Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجارب إيرانيات في سجون النظام: الموت أخف العذابات (5)

تروي شبنم مددزاده قصة انضمامها إلى الحركات الطلابية المناهضة لحكم الملالي وأهوال السجن التي شملت رؤية امرأة "عادت للتو من الموت"

شبنم مددزاده: تجربة مريرة في سجون النظام الإيراني (اندبندنت عربية)

ملخص

تروي شبنم مددزاده قصة انضمامها إلى الحركات الطلابية المناهضة لحكم الملالي وأهوال السجن التي شملت رؤية امرأة "عادت للتو من الموت"

في هذه السلسلة، نلقي الضوء على تجارب نساء إيرانيات عشن جحيم سجون النظام الإيراني تحت حكم الملالي، ونستعرض لقاءات حصرية لـ "اندبندنت عربية" مع سجينات سابقات يشاركن قصصهن المؤثرة، ونستكشف الأوجه المظلمة للحياة داخل الزنزانات، نواصلها اليوم مع حكاية شبنم مددزاده.

 

"أتمنى أن تكون إيران حرة... إيران من دون تعذيب وإعدام... إيران مزدهرة... والضحكة تزين شفاه جميع الأطفال... إنقاذ كل النساء من نير الحكومة... إنصاف النساء وعلاج آلامهن... حلم المساواة والازدهار للمرأة". بنبرة تجمع بين الأسف لعدم تحقق هذا الحلم بعد والإصرار على السعي لتحقيقه، تلخص شبنم مددزاده أمنيات كانت دافعها للوقوف في وجه النظام الإيراني قبل أكثر من 15 عاماً.

بدأت السيدة المولودة عام 1988 في مدينة جلفا في ‌محافظة أذربيجان الواقعة شمال تبريز، مسيرتها في معارضة الاضطهاد لمّا كانت طالبة في جامعة خوارزمي طهران، فرع كرج.

تقول شبنم إن الاتحادات الطلابية كانت المكان الذي يلجأ إليه الطلاب غير الراضين عن سياسات الحكومة، وفي الفترة بين عامي 2006 و2009 تشكلت رابطة باسم "تحكيم وحدة" كانت تقاوم القمع الوحشي للحركات الطلابية في عهد الرئيس أحمدي نجاد.

إلى جانب عقد منتديات مفتوحة وإضرابات ضد هذه السياسات القمعية والمقيدة واعتقال الطلاب، كانت هناك احتجاجات حاشدة، تذكر شبنم المشاركة في تظاهرة ضمت 4 آلاف طالب وطالبة.

بعد إضراب طويل عن الطعام في عام 2008، تمكن الطلبة من تأخير الامتحانات وفي النهاية اضطرت الهيئة الإدارية في الجامعة إلى الرضوخ لمطالب الشباب.

بالتأكيد، لن يسمح نظام مثل النظام الإيراني لمثل هذه التحركات أن تمر من دون عواقب، لكن على رغم حملات القمع واسعة النطاق وعمليات الطرد وتوقيف الطلبة في الجامعة، تقول شبنم إن الشباب تمكنوا من توسيع شبكتهم وجذب مزيد من المشاركين في احتجاجاتهم.

حاول النظام الرد على هذه الحركات من خلال تشكيل مؤيديه تنظيمات موازية تقف في وجه التجمعات الاحتجاجية وخلق عراقيل أمام الطلاب. وبدأ أنصار الحرس الثوري العمل في تلك المنظمات وراحوا يطلقون على تجمعاتهم نفس أسماء الجمعيات التي ينشط فيها الطلاب المعارضون من أجل خلق جو من التشويش وشكلوا رابطة تحمل اسم "تحكيم وحدت" بتغيير بسيط في الاسم.

دروس السجن لا يمكن تعلمها في مكان آخر

تروي شبنم أنها في يوم 19 فبراير (شباط) من عام 2009، بعد خروجها من جامعة خوارزمي في كرج واستقلال سيارة أجرة للذهاب لحضور اجتماع في طهران، قام عملاء استخبارات النظام بإيقاف سيارة الأجرة على الطريق السريع واختطفوها من هناك من دون أن يعلم أهلها ما حل بها، فراحوا يبحثون عنها لمدة أسبوعين في المستشفيات والمشارح.

