دائماً ما يظهر على الواجهة اسم "مخيم الهول"، وهو المعسكر الذي يأوي عائلات تنظيم "داعش"، ويعود المخيم إلى جدول الأعمال بين حين وآخر بسبب الحوادث التي تحصل داخله، وعلى سبيل المثال لا الحصر قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في الـ 20 من يناير (كانون الثاني) 2024 ما نصه: "هناك عدد من التنظيمات الإرهابية في سوريا لكن آلافاً من عناصر ’داعش‘ في معسكر الهول والسجون القريبة من الحدود العراقية، وإذا أطلق سراحهم أو تمكنوا من الفرار فلا شك في أن كثيراً منهم سيعبرون الحدود العراقية ويعملون ضد أمن واستقرار البلاد".
وسبق ذلك تصريحات لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في يونيو (حزيران) عام 2023 قال فيها إنه "من الخطر للغاية أن يبقى مخيم الهول على هذه الحال في وقت يهدد التنظيم الإرهابي العالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الـ 28 من ديسمبر (كانون الأول) 2023 قتلت الوحدات الكردية داخل مخيم الهول أحد أبرز المسلحين في قيادة تنظيم "داعش"، وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية فإن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقوات من التحالف الدولي داهمت خيمة كان يحتمي بها المدعو أبو عبيدة العراقي، وهو من أعطى أوامر بذبح عدد من الرجال والنساء الذين يعيشون في المخيم، وهو أيضاً المتهم بالتخطيط للهجمات التي تعرضت لها حواجز القوات الكردية في المنطقة، وهذه الحال ليست الأولى في المخيم، فبحسب سجلات الأمم المتحدة لقي 40 شخصاً حتفهم نتيجة أعمال الشغب والفوضى الكبيرة التي اندلعت عام 2022، ولتوضيح هذه القضية أكثر يجب أولاً أن نجيب عن الأسئلة التالية:
ما هو مخيم الهول وأين يقع؟
يقع المخيم في بلدة الهول التي تتمتع بموقع مهم، إذ يمر شمالها الطريق السريع الذي يربط مدينة القامشلي مركز محافظة الحسكة بالحدود العراقية، واستولى تنظيم "داعش" على بلدة الهول وأصبحت واحدة من أهم معاقله قبل أن تتمكن القوات الكردية بدعم أميركي من استعادتها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وفي السادس من يوليو (تموز) 2023 وصف مركز أبحاث الشرق الأوسط بلدة الهول بأنها حضانة "داعش".
كم عدد الأشخاص الذين يعيشون في المخيم وما جنسياتهم؟
أنشئ مخيم "الهول" للمرة الأولى عام 1991 واستقبل لاجئين عراقيين بعد حرب الخليج، وبعد الأحداث في سوريا بدأ يؤوي نازحين سوريين، وفي عام 2016 خلال معارك الموصل استقبل المخيم من جديد لاجئين عراقيين، ثم احتجز فيه أطفال وأزواج عناصر تنظيم "داعش"، لكن بعد حدوث كثير من المشكلات جرى إنشاء قسم خاص لنساء وأطفال عناصر "داعش"، إذ تحتجز القوات الكردية نحو 10 آلاف من عناصر التنظيم في أكثر من 20 مركز اعتقال شمال شرقي سوريا.
مجتمع "الهول"
يعيش في المخيم ما يقارب 50 ألف سوري وعراقي، وهو مليء بالخيم ومحاط بالأسلاك الشائكة، وأكثر من 40 في المئة من قاطنيه من الأطفال، وفي القسم المستحدث بالمخيم هناك 8 آلاف طفل من أولاد عناصر "داعش"، ونحو 2000 امرأة من زوجات عناصر التنظيم، وهؤلاء لا يزالون حتى اليوم من أنصاره وينتمون لعدد من الدول حول العالم.
ونتيجة للعميات العسكرية التركية بمنطقتي "عين عيسى" و"تل أبيض" في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 نُقل نحو 3 آلاف من عائلات عناصر "داعش" من مخيم عين عيسى إلى مخيم الهول مما تسبب بازدياد الكثافة داخل المخيم ليرتفع بذلك إجمال عدد قاطنيه إلى نحو 65 ألف نسمة عام 2019، ومع مرور الوقت انخفضت الكثافة لتصل اليوم إلى ما بين 48 و 49 ألف شخص.
ويحوي المخيم ستة أقسام يقيم اللاجئون العراقيون في ثلاثة منها، وهناك قسمان للنازحين السوريين، والقسم السادس خاص بعائلات عناصر تنظيم "داعش" ويسمى "قسم الأجانب"، أما اللاجئون العراقيون فيشكلون النسبة الأكبر من سكان المخيم بعدد يتجاوز 24 ألف شخص وجميعهم عائلات.
