حين رفعت الإدارة الأميركية إلى الرئيس الأميركي جو بايدن بعض العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على فنزويلا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أكدت أن تلك العقوبات الملغاة يمكن إعادة فرضها في أي وقت.
إلى ذلك، كان هدف إلغاء بعض العقوبات المفروضة على كراكاس هو تدخل إدارة بايدن في معادلة العرض والطلب في أسواق الطاقة، رداً على سياسات تحالف "أوبك+"، إلا أن من بين تلك العقوبات الملغاة، ويمكن أن يعاد فرضها، التي اعترف البيت الأبيض بأن فرضها كان خطأ، وأنه كان لها رد فعل عكسي "أفاد أعداء الولايات المتحدة"، وفقاً لتقرير حصري في صحيفة "وول ستريت جورنال".
وكانت تلك العقوبة هي حظر شراء المستثمرين الأميركيين لسندات الدين الفنزويلية، وقدم عدد من كبار المستثمرين في السندات في سوق "وول ستريت" أدلة متتالية تشير إلى أن حظر شراء الصناديق والمستثمرين الأميركيين لسندات الدين السيادي الفنزويلي يوفر فرصة ذهبية إلى روسيا لتهيمن على سوق الدين الفنزويلي عبر شراء السندات من خلال وسطاء من الخليج أو قبرص وفقاً للتقرير، إلى جانب أن ذلك الإجراء يحرم المستثمرين الأميركيين من أرباح كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار السندات الفنزويلية، مما يمكن موسكو من لعب الدور الأهم في إعادة هيكلة ديون فنزويلا، بدلاً من الولايات المتحدة التي تفقد تلك الميزة.
وتلك هي المرة الأولى التي تعترف فيها الإدارة الأميركية علناً بأن حظر شراء سندات بلد يخضع للعقوبات يمكن أن يأتي بنتائج عكسية.
عقوبات ضارة
وبالفعل، بدا أن "وول ستريت" تمكنت من إقناع الإدارة الأميركية بموقفها فلم يعد حظر شراء السندات الفنزويلية وارداً الآن حتى لو أعادت واشنطن بعض العقوبات التي ألغتها العام الماضي.
يشار إلى أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب كانت قد فرضت تلك العقوبات على فنزويلا كعقاب لرئيسها المعادي للولايات المتحدة نيكولاس مادورو.
وليست فنزويلا فحسب، بل إن توسع الولايات المتحدة في فرض العقوبات يدفع الدول الخاضعة لها للتكيف مع نقل السلع والأموال عبر حدودها. وبما أن حظر شراء سندات الدين مفروض أيضاً على روسيا وبيلاروس، فإن ذلك يوفر فرصة للمتعاملين في سوق السندات من اقتناص الفرص في البلدين، من ثم يصبح لديهم ميزة التأثير في إعادة هيكلة الدين السيادي للدول الخاضعة للعقوبات، ذلك بينما يصعب على الولايات المتحدة تتبع حركة الأموال المستثمرة في تلك السندات.
بالنسبة إلى فنزويلا، غالباً ما تحتفظ الحكومة في كراكاس بكمية كبيرة من السندات في المؤسسات المالية المحلية أو "الأوفشور" وتبيعها محولة إياها إلى نقد حين تحتاج إلى المال.
وكان لدى الشركات والمستثمرين الأميركية حصيلة من السندات الفنزويلية بقيمة بلغت 50 مليار دولار، معظمها صادرة عن الحكومة الوطنية أو شركة النفط المملوكة للدولة "بتروليوس دي فنزويلا"، ولأن تلك السندات مغرية بسبب ضمان العائد الكبير عليها، ومضمونة بالنقد الحقيقي من عائدات مبيعات النفط، فإن بعض المستثمرين لم يبيعوا ما لديهم من سندات، بينما تخلص البقية من نحو نصف ما كان لدى المستثمرين الأميركيين من السندات الفنزويلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن الشركات والصناديق التي احتفظت بالسندات الفنزويلية "فيديلينتي إنفستمنتز" و"تي راو برايس" و"غراي لوك كابيتال"، إذ قدم هؤلاء المستثمرون لوزارة الخارجية الأميركية تفاصيل صفقات سندات فنزويلية لمستثمرين من قطر والإمارات وقبرص، يعتقد أنهم يشترون لصالح موسكو.
وبحسب تقرير الصحيفة، تحتفظ كل شركة بما بين مليار واحد و1.5 مليار دولار من سندات الدين الفنزويلية، ونتيجة ارتفاع سعرها بعد رفع الحظر العام الماضي حقق هؤلاء المستثمرون أرباحاً وصلت إلى مئات ملايين الدولارات، ومع رفع الحظر في أكتوبر الماضي ارتفع سعر سندات الدين الفنزويلية من 13 سنتاً للدولار إلى 20 سنتاً.
في غضون ذلك يتوقع بعض المستثمرين أن تعود سندات الدين الفنزويلية إلى مؤشر "جيه بي مورغان" لسندات الأسواق الصاعدة، مما يعني مزيداً من ارتفاع سعرها ومكاسب للمستثمرين الأميركيين.
وبحسب برقيات دبلوماسية مصنفة على أنها "سرية" اطلعت عليها الصحيفة، بدا واضحاً أن وزارة الخارجية الأميركية اقتنعت بوجهة نظر المستثمرين من "وول ستريت" في سوق السندات، إذ حذرت الوزارة من أن "الولايات المتحدة قد تستبعد تماماً من أي محادثات لإعادة هيكلة ديون فنزويلا، مما يعطي روسيا وغيرها من الدول تأثيراً أكبر في هذا السياق".
وهكذا، نجح المستثمرون في إقناع السياسيين بخطأ تلك العقوبات تحديداً "حظر شراء سندات الدين للدول الخاضعة للعقوبات".