بعد لجوء والدتها إلى إدارة الجامعة للاحتجاج، أبلغها عملاء في الاستخبارات ومسؤولون في الجامعة عن اعتقال شبنم، فأدركت الأم أن سلطات الجامعة تعاونت مع عناصر النظام لتدبير اعتقال ابنتها.

كانت تهمة شبنم العمل ضد الأمن القومي، ثم تم تصعيدها لاحقاً في لائحة الاتهام التي وُجهت إليها في محاكمتها الأخيرة إلى "المحاربة" وهي تهمة عقوبتها الإعدام. (المحاربة في قانون عقوبات النظام الإيراني تعني محاربة الله لأن النظام يعتبر نفسه حكماً إلهياً في الأرض ومن یحاربه یحارب الله).

على رغم مرور حوالى 15 عاماً على الزج بها في السجن، إلا أن ذكريات ما تسميه شبنم بـ "الحقبة الأخرى من حياتي" ما زالت حية في ذاكرتها وكأنها حدثت بالأمس.

تقول السيدة التي تحدثني عبر اتصال مصوّر من مكان إقامتها حالياً في إحدى الدول الأوروبية إن أكثر ما أثر بها كان عجز السجينات اللواتي دخلن السجن بتهم جنائية عادية (مالية، مخدرات، قتل، إلخ). مضيفة: "تعرفت في السجن على الوجه الحقيقي للنظام وجرائمه. كان الطغاة يدمرون إنسانية آلاف النساء كل يوم وكأنهن بشر ليس لهن وجود. كن يتعرضن للتعذيب الوحشي والاعتداء الجنسي. لا تغادر وجوه هؤلاء الفتيات والنساء مخيلتي أبداً".
خلال تلك الفترة تعرفت شبنم على سجينات سياسيات أخريات وتجاربهن، وفتحت معاناتهن عينيها على حقائق كثيرة، موضحة أنه بالنسبة لفتاة كانت في الـ 21 من عمرها آنذاك فإن "مشاهدة هذه التجارب كانت خبرة لا يمكن تعلمها في أي فصل دراسي أو قاعة جامعية".

تذكر على سبيل المثال رؤية امرأة "عادت للتو من عالم الموت". في اللحظات الأخيرة ولما كان حبل المشنقة ملتفاً حول رقبة تلك المرأة، أصدر القاضي أمراً بوقف إعدامها. وبعد استيقاظها من إغمائها تمت إعادتها إلى السجن لتستقبلها النساء الأخريات بالهتاف. تصف شبنم تلك الناجية من الموت: "كانت نَفْسَاً رأت الموت بعينيها. كانت يداها متجمدتين ووجهها بلا لون. بشكل تدريجي راحت الحياة تتسلل ببطء من أعماق حدقتي عينيها الضيقتين. وأخبرتني عن سعادتها بفرصة التنفس مرة أخرى". للأسف لم تستمر سعادة تلك الناجية أكثر من سنتين، حيث تم إعدامها في سجن جوهردشت.

ومن الذكريات الأكثر مرارة بالنسبة لشبنم، تلك الليلة التي تصفها بالرهيبة والمذهلة التي اقتيدت فيها صديقتها المقربة، شيرين، وهي سجينة سياسية كردية تنحدر من منطقة قريبة من مسقط رأس شبنم مما قرّب الفتاتين من بعضهما البعض منذ بداية دخول ضيفتنا السجن. رافقت شبنم صديقتها عندما ناداها السجان إلى أن وصلت إلى مكتب السجن، وقبل دخولها وعدتها بأنها ستعود في الصباح. لكن عند الفجر وعلى بعد خطوات قليلة تم إعدامها في إحدى زوايا سجن إيفين، مما جعل كل خبر إعدام لاحقاً يعيد هذه الذكرى البشعة إلى ذهن شبنم.

