ملخص
دفع انقطاع الاتصالات التام والمستمر عدداً من المؤسسات والمواطنين في بعض المناطق للجوء إلى خدمات الإنترنت الفضائي المباشر عبر أجهزة "ستار لينك".
دخلت الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" إلى جانب تبعاتها وويلاتها العسكرية منعطفاً إنسانياً حرجاً تحولت فيه حياة الناس اليومية إلى جحيم لا يطاق بانقطاع الاتصالات في عموم البلاد لليوم السادس على التوالي، مما أدى إلى شلل حركة ما تبقى من خدمات شحيحة، مما يهدد بأزمة صحية وغذائية كارثية ووضع إنساني تغيب فيه أبسط الحقوق ومقومات الحياة، بخاصة في المناطق التي يحتدم فيها القتال.
بدائل محظورة
دفع انقطاع الاتصالات التام والمستمر عدداً من المؤسسات والمواطنين في بعض المناطق بولايتي دارفور وكردفان للجوء إلى خدمات الإنترنت الفضائي المباشر عبر أجهزة "ستار لينك" التي انتشرت بالبلاد بصورة غير شرعية خلال الفترة الأخيرة، بينما تأثرت بانقطاع الخدمة بصورة واسعة ولايات الوسط والشرق والشمال لعدم توفر تلك الخدمة الفضائية التي يحظر جهاز تنظيم الاتصالات والبريد استخدامها دون إذن أو ترخيص مسبق.
وكان الجهاز قد حمل قوات "الدعم السريع" قطع الاتصالات في السودان. وقال في بيان "مواصلة لنهجها الإجرامي في التخريب وإمعاناً في زيادة معاناة المواطن قامت الميليشيات المتمردة بإيقاف العمل في مركزي بيانات شركتي (سوداني) و(أم تي)، وأجبرت الفنيين بشركة (زين) للاتصالات على إيقاف الخدمة عن ولايتي نهر النيل وبورتسودان، مهددة بإيقافها بصورة كلية".
تنديد سياسي
نددت جهات سياسية ومجتمعية عدة بحرمان السودانيين من خدمة الاتصالات وعزلهم الكامل عن بعضهم وعن العالم، فضلاً عن تعطل الخدمات الحيوية الأخرى المرتبطة بالإنترنت على رأسها التحويلات البنكية الحيوية لمعاش المواطنين.
ودعا تحالف قوى الحرية والتغيير الطرفين لاتخاذ تدابير عاجلة وفورية بوقف كل صور الاستخدام الحربي للمساعدات الإنسانية والسماح بوصولها الفوري للمحتاجين والامتناع عن استخدم خدمات الاتصال والإنترنت ضمن الصراع الدائر بينهما والتوقف فوراً عن هذا السلوك.
طالب التحالف، الطرفين بالإسراع في الإيفاء بالتزاماتهما وتعهداتهما المبرمة في منبر جدة في شأن فتح الممرات الآمنة لوصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها وحماية العاملين والمؤسسات العاملة في العمل الإنساني، وشدد على ضرورة ضمان استمرار خدمات الاتصالات والإنترنت في كل أنحاء السودان وعدم تعريضها للقطع المتعمد واعتبار التعدي عليها جريمة حرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تابع البيان، "نتطلع لإنهاء الحرب فوراً وتحقيق سلام دائم وتأسيس انتقال مدني ديمقراطي مستدام وتحقيق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة في الحرية والسلام والعدالة".
وحمل التحالف، طرفي الحرب معاً مسؤولية هذه المعاناة سواء بالتسبب في فشل الموسم الزراعي أو إعاقة وصول المساعدات والأغذية أو بتعرض مخازنها للنهب والسرقة، فضلاً عن التأثيرات والمهددات المباشرة على الأمن الصحي والغذائي لجميع الموجودين داخل البلاد.
وأضاف البيان أن التقارير التي تقرع ناقوس خطر شبح المجاعة وموت الأطفال جوعاً يجب أن تمثل لحظة فارقة تستوجب من طرفي الحرب وضع نهاية عاجلة لهذه المأساة المتفاقمة".
هدنة إنسانية
من جهته، دان حزب المؤتمر السوداني، طرفي الصراع وناشدهما ضرورة عقد هدنة إنسانية عاجلة تسمح بانسياب المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية للمدنيين، ومن ثم الانخراط في المفاوضات السلمية تزامناً مع وقف العدائيات، لتفضي إلى حل نهائي يطوي هذه الصفحة الدامية من تاريخ السودان.
وطالب البيان بإعادة الاتصالات وخدمات الإنترنت فوراً وإنهاء حالة العزلة الراهنة التي يعيشها الشعب السوداني، والكف عن استخدام قطاع الاتصالات كأداة من أدوات الحرب، مما يعد جرماً صريحاً وفق القوانين المحلية والدولية.