وهناك عدد من الدول التي لا تسأل حتى عن مصير مواطنيها الذين لا يزالون أعضاء في "داعش"، كما أن هناك دولاً تجردهم من الجنسية وتخلي نفسها من المسؤولية، وعلى سبيل المثال يتباطأ العراق في استعادة مواطنيه من مخيم الهول، كما أن بعض الدول العربية مثل تونس التي انضم عدد كبير من مواطنيها إلى "داعش" تتجنب التعاون مع إدارة قوات سوريا الديمقراطية بسبب علاقاتها مع حكومة دمشق، وحتى الآن لم تأخذ سوى 36 دولة جزءاً صغيراً من مواطنيها من المخيم الذي يستضيف مواطني 60 دولة.
ويمكن إدراج الدول التي استقبلت مواطنيها الذين كانوا مسلحين أو متشددين بعد عام 2019 على النحو الآتي:
أعادت فرنسا 15 امرأة مع أطفالهن الـ40 إلى البلاد، كما نُقل 80 طفلاً من عائلات "داعش" معظمهم أيتام من سوريا إلى فرنسا وروسيا.
جرى الحكم على الجندية الإيرلندية السابقة ليزا سميث التي انضمت إلى تنظيم "داعش" بالسجن في بلادها.
أعادت أستراليا 4 نساء و13 طفلاً من عائلات مقاتلي "داعش" من سوريا.
توجه مسؤولون من ألمانيا وهولندا وكندا وأستراليا إلى المنطقة واستقبلوا العشرات من النساء والأطفال من مواطني بلدانهم، كما أعيدت عشرات العائلات السورية والعراقية.
في عام 2018 استقبلت تونس فقط امرأة واحدة وطفلاً واحداً من مخيم الهول، وأخذت كازاخستان وقيرغيزستان وكوسوفو وأوزبكستان عدداً محدوداً من مواطنيها المحتجزين.
دويلة "داعش"
من المعروف أن رجالاً مسؤولين عن "داعش" من الخارج تسللوا إلى قسم المخيم المخصص لمسلحي التنظيم وعائلاتهم، ووردت معلومات تفيد بأن هذا القسم حُول إلى مركز تدريب وتنظيم لـ"داعش"، إذ يقوم قادته بالتعاون مع المقاتلات المواليات للتنظيم بوضع خطط وتنفيذ برامج يومية ويقدمن محاضرات تعليمية خلال لقاءات حوارية حول تربية "أشبال الخلافة"، وندوات دينية تتماشى مع فكر "داعش" والتدريب العسكري والسياسي والأيديولوجي، والمسؤولون عن هذه الفعاليات على اتصال دائم مع الخلايا التنظيمية لـ "داعش" في الخارج، وفي هذا الإطار تعمل نساء "داعش" على استخدام المخيم كمنطقة لإعادة التنظيم، ويحاولن تربية أطفالهن بما يتماشى مع تعاليم التنظيم وممارساته.
وعلى رغم الرقابة الصارمة إلا أنه يمكنهم جلب بعض معدات الاتصالات سراً من الخارج، وبفضل الهيكل التنظيمي لـ"داعش" يحدث التدريب عملياً من دون سلاح عبر تمارين بدنية مختلفة في المجال المفتوح، وإضافة إلى التدريب على أسلوب الحركات الثقافية والجسدية يكرر المسلحون تجاربهم القديمة في تقنيات التمويه والإخفاء، وبهذه الطريقة يكتسبون خبرة في الاختباء أثناء عمليات التفتيش والمسح ضمن نطاق التفتيش داخل المعسكرات، وإخفاء الأطفال ومراقبة السجناء في الخيم وإخفاء القواطع والأسلحة النارية المخبأة بداخلها.
وتقول مسؤولة قسم النظام العام للمرأة في الحركة الكردية في المنطقة نالين عبدالقادر إنه "قبض على نحو 125 عنصراً مشتبهاً فيه بالانتماء لتنظيم ’داعش‘ واستخدمت نحو 116 خيمة تدريب للتنظيم داخل المخيم".
أما الصحافي في جريدة "حرييت" التركية فاتح تشيكيرجي فيصف وضع المخيم بهذه الكلمات، "قام مقاتلو ’داعش‘ في مخيم الهول الواقع تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني (وحدات حماية الشعب) المدعوم من الولايات المتحدة بتحويل المخيم إلى مركز تدريب مستقل، إذ يخضع أكثر من 20 ألف طفل لتعاليم هذه المنظمة الإرهابية، فهذه المعسكرات التي كان من المفترض أن يتم إنشاؤها لاعتقال ’داعش‘ أصبحت القاعدة السرية للتنظيم".
ويضيف تشيكيرجي، "لقد تولد لدي انطباع بأن النساء والأطفال المسلحين في المخيم ينتمون إلى ’داعش‘ إذ إن بعض النساء المحجبات في المخيم يعبرن علناً عن آرائهن المطلقة في ما يخص التنظيم، فتقول إحداهن ’نعتقد أن إخواننا سينتصرون يوماً ما وسيعودون لإنقاذنا وإقامة دولة إسلامية من جديد، ونريد وندعم أن يتدرب أطفالنا على أن يتربوا على فكر التنظيم وأن يصبحوا جهاديين، ونحن نغرس في أطفالنا أنه عندما تكبرون ستصبحون جهاديين للانتقام لمقتل آبائكم‘ وهناك أيضاً ترى الطفل الذي يقود مجموعة من أقرانه يلقب بالأمير".
