Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرانسواز ساغان الأوفر حظا من انفتاح هوليوود على الأدباء الفرنسيين

وصاحبة "صباح الخير أيها الحزن" تقارن بحدة بين أفلامها الأميركية واهتمام السينما بها

لقطة من فيلم أناتولي ليتفاك "هل تحبين برامز؟" (موقع الفيلم)

ملخص

اندفع وكلاء الاستوديوهات الأميركية يترصدون كل ما تكتبه ساغان وتنشره

لأسباب تتعلق بصورة عامة بغياب الإنتاج السينمائي الأميركي الجديد عن معظم أنحاء القارة الأوروبية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، كان من الطبيعي في ظل الانفتاح الأوروبي المدهش على "العالم الخارجي" ما إن انتهت الحرب وبدأت إعادة إعمار ما خربته هذه في أوروبا، أن تشمل تلك الإعادة، العلاقات الثقافية بين العالمين القديم والجديد، ومن ضمن ذلك اكتشاف هوليوود إمكانات هائلة يحملها الأدب الروائي الفرنسي غالباً كخلفية ومنبع لمواضيع سينمائية، علماً أن هوليوود كانت قد بدأت، منذ سنوات ما قبل تلك الحرب، تبحث عن مواضيع لها تكون أكثر جدية ومن ثم تستعين بالكتاب الأميركيين يمدون عاصمة السينما بمواضيع وأفكار. ومن هنا كان من الطبيعي أن يتطلع "كشافو" المواهب العاملون في خدمة هوليوود إلى أوروبا سعياً إلى تعزيز ذلك "التبادل الأدبي السينمائي". ونعرف أن فرانسواز ساغان التي بدت منذ البداية "ظاهرة" أكثر منها أديبة لتتحول لاحقاً إلى أديبة أكثر منها ظاهرة، ستكون طوال العقد التالي لسنوات ما بعد الحرب، الكاتبة الفرنسية، بل الأوروبية، الأكثر حظوة لدى الهوليووديين، وليس لأسباب محض أدبية وفكرية بالتأكيد، بل انطلاقاً من الظاهرة التي انطلقت منها وجعلتها نجمة أدب ونجمة مجتمع قبل أن تتحول إلى نجمة سينما، ولكن ليس كممثلة بالطبع بل بوصفها صاحبة روايات "وجودية" (أي على الموضة بالتالي) جريئة من النمط الذي يلائم هوليوود.

 

هوليوود تكتشف الكاتبة الوجودية

وهكذا اندفع وكلاء الاستوديوهات الأميركية يترصدون كل ما تكتبه ساغان وتنشره، يوقعون العقود معها أولاً بصدد كتبها التي باتت في ذلك الحين على كل شفة ولسان ومترجمة إلى لغات عديدة وتنتشر بين المراهقين والمراهقات، بل يكتب كثر من المبدعين الشبان والأقل شباباً، روايات على نمطها بل أحياناً سيناريوهات سينمائية تحاكي مواضيعها حرفياً، كما فعل، على سبيل المثال، المصري إحسان عبدالقدوس الذي ليس من الصعب علينا أن نرصد مواضيعه وأفكاره بل حتى حواراته نفسها معربة وممصرة في روايات له مثل "لا أنام" و"أنا حرة" و"الوسادة الخالية"، وحقق معظمها صلاح أبو سيف عن سيناريوهات كتبها نجيب محفوظ واعتبرت في حينه ثورة في السينما العربية!

والحقيقة أن هذا البعد الاجتماعي الترويجي كان هو في خلفية اهتمام هوليوود بفرانسواز ساغان إلى حد إنتاج عدد لا بأس به من تلك الروايات الموجودة بالفعل، ناهيك بشراء روايات لساغان من قبل ظهورها، مما جعل الكاتبة الشابة تندفع، بدورها، في خوض لغة سينمائية في روايات مرحلتها المتأخرة. وكانت النتيجة أن الكاتبة راحت تعتبر، بالنسبة إلى الأميركيين وغير الأميركيين "كاتبة سيناريو بامتياز". لكننا نعرف أن ذلك لم يدم سوى الفترة التي كانت فيها ساغان تصل إلى ذروة مكانتها النجومية - الاجتماعية. وهكذا، ما إن انتهت حقبة سنوات الـ60 حتى بدأت مرحلة رسم جردة حساب لمكانة ساغان السينمائية. ولقد كانت واحدة من أبرز الجردات تلك التي وضعتها ساغان بنفسها ولكن في مرحلة متأخرة جداً كان اهتمام هوليوود بها قد تبخر تدريجاً.

كارثة في "كان"

ففي حوار أتى ضمن ملف "شامل" أصدرته مجلة "سينماتوغراف" الفرنسية حول العلاقة بين السينما والرواية، وبعد أن تحدثت المجلة عن عدد قليل من أفلام فرنسية اقتبسها عن روايات للكاتبة سينمائيون فرنسيون من طينة كلود شابرول الذي كان الأول من بين الفرنسيين الذي "اكتشف" مواهب ساغان السينمائية، فكلفها بكتابة سيناريو عن حياة الكاتبة جورج ساند لينتهي المشروع إلى كتابتها سيناريو لفيلمه "لاندرو"، وكانت المرحلة التالية من مراحل تدخلها السينمائي على أية حال، مرحلة اختيار مهرجان كانت لها رئيسة للجنة التحكيم، وهنا، ما إن انتهى المهرجان حتى نشرت نصاً اعتبر "فضائحياً" كشفت فيه عن كواليس وخفايا الخلفيات "غير النزيهة" التي تتحكم باختيارات المحكمين، لكن هذا ليس موضوعنا هنا.

