Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل انتهى "العصر الذهبي" للغناء العربي؟

الناقد السعودي يحيى مفرح زريقان يشير إلى غياب النضج والممارسة المسؤولة للفن وصلاح الشرنوبي يبرر بـ"تطور التقنيات"

أغاني المطرب المصري عبد الحليم حافظ لا تزال حية إلى الآن (مواقع التواصل)

ملخص

بحسب نقاد، فإن مئات الأعمال التي تطرح اليوم لن تترك أثراً ولن تخلد أصحابها لأن الكم طغى على الكيف وأصبح بالإمكان تلحين وغناء أي كلام.

تميز نجوم الجيل الذهبي من المطربين بالنضوج الفكري والإبداعي، وليس أدل على ذلك من استمرار أعمالهم حتى اليوم، في المقابل لا يتجاوز عدد النجوم الذين يتركون بصمة أصابع اليدين على رغم كثرة إنتاجهم، فالسائد اليوم أعمال متشابهة، الهدف الوحيد منها الوجود بينما يتسابق أصحابها على عمليات التجميل حتى تحولت الساحة الفنية إلى حلبة لاستعراض الشباب الدائم الذي يعكس النضوج الشكلي عندهم على حساب نضوجهم الفني.

فما الأسباب التي تقف وراء غياب الإبداع عن أعمال المطربين ولماذا لم يسع معظمهم إلى تطوير تجربته الغنائية؟

كم وكيف

الناقد السعودي يحيى مفرح زريقان يؤكد أن "النضوج الفني قليل جداً ولا يوجد في المشهد الفني العربي كله سوى أربعة أو خمسة فنانين لديهم منطق ودلالات عميقة في ممارستهم للفن وقيماً يعتنقونها"، مردفاً "جيل الرموز من الفنانين العرب كان يمارس الفن بمسؤولية كوديع الصافي وفيروز ونصري شمس الدين ونور الهدى في لبنان، وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش ونجاة الصغيرة في مصر، وطلال المداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر في الخليج، أما الجيل الحالي فتغيرت المفاهيم لديه، وصار همه الوحيد صورته وكيفية الوجود في الحفلات والمهرجانات واختلاق قصص لا علاقة لها في الواقع".

يتابع زريقان، "أذكر أنني كنت في حفل غنائي كبير أقيم في الأردن وجمع عدداً كبيراً من النجوم العرب، أحدهم فبرك قصة محاولة اغتياله بعد أن وجد أن مشاركته ليست مؤثرة، وشوش على الجو العام للحفل تم تبين لاحقاً أنه اتفق مع الطرف الآخر وأن القصة لا أساس لها من الصحة وفق ما أظهرت التحقيقات، وهذا الكلام ينسحب على عدد كبير من الفنانين الذين يسعون إلى إثارة الجدل كما تفعل إحدى المطربات التي تشغل الناس بأمور شخصية لا علاقة لها بالفن".

ويصف الناقد السعودي لجوء المطربين إلى تكثيف إصداراتهم الفنية بـ"الإسهال الفني" ويضيف "الجيل الحالي لا يعتني بالكلمة والموضوع ولا يعرف ماذا يريد الناس ولا أزمة لديه في أن تتولى أي جهة الإنتاج حتى لو كان اللحن هابطاً، لأن المادة طغت على القيم الفنية عنده، وأتحدى أن يكون لدى أي اسم من الأسماء الرنانة موقفا فكرياً أو اجتماعياً حول حياتنا اليومية لأنهم لا يملكون أرضية من المعرفة ينطلقون منها ولم يعتنوا بها على الإطلاق، كما لا يوجد لديهم النموذج الذي يقتدون به".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع "مئات الأعمال التي تطرح اليوم لن تترك أثراً ولن تخلد أصحابها لأن الكم طغى على الكيف وأصبح بالإمكان تلحين وغناء أي كلام، واللافت الإصرار العجيب من المنتج والمؤدي والشاعر والملحن على إقناع الجمهور بأن العمل جيد وناجح وهذا غير صحيح بل يفترض بالملتقى أن يعبر هو شخصياً عن إعجابه به".

