ملخص
هوس الاقتحام عند "حماس" و"حزب الله" نزعة انتحارية لا تقيس مدى الكوارث التي تستتبع قدرتهما على توغل محدود وموقت في أرض العدو
في مايو (أيار) الماضي قام "حزب الله" بمناورة قتالية أطلق عليها اسم "سنعبر"، وبعد خمسة أشهر في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) "حماس" هي التي عبرت وليس "حزب الله". واليوم تحصل محادثات واتصالات ولقاءات على مستوى عالمي، والنقطة الأساس أن يعبر "حزب الله" عكسياً، بمعنى أن يبتعد من الحدود ويعود أدراجه لما وراء نهر الليطاني.
تلك المناورة حصلت على بعد 20 كيلو متراً من الحدود، وبحضور وسائل الإعلام وتضمنت محاكاة لهجوم بطائرة مسيرة واقتحاماً للشريط الحدودي. كل ذلك حصل في العراء، وتحت سماء صافية، هذا "الانكشاف" يفسر قليلاً كيف تصطاد اليوم المسيرات الإسرائيلية هذا العدد من كوادر الحزب. وإذا كان من الجلي أن إسرائيل راقبت المناورة، فالحكومة اللبنانية بدت غير معنية بهذا التحرك العسكري الخطر، ولم تكلف نفسها عناء تصريح ولو من باب رفع العتب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتزامناً مع المناورة لم يفت "الإعلام الحربي" للحزب التذكير بأن أمينه العام حسن نصر الله "سبق أن حذر العدو الصهيوني مراراً خلال الأعوام الماضية، من أن الحزب قد يطلب من مقاتليه اقتحام الجليل في أية حرب مقبلة". وللدلالة على جدية هذا الاقتحام نقلت وسائل الإعلام وجود جدار في المناورة كتبت عليه شعارات من مثل "قادمون" و"قسماً سنعبر".
حتى اليوم يتمهل نصر الله في اتخاذ القرار باحتلال الجليل، ويستعيض عنه بطلب وقف إطلاق النار في غزة. في عرف "الممانعة" ليس على الكلمات "جمرك" كما نقول في لبنان. "سنعبر" شعار جميل يجب أن ترتجف فرائص إسرائيل منه. ولكن الذي يحصل هو أن إسرائيل هي التي تعبر كل يوم جواً وتوسع نطاق عملياتها وفق نظرية مطاطة لـ"قواعد الاشتباك" وصلت نيرانها إلى العاصمة بيروت، وقتلت عدداً كبيراً من مسؤولي الحزب وعناصره، ومن المدنيين الأبرياء، ودمرت مئات المساكن والمباني، وعطلت الحياة في كل الجنوب، ونزح بسببها حتى الآن ما يناهز 100 ألف مواطن.
هوس الاقتحام عند "حماس" و"حزب الله" نزعة انتحارية لا تقيس مدى الكوارث التي تستتبع قدرتهما على توغل محدود وموقت في أرض العدو. بهذا المعنى "حماس" و"حزب الله"، وفي محطات معينة، يماثلان "داعش" لناحية انسلاخهما عن الاحتضان الشعبي لهما، وعدم التردد باستعمال "ناسهما" دروعاً مهما بلغت الكلفة البشرية والأخلاقية. وشعار "العبور" الذي يستعيره "حزب الله" نفذته مصر في حرب 1973، التي عرفت أيضاً بـ"حرب العبور". فالعبور الفعلي قام به أكبر جيش عربي بعد تخطيط وتدريبات معقدة بين قوات برية وجوية وبحرية وإمدادات وتنسيق مع جيش آخر هو الجيش السوري.
لم يحصل "عبور سيناء" بعد مناورة دعي إليها الصحافيون ليتفرجوا على مسلح تسلق عموداً وألقى علم نجمة داوود، ذلك العبور، الذي احتفلنا قبل أربعة أشهر بعيده الـ50، تقصدت "حماس" أن تطلق "طوفانها" في اليوم التالي لذكراه. وهذه الكلمة تعني في الذاكرة اليهودية عبور بني إسرائيل البحر الأحمر إلى أرض ميعادهم. وشاءت الأقدار أن تحصل المنازلة عام 1973 بين ورثة الفراعنة وإسرائيل على المساحة التاريخية ذاتها، وجاء عبور قناة السويس مشبعاً بالمعاني الدفينة لأنه أيضاً عبور من "نكسة 67" إلى "نصر أكتوبر"، لذا "سنعبر" شعار هزيل مقارنة بتجارب الماضي وحقائق الحاضر، خصوصاً إذا كانت أدوات العبور الموعود دراجات نارية يركبها مسلحون بأسلحة فردية.