ملخص
شددت "الجماعة"، ضمن محاور الوثيقة الصادرة، على أنها "تسعى إلى الإسهام في بناء دولة عصرية عادلة منضبطة للتعاقد الدستوري المنبثق عن الإرادة الشعبية.
ألقت الوثيقة السياسية الجديدة التي طرحتها قبل أيام خلت جماعة "العدل والإحسان"، التي يعتبرها كثيرون أكبر التنظيمات الإسلامية المعارضة في المغرب، حجراً ثقيلاً في بركة المشهد السياسي بالبلاد، لما حملته من مقترحات تفصيلية وتدابير عملية، بهدف "تأسيس جبهة مجتمعية ضد الفساد".
ويرى محللون أن إصدار "الجماعة" للوثيقة السياسية الجديدة، يتجاوز موضوع عدم مشاركتها في "اللعبة السياسية"، إلى نوعية هذه المشاركة والسقف السياسي المتاح، وينم عن رغبتها في تقديم نفسها بديلاً لحزب "العدالة والتنمية" (ذي المرجعية الإسلامية)، لكن قيادياً في "الجماعة" شدد على أن "لا شيء يوحي بأن هناك تغيرات في خطها السياسي".
وفي وقت شارك فيه عديد من الأحزاب والهيئات الإسلامية في تسيير شؤون الحكم داخل بلدان عربية، عقب ما سمي "الربيع العربي"، من قبيل جماعة "الإخوان" في مصر، وحركة النهضة في تونس، و"العدالة والتنمية" بالمغرب، فإن "العدل والإحسان" ظلت متمسكة بالمعارضة رافضة المشاركة في مختلف المحطات السياسية والانتخابية بالبلاد.
محاور الوثيقة
ونالت الوثيقة السياسية الجديدة لجماعة العدل والإحسان المغربية كثيراً من الاهتمام والتحليلات والتكهنات أيضاً في شأن خلفيات إصدارها، وغايات "الجماعة" من هذه "الخرجة الجديدة" في السياق السياسي والمجتمعي الذي تعيشه البلاد.
وعلى رغم إصدار "الجماعة"، التي أسسها مرشدها الشيخ عبدالسلام ياسين عام 1983، لعديد من الوثائق السياسية، من قبيل وثيقة "حلف الإخاء" عام 2006، ووثيقة "جميعاً من أجل الخلاص" عام 2007، لكن الوثيقة السياسية الصادرة حديثاً تظل الأقوى والأبرز، وفق مراقبين.
وتضمنت الوثيقة السياسية الجديدة، المكونة من 198 صفحة، عديداً من المنطلقات والمحاور موزعة على المحور السياسي الذي يتطرق إلى "الحرية والعدل وحكم المؤسسات"، والمحور الاقتصادي والاجتماعي الذي يشمل العدالة والتكافل والتنمية المستدامة، والمحور المجتمعي الذي يضم رؤية "الجماعة" لسبل ضمان كرامة المواطنين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشددت "الجماعة"، ضمن محاور الوثيقة الصادرة، على أنها "تسعى إلى الإسهام في بناء دولة عصرية عادلة منضبطة للتعاقد الدستوري المنبثق عن الإرادة الشعبية، على أن تكون دولة مدنية، ودولة القانون والمؤسسات القائمة على الفصل والتوازن والتعاون بين السلطات".
ووفق روية "الجماعة"، فإن "التداول السلمي للسلطة يكون من خلال انتخابات حرة ونزيهة ومنتظمة وفعالة"، كما تنشد "إقامة دولة تسعى عبر مؤسساتها وبرامجها إلى مشاركة المواطنين في الحياة العامة، مع خضوع مسؤوليها للمحاسبة والمساءلة بغض النظر عن مكانتهم السياسية ومواقعهم الاجتماعية".
واشترطت "العدل والإحسان" ما سمته رفع الدولة يدها عن الأحزاب السياسية لتقوم هذه الأخيرة بما يفترض فيها من تنافس على الحكم، وتمثيل للمواطنين وتأطير سياسي لهم، وفسح المجال للجمعيات الثقافية والحركات الدعوية والتنظيمات المدنية ومؤسسة العلماء للإسهام في نشر القيم الأصيلة التي تبني الإنسان وترسخ فيه البواعث السامية، من خلال تحرير الطاقات، بخاصة الشبابية والنسائية، وفتح مجالات الإبداع والعمل والإسهام أمامها".
بديل لحزب العدالة والتنمية؟
ويقرأ الخبير في الجماعات الإسلامية إدريس الكنبوري دلالات نشر "الجماعة" للوثيقة السياسية، بكونها في حد ذاتها إشارة قوية إلى أنها تجاوزت النقاش حول المشاركة السياسية من عدمها، وبأن القضية اليوم ليست المشاركة، بل نوعية المشاركة والسقف الذي يمكن أن تتيحه الدولة لها.