موضوعنا، طبعاً، هو ما قالته بنفسها لاحقاً عن السينما الأميركية وكيف عبرت عن رواياتها. وهكذا تروي ساغان في التحقيق الحواري الذي أشرنا إليه، كيف أن هوليوود بادرت "إلى الارتماء عليَّ لكي أخصها برواياتي وكانت البداية مع (صباح الخير أيها الحزن) و(ابتسامة ما...). والحقيقة أنني ذهلت حين شاهدت كلاً من هذين الفيلمين الهوليووديين، ولا سيما ثانيهما، الذي كدت أبكي وأنا أشاهد على الشاشة ما بقي من روايتي. وأحزنني أن أرى كاترين كارير تنظر إلى الشاشة بكل قرف وتشف. ولكن أفرحني وعوض لي أن أرى الفنان الإيطالي روزانو برازي، في اليوم التالي، واقفاً على الشاطئ وسط المشاركين في المهرجان الذي عرض الفيلم وهو يشتم هوليوود التي، في رأيه (دمرت الرواية!)".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا السياق، قالت ساغان إنها دائماً ما تعتبر اقتباس المخرج أناتول ليتفاك روايتها "هل تحبين برامز؟" أفضل ما اقتبسته هوليوود عن نص لها. "وهذا ما جعلني أرتبط بصداقة مع ليتفاك. وعلى العكس من ذلك، كانت حالي مع جان نيغوليسكو، الهوليوودي، بدوره، والذي قبل شروعه في تحقيق فيلم (ابتسامة ما...)، وتوقيعي العقد مع الشركة الهوليوودية المنتجة، جاءني وراح، من دون مقدمات، يحكي لي قصة فيلمه بتفاصيل التفاصيل ما اضطرني، خلال الجلسة، إلى أن أذكره، مرات ومرات، بأنني أنا نفسي كاتبة الرواية، لكنه بدا غير عابئ بما في كلامي من طرافة، بل واصل حكاية ما فهمه من روايتي من دون توقف. في المقابل، لا بد من الاعتراف بأن ليتفاك، وهو بدوره هوليوودي على أية حال، خلال عمله على (هل تحبين برامز؟)، كان لا يتوانى عن سؤالي حول تفاصيل تتعلق بالرواية. كان يستشيرني وغالباً يفعل ما أنصحه به".

فيلم يتحسن تدريجاً

وهنا إذ يسألها محاورها "بعد كل هذه السنوات، هل تعتقدين حقاً أن فيلم نيغوليسكو كان على هذا السوء؟" تفكر ساغان قليلاً قبل أن تجيب "الحقيقة أنني، منذ شاهدت الفيلم للمرة الأولى وكرهت السينما من خلاله، شاهدته مرات عديدة لاحقاً، وأشعر، في كل مرة، أنه يتحسن وربما بفضل أداء ديفيد نيفن فيه". ومهما يكن من أمر هنا ستخلص ساغان من هذا كله إلى أن التجربة الحسية علمتها أن السينمائيين الفرنسيين كانوا أكثر قدرة على التعامل مع رواياتها، وأن أفلمة تلك الروايات من قبل الأميركيين كانت مجرد شمس خادعة. وهي لكي تدعم هذا الرأي الذي لن تتأكد منه إلا في مرحلة متأخرة، ذكرت سائلها بتعاونه السابق الذكر مع شابرول، كما بتعاونها الناجح إلى حد كبير مع آلان كافالييه في "دقات القلب" الذي كان اقتباساً قامت به بنفسها لواحدة من أفضل رواياتها المتأخرة، والذي تعتبره، مع أفلمة جاك ديري لـ"شيء من الشمس في الماء البارد"، و"الذي لم أشتغل عليه اقتباساً ومع ذلك أعتبره" فيلماً مميزاً.

في السياق نفسه، تذكر فرانسواز ساغان تجربتها الناجحة مع روجر فاديم في أفلمة روايتها "قصر في السويد"، لكنها، في المقابل، تبدي أسفها بل حزنها لعدم تحقق المشروع الذي كانت تتوخى أن يجمعها بجول داسين من خلال أفلمة روايتها: "في شهر... في سنة"، لكن المشروع لم يتحقق تماماً كما حال مشاريع تتعلق بروايات أخرى تبدو أصلاً وكأنها كتبتها، والاقتباس السينمائي في بالها، مثل "السرير غير المرتب" و"المرأة المتبرجة" و"عاصفة ساكنة"، وهذا الأخير نص يبدو منسياً تماماً، اليوم، وتدور أحداثه في القرن الـ19، وتمتزج فيه الرومنطيقية القصوى بأعلى درجات العنف.

في النهاية، كان لا بد أن يكون ثمة في الحوار سؤال أخير يتعلق بالموجة الجديدة في السينما الفرنسية والتي ظهرت وقت ظهور "ظاهرة فرانسواز ساغان" فماذا كان رأيها فيها؟ "ببساطة، أحببت منها سينما كلود شابرول. وأعتبر فرانسوا تروفو أديباً سينمائياً كبيراً من دون منازع. أما غودار فأرى أن ثمة في أفلام له مثل (الجندي الصغير)، و(على آخر رمق) و(بيارو المجنون)، أشياء مهمة بل رائعة، لكني أتردد دائماً أمام سينماه، فأنا لا أحب السينمائي الذي يقول لنا: انتبهوا إنني أصور فيلماً! وفي المقابل، أحب فيلم آلان رينيه (هيروشيما يا حبي)، أما فيلمه الكبير الآخر (العام الماضي في مارينباد)، فإنني سرعان ما أنام في كل مرة أحاول فيها مشاهدته".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة