ملخص
الأخبار التي تسربت حول أعمال تعذيب وإساءة معاملة السجناء بطرق غير قانونية أعطت لهذا المعتقل وقعاً مرعباً حول العالم
معتقل خليج غوانتانامو هو سجن عسكري خاضع لإدارة الجيش الأميركي داخل قاعدة خليج غوانتانامو البحرية على ساحل كوبا. وقد تم احتجاز 779 شخصاً هناك منذ يناير (كانون الثاني) 2002 عندما افتتح السجن العسكري لأول مرة بعد هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، وبعد سنة واحدة تم نقل 740 معتقلاً إلى سجون أخرى وترك 30 شخصاً هناك، توفي تسعة منهم أثناء الاحتجاز.
وأنشأت إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش هذا المعتقل عام 2002 في أعقاب الحرب الأميركية على الإرهاب، وصنفت أعمال هذا المعسكر في إطار انتهاك حقوق الإنسان من قبل منظمة العفو الدولية بسبب الاعتقالات التي تمت من دون محاكمة، وأيضاً نتيجة انتهاك بند الإجراءات القانونية الواجبة في التعديلين الخامس والـ14 لدستور الولايات المتحدة، عدا عن الأخبار التي تسربت حول أعمال تعذيب وإساءة معاملة السجناء بطرق غير قانونية، مما أعطى هذا المعتقل اسماً مرعباً حول العالم، وجعل كاميرات وسائل الإعلام العالمية والمؤسسات القانونية الدولية المعنية بالمعتقلين وحقوق الإنسان تتوجه نحوه على مدى سنوات.
وأدت الأخبار المتداولة عن هذا المعتقل إلى اتخاذ الرئيس الأميركي باراك أوباما من شعار إقفاله هدفاً أساسياً لحملته الانتخابية، لكن على رغم بقائه لدورتين رئاسيتين في البيت الأبيض لم يتمكن أوباما من إقفاله بصورة نهائية، لكنه فرض إجراءات قانونية يكفلها الدستور الأميركي لمعاملة المعتقلين فيه، والذين انخفض عددهم خلال إدارة أوباما من 250 إلى 41 شخصاً.
ثم جاء الرئيس دونالد ترمب ليوقع في يناير 2018 أمراً تنفيذياً لإبقاء معسكر الاعتقال مفتوحاً إلى أجل غير مسمى، وقامت إدارته في مايو (أيار) 2018 بإعادة سجين إلى السعودية كبادرة حسن نية لتسليم شخص مطلوب للمثول أمام القضاء السعودي.
سار الرئيس جو بايدن على خطى أوباما وأعلن في فبراير (شباط) 2021 عزمه إغلاق المنشأة قبل أن يترك منصبه، لكن وزارة الدفاع الأميركية واصلت توسيع مرافق خليج غوانتانامو، ويحسب لإدارة بايدن الإفراج عن 10 معتقلين من بين القلة القليلة من المعتقلين الذين لا يزالون قيد الاعتقال والمحاكمة.
ومن بين المحتجزين في غوانتانامو كان الأفغان يشكلون أكبر مجموعة بنسبة 29 في المئة، يليهم السعوديون بنسبة 17 في المئة، ثم اليمنيون بـ15 في المئة، والباكستانيون 9 في المئة، والجزائريون 3 في المئة. وبصورة عامة كانت 50 جنسية حاضرة في غوانتانامو.
تحت السيطرة الأميركية
سيطرت الولايات المتحدة على خليج غوانتانامو عند نهاية الحرب الإسبانية - الأميركية بواسطة المعاهدة الكوبية - الأميركية عام 1903، والتي حددت سبعة شروط لانسحاب الولايات المتحدة من كوبا بعد استقلالها عن إسبانيا الذي عزته الولايات المتحدة إلى مساعدتها لكوبا، ومنها إمكانية استئجار أو شراء الأراضي الكوبية لإنشاء قواعد بحرية.
بعد معاهدة "بلات" تم السماح للولايات المتحدة بإنشاء ما يصل إلى أربع قواعد بحرية في جزيرة كوبا، ولكنها أقامت قاعدة خليج غوانتانامو البحرية فقط، إلى أن أسقطت ثورة فيديل كاسترو ورفاقه حكم الديكتاتور الكوبي باتيستا، فاعتبرت الحكومات الكوبية الشيوعية منذ عام 1959 الوجود العسكري الأميركي في خليج غوانتانامو غير قانوني.
في البداية حافظت وزارة الدفاع الأميركية على سرية هوية المحتجزين في غوانتانامو، وبعد سنوات من الضغط اعترف الجيش الأميركي رسمياً باحتجاز 779 سجيناً في المعسكر. وتعاملت إدارة بوش مع حقوق المحتجزين بصورة استثنائي فمنعت عنهم أياً من أشكال الحماية التي توفرها اتفاقات جنيف، لكن قرارات المحكمة العليا الأميركية منذ عام 2004 أكدت أن للمحاكم الأميركية اختصاصاً قضائياً في قضايا المحتجزين التي يرفعونها أمام القضاء الأميركي.
أطلق تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر عام 2005 على المنشأة اسم "غولاغ العصر الحالي"، وفي عام 2006 طالبت الأمم المتحدة بإغلاق معتقل غوانتانامو بصورة نهائية وتحويل المعتقلين إلى المحاكم الرسمية، لكن عومل هذا الطلب بعدم اكتراث. وفي عام 2009 كانت سوزان كروفورد التي عينها بوش لمراجعة ممارسات وزارة الدفاع المستخدمة في المعتقل أول من اعترف في إدارته بوقوع التعذيب على معتقل واحد هو السعودي محمد القحطاني. وفي عام 2010 ذكر الكولونيل لورانس ويلكرسون، المساعد السابق لوزير الخارجية كولن باول، في إفادة خطية أن كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس جورج دبليو بوش ونائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، كانوا يعرفون أن غالبية المعتقلين الذين أرسلوا في البداية إلى غوانتانامو كانوا أبرياء، لكن المعتقلين احتجزوا هناك لأسباب تتعلق بالنفعية السياسية. وجاء في تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" أن بعض المعتقلين تم تسليمهم إلى الولايات المتحدة من قبل رجال القبائل الأفغانية مقابل مكافآت نقدية.
وانتقلت السلطة إلى الديمقراطيين الأميركيين بعد سنوات طويلة من حرب إدارات المحافظين على الإرهاب، وحاول الرئيس الأميركي باراك أوباما تنفيذ بعض ما جاء في بيانه الانتخابي بخصوص معتقل غوانتانامو، فأصدر في الـ22 من يناير 2009 طلباً بتعليق الإجراءات في لجنة غوانتانامو العسكرية لمدة 120 يوماً، وإغلاق مركز الاحتجاز في ذلك العام، لكن بعد أشهر أقر مجلس الشيوخ الأميركي تعديلاً لمنع الأموال اللازمة لنقل أو إطلاق سراح السجناء المحتجزين في معتقل خليج غوانتانامو، ما اضطر الرئيس أوباما مباشرة إلى إصدار مذكرة رئاسية أمر فيها مركز "طومسون" الإصلاحي بقبول سجناء غوانتانامو المنقولين إلى الولايات المتحدة بهدف إعادة التأهيل بعد أن كانت الضجة العالمية حول هذا المعتقل قد شوهت صورة تطبيقات حقوق الإنسان والمعاملات الإنسانية في الولايات المتحدة.
وكان باراك أوباما يرزح في الوقت نفسه تحت وطأة وعوده الانتخابية المحلية والعالمية بإغلاق هذا المعتقل الذي يكاد يصبح نقطة سوداء في صورة الولايات المتحدة حول العالم، والتي تبرر وتروج لحروبها على الإرهاب الدولي تحت مظلة نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. إلا أن المفاجأة كانت في أبريل (نيسان) 2011 حين نشر "ويكيليكس" 779 ملفا سرياً يتعلق بالسجناء في معتقل خليج غوانتانامو، مما أعاد هذا المعتقل إلى واجهة النقاش الأميركي الداخلي، ونقاش المنظمات الدولية المعنية أيضاً. وفي عام 2015 صرح الرئيس باراك أوباما عن خطة لإغلاق المنشأة ونقل بعض المشتبه فيهم إلى الأراضي الأميركية، لكن بحلول نهاية إدارته عام 2017، كان مركز الاحتجاز لا يزال مفتوحاً ويضم 41 محتجزاً.
مرافق المخيم الرهيب
أشهر مرافق معتقل غوانتانامو كان معسكر "دلتا"، وهو عبارة عن مركز احتجاز مكون من 612 غرفة، ومعسكر "إيكو"، حيث يحتجز المعتقلون الأكثر خطراً. ونشرت صحف أميركية معلومات حول "موقع أسود" على بعد نحو ميل واحد خارج محيط المعسكر الرئيس، ووصفه أربعة حراس خدموا في غوانتانامو قائلين إن المعتقلين الثلاثة الذين أعلنت وزارة الدفاع أنهم انتحروا قد تم استجوابهم تحت التعذيب ليلة وفاتهم في هذا الموقع.
