والهدايا ذات الطابع الرومانسي، وسيتم الاتجاه إلى تقديم هدايا ذات نفع في تجهيزات الزواج، فلا فائض من المال يسمح بمثل هذه النوعية من الهدايا، وكذلك سيتم تقبل فكرة قائمة الهدايا التي تعد بأشياء يحتاج إليها العروسان ليختار منها العائلة والأصدقاء كشكل من أشكال المشاركة".
وتستكمل، "من العادات التي ستتأثر كثيراً بالوضع الحالي شراء الشبكة التي ظلت عصوراً طويلة من أولويات المصريين، وسيتقبل الناس مرغمين شراء قدر رمزي من الذهب، وستختفي ظاهرة اشتراط عدد معين من الغرامات مثلما كانت تفعل بعض العائلات، ويمكن القول إن هذا يمثل الجانب الإيجابي من الأزمة، فالتخلي عن المظاهر والمبالغة في تجهيزات المنازل وشراء الضروري فقط هو أمر جيد، لأنه على مدار فترة طويلة كانت هناك مبالغة كبيرة في كل شيء، سواء الأفراح أو كم المشتريات التي تجهز بها المنازل".
نقص في الأجهزة الكهربائية
واحدة من أهم المشكلات التي يعانيها المقبلون على الزواج حالياً هي نقص بعض مستلزمات تجهيز المنازل من الأسواق، وعلى رأسها الأجهزة الكهربائية التي إلى جانب ارتفاع أسعارها هناك كثير من المنتجات غير متوافرة بالأساس.
وكانت شعبة الأجهزة الكهربائية أصدرت بياناً منذ فترة قريبة أفادت فيه بأن هناك نقصاً في كثير من الأجهزة، وارتفاعاً يصل إلى 25 في المئة في أسعار المتوافر منها لأسباب متعددة، من بينها ارتفاع سعر الدولار وأسعار الشحن العالمية نتيجة أزمة استهداف السفن التجارية المارة من باب المندب وتوترات البحر الأحمر الحالية.
أحمد هلال، عضو شعبة الأجهزة الكهربائية يقول، "هناك ارتفاع كبير في أسعار الأجهزة الكهربائية بالفعل خلال الفترة الأخيرة، ولكن هناك تحاملاً كبيراً من الناس على التجار، فالتاجر في النهاية هو وسيط بين منتج السلعة والمشتري، وهو عندما يرفع سعرها يكون ذلك لأنه اشتراها بسعر غالٍ من المنتج، لا ننكر أن هناك جشعاً من بعض التجار، ولكن بالفعل هناك أزمة قائمة يعانيها التاجر والمستهلك على السواء.
وفي ما يتعلق بالأجهزة الكهربائية، فإن هناك ارتفاعاً غير مسبوق في أسعارها، فعلى سبيل المثال الثلاجة الصغيرة العام الماضي كان سعرها ثمانية آلاف جنيه (259 دولاراً)، ووصل حالياً لـ30 ألف جنيه (971 دولاراً)، وبالطبع يمثل هذا أزمة كبيرة للمشترين، وبخاصة المقبلين على الزواج".
ويضيف، "اختلاف أسعار السلعة من مكان لآخر يرجع إلى أن الكيانات الكبرى يكون لديها مخزون كبير حصلت عليه سابقاً بأسعار أقل، بالتالي تستطيع تقديم تخفيضات وعروض وأسعار أقل بعكس التاجر الصغير، لا بد من العمل على إيجاد حلول جذرية للأزمة ومواجهة للمشكلات من أساسها، لأن تكالب الناس على الشراء خوفاً من ارتفاع أكبر في الأسعار يخلق أزمة فوق الأزمة".
دعوات لإلغاء "النيش"
على مدار سنوات طويلة، كان المجتمع المصري يشهد بين حين وآخر مبادرات داعمة لتيسير الزواج والبعد عن المغالاة ومساعدة الشباب، كان بعضها يلقى قبولاً من الناحية النظرية، وأحياناً تتبناه بعض العائلات أو حتى بعض المناطق في محافظات بعينها، ولكن كثيراً منها لم ينجح في الانتصار على العادات، أما الظرف الحالي فربما يكون دافعاً للمجتمع لقبول أوضاع جديدة والتخلي عن أفكار متوارثة تثقل كاهل الناس من دون داع.
كثير من هذه المبادرات كانت تدعو لإلغاء التجهيزات المبالغ فيها للعروس في ما يتعلق بالملابس والمفروشات وأدوات المطبخ، والتي كانت تصل في بعض الحالات إلى كميات غير منطقية، وكذلك إلغاء ما يعرف بالنيش (دولاب لوضع الأكواب وأدوات المائدة)، وإلغاء شراء طقم صيني وأطقم للشاي والقهوة بمبالغ طائلة لا تستخدم بشكل أساسي.
تقول السيدة أمل ناجي (55 سنة وأم لعروس)، "تخلينا عن كثير من الخطط في ما يتعلق بزفاف ابنتي الذي سيتم الصيف المقبل، فبداية كنا ننوي أن نقيم حفلاً لعقد القران وآخر للحناء قبل يوم الزفاف، وحالياً قررنا إلغاء كل هذا وإقامة حفل زفاف بسيط في ظل الأسعار الحالية، في الوقت ذاته اعتمدنا شراء الأشياء الأساسية فقط والاستغناء عن أية مبالغات، سواء في المفروشات والأجهزة، كما تخلينا عن كثير من العادات ومن أبرزها شراء طقم الصيني بآلاف الجنيهات لمجرد التقليد من دون حاجة".
وتضيف، "الوضع الحالي لا بد أن يدفعنا لنكون أكثر عملية ومرونة في تقبل الأفكار والتخلص من كثير من المفاهيم التي أصبحت ترهق كاهل الشباب والعائلات من دون جدوى أو فائدة حقيقية".
أزمات مستقبلية
ارتباك المشهد والكلفة العالية لمشروع الزواج سيجعل كثيراً ممن كان يفكر في اتخاذ الخطوة يتراجع ربما لعدم قدرته عليها في الوقت الحالي، وربما لقلقه من عدم قدرته على الوفاء بالتزاماتها سواء قبل الزواج أو حتى بعده، مما سينتج منه نوعية أخرى من المشكلات الاجتماعية التي ستنعكس على المجتمع بكامله.
توضح أستاذة علم الاجتماع هالة منصور، "الأزمة التي سيثيرها هذا الوضع هي أن هناك فئة من الطبقة المتوسطة وبخاصة الشريحة العليا منها يمكن أن يتجه الشباب فيها إلى العزوف كلياً عن فكرة الزواج باعتبار أنه أصبح عبئاً كبيراً وله تبعات أخرى ستتمثل في وجود أطفال وحاجتهم إلى مصروفات كثيرة، وقد يرفض الشباب فكرة الزواج من أساسها باعتبار أنها ستحمله أعباء لا تنتهي في ظل ظروف صعبة".
وتضيف "الطبقة الأدنى في المجتمع لن تتأثر بهذا الفكر كثيراً لاعتبارات عدة، أولها أهمية وقيمة الزواج، فتزويج البنت أمر له أولوية قصوى، كما تخلق هذه الفئة سبلاً متعددة للتكافل الاجتماعي، وفي بعض الأحيان تتلقى مساعدات من الجمعيات الخيرية، وفي الوقت ذاته فإن هذه الطبقة عادة لا تكون لديها خطط مستقبلية، وستتكيف مع الوضع بسبل مختلفة، ولكن الطبقة الوسطى حساباتها مختلفة، ودائماً هي الأكثر تأثراً بمثل هذه المتغيرات".