بدورها حذرت غرف ولجان الطوارئ بولاية الخرطوم، من تداعيات الانقطاع المستمر لشبكة الاتصالات والإنترنت وتوقف العمل الإنساني خلال الأيام الماضية، مما ينذر بانهيار الخدمات الصحية وشبح الجوع المهدد لحياة الملايين.
ناشد بيان للغرف المنظمات الإنسانية والحقوقية المحلية والإقليمية والدولية وكل الأجسام الثورية والمطلبية، الالتفاف حول مطلب ضرورة عودة شبكة الاتصالات والإنترنت الفورية لجميع أنحاء السودان، مطالبة شركات الاتصالات بالإفصاح عن الأسباب الحقيقية وراء الانقطاع، لافتة إلى أن ذلك الانقطاع مدعاة للتستر على كثير من الجرائم والانتهاكات التي ترتكب في حق الشعب المتضرر الأول منه.
أضاف البيان، "جعلنا قطع شبكة الاتصالات والإنترنت بصورة كاملة من جميع أرجاء البلاد، نقف مكتوفي الأيدي وعاجزين عن تقديم أي مساعدة لشعبنا بالداخل".
ولفتت غرف الطوارئ إلى أن مصادر الدخل البسيطة التي تمكنت من إيصالها إلى أسر ضعيفة عبر الجمعيات النسوية خلال الفترة الماضية، لتعين أمهات وأطفال على مكافحة الجوع حد الكفاف تواجه عقبة كبيرة جداً بسبب انقطاع شبكة الاتصالات.
نداء عاجل
على صعيد متصل، وجهت حركة جيش تحرير السودان (عبدالواحد محمد نور) نداءً عاجلاً إلى الأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالعمل الإغاثي والإنساني من أجل إنقاذ حياة النازحين في جبل مرة الأشد فقراً، الذين يفتقرون إلى ضرورات الحياة، وينذر وضعهم المأسوي بالتحول إلى أسوأ كارثة إنسانية.
أوضح بيان للحركة أن مناطق سيطرتها في جبل مرة استقبلت مئات الأسر من النازحين الذين فروا من ويلات الحرب المستمرة، بلغت ما يقارب 450 ألف أسرة تم إيواؤهم في معسكرات آمنة ومحمية معظمهم من الفئات الضعيفة.
نبهت الحركة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والإقليمية إلى أن أولئك النازحين لم تصل إليهم أي مساعدات منذ وصولهم، ويعيشون ظروفاً قاسية ينتشر فيها سوء التغذية والأمراض، وترتفع معدلات وفيات الرضع وكبار السن وسطهم، بينما تواجه الحوامل والمرضعات أخطاراً صحية كبيرة على حياتهن.
معارك ومواجهات
في الأثناء تستمر المعارك والقصف المدفعي المتبادل في محيط المقار العسكرية للجيش في القيادة العامة وسط الخرطوم وسلاحي الإشارة بالخرطوم بحري وسلاح المدرعات جنوب العاصمة، فيما تتابع المواجهات البرية في محاور القتال بمدينة أم درمان وشمال الخرطوم بحري.
وشنت المقاتلات الحربية غارات جوية في مناطق بالعاصمة مستهدفة نقاط تجمع ومتحركات قوات "الدعم السريع" على أطراف بحري وغرب أم درمان. وكذلك شنت الطائرات المسيرة التابعة للجيش هجمات عدة على نقاط ارتكاز قوات "الدعم السريع" على الشوارع الرئيسة والفرعية داخل ولاية الخرطوم.
غارات متتالية
واستهدفت المقاتلات الحربية في غارات متتابعة أرتالاً عسكرية لقوات "الدعم السريع" على طريق الضعين بابنوسة بغرب كردفان إلى جانب قصفها المتكرر لقاعدة الزرق التابعة للأخيرة في شمال دارفور.
وفي أم درمان تتواصل المواجهات البرية وعمليات التمشيط التي تنفذها القوات الخاصة وفرق مشاة الجيش، حيث دارت اشتباكات في شارع الموردة وشمال محلية أم درمان، تمكنت خلالها من تدمير عدد من المركبات القتالية والاستيلاء على مجموعة من الصواريخ طراز (كورنت) المضادة للدروع في وسط المدينة.
وأوضحت مصادر ميدانية أن قوات العمل الخاص توسع انتشارها في وسط وشمال مدينة الخرطوم بحري، بينما وصلت طلائع قواته البرية حتى منطقة موقف شندي في وسطها.
في المقابل بثت قوات "الدعم السريع" مقاطع مصورة لمجموعات من قواتها وهم يتجولون في عدد من شوارع أم درمان في إشارة إلى استمرار وجودها وسط المدينة وفي محيط الإذاعة والتلفزيون.