ويلفت إلى أن "الملحنين لا يعرفون ما هو التلحين وذلك يعود إلى ضحالة الناتج الفكري والحسي فلا يوجد لحن واحد ترك علامة عند الناس منذ 20 عاماً وحتى اليوم، والأمر نفسه ينسحب على الشعراء، فلم تعد للكلمات معنى، بل المهم تصوير المعاني بطريقة حسية تجعل موضوعها وكأنه يخص المتلقي ويعبر عنه أو يمسه شخصياً وهذا الأمر لم يعد له وجود". 

مسايرة بأسلوب لطيف

المطربة السورية عبير فضة تعيد السبب إلى مسايرة نجوم الصف الأول لنوع معين من الأغاني السائدة لكن بأسلوب لطيف بعيد عن الابتذال وفيه شيء من الدلع وتعقب "الفن مسؤولية وليس مجرد صوت ووجود واسم كما أنه يحمل رسائل عدة من بينها الوطنية التي عبر عنها فنانو الزمن الجميل بأغانيهم في الأزمات والحروب، والرسائل الإنسانية التي يفترض بالفنان أن يعبر عنها بالأعمال الراقية، وأنا أستغرب تحول البعض إلى نجوم بسبب أشكالهم الجميلة مع أنه لا علاقة لهم بالغناء. صحيح أن الفن الاستعراضي موجود لكن لا يجوز تقديم صاحبه على أنه مطرب".

 

تضيف فضة أن "بعض الفنانين يتأثرون بالظروف وضغوط الحياة ويقدمون التنازلات ويتراجعون، مما يؤدي إلى خسارتهم لما وصلوا إليه"، مردفة "الكل تصله عروض ومغريات يقبل بها البعض ويرفضها آخرون، وكثيرون يطرحون أغاني دون المستوى ويسمونها (قفشة) فيها كثير من قلة الاحترام للمستمع". 

تطور التقنيات

الموسيقار المصري صلاح الشرنوبي يؤكد أن تطور التقنيات هو السبب الرئيس الذي أدى إلى غياب النضج الفني في أعمال المطربين ويوضح "في الماضي كانت الإذاعة والحفلات ومن ثم ظهر التلفزيون لكن التقنيات ما لبثت أن اختلفت وتطورت ولم يعد تزيد مدة الأغنية على وقت محدد، كما أن المزاج العام للمتلقي يتحكم في كل شيء من خلال المنصات ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت هي المنبر الأساسي لسماع الأغنية. حتى المفردات تغيرت وصار الجيل الشاب يهتم بمفردات بديلة تعبيراً عن رفضه للواقع وأصبحت له هوية تتناسب مع زمنه وعمره وهذا ما أدى إلى حصول تغيير في طعم اللغة وجلال الكلمة في الأغاني العاطفية". 

كما يرى الشرنوبي أن ثمة صراعاً دائماً بين الجمهور والفنان على خلفية من يأتي بالآخر إلى عنده، ويوضح "في عام 1990 حاولت أن أجذب الجمهور المنصرف إلى الأغنية البديلة إلى ناحيتي وكانت مرحلة (بتونس بيك) وكنت محظوظاً لأنني تمكنت مع بعض الزملاء من تغيير الاتجاه من خلال تقديم أغنية تتمتع بقوام شرقي أعاد للأغنية قيمتها".

المشكلة لا تخص الفنان وحده بحسب رأي الشرنوبي الذي يوضح "المطرب يكون محاطاً بفريق عمل يضم الشاعر والملحن والمنتج، وعادة يخاف المنتج من الخسارة عند تقديم أغنية جديدة تخالف الموجود، وهذا ما أحاول البحث عنه منذ فترة وتمكنت من التواصل مع بعض المنتجين الذين اعتادوا إنتاج أعمال ذات قيمة والاتفاق مع بعض الأصوات بعد طمأنتها إلى وجود مناخ مالي متفهم يدفع ويدعم بهدف إعادة الأغنية إلى جمالها وجلالها".