والأطفال الذين يقفون أمام الخيمة يهددون بقتل من ليسوا منهم، وبخاصة الزوار الأجانب ويرشقونهم الحجارة، كما ظهرت في إحدى الصور امرأة تهدد مصوراً بسكين كانت تخفيها.
كيف يسيطر التنظيم؟
الأداة الرئيسة للهيمنة داخل المخيم هي منظمة تسمى "الحسبة"، وتتألف من نساء مسؤولات متشددات ويعملن كـ "شرطة أخلاق"، وفي هذا السياق تقول المديرة المدنية لمخيم الهول جيهان حنان، "لا تزال ارتباطات تنظيم ’داعش‘ وبنيته التنظيمية مع عائلاته داخل المخيم بمستوى لا يمكن الاستهانة به، لأن برنامج إعادة التأهيل الذي قمنا بتنفيذها في بيئة الصراع الحالية لم تكن مرضية".
وانطلاقاً من الأبحاث التي أجراها محققو جرائم القتل والخبراء المماثلون يطبق تنظيم "داعش" قواعد القضاء والعقاب الخاصة به على سكان المخيم من خلال هيكل "الحسبة"، إذ تعمل الحسبة سراً كجزء من الشبكة التنظيمية في "مدينة الخيم"، ويمكن لنساء الحسبة وغيرهن من المسؤولين الذكور التواصل ومحاسبة أي شخص ينتهك القواعد والأنظمة الدينية والسياسية والعقائدية التي وضعها "داعش"، فعلى سبيل المثال يمنع وجود الرجال والنساء معاً أو الاستماع إلى الموسيقى أو التعاون مع إدارة المخيم أو الاتصال بمنظمات المساعدة الدولية أو إرسال الأطفال إلى المدارس العادية والمؤسسات التعليمية.
ويستطيع تنظيم "الحسبة" الذي يشرف على المحاكم الشرعية المنشأة لإصدار الأحكام العقابية، إذا لزم الأمر، أن يقطع من تثبت إدانته بسكين أو يحبسه لمدة معينة من خلال تقييد يديه ورجليه، وفي بعض الأحيان يطبق العنف الجسدي أو التعذيب على الشخص المتهم.
أما النساء اللاتي يرغبن في مغادرة "داعش" أو اللاتي لا يرغبن في تربية أطفالهن وفقاً لقواعد التنظيم، أو اللاتي لا يرغبن في ارتداء النقاب الأسود، فيتعرضن للتهديد من قبل "الحسبة"، وقد هوجم عدد من النساء لهذا السبب وأحرقت خيمهن أو قتلن.
وتقول منظمة "أطباء بلا حدود" إنه "إضافة إلى جرائم القتل لوحظت انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان والسلوك العنيف في المخيم، حيث ينتشر العنف في الحياة اليومية ويحرم الموجودون من حقوقهم الإنسانية الأساس، والسياسات المطبقة ضد الإرهاب تحكم على آلاف المدنيين بالتعرض لدوامة من الاحتجاز في المعسكرات والخطر وانعدام الأمن.
وفي هذا الصدد فإن الدول التي لا تحمي مواطنيها في المخيمات مسؤولة أيضاً عن هذا الوضع السيئ، ولقد ارتكبت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة خطأً عندما تركت إدارة وعبء المخيم بالكامل في أيدي الأكراد السوريين المحليين، وارتكب عدد من جرائم القتل في مخيم الهول منذ عام 2019 وحتى الوقت الحاضر، وبحسب البيانات التي قدمتها إدارة المخيم فقد قتل داخله 178 شخصاً خلال الفترة بين عامي 2019 و2022، وعلى رغم العمليات التي طورتها قوى الأمن الداخلي التابعة لإدارة "قسد" إلا أن العشرات من الأشخاص الذين لم يقبلوا العيش وفق التعاليم الإرهابية في المخيم وأرادوا الابتعاد من العصابات قتلوا على يد عناصر تنظيم "داعش" باستخدام وسائل عدة منها الأسلحة النارية، وأدوات أخرى مثل الحبال وأسلاك الخنق.
وبحسب وسائل إعلام مقربة من "قسد" فقد نفذت عشرات العمليات داخل مخيم الهول، ففي عام 2021 ألقي القبض على ما يقارب 300 شخص من أعضاء "داعش" منهم ضباط كبار في التنظيم، وفي أغسطس (آب) 2022 ألقي القبض على 226 شخصاً بينهم 36 امرأة تورطوا في جرائم القتل والتهديد، وأنقذت أربع نساء قُيدن وتعرضن للتعذيب الوحشي على أيدي نساء "داعش".
وفي مارس 2023 أنقذت امرأتان إيزيديتان عراقيتان وهما فيفا (17 سنة) وسوزان (26 سنة)، كانتا محتجزتين لأعوام داخل المخيم.
نقلاً عن "اندبندنت التركية"