ومن جهة ثانية كان هناك موقع آخر أدارته وكالة الاستخبارات المركزية داخل القاعدة العسكرية لإيواء السجناء الذين حاولت الوكالة تجنيدهم كجواسيس ضد تنظيم "القاعدة"، ويحوي مطابخ خاصة وأجهزة وأطباق لاقطة وتلفزيون وأسرة مع مراتب، لكن كانت الأخبار القادمة من المعتقل تشير إلى عمليات تعذيب مخالفة للقانون، وقد وجدت من يدافع عنها داخل الولايات المتحدة ممن يعتبرون أن بعض صور الحماية في اتفاقية جنيف الثالثة لا تنطبق على مقاتلي "القاعدة" أو "طالبان"، بل على العسكريين الذين هم جزء من سلسلة قيادية ويرتدون شارات مميزة ويحملون السلاح علناً ويلتزمون قواعد الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد أعلن السجناء المفرج عنهم من المعسكر عن الإساءات الدينية من أجل إذلالهم النفسي، بما في ذلك إلقاء القرآن في المرحاض، وتشويهه وكتابة تعليقات وملاحظات عليه وتمزيق صفحات منه وحرمان المحتجزين من قراءته. وأعلن مفتشو الصليب الأحمر أنه تم الحرمان من النوم والضرب والحبس في زنازين محصورة وباردة، وهي طرق غير مشروعة في التحقيق والاعتقال. وقال المحتجزون المفرج عنهم إن أنابيب التغذية الكبيرة دفعت بالقوة إلى أنوفهم نزولاً إلى بطونهم، وكان الحراس يستخدمون الأنابيب نفسها من مريض إلى آخر من دون استخدام المهدئات، بعد أن أعلن المعتقلون في مايو (أيار) 2013 الإضراب عن الطعام.
في الثاني يوليو (تموز) 2008، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن المدربين العسكريين الأميركيين الذين جاؤوا إلى خليج غوانتانامو في ديسمبر (كانون الأول) 2002 قد أسسوا فصل استجواب كامل على مخطط تم نسخه مباشرة من دراسة القوات الجوية لعام 1957 حول منهجية الاستجواب "الشيوعية الصينية" التي يشار إليها عادة باسم "غسيل الدماغ"، والتي زعمت الولايات المتحدة أنها استخدمت خلال الحرب الكورية للحصول على اعترافات بما فيها الحرمان من النوم والتقييد لفترات طويلة".
وفي مايو 2011 أبلغ عن ست حالات انتحار في الأقل داخل غوانتنامو، وخلال أغسطس (آب) 2003، كانت هناك 23 محاولة انتحار. وصنف "البنتاغون" محاولات الانتحار على أنها "سلوكات متلاعبة ضارة بالنفس"، وزعم أطباء المخيم أن المحتجزين لا يرغبون حقاً في إنهاء حياتهم بل هدفوا إلى تحسين أوضاعهم وفرض شروطهم.
وفي الـ10 من يونيو (حزيران) 2006، عثر على ثلاثة معتقلين "قتلوا أنفسهم في اتفاق انتحاري واضح" وفقاً لتقرير وزارة الدفاع الأميركية. وقيل إن المحتجزين الثلاثة شنقوا أنفسهم بحبل المشنقة المصنوع من الملاءات والملابس. ووفقاً لمسؤولين عسكريين، كانت حالات الانتحار عبارة عن أعمال احتجاج منسقة.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 اتهم مفتشو الصليب الأحمر الجيش الأميركي باستخدام "أعمال مهينة والحبس الانفرادي ودرجات الحرارة القصوى والتعذيب القاسي" ضد السجناء. وخلص المفتشون إلى أن "بناء مثل هذا النظام، الذي يتمثل غرضه المعلن في إنتاج المعلومات الاستخباراتية، لا يمكن اعتباره سوى نظام متعمد للمعاملة القاسية وغير العادية والمهينة وصور من صور التعذيب".
في ديسمبر 2009، ذكرت الولايات المتحدة أنه منذ عام 2002، غادر أكثر من 550 معتقلاً خليج غوانتانامو إلى وجهات أخرى تضم ما يقارب الـ30 دولة. وبعد 20 عاماً في 2022 أفرجت الحكومة الأميركية عن ثلاثة معتقلين آخرين هم محمد القحطاني سفيان برهومي وأسد الله هارون غولثم. وعن أكبر السجناء سناً، وهو سيف الله باراشا.
وحتى اليوم لا يزال هناك 34 محتجزاً تم تقرير إخلاء سبيل 19 منهم، ولكن لم يتم الإفراج عنهم بعد. ولا يزال النقاد يعلقون حتى اليوم بالقول، إن إدارة بايدن قد لا تكون مستعدة أو قادرة على إغلاق السجن بالكامل لأنها ستضطر إلى نقل جميع المحتجزين الـ39 إلى سجون أو مواقع أخرى، ولم يتخذ خطوات ملموسة كافية لضمان نقل المحتجزين الحاليين بنجاح وتنفيذ خطوات الإغلاق.