ويشرح الكنبوري قائلاً "هذه الوثيقة هي الأقوى من نوعها في تاريخ "الجماعة" منذ نشأتها، لأنها طرحت اقتراحات يمكن وصفها بالأفقية، عكس ما كانت تقوم به في الماضي عندما كانت مقترحاتها عمودية تنطلق من مطلب إصلاح المؤسسة الملكية، أو في الأقل تطرح مطالب غير واضحة تجمع فيها بين انتقاد الملكية وإقامة دولة الشورى ومجتمع المؤمنين".
ويرى المحلل عينه بأن "الجماعة بطرح هذه الوثيقة تريد تقديم نفسها كبديل لحزب "العدالة والتنمية" الذي فشل في تنزيل الإصلاح لمدة 10 سنوات، لكنها تريد ألا تقع في الأخطاء نفسها التي وقع فيها الحزب، ولا تريد أيضاً أن تشتغل ضمن الإطار الدستوري والسياسي نفسه الذي عمل فيه حزب العدالة والتنمية حتى لا تكرر الفشل، لذلك كانت الوثيقة شاملة لكل جوانب الإصلاح من الأعلى إلى الأسفل".
واستطرد الكنبوري بأن "القضية التي يمكن أن تطرح غداً هي الشكل التنظيمي الذي ستأخذه الجماعة، فهي لا تريد أن تكرر تجربة العدالة والتنمية بالدخول في حزب قائم، لكن الدستور ينص على عدم تأسيس أحزاب بمرجعية دينية أو إثنية، وسيكون هذا نقطة الخلاف بينها وبين الدولة التي قد تضطر إلى تعديل الدستور مثلاً، لكن تعديل الدستور في هذه النقطة سيؤدي إلى مشكلة أخرى، وهي مطالبة الأمازيغ مثلاً بإنشاء حزب أمازيغي، وهو ما ترفضه الدولة".
لا تغيير في الخط السياسي
بالمقابل يؤكد القيادي في جماعة العدل والإحسان عمر إحرشان، أن "لا شيء يوحي بأن هناك تغيرات في الخط السياسي للجماعة، سواء من حيث محتوى الوثيقة أو سياق الإصدار، أو الوقائع المرتبطة بالجماعة أو بالسلطة الحاكمة"، مستدركاً بأن "الجماعة لا تصادر حق كل محلل أو فاعل في استنتاجاته وتترك صوابها من خطئها للزمن، لأنه الكفيل بتأكيد ذلك".
واستطرد إحرشان شارحاً بأن "الوثيقة السياسية هي تطور طبيعي للعدل والإحسان يتناسب مع توسعها التنظيمي وحجم حضورها المجتمعي وتطور علاقاتها ببقية الفاعلين، وهي محاولة لمزيد من التوضيح والتفصيل لمواقفها ورؤاها حول القضايا السياسية التي تشغل بال الرأي العام".
ووفق القيادي ذاته فإن "إصدار الوثيقة يعد محاولة أخرى من جماعة العدل والإحسان لإحداث دينامية في المشهد السياسي الذي صار يتسم بالجمود والتراجع للفاعلين السياسيين في مقابل تغول السلطوية التي صارت تحتل كل المساحات في الفضاء العمومي، وهو ما ترى فيه الجماعة تجريفاً للسياسة ينعكس سلباً على دور الشعب في المتابعة والمحاسبة لكل من يتحمل مسؤولية عمومية".
وزاد إحرشان بأنه "لا يمكن القول إن هناك إمكاناً بأن تشارك الجماعة في ما يسمى (اللعبة السياسية) مستقبلاً، لأنها موجودة وسط المشهد وفي نواته الصلبة كفاعل مؤثر"، مردفاً بأن "العدل والإحسان فاعل مؤثر في النسق السياسي الرسمي بشكل غير مباشر، حيث تكون حاضرة في مجموعة من القرارات والسياسات العمومية التي تقدم عليها السلطات الحاكمة".
وبخصوص سيناريو دخول "الجماعة" في "اللعبة السياسية" بشروطها الحالية، يؤكد إحرشان أن ذلك غير وارد، لأن القبول به هو بمثابة الخضوع والإذعان لسياسات مملاة من طرف "نواة الدولة"، وهذا ما ترفضه الوثيقة وتطرح مقترحات لتجاوزه، حيث "الاستفراد بالسلطة هو سبب الوضع الكارثي الذي يعيشه المغرب"، وفق تعبيره.
وخلص المتحدث إلى أن "ما ميز هذه الوثيقة هو المزاوجة بين التشخيص والاقتراح، وبين التحليل وإبراز مواقف الجماعة، وبين الآني والمرحلي والاستراتيجي، والتكامل بين المقترحات في مختلف المجالات"، متابعاً بأن "الوثيقة السياسية استطاعت إعادة النقاش العمومي لسكته الحقيقية بمناقشة القضايا الأساسية المرتبطة بالمغرب وسبل التغيير".