ثلاثية الكلمة واللحن والصوت

المايسترو لبنان بعلبكي يشدد على أهمية الشراكة بين المطرب والملحن وبينه وبين الشاعر في زمن الفن الجميل ودورهما في تجربة الفنان ويقول "كان هناك ثلاثية الكلمة واللحن والصوت بصرف النظر عن الشكل، أما اليوم فهو الأساس عند الفنان مع أغنية ذات كلمات خفيفة لطيفة والألحان كلها متشابهة، وغابت المنافسة الشريفة التي اشتهر بها نجوم العصر الذهبي".

 

ويتابع "ندرة الملحنين والشعراء اليوم تتسبب في استنساخ الأعمال بينما التجارب الفنية في الماضي كانت تخلق نوعاً من التحدي بين الفنانين لتقديم الأفضل، فعندما كان فريد الأطرش يطرح أغنية ناجحة يسارع عبدالحليم حافظ إلى تقديم أغنية ناجحة أيضاً بلونه الغنائي، كما أن الملحن في السابق كان يخلق تجربة، واليوم لم يعد هناك تجارب، فمحمد عبدالوهاب كان صاحب مدرسة لحنية ومثله بليغ حمدي ومحمد الموجي، وينسحب الأمر على شعراء ذاك الزمن كـكامل الشناوي وبيرم التونسي وأحمد رامي وسواهم".

ويجزم بعلبكي بأن الإبداع اختفى تماماً عن الساحة الفنية إذ يقول "نحن بعيدون جداً عنه والكل يبحث اليوم عن الكلمة اللطيفة واللحن الخفيف والجملة الموسيقية الظريفة التي تضرب وتنجح مثل تجربة أحمد سعد الذي غنى (اختياراتي مدمرة حياتي)، فنحن جميعاً نغنيها لأنها طريفة وتشبه إيقاع حياتنا اليومية الذي تغير تماماً عن السابق".

ويضيف "(الجمهور عايز كده) ليست سوى مقولة خبيثة لتمرير نوع جديد من الفن يناسب شركات الإنتاج التي تركز على الأعمال الاستهلاكية المحدودة الصلاحية وإنتاج أعمال أخرى جديدة من بعدها خصوصاً أنها تتعامل مع عشرات المطربين ما يعني أن التجارة تبرر كل شيء".

الوضع السياسي والاجتماعي ينعكس على الفن مثلما يقول بعلبكي ويضيف "صورة فن اليوم هي انعكاس للوضع السياسي والاجتماعي. صحيح أن المنطقة عاشت كثيراً من الحروب طيلة والعقود السنوات الماضية لكن تلك الحروب كانت تحمل قضية بينما نحن نعيش انهياراً في القيم الاجتماعية". 

كما تحدث بعلبكي عن نمط النجوم الذي برز في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات وثبت نفسه، مشيراً إلى أن كثيراً من الفنانين يعتقدون أن مسيرتهم صحيحة لأنها مستمرة منذ سنوات طويلة ويعقب "النجاح بالنسبة لهؤلاء يعني الشهرة والمال، وعدد قليل منهم قدم أغاني لا تزال مستمرة حتى اليوم، وهذا الاعتقاد تسبب بعدم بروز البديل وبفراغ هائل على الساحة الفنية، وفي المقابل هناك الفن الشعبي الذي يقدم تجارب جميلة كتجارب الفرق الموسيقية التي تغني في (مترو المدينة) وتتميز بالتجديد على مستوى الموسيقى والأصوات ويوجد تجارب مثيلة في مصر والأردن، وتجربة فرج سليمان إلى جانب تجارب بعض الأسماء الكبيرة كـزياد الرحباني ومارسيل خليفة وجوليا وماجدة الرومي وعمر خيرت".

المزيد من فنون