الزمن يتوقف في السجن والعذاب سرمدي

قضت شبنم حوالى 3 أشهر في زنزانة انفرادية ضيقة لا تحتوي إلا على سجادة وبطانيتين وحوض صغير ومصباح مثبت على الحائط مضاء دائماً، حيث شكل ضوؤه تعذيباً وتنبيهاً مستمرين للجهاز العصبي للسجناء. تتذكر السيدة أصوات تعذيب المعتقلين الآخرين وكيف كانت تتخيل أنهم ربما يكونون من أصدقائها ومعارفها أو حتى أهلها، والمحققين الذين "يهددونك كل يوم بإعدامك، وانتظار الفجر كل يوم حتى يتم اصطحابك أو أحد معارفك إلى الإعدام"، والاستجوابات الطويلة المصحوبة بالضرب والضغط النفسي لكتابة اعترافات قسرية. لكن الألم الأشد بالنسبة لها، كان مشاهدة خضوع شقيقها أمام عينيها والتهديد بإعدامه للضغط عليها كي تعترف. کان المحققون يكتبون كلمة "شهيد" على ورقة استجوابه ويطلعونها عليها ويقولون لها إنه سيصبح شهيداً عما قريب. كانت تتوقع كل ليلة أن يأخذها الجلادون لتشاهد إعدام أخيها. ومما يزيد من عذاب الأسرى، عدم وجود ساعات في المكان فلا يعلمون كم من الوقت مر على اعتقالهم، وفي ظل انعدام أي اتصال مع خارج السجن أو عوائلهم يفقدون تدريجاً إحساسهم بالزمن.

تقول شبنم إنها استمدت القوة لمواجهة التعذيب وهذه التجارب في السجن من عدم كونها أول شخص يعاني ومن معرفتها أنها لن تكون الأخيرة ما دام نظام الملالي قائماً، ولعلمها أن هناك من سبقها في التضحية، حيث رأت أمام عينيها نماذج ممن اجتازوا هذا الطريق ولم ينكسروا بل استمروا بقوة أكبر.

تذكُّر آلاف النبلاء الذين عذبوا في سجون النظام وسُلموا إلى المشنقة، خفف عن كاهل شبنم عبء التعذيب، لأنها كانت تعرف أن آلاف الشباب المحبين للحرية ضحوا بحياتهم قبلها. وتتابع: "كنت أتساءل وأنا في الزنزانة المنفردة، مَن منهم عاش لحظات حياته الأخيرة ولفظ أنفاسه بين هذه الجدران... كم من أياد لمست هذه الحيطان. كنت مدينة بحياتي لهم... ربما قبل اعتقالي، لم أكن أعتقد أنني أستطيع البقاء على قيد الحياة تحت التعذيب، لكنني نجوت بسبب تضحيات الآلاف الذين سبقوني".

أنا حرة لكن شعبي ليس كذلك

بعد 5 سنوات من الاعتقال، أطلق سراح شبنم من سجن إيفين في فبراير (شباط) عام 2014، لكنها كانت ممنوعة من السفر. بمساعدة شبكة اجتماعية تابعة للمقاومة في إيران، تمكنت من الفرار بطريقة غير قانونية من البلاد والوصول إلى أوروبا. أسهم نشاطها في الدفاع عن حقوق الإنسان وما كشفته عن أوضاع السجون في إيران إلى إثارة غضب النظام الذي ما زال يحاربها في منصاته الإعلامية وفضائه الإلكتروني بعد مرور كل هذه السنوات.

تدرك السيدة التي خسرت شقيقها وشقيقتها في عام 2011 على يد النظام، أن من اتخذ المعارضة طريقاً له، لم يكن آمناً ولن يكون كذلك حتى إسقاط النظام القادر على ممارسة أفعاله حتى خارج إيران. وتتحدث عما تسميه تصدير الإرهاب من خلال الدبلوماسية في إشارة إلى أسد الله أسدي الذي كان يعمل في السفارة الإيرانية في فيينا، وأدين بالتخطيط لتفجير تجمع ضخم للمعارضة الإيرانية في باريس عام 2018.