وبينما بثت قوات "الدعم السريع" مقاطع مصورة من داخل مدينة بابنوسة تشير فيها إلى إحكام حصارها على الفرقة (22) مشاة بالمدينة، أكدت المصادر أن الجيش ما زال يسيطر على مقاره العسكرية بغرب كردفان بما فيها الفرق (22) واللواء (19) داخل المدينة نفسها.
تسليح المقاومة
في الأثناء أكد مساعد القائد العام الفريق ياسر العطا أن قيادة الجيش ماضية في تسليح كل المستنفرين من أبناء الشعب الذين استجابوا لنداء الوطن والقائد بجميع أنواع التجهيزات القتالية والأسلحة للقتال جنباً إلى جنب مع الجيش نصرة للدولة السودانية.
أوضح العطا لدى تفقده أحد مراكز التدريب القتالي المتقدم بأم درمان أن "الشعب قادر على إفشال المخطط الكبير الرامي لتجزئة السودان والمؤامرة ذات الأبعاد الخارجية المعلومة للجميع، لكن الدولة السودانية مسنودة بالجيش وكل القوات النظامية والمقاومة الشعبية ستحافظ على السودان واحداً موحداً".
أضاف مساعد القائد العام أن "القوات المسلحة مؤسسة قومية لا تنتمي لكيان سياسي أو جماعة أو قبيلة أو أسرة أو جهة، تجمع كل أطياف السودان ومكوناته، والمقاومة الشعبية المسلحة تحت قيادة الجيش تسطر وتكتب من جديد تاريخ السودان الخالي من ميليشيات آل دقلو الإرهابية المرتزقة".
الجزيرة والفاشر
في ولاية الجزيرة أعلن والي الولاية المكلف الطاهر إبراهيم الخير نقل عاصمتها ودولاب العمل الرسمي إلى مدينة المناقل جنوب الولاية. وأكدت المقاومة الشعبية من هناك اكتمال استعداداتها لمعركة تحرير مدينة ود مدني عاصمة الولاية التي يسيطر عليها قوات "الدعم السريع" منذ أشهر مضت.
وكشفت مصادر ولائية في مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور عن حركة جديدة للنزوح بدأت تنشط بصورة كبيرة من الأحياء الشمالية بالمدينة ومعسكر أبوجا، وكثير منهم نازحون سابقون كانوا قد عادوا بعد استقرار الأوضاع خلال الفترة الماضية، إلا أن تكرر المناوشات والاشتباكات والقصف الجوي ومخاوف انفجار الوضع بمواجهات أكبر أجبرهم على النزوح مرة أخرى.
المفاوضات الإنسانية
في شأن المفاوضات الإنسانية المرتقبة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في سويسرا برعاية المنسق الأممي مارتن غريفيث ومدى فرص نجاحها أوضح المحلل السياسي عبدالرحيم مدثر أنه على رغم أن الحرب في السودان تجاوزت كل المحرمات القانونية الدولية والمحلية، وما زالت تمضي بصورة عمياء ومتشنجة من الجانبين متجاوزة حرمة عدم المساس بالمدنيين، إلا أن جلوسهما ولو على مستوى الصف الثاني من القيادات قد يفتح مساراً جديداً يسهل على الأمم المتحدة انتزاع التزامات موثوقة منهما تسهم في فتح ممرات آمنة بأعجل ما يمكن لتلافي الوضع الإنساني الحرج الراهن.
ولفت المحلل السياسي إلى ضرورة استعجال هذه المفاوضات بالنظر إلى الواقع الإنساني الكارثي ودخول البلاد في أكبر مأساة نزوح عالمية وفق الإحصاءات الأممية وتهديد المجاعة لأكثر من 25 مليون سوداني، إذ ينبغي أن تمثل هذه المحنة دافعاً كافياً وضاغطاً أخلاقياً لتوصل الجانبين لاتفاق عاجل، بنظرة أوسع من اللهث وراء نصر عسكري يبدو مستحيلاً.
ودعا مدثر الطرفين إلى الابتعاد عن النهج التكتيكي التفاوضي مثلما حدث في منبر جدة، لكونه لا يفضي إلى نتائج عملية قابلة للتنفيذ، مشيراً إلى أنه ما لم تتوفر الجدية والإرادة اللازمة ويتجاوز الطرفان روح الثأر ومراراتهما الشخصية، ومحطة الانكفاء على الحسم العسكري، فإن الجلوس إلى مائدة التفاوض يصبح مجرد نوع من العلاقات العامة لكسب الوقت، مثلما حدث لمخرجات اتفاقيتي جدة الأولى أو الثانية، التي تجاوزها الجانبان بصورة صارخة دون أن يكون للوساطة أدوات وآليات لإلزامهما بها.