الوضع في الشرق الأوسط هو "الأخطر منذ 1973"، كما يراه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي زاره خمس مرات حتى الآن منذ "طوفان الأقصى" وحرب غزة، والمقصود بالطبع هو سلسلة الحروب والمعارك الدائرة حالياً: من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، ومن العراق وسوريا إلى السودان وليبيا، ومن إيران إلى ما هو أبعد مما سماه الملك عبدالله الثاني "الهلال الشيعي".
وهو أيضاً خطر الذهاب إلى حرب شاملة لا أحد يريدها، لا أميركا التي تضرب الحوثيين ووكلاء إيران ومراكز للحرس الثوري في سوريا وتقول إنها لا تريد حرباً مع طهران. ولا إيران التي تدير "وحدة الساحات" في إسناد "حماس" في حرب غزة، وتقول بلسان قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي: "لا نريد حرباً مع أميركا، لكننا لا نخشاها"، كما تحذر طهران واشنطن عبر صحيفة "إيران" الحكومية "من فخ" وتقول: "الجمهورية الإسلامية لن تقع في فخ سيناريو تحويل حرب إسرائيل- حماس إلى حرب إيران- أميركا". ولا إسرائيل التي تخوض حرب غزة ومعارك الشمال مع "حزب الله". ولا "حزب الله" نفسه. وحدهم "أنصار الله" الحوثيون يعلنون بلسان زعيمهم عبدالملك الحوثي أنهم "سعداء بالصدام مع أميركا". وكلها، باستثناء غزة، حروب لا معارك فيها. مجرد تبادل قصف صاروخي ومدفعي وبالمسيرات وقصف جوي إسرائيلي وقصف جوي وبحري أميركي وبريطاني على مواقع الحوثيين في اليمن.
لكن الواقع أن الشرق الأوسط في أزمة أخطر من الحرب، أزمة العيش في أزمنة مختلفة في زمن واحد حسب الروزنامة. هناك قوى مسلحة تعمل من أجل هدف "مثالي" بالنسبة إليها هو العيش في القرن الثامن، وقوى مسلحة تريد استرهان الحاضر في مسعى إلى الثأر من مظلوميتها في التاريخ، قوى مسلحة تمارس الإرهاب إلى جانب قوى أيديولوجية تريد العودة للقرن الـ15 وفتح القسطنطينية وتبكي على السلطنة العثمانية التي ألغاها مصطفى أتاتورك، وكانت تمثل آخر نسخة من الخلافة الإسلامية، بصرف النظر عن الزيف في تلك النسخة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي لبنان من يحن إلى الإمارة والقائمقاميتين ومتصرفية جبل لبنان في القرن الـ19، وسط من يمارس حياة العصر ويعمل للحد الأقصى من التطور. وفي المنطقة دول أسيرة حروب الماضي وتتصور أنه لا حل للمشكلات إلا الحروب. ودول تعمل لإكمال ما بدأ في القرن الـ20 في القرن الـ21 من تنوير واستقلال وحداثة وما بعد الحداثة واللحاق بعصر التكنولوجيا وثورة المعلومات.
قوى تنويرية وقوى ظلامية، دول وطنية ودول دينية أو تعمل لإقامة أنظمة دينية. علمانية وطائفية. طائفية ومذهبية. فقر روحي وغنى فاحش وسط بؤس اجتماعي كبير وفقر هائل. ديمقراطية "قبلية" في بلدان وأنظمة شمولية في بلدان، وقليل من الديمقراطية الفعلية في بلدان باتت تكتشف عجز الديمقراطية التمثيلية عن تلبية حاجات الناس وطموحاتهم. شركات كبرى تتحكم بالحياة السياسية في بلدان العالم الأول، ومنظمات متطرفة تتحكم بالحياة وتلغي السياسة في بلدان العالم الثالث الذي صار يسمى "الجنوب العالمي" مع أنه لا يعيش في زمن واحد، فلا زمن الهند هو زمن كمبوديا، ولا زمن كوريا الشمالية هو زمن كوريا الجنوبية، ولا مجال للمقارنة بين من يعمل كل شيء لتجميع الصواريخ على حساب الخبز والحرية، وبين من يعمل للتنمية البشرية والتقدم والتطور من دون تجاهل "القوة الصلبة" إلى جانب "القوة الناعمة".
في كتاب جديد تحت عنوان "عن الحروب" يقول المؤلف مايكل مان إنه "من الصعب أن تجد مقاصد عقلانية للحروب، لأن مضاعفاتها دائماً مرعبة وغير بناءة. الطبيعة الإنسانية لا تدفع البلدان إلى حروب. الحروب تصنعها خيارات قيادات. والحيلة لتجنب الحرب هي تطوير الشروط الاجتماعية وتشجيع ضبط النفس والدبلوماسية".
ولكن "على من تقرأ مزاميرك يا داود"؟