ترى ضيفتنا أنه في حال لعب المجتمع الدولي دوره في دعم المعارضة الإيرانية بشكل جيد فسيكون قادراً بسهولة على إنقاذ حياة الناس داخل إيران، لكنها تقول إن الحكومات تفضل اتباع سياسات الاسترضاء وبالتالي الاتجار بحياة آلاف الإيرانيين الأبرياء. وتضيف: "لو قررت دولة ما قطع علاقاتها مع النظام مقابل كل عملية إعدام، سيتعرض النظام لضغوط كبيرة".

لخصت شبنم وجهة نظرها هذه في كلمتها خلال اجتماع للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنیف في مارس (آذار) عام 2023، لما قالت: "أمضيت خمس سنوات من حياتي في السجون الإيرانية بسبب نشاطي كممثلة للطلاب. قضيت 3 أشهر في الحبس الانفرادي تحت أبشع أنواع التعذيب النفسي. وما زلت أسمع صوت المحقق يقول ’أنت وحدك هنا سنفعل بك الفظائع ولن يسمع صوتك أحد’. السجون الإيرانية ما زالت مكتظة وعمليات الاعتقال تنفذ كل يوم وآلاف السجناء المجهولين يتعرضون للتعذيب وعديد منهم رهن الاحتجاز من دون ارتكاب أي جريمة".

وتقول إنه يتوجب على المجتمع الدولي الاعتراف بحق الشعب الإيراني في النضال من أجل الحرية والديمقراطية، ووضع قتلة الشعب الإيراني، أي الحرس الثوري، على قائمة الإرهاب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الرأي العام الإيراني تغير لكن هذا ليس كافياً

ترى شبنم أن التغيير في الرأي العام الإيراني في النظام بات واضحاً للغاية، والدليل على ذلك الانتفاضات الكبيرة التي شهدتها إيران في السنوات الأخيرة، وعلى رغم كل الاختناق، تستمر الاحتجاجات في البلاد. وتفسر ذلك بازدياد الوعي والشجاعة للعمل الثوري بين أبناء الشعب الإيراني الناجم عن الجهود المكثفة والتضحيات المحفوفة بالأخطار التي تبذلها المقاومة منذ أربعة عقود ونشاطات شبكة أنصار المقاومة داخل ايران. وعلى رغم الجهود المكثفة والممنهجة التي يبذلها النظام، لإبعاد الناس وبخاصة الشباب عن الفكر والنشاط المقاوم، إلا أن هناك ميلاً كبيراً لدى المجتمع الإيراني للانضمام إلى الحركات التحررية المعارضة.

وتقول إن دراسة الظروف التي أدت إلى الانتفاضات في السنوات الأخيرة، تجعلنا ندرك أن الشعب الإيراني بات يطالب بإسقاط ما تصفه بـ "نظام الفاشية الدينية" في إيران أكثر من أي وقت مضى، وأن السخط الشعبي يتزايد يوماً بعد يوم بسبب الوضع السيئ للغاية الذي يعيشه الناس.

تشيد شبنم بالشجاعة التي لا تصدق من قبل الشباب الذي يقاتل ضد النظام، وترى أن القمع الوحشي والإعدامات لا يمكن أن تستمر، إذ لا شك أن إيران حبلى بتغييرات ضخمة ولا بد أن المخاض سينتهي في يوم ما، بخاصة أن هناك بديلاً لنظام الملالي ترى شبنم أنه يمتلك خطة واضحة لمستقبل إيران تمكن الشعب الإيراني من بلوغ التغيير الديمقراطي الذي يصبو إليه.

وتضيف: "شجاعة وإقدام الشباب في إيران يحفزانني كل يوم، وأعرف من تجربتي الخاصة مدى إيمانهم بالحرية لدرجة أنهم يخوضون مثل هذه الأخطار. أنا معجبة بهم وأقول لهم لا تخافوا من التهديدات، واعلموا أننا نقاتل على الجبهة نفسها ولكن في خنادق مختلفة، سيكون النصر لنا، فليل هذا الحكم الديكتاتوري لا بد أن ينجلي".

المزيد من تحقيقات ومطولات