ملخص
يقول مراقبون إن تعلم مهنة الحلاقة والتجميل وممارستها مكنا المهاجرات من الاندماج في سوق العمل المغربية بسهولة
تمسك أميسي خصلات شعر اصطناعية بين يديها، تمشطها بعناية وتضعها جانباً بانتظار زبونة ترغب في تغيير إطلالتها واعتماد تسريحة أفريقية تعرف بالمغرب باسم "الراسطا" أو "الضفائر الأفريقية".
لا يمر وقت طويل قبل أن تصل مريم إلى صالون التجميل الصغير، راغبة في إضفاء بعض التغيير على إطلالتها عبر اعتماد تسريحة "الراسطا" وإضافة خصلات شعر شقراء على بعض منها. وتقصد مريم المكان منذ سنوات، إذ وجدت ضالتها في الخدمات الجيدة والثمن الملائم، وفق ما تقول لـ"اندبندنت عربية".
تبدأ أميسي، وهي مهاجرة سنغالية استقرت في المغرب منذ سبع سنوات، في تقسيم خصلات شعر الزبونة المغربية إلى أقسام صغيرة، مع إضافة الخصلات الاصطناعية من أجل تكوين ضفائر رفيعة مشدودة وطويلة، وتوضح أن المغربيات يعجبن جداً بتسريحة "الراسطا"، كما أن أسعارنا جيدة تتراوح ما بين 100 و200 درهم (من 10 إلى 20 دولاراً)، بحسب نوع الشعر وطوله وكثافته".
استقرار
منذ عام 2014 حصل عشرات الآلاف من أفارقة جنوب الصحراء على وثائق إقامة مغربية، وذلك بعد مبادرتين أطلقتهما الحكومة المغربية، من أجل جعل إقامة المهاجرين قانونية في المغرب.
ويقدر ناشطون في مجال الهجرة أعداد المهاجرين الأجانب المقيمين في المغرب بما بين 80 ألفاً و100 ألف مهاجر، من 111 جنسية، أغلبهم يتحدرون من الدول الأفريقية جنوب الصحراء، بما يمثل حوالى 44 في المئة. ويعمل أغلبهم في محال خدماتية كغسل السيارات ومحلات البقالة والتجارة، بينما تعمل أغلب المهاجرات في مجال الحلاقة والتجميل.
وأكدت أميسي لـ"اندبندنت عربية" أن "ظروف الحياة لم تكن سهلة خصوصاً أثناء الحظر الصحي بسبب كورونا في عام 2020"، وأضافت أن "المغرب بلد كريم وشعبه لطيف ومضياف، إلا أن ترك السنغال حيث كنت أعمل في مجال التجميل والاستقرار في المغرب لم يكن سهلاً قبل أن تستقر الأمور".
وفي مكان غير بعيد من صالون أميسي السنغالية، يستقبل صالون الحلاقة والتجميل في حي الانبعاث، الخاص بالمهاجرة الكاميرونية مارتا، زبونة مغربية ترغب بتركيب رموش اصطناعية.
ولدى سؤالها عن سبب اختيارها مارتا دون صالونات الحلاقة التي تملكها مغربيات، أكدت وداد أن "مارتا محترفة في تركيب الرموش. أجد ما أرغب فيه على بساطة المكان، ولا أخفيك أن المبلغ أقل مما تطلبه صاحبات محال التجميل المغربيات".
بالنسبة إلى سعيد بوعمامة، رئيس جمعية "اللقاء المتوسطي للهجرة والتنمية"، فإن "تعلم مهنة الحلاقة والتجميل وممارستها مكنا المهاجرات من الاندماج في سوق العمل بسهولة بالمغرب".
وعملت الجمعية المدنية خلال السنوات الثلاث الأخيرة على تعليم 200 من المهاجرات القادمات من دول جنوب الصحراء أصول العمل في مجال الحلاقة والتجميل، إلى جانب تعلم اللهجة العامية المغربية (الدارجة) من أجل اندماج أفضل داخل المجتمع.
وأوضح بوعمامة أن "إقبال الفتيات والنساء المغربيات على أنواع جديدة من الحلاقة الأفريقية في تزايد، كتسريحة الراسطا، إذ بات من البديهي توظيف أفريقيات من جنوب الصحراء في صالونات التجميل، أو عملهن في صالوناتهن الخاصة أو عرض خدماتهن في الأسواق والشوارع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اندماج
بالانتقال إلى مدينة طنجة (أقصى شمال المغرب)، نجد سيسيل القادمة من ساحل العاج، التي تعمل في تركيب الرموش والأظافر إلى جانب تسريحات شعر أفريقية، وتقول إن "أكثر ما يجذب الزبونات المغربيات إلى محالنا، ليس أنهن لم يجدن صالونات ذات جودة أو بخدمات لائقة، بل لأنهن راغبات في التزين بطريقة جديدة ومغايرة".
وتابعت "ربما كان الفضول عاملاً مهماً في ذلك، للتعرف على جزء من ثقافتنا وطريقة زينتنا والمواد التجميلية المحلية المستقدمة من بلداننا وتجربتها واستكشافها"، وهو ما وجدن فيه شيئاً جديداً ناسبهن.
ولدى سؤالها حول إن كان المغرب بلد عبور بالنسبة إليها أم بلد استقرار، قالت سيسيل "لا أفكر أبداً في الهجرة نحو أوروبا، لدي صالون تجميل، بسيط نعم لكن أموري تسير على ما يرام. كما أن المغاربة لطفاء واستطعت تكوين صداقات معهم".
وأفاد رئيس جمعية "اللقاء المتوسطي للهجرة والتنمية" سعيد بوعمامة، بأن "تجربة أعضاء الجمعية واحتكاكهم اليومي مع المهاجرات أظهرت معاناة المرأة المهاجرة المقبلة من بلدان جنوب الصحراء من الهشاشة وعدم الاستقرار، وخضوعها لسلطة الرجل، وقد تستعمل في سوق الدعارة والتسول". وأضاف أن "الطريق لاندماج المهاجرات واستقرارهن يمر عبر ضمان استقرارهن الاقتصادي واستقلاليتهن الذاتية وتدبير شؤون حياتهن اليومية، وكسر هيمنة الرجل عليهن واستغلالهن".
وأشار بوعمامة إلى أن "المهاجرات الأفريقيات سجلن حضوراً قوياً وملفتاً في مجال التجميل والحلاقة، بالنظر إلى إتقانهن لعملهن واهتمامهن بالمهنة وتعاملهن البشوش مع الزبونات"، لافتاً إلى أن "المغربيات مهتمات بالثقافة الأفريقية وبالحلاقة النسائية الأفريقية، والنساء المهاجرات أفضل من يقمن بذلك".
بالعودة لمريم ووداد اللتين كانتا راضيتين عن نتائج الخدمات المقدمة لهن، فقد ضربتا موعداً غير بعيد مع المهاجرتين الأفريقيتين اللتان تعتنيان بجمالهما وتسريحات شعرهما بشكل متقن وبثمن لا يتعدى 200 درهم (حوالى 20